الجمعة 19 نيسان 2024 الموافق لـ 9 شوال 1445هـ

» مفاهيــــم إســـلامــية

خاب من حمل ظلمًا


قال الله - عزّ وجلّ - في كتابه المجيد ﴿وَعَنَتِ﴾1 ﴿الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾2 ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾3 ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾5.4

تمهيد
يجب أن نعلم أنّ المؤمن هو حبيب الله ووليّه، وبالتالي أي ظلم أو أذية له هو إيذان بالحرب من الله، وأنّ الشريعة اهتمت بمشاعر المؤمن وأحاسيسه، فكيف يكون حال ما هو أعظم؟. وتحدّثنا عن الأسباب التي تدفع المرء للقيام بمثل ذلك، ودعونا إلى ضرورة المسارعة والاستيقاظ منه، لأن عقوبته الأخروية جليلة، وآثاره الدنيوية عظيمة.

ضرورة المسارعة إلى الصالحات
تشير الآية الأولى إلى أنّ المصيبة الكبرى والخسارة العظمى للعبد الظالم في وقوفه بين يدي مولاه، يوم تَعْنُو له الوجوه، وتَذِلّ له الأنفس، وتخضع له القلوب، وتَخشع له الأصوات، فلا تسمع إلا همسًا6، ويكون الخضوع في صورة مؤلمة، وهي كخضوع العناة، أي الأسارى في يد الملك القهّار. وقد نسبت العنوة إلى الوجوه لأنّها أول ما تبدو وتظهر في الوجوه، ولازم هذه العنوة أن لا يمنع حكمَه ولا نفوذَه فيهم مانعٌ، ولا يحول بينه وبين ما أراد بهم حائلٌ.

واختير من أسمائه الحي القيوم لأن مورد الكلام الأمواتُ أحيّوا ثانيًا وقد تقطعت عنهم الأسباب اليوم، والمناسب لهذا الظرف من صفاته حياته المطلقة وقيامه بكل أمر7. والآية الأولى فيها مداليلٌ مخيفة لو تأملنا بمعنى ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾.

والآية الثانية فيها اطمئنان لمن عمل صالحًا، وسارع إلى إصلاح ما صدر من ظلم، وكفّ الأذى عن الآخرين، وأحسن إليهم، فلا يخاف عندها أن يضيع، ولو مقدار عمل بسيط قام به.

من المفلس؟
وقد جاء هذا المعنى في بعض الروايات التي تتحدّث عن يوم القيامة، كما أشارت الرواية عند سؤال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: "أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ" قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ، فَقَالَ: "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ،

وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ"8.

وقد سأل صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه: أتدرون من المفلس؟ أي من الدراية، وهي العلم ببواطن الأمور، أتدرون أي أتعلمون من هو المفلس حقيقةً؟ وهذا قريب من قول الإمام علي عليه السلام: "الفقر والغنى بعد العرض على الله"9، والمعنى أنّهما يظهران بعد الحساب والعرض على الله تعالى.

وحينما سئلوا هذا السؤال أجابوا إجابةٍ من خلال خبراتهم، المفلس فينا مَن لا درهم له ولا متاع، المتاع كل شيء تنتفع به في الدنيا، فكان جوابه صلى الله عليه وآله وسلم: لا، لأنّ هذا المفلس ربما اغتنى في لحظة من اللحظات، ولكنه كما مرّ.

كيف تحلّ هذه السيئات يوم القيامة؟
ما دام هناك خلط، أي معه حسنات ومعه سيئات، أصحاب الحقوق يأخذون من حسناته حتى يستوفوا حقوقهم. فلو أن حقوقهم لم تُستوفَ بعد ماذا نفعل؟ يُطرح عليه من سيئاتهم، عندئذٍ تذهب حسناته ويضاف إلى سيئاته سيئات.

وفي هذا السياق وردت رواية تشير في بدايتها إلى طرح الحسنات والسيئات، وعلاوة على ذلك أن يحمل من وزره، فيقول الراوي بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم جَالِسٌ، إِذْ رَأَيْنَاهُ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ ثَنَايَاهُ، فَقَالَ لَهُ أحدهمُ: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟

قَالَ: "رَجُلَانِ مِنْ أُمَّتِي جَثَيَا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعِزَّةِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَبِّ خُذْ لِي مَظْلمَتِي مِنْ أَخِي، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلطَّالِبِ: فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِأَخِيكِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ حَسَنَاتِهِ شَيْءٌ؟ قَالَ: يَا رَبِّ فَلْيَحْمِلْ مِنْ أَوْزَارِي"؟!

قَالَ: وَفَاضَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم بِالْبُكَاءِ، ثُمَّ قَالَ:
"إِنَّ ذَاكَ الْيَوْمَ عَظِيمٌ، يَحْتَاجُ النَّاسُ إلى أَنْ يُحْمَلَ عَنْهُمْ مِنْ أَوْزَارِهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلطَّالِبِ: ارْفَعْ بَصَرَكَ فَانْظُرْ فِي الْجِنَانِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: يَا رَبِّ أَرَى مَدَائِنَ مِنْ ذَهَبٍ وَقُصُورًا مِنْ ذَهَبً مُكَلَّلَةً بِالُّلؤْلُؤِ، لِأَيِّ نَبِيٍّ هَذَا؟ أَوْ لِأَيِّ صِدِّيقٍ هَذَا؟ أَوْ لِأَيِّ شَهِيدٍ هَذَا؟

قَالَ: هَذَا لِمَنْ أَعْطَى الثَّمَنَ!!
قَالَ: يَا رَبِّ، وَمَنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ؟
قَالَ: أَنْتَ تَمْلِكُهُ، قَالَ: بِمَاذَا؟ قَالَ: بِعَفْوِكَ عَنْ أَخِيكَ، قَالَ: يَا رَبِّ فَإِنِّي قَدْ عَفَوْتُ عَنْهُ، قَالَ اللَّهُ عزّ وجلّ: فَخُذْ بِيَدِ أَخِيكَ فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ"10.
ثم في ذيل الرواية إشارة جزيلة إلى أهمية العفو والإحسان في ذلك اليوم المهول، أفلا يسعنا أن ننشر هذا قبل ذلك اليوم، فنكفّ الأذى عن الآخرين، ونعفو ونحسن إلى مَن ظلمنا، أو ليس هذا من مصاديق العبادة التكاملية!

ما كفُّ الأذى؟
ولا شكّ في أنّ من أبواب العبادات التي لا يفطن لها الكثير من الصالحين هو عبادة كفّ الأذى، فالكثير من الناس يتصور أن الخير محصور في أداء الشعائر وبذل المعروف فحسب، وأقله كما ورد في تعريفه هو ترك ما يسيء للإنسان قولًا أو فعلًا.

ولا بدّ من إلفات النظر إلى أنّ عدم التنبه إلى خطورة كفّ الأذى عن الناس يجعل من المستحيل أو شبه المستحيل أن يصبحَ الإنسان متديّناً بشكل كامل.
ولا بدّ من الإشارة أيضًا إلى أن المؤمن كما يؤجَر على فعل الطاعات وبذل المعروف، كذلك يؤجر على كفّ الأذى وصرف الشرّ عن المسلمين، لأن ذلك من المعروف وداخل في معنى الصدقة كما في الرواية عنْ أَبِي ذَرّ،ٍ قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ"، قَالَ: قُلْت: أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا"، قَالَ: قُلْت: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ، قَالَ: "تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرِقَ"، قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْت إنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ؟ قَالَ: "تَكُفُّ شَرَّك عَنْ النَّاسِ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْك عَلَى نَفْسِك"11.

هل تعلم أنّ كفّ الأذى برنامج أخلاقي متكامل؟
قد تجد الكثير من علماء الأخلاق يؤكّدون على أنَّ كفّ الأذى عن الناس هو برنامجٌ عباديٌ متكاملٌ، بمعنى أنَّ على مَن يحمل همَّ بناء نفسه، ويحرص على الاستعداد للآخرة والقرب من الله، أن يتنبّهَ إلى كفّ الأذى عن الناس.

يقول المولى المازندراني رحمه الله: "وإنّما كان كفّ الأذى من كمال العقل، لأنّ العاقل يعلم أنّ الغرض الأصليّ من الخُلق هو الوصول إلى جناب عزّته12... بأجنحة الكمال، مع الملائكة المقرَّبين13، وأنّ ذلك كما يتوقّف على عبادة الرحمن، كذلك يتوقّف على كفِّ الأذى عن الإخوان، فكما أنّ صرف الهمّة في العبادة من كمال العقل، كذلك صرف النفس عن الأذى"14 .

وفي الرواية عن مولانا علي بن الحسين عليه السلام: "كَفُّ الأذى مِن كمال العقل، وفيه راحةٌ للبدن عاجلًا وآجلًا"15.

واعتباره كل الأخلاق أيضًا لكثرة ما يطلّ على موضوعات مرتبطة بهذا العلم، مثلاً: يطلُّ بنا على موضوع الظلم، لأنَّ الأذى المحرّم ظلم، ويطلُّ بنا على موضوع الغضب، لأنَّه هو المناخ الطبيعي لصدور الأذى عنا، ويأخذنا على الغيبة كونها من مصاديقه، فهي تسوء المغتاب الذي تمّت استغابته، ويقودنا إلى البهتان16، لأنَّه من أوضح مصاديقه، ويأخذنا إلى آفات اللسان17، أو ما يصدر بحركةٍ، بغير اللسان، فقد يصدر بإشارة أو بكتابة18، ويطلُّ بنا على مواضيع العجب والغرور والتكبّر، لأنَّها المنطلق الذي يجعل الإنسان راضيًا عن نفسه مستسهلًّا أن يؤذيَ الآخرين، ويطلّ بنا كذلك على الحلم والعفو وحسن المعاملة والإحسان إلى المسيء19، أمَّا الحلم والعفو فلحاجة المؤذي إليهما ليمنعاه عن الأذى الذي يبدأ ردّةَ فعلٍ ثم يتجاوز حدوده، وأمَّا حسن المعاملة والإحسان فالحاجة إليهما وإطلال الموضوع عليهما كنقيضين لكفّ الأذى.

عند التأمّل في هذه الإطلالات تعرف أهمية هذه العبادة، ولِمَ عبّر عنها بأصل الأخلاق، أو البرنامج العبادي المتكامل للسالك إلى الله.

ما العلاقة بين كفّ الأذى والإحسان؟
الإحسان مشتقّ من "الحُسن" الذي هو الجمال والبهاء لكل ما يصدر من العبد من خطرات ونبرات وتصرفات، وهو أعلى مقامات الرفعة الإنسانية، والمفتاح لكل أزماتها، وجسر سعادتها الأبدية. وكفى الإحسان شرفًا أن البشرية جمعاء اتفقت على حبّه ومدحه، وأجمعت على كره ضده من صنوف الإساءة كافّة. ولذلك أولى الإسلام الإحسان عناية بالغة، وجعله أسمى هدف تصبو إليه نفوس العابدين. وقد أمر الله تعالى بالإحسان أمرًا مطلقًا عامًّا، فقال عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾20.

وبما أن الإحسان هو الإتقان، أو الإتيان بالمطلوب شرعًا على أكمل وجه، وهو بذل المعروف لعباد الله من قول أو فعل أو مال أو جاه، والإحسان ضد الإساءة، وهو فعل ما هو حسن وجميل، وترك ما هو سيّء وقبيح، وأن الإحسان إلى الغير إما أن يكون بإيصال النفع إليه أو بدفع الضرر عنه، فيكون كف الأذى من أعظم مصاديقه. والله تعالى رغب بالإحسان، ووعد المحسنين بالأمان يوم القيامة: ﴿مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾21.

ما ثمرات وفوائد كفّ الأذى؟
الوصول إلى المحبة الإلهية: قال تعالى: ﴿وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾22.
والآية واضحة الدلالة في أن الإحسان طريق للحصول على المحبة الإلهية، والاصطفاء في هذا المقام (مقام المحسنين). والإحسان كما يكون بالفعل الحسن للآخر، يكون أيضاً بكفّ الأذى عن الناس.

الفوز والنجاة يوم القيامة: وهي الجنة ﴿هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾23. قال - عزّ وجلّ -: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾24. وفي الخطبة الشعبانية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ومن كفّ فيه شره، كفّ الله عنه غضبه يوم يلقاه"25. وفي الرواية عن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ كَفَّ نفسَهُ عَنْ أَعْرَاضِ النَّاسِ، أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ عَنْهُمْ، وَقَاهُ اللَّهُ عَذَابَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"26.

انتشار المحبة والتعاون بين الناس: لأنه من خلال كفّ الأذى عن الآخرين، يكون نشر ثقافة المحبة والتعاون والتسامح بين الناس، كما في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "من كفَّ يده عن الناس فإنّما يكفُّ عنهم يداً واحدةً ويكفّون عنه أيادي كثيرةً"27.

وعن الإمام زين العابدين عليه السلام: "كفُّ الأذى من كمال العقل، لأنَّ عقلك يقول لك إنك إذا آذيت الناس، فإنّك ستجلب لنفسك العداوة والحقد، وإذا كففت أذاك عن الناس، فإنّك ستعيش معهم بأمن وسلام واطمئنان - وفيه راحة للبدن عاجلاً وآجلاً"28.

تأمل معي في قصة نبي الله يوسف عليه السلام
ونختم بقصة رائعة من قصص القرآن الكريم، وهي قصة يوسف عليه السلام. وما يلفت النظر فيها كثرة تكرار صفة الإحسان، فكان محسنًا مع ربه ومع الناس - وهما متلازمان -، فقد سمّى الله قصته بأحسن القصص كما ورد في القرآن الكريم، ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾29, أي من أحسنه.

ورتّب على الإحسان إيتاءه الحكم والعلم مع الشباب ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾30.
ووصفه السجناء بذلك ﴿نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾31.
وبه مكّنه الله تعالى في الأرض ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾32.
وقال له إخوته وهم لا يعرفونه ﴿قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾33.
وقال عن نفسه وأخيه ﴿قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾34.
ثم أثنى على ربه بإحسانه إليه ﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾35.
 
هوامش
1- "عَنَتْ" في اللغة: خضعت. يقال: عنا يعنