الأربعاء 24 نيسان 2024 الموافق لـ 14 شوال 1445هـ

» مفاهيــــم إســـلامــية

حقيقة الرزق

 

﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾[1].

تمهيد
من أهمّ الشؤون التي تشغل بال الإنسان، هي الرزق: كيف يستجلبه، وكيف يكون من نصيبه... وكثيرٌ من الناس يقع في دوّامة الشكّ والسخط أحيانًا؛ لأنّ رزقَه قليلٌ بزعمه، وهذه الشبهة في أغلب الأحيان، ناتجةٌ عن الجهل بحقيقة الرزق. فما هو الرزق؟ وما هي حقيقته؟

الرزق مادّيٌّ ومعنويٌّ
الرزق في اللغة: «الرزقُ يُقَالُ للعطاء الجاري تارةً، دنيويًّا كان أم أخرويًّا، وللنّصيب تارةً، ولِما يصل إلى الجوف ويتغذّى به تارةً»[2]. وفي القرآن، استُعمِلَ الرزقُ في الأبعاد المعنويّة، كقوله -تعالى-: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾[3]، باعتبار أنّه من الواضح أنّ رزق الشهداء في عالَم البرزخ هو من المواهب المعنويّة التي يصعب علينا إدراكها، وليس من الأمور المادّيّة التي نعتاش عليها[4]. ويرى العدليّةُ أنّ الرزق هو ما كان حلالًا طيّبًا، باعتبار أنّ الرزق منسوبٌ إلى الله، والله لا يفعل القبيح، مقابل المدرسة الأشعريّة، التي ترى أن الرزق أعمّ من الحلال والحرام[5].

وبناءً على هذه المعرفة بحقيقة الرزق، تنتفي التساؤلات عن سبب رزق الله للأغنياء؛ لأنّ هذا قد لا يكون حقيقةً من الرزق، بل قد يكون إملاءً وإتمامًا للحجّة عليهم، كما تنتفي التساؤلات حول انعدام الرزق للمؤمن، باعتبار أنّ رزقه قد يكون معنويًّا، فقد يكون ملتزمًا بأحكام الشرع، وصاحب أخلاق وطمأنينة، وعالِمًا فاضلًا، أو مجاهدًا عاملًا، ولديه أولاد صالحون، إلى غيرها من الخصائص المعنويّة التي يحلم بها أصحاب الثروات ولا يجدونها.

بين الرزق والسعي
يُطرَح تساؤلٌ عادةً في موضوع الرزق، مفاده: هل إنّ الرزق يقبل الزيادة بالسعي والاكتساب، أم لا؟ أم إنّه مقسومٌ لا تنفع معه محاولات الإنسان للزيادة والتكثير.

ظاهِرُ كثيرٍ من الأدلّة عدمُ قبوله للازدياد والتكثير، ولو كان يُطلَب بتمام الجِدّ، ويُسعَى له في جميع الآفاق.

وصريح بعض الأدلة، وظاهر كثيرٍ منها، أنّ بعضَ أقسامه يقبل التكثير بالاكتساب، وبالحذاقة في التدبير، واقتناء المال[6].

«وللإجابة، نذكر الملاحظتَين الآتيتَين:

1. دقّة النظر والتحقُّق في المصادر الإسلاميّة، يُوضِح أنّ الآيات والروايات التي يبدو التضادّ في ظاهر ألفاظها، سواء في هذا الموضوع وغيره، إِنّما ينتج من النظرة البسيطة السطحيّة؛ لأنّ حقيقة تناولها لموضوعٍ ما إِنّما يشمل جوانب متعدِّدة من الموضوع، فكلُّ آية ورواية إِنّما تنظر إِلى بُعدٍ معيّنٍ من أبعاد الموضوع، فتُوهِم غيرَ المتابع بوجود التضادّ.

فحيث يسعى الناس، بولعٍ وحرصٍ، نحو الدنيا وزخرف الحياة المادّيّة، ويقومون بارتكاب كلِّ منكرٍ للوصول إِلى ما يريدونه، تأتي الآيات والروايات لتوضح لهم تفاهة الدنيا، وعدم أهمّيّة المال.

وإِذا ما ترك الناس السعي في طلب الرزق، بحجّة الزهد، تأتيهم الآيات والروايات لتبيّن لهم أهمّيّة السعي وضرورته.

فالقائد الناجح، والمرشد الرشيد، هو الذي يتمكّن من منع انتشار حالتَي الإِفراط والتفريط في مجتمعه. فغاية الآيات والروايات، التي تؤكّد على أنّ الرزق بيد اللّه، هي غلق أبواب الحرص والشَرَهِ وحبّ الدنيا والسعي بلا ضوابط شرعيّة، وليس هدفها إِطفاء شعلة الحيويّة والنشاط في الإعمال والاكتساب، وصولًا إلى حياةٍ كريمةٍ ومستقلّة. وبهذا، يتّضح تفسير الروايات التي تقول: إِنّ كثيرًا من الأرزاق إِنْ لم تطلبوها، تطلبكم.

2. إِنّ كلَّ شيء من الناحية العقائديّة، تنتهي نسبته إِلى اللّه عزَّ وجلّ، وكلُّ موحِّدٍ يعتقد أنّ منبعَ كلِّ شيء وأصلَه منه -سبحانه وتعالى-، ويردِّد ما تقوله الآية 26 من سورة آل عمران: ﴿بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.[7]

وينبغي عدم الغفلة عن هذه الحقيقة، وهي أنّ كلّ شيءٍ، من سعيٍ ونشاطٍ وفكرٍ وخلّاقيّة الإِنسان، إِنّما هي في حقيقتها من اللّه -عزَّ وجلّ-...

وإِلى جانب كلّ ما ذُكِر، فالسعي والعمل الصحيح البعيد عن أيّ إِفراط وتفريط، هو أساس كسب الرزق، وما يُوصَل إِلى الإِنسان من رزقٍ بغير سعيٍ وعملٍ، إِنّما هو ثانويٌّ فرعيٌّ، وليس بأساسيٍّ. ولعلّ هذا الأمر هو الذي دفع أمير المؤمنين (عليه السلام)، في كلماته القصار، في تقديم ذكر الرزق الذي يطلبه الإِنسان على الرزق الذي يطلب الإِنسان، حيث قال: «يَابْنَ آدَمَ، الرِّزْقُ رِزْقَانِ: رِزْقٌ تَطْلُبُهُ، وَرِزْقٌ يَطْلُبُك‏»[8].

تقسيم الرزق
«الرِّزْقُ رِزْقَانِ: رِزْقٌ تَطْلُبُهُ، وَرِزْقٌ يَطْلُبُك؛ فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَأْتِهِ، أَتَاكَ»[9].
كلُّنا عاش هذه التجربة، فقد تتوقّع أن يأتيك رزقٌ من مكانٍ ما، فتسعى إليه وتبذل جهدك في الوصول إليه، ولكنّك لا تصل إليه، ولكنّ رزقًا لا تحسب له حسابًا ولا تتوقّعه، يبحث عنك ليصل هو بنفسه إليك.

وتتحدّث الآية الكريمة عن الحكمة في قبض الرزق عن بعض الناس: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾[10].

وتكون الحكمة من تقدير الأرزاق وتوزيعها هي امتحانُ الناس بها، وابتلاؤهم لمعرفة درجة إيمانهم، وذلك من ناحية صبرهم على الفقر، وابتلاءً لهم، واختبارًا لكيفيّة تصرُّفهم في الرزق؛ فهل ينفقونه في الطاعات، أو في المعاصي، فقد ورد عن الإمام علي (عليه السلام): «وَقَدَّرَ الْأَرْزَاقَ، فَكَثَّرَهَا وَقَلَّلَهَا، وَقَسَّمَهَا عَلَى الضِّيقِ وَالسَّعَةِ، [فَعَدَّلَ‏] فَعَدَلَ فِيهَا؛ لِيَبْتَلِيَ مَنْ أَرَادَ بِمَيْسُورِهَا وَمَعْسُورِهَا، وَلِيَخْتَبِرَ بِذَلِكَ الشُّكْرَ وَالصَّبْرَ مِنْ غَنِيِّهَا وَفَقِيرِهَا»[11].


[1] سورة الأعراف، الآية 96.
[2] الراغب الأصفهانيّ، أبو القاسم الحسين بن محمّد، مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق صفوان عدنان داوودي، طليعة النور، لا.م، 1427ه، ط2، ص351.
[3] سورة آل عمران، الآية 169.
[4] راجع: الشيرازي، الشيخ ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، مدرسة الإمام عليّ بن أبي طالب، إيران - قمّ، 1426ه، ط1، ج6، ص18.
[5] السيّد حسين البروجرديّ، تفسير الصراط المستقيم، صحّحه وعلّق عليه الشيخ غلامرضا بن عليّ أكبر مولانا البروجرديّ، مؤسّسة أنصاريان للطباعة والنشر، 1416 - 1995م، لا.ط، ج4، ص159.
[6] الشيخ المحموديّ، نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، ج7، ص328.
[7] سورة آل عمران، الآية 26.
[8] الشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، مصدر سابق، ج8، ص259.
[9] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج4، ص386.
[10] سورة الشورى، الآية 27.
[11] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ (عليه السلام))، مصدر سابق، الخطبة 91، ص134.

1073 مشاهدة | 10-08-2020
جامعة المصطفى (ص) العالمية -فرع لبنان- ترحب بكم

مناقشة رسالة للطالبة آمنة فرحات

أشكال السنن وصِيَغها في القرآن الكريم

العدد 54-55 من مجلَّة الحياة الطيّبة

ندوة كاتب وكتاب: الله والكون برواية الفيزياء الحديثة

ندوة كاتب وكتاب: التاريخ السياسي والاجتماعي لشيعة لبنان

لقاء مع المربي العلامة الشيخ حبيب الكاظمي

زيارة للمجلس العلوي في منطقة جبل محسن

ورشة تقنيات قراءة في كتاب

ورشة تقنيات تدوين رؤوس الأقلام

ورشة أسس اختيار الموضوع ومعايير صياغة عنوان الرسالة

زيارة إلى ممثّليّة جامعة المصطفى (ص) في سوريا

زيارة إلى حوزة الإمام المنتظر (عج) في بعلبك

ندوة علميّة الذكاء الاصطناعي.. التقنيّات والتحدّيات

عزاء عن روح الشهيد جعفر سرحال

حفل توقيع في جناح جامعة المصطفى (ص) العالميّة

دورة في مخارج الحروف العربيّة

دورة إعداد خطيبة منبر حسيني

احتفال في ذكرى المولد الشريف

لقاء مع المستشار الثقافي لسفارة الجمهوريّة الإسلاميّة

وفد من حوزة الإمام الخميني (قده) يزور الجامعة

دعوة للمشاركة في مؤتمر الإمام الحسين (ع) والنهضة الفكريّة

صباحيّة قرآنيّة في حوزة السّيدة الزهراء (ع)

لقاء تعريفي مع طلاب حوزة أهل البيت (عليهم السلام)

زيارة المقامات الدينيّة وحوزة الامام الخميني (قده) في سوريا

دعوة للمشاركة في مؤتمر الإمام الحسين (ع) والنهضة الفكريّة

حفل تكريم سفير الجمهوريّة الإسلاميّة في لبنان

جلسة للجنة الفلسفة والكلام

مسابقة في حفظ أربعين حكمة للإمام علي (عليه السلام )

مناقشة بحث: الاجتهاد الفقهي بين روح الشريعة والمنهج المقاصدي.

المنهج التفسيري عند الإمام الخميني (قده)

الملتقى العلميّ السنوي الثاني للحوزات العلميَّة في لبنان

مناقشة بحث: أثر الزمان والمكان على موضوعات الأحكام

المسابقة العلميّة الثانية بين طلاب الحوزات العلميّة

صدور العدد (47) من مجلة الحياة الطيّبة