السبت 04 أيار 2024 الموافق لـ 24 شوال 1445هـ

» مفاهيــــم إســـلامــية

أطيعوا الله


بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيماً﴾1

من الحقوق الإلهيّة الواجبة على البشر تجاه الخالق عزّ وجلّ، والتي تتجلّى عظمتها من كونه سبحانه وتعالى المنعم الأعظم على الإنسان، فضلًا عن أنّه خالقه وموجده، والذي وهبه الكثير من النِّعَم ما يعجز عن وصفه وتعداده، ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾2.

هو حق طاعة الله سبحانه وتعالى فيما أمره به ونهاه عنه.

فالطاعة هي: الخضوع لله عزّ وجلّ وامتثال جميع أوامره ونواهيه.

والطاعة لله تعالى من الأمور الموجبة لسعادة الإنسان، وفوزه بشرف الدنيا والآخرة كما أشارت إلى ذلك الآيات الكريمة والروايات الشريفة.

قال تعالى: ﴿..وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيماً﴾3

وقال الإمام الحسن بن علي (عليهما السلام): "وإذا أردت عزاً بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فاخرج من ذلّ معصية الله إلى عِزّ طاعة الله عزّ وجلّ". 4

الحاجة الى الطاعة

ليس الأمر بالطاعة ناشئًا من حاجة الله تعالى إليها، بل هي بلا شك حاجة للخلق، والبشر هم المحتاجون إلى طاعة الله تعالى وهو الغني المطلق الذي لا يحتاج إلى شيء.

قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾5

ومنافع الطاعة تعود إلى الناس وأضرار المعصية تعود عليهم، وليس من نفعٍ ولا ضرر يصل إلى الله تعالى كما هو صريح القرآن الكريم والأحاديث والعقيدة الحقّة.

يقول أمير المؤمنين(عليه السلام): "لم تخلق الخلق لوحشة ولا استعملتهم لمنفعة ولا ينقص سلطانك من عصاك ولا يزيد في ملكك من أطاعك".6

وقال (عليه السلام): "خلق الخلق حين خلقهم غنيًا عن طاعتهم، آمنًا من معصيتهم، لأنّه لا تضرّه معصية من عصاه، ولا تنفعه طاعة من أطاعه"7.

وكما أنّ الله تعالى له حق الطاعة باعتباره الخالق والمدبّر للإنسان وبيده أموره كافة، كذلك هي حق من أمر الله عز وجل بطاعته وهم الرسول والأئمة والفقهاء.

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾8
 
التسليم والقصور في الطاعة

إنّ تربية الإنسان لنفسه على طاعة الله تعالى أمر في غاية الأهمية إذ أنّه يوجب العز في الدنيا والآخرة ويورث الطمأنينة والسعادة، فالدنيا دار التكليف التي يجب أن يلتزم فيها الإنسان بأمر من الله عز وجل ونواهيه وأما الآخرة فهي دار جزاء.

وهذه الطاعة تقوم بركنين أساسيّين، الابتعاد عن المحرّمات والعمل بالواجبات وفي الحديث عن النبي(صلى الله عليه وآله): "أصل الدين الورع، ورأسه الطاعة".9

وأمّا هذه التربية النفسية ينبغي الالتفات إلى أمورٍ هامّة وهي:

الأول: أن يتذكر الإنسان هول المصير الذي ينتظر العاصي لأوامر الله عز وجل ليرتدع عن مخالفة التكليف الإلهيّ، فعن الأمير المؤمنين (عليه السلام) قال: "لو قد عاينتم ما قد عاين من مات منكم لجزعتم ووهلتم، وسمعتم وأطعتم"10.

الثاني: التسليم المطلق لله تعالى في كل ما أمر به واعتباره حسنًا، وكذلك في كل ما نهى عنه واعتباره قبيحًا، ولذا علينا التسليم بأي تكليف إلهي، سواء علمنا المصلحة منه أم لم نعلم، بل أكثر من ذلك علينا الاعتراف بعجزنا عن معرفة المصالح التي أرادها الله عز وجل لعبادة في أوامره. والمفاسد التي أراد إبعادهم عنها في نواهيه.

يقول أمير المؤمنين(عليه السلام): "ولكنّ الله سبحانه يبتلى خلقه ببعض ما يجهلون أصله، تمييزًا بالاختبار لهم ونفيًا للاستكبار عنهم، وإبعادًا للخيلاء منهم".11

الثالث: إنّ الإنسان لو تأمّل قليلًا بما أعطاه الله إياه وفضّله فيه على جميع مخلوقاته لعلم بأنّه مهما قدّم من طاعة لله ومهما بلغت هذه الطاعة من درجات فإنّه يبقي قاصرًا ومقصّراً تجاه هذا الخالق المنعم؛ ولهذا ورد عن الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) في دعائه في الاستقالة والتضرّع في طلب العفو: "يا إلهي، لو بكيت إليك حتى تسقط أشفار عيني، وانتحبت حتى ينقطع صوتي، وقمت لك حتى تنتشر(تنتفخ) قدماي, وركعت لك حتى ينخلع صلبي، وسجدت لك حتى تتفقّأ حدقتاي وأكلت تراب الأرض طول عمري، وشربت ماء الورد آخر دهري، وذكرتك في خلال ذلك حتى يكلّ لساني، ثمّ لم أرفع طرفي إلى آفاق السماء استحياءً منك، ما استوجبت بذلك محو سيئةٍ واحد من سيئاتي".

ولعلّ هذا النصّ الشريف يبيّن لنا الكثير من الغوا مض التي قد تكون مستورة أو غائبة عن أذهاننا، والتي تكشف عن أسباب وضرورة الطاعة، وحاجة الإنسان إليها ومدى آثارها العظيمة ومنافعها على الإنسان الفقير الى الله تعالى.
وعن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: "لو أنّ رجلًا جرى على وجهه من يوم ولد الى يوم يموت هرماً في طاعة الله عز وجل، لحقر ذلك يوم القيامة، ولود أنّه يرد الى الدنيا، كيما يزداد من الأجر والثواب".12
 
طاعة الله من علامات الشيعة

هناك الكثير من الفوائد الجليلة والآثار الكبيرة المترتبة على الارتباط باْهل البيت (عليهم السلام) ومن ذلك معرفة الله تعالى، وعبادته وطاعته... كيف لا وهُم باب الله تعالى الذي يؤتي منه، وهم الأدلّاء عليه، وبهم يعرف الإنسان ربه ويهتدي إليه، ومن هنا كانت تربيتهم للشيعة على ضرورة طاعة الله تعالى، لتكون هذه الطاعة حقيقة التشيّع وعلامات الشيعة وصفاتهم.

وفي الحديث عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: "يا جابر أيكتفي من ينتحل التشيّع أن يقول بحبنا أهل البيت، فوالله ما شيعتنا إلّا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يُعرفون يا جابر إلّا بالتواضع، والتخشّع والأمانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبر بالوالدين والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكفّ الألسن عن الناس إلّا من خير وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء. قال جابر: فقلت: يا ابن رسول الله ما نعرف اليوم أحدًا بهذه الصفة فقال: يا جابر لا تذهبن بك المذاهب حسب الرجل أن يقول أحب علياً وأتولّاه ثمّ لا يكون ذلك فعّالًا؟ فلو قال: إنّي أحبّ رسول الله فرسول الله (صلى الله عليه وآله) خيرٌ من علي(عليه السلام) ثمّ لا يتبع سيرته ولا يعمل بسنّته ما نفعه حبّه إيّاه شيئًا فاتقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحدٍ قرابة، أحبّ العباد إلى الله عز وجل (وأكرمهم عليه) أتقاهم وأعملهم بطاعته، يا جابر والله ما يتقرّب إلى الله تبارك وتعالى إلّا بالطاعة وما معنا براءة من النار ولا على الله لأحدٍ من حجّة، من كان لله مطيعًا فهو لنا ولي ومن كان لله عاصيًا فهو لنا عدو، وما تنال ولايتنا إلّا بالعمل والورع"13.
 
آثار الطاعة وثمارها

تظهر آثار طاعة الله تعالى في شخصية الإنسان، وتنعكس على أعماله في هذه الدنيا، وفي المجتمع الذي يعيش فيه، فضلًا عن الثواب الأخرويّ والنجاة من العذاب الأبديّ ومن هذه الآثار والثمار:

1.     دخول الجنة: قال تعالى: ﴿...وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم﴾.14
2.     رحمة الله: ففي الحديث: "أجدر الناس برحمة الله أقومهم بالطاعة".15
3.     إطفاء الغضب الإلهيّ: في الحديث: "الطاعة تطفئ غضب الرب".16
4.     الصلاح والسداد: في الحديث: "طاعة الله مفتاح كلّ سداد وصلاح كل فساد"17
5.     الراحة النفسية في العلاقة مع الناس: في الحديث عن الإمام الهادي(عليه السلام): "من أطاع الله لم يبالِ بسخط المخلوق".18

هذه الآثار التي ذكرناها وغيرها الكثير ممّا ورد في الروايات ينبغي أن تشكّل دافعًا قويًا للإنسان نحو طاعة الله تعالى، وعدم الركون إلى وساوس الشيطان الذي ليس له عمل في الدنيا إلّا أخذ المطيع نحو المعصية وإلقائه في التهلكة وهذا ما حذّرنا منه القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ...﴾.19

وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ...﴾. 20

فبالطاعة نغنم ونغتنم ونفوز ونسعد وندرك ما عند الله تعالى ونكتسب رضوانه عزّ وجلّ.
 
أفضل الطاعات وتجلياتها

قد يتوجه الإنسان الى فهم الطاعة لله تعالى بالمعنى الضيق حيث ينسبق الذهن إلى أنّ المراد من الطاعة هو مجرد القيام بالواجبات العبادية والابتعاد عن النواهي وهذا إن كان يشكل العامود الأساسي للطاعة والمدخل الطبيعي لتحصيل ونيل رضا الله تعالى ولكنّ الإسلام بما يحمله من أبعاد ذات علاقة بسعادة الإنسان والمجتمع البشري اعتبر أنّ طاعة الله تعالى ينبغي أن تنعكس على أفعال العباد مع بعضهم البعض، ولذلك لا يمكن لنا أن نتصور شخصًا مطيعًا لله تعالى وظالمًا لعباده في الوقت ذاته.

فالطاعة الحقيقية تتجلى وتظهر بثوبها الناصع في عناوين متعددة وكثيرة نذكرها بنحو الإجمال:
1. تهذيب النفس الإنسانية وترويضها على التقوى.
2. تهذيب الجوارح وجعلها مطيعة لله تعالى.
3. عدم ظلم الآخرين.
4. التحلّي بالمواصفات الأخلاقية والمناقب الإنسانية.
5. خدمة الناس وإغاثة الملهوفين.
6. قضاء حوائج المؤمنين.

وغيرها من القضايا التي توجب سعادة الدارَين، والفوز بالجنة ورضوان الله تعالى.

والحمد لله رب العالمين

* سماحة الشيخ خليل رزق

1- سورة الفتح؛ الآية 17
2- سورة لقمان؛ الآية 20
3- سورة الأحزاب؛ الآية 71
4- بحار الأنوار،ج44، ص 193.
5- سورة فاطر؛ الآية 15.
6- نهج البلاغة؛ الخطبة 109
7- المصدر نفسه؛ الخطبة 193
8- سورة النساء؛ الآية 59
9- بحار الأنوار, المجلسي, ص 86 ج 74
 10- نهج البلاغة, المحكة 19
11- المصدر نفسه, الخطبة 190
12- كنز العمل، المتقي الهندي,ج 15,ص788,ج43120
13- الكافي، الكليني، ج2، ص75.
14- سورة النساء، الآية:13.
15- ميزان الحكمة، الري شهري، ح11272
16- المصدر نفسه، ح11271
17- المصدر نفسه، ح11268
18- بحار الأنوار، المجلسي، ج100، ص26.
19- سورة الأعراف، الآية: 27.
20- سورة النور، الآية: 21.

2213 مشاهدة | 16-09-2014
جامعة المصطفى (ص) العالمية -فرع لبنان- ترحب بكم

مناقشة رسالة للطالبة آمنة فرحات

أشكال السنن وصِيَغها في القرآن الكريم

العدد 54-55 من مجلَّة الحياة الطيّبة

ندوة كاتب وكتاب: الله والكون برواية الفيزياء الحديثة

ندوة كاتب وكتاب: التاريخ السياسي والاجتماعي لشيعة لبنان

لقاء مع المربي العلامة الشيخ حبيب الكاظمي

زيارة للمجلس العلوي في منطقة جبل محسن

ورشة تقنيات قراءة في كتاب

ورشة تقنيات تدوين رؤوس الأقلام

ورشة أسس اختيار الموضوع ومعايير صياغة عنوان الرسالة

زيارة إلى ممثّليّة جامعة المصطفى (ص) في سوريا

زيارة إلى حوزة الإمام المنتظر (عج) في بعلبك

ندوة علميّة الذكاء الاصطناعي.. التقنيّات والتحدّيات

عزاء عن روح الشهيد جعفر سرحال

حفل توقيع في جناح جامعة المصطفى (ص) العالميّة

دورة في مخارج الحروف العربيّة

دورة إعداد خطيبة منبر حسيني

احتفال في ذكرى المولد الشريف

لقاء مع المستشار الثقافي لسفارة الجمهوريّة الإسلاميّة

وفد من حوزة الإمام الخميني (قده) يزور الجامعة

دعوة للمشاركة في مؤتمر الإمام الحسين (ع) والنهضة الفكريّة

صباحيّة قرآنيّة في حوزة السّيدة الزهراء (ع)

لقاء تعريفي مع طلاب حوزة أهل البيت (عليهم السلام)

زيارة المقامات الدينيّة وحوزة الامام الخميني (قده) في سوريا

دعوة للمشاركة في مؤتمر الإمام الحسين (ع) والنهضة الفكريّة

حفل تكريم سفير الجمهوريّة الإسلاميّة في لبنان

جلسة للجنة الفلسفة والكلام

مسابقة في حفظ أربعين حكمة للإمام علي (عليه السلام )

مناقشة بحث: الاجتهاد الفقهي بين روح الشريعة والمنهج المقاصدي.

المنهج التفسيري عند الإمام الخميني (قده)

الملتقى العلميّ السنوي الثاني للحوزات العلميَّة في لبنان

مناقشة بحث: أثر الزمان والمكان على موضوعات الأحكام

المسابقة العلميّة الثانية بين طلاب الحوزات العلميّة

صدور العدد (47) من مجلة الحياة الطيّبة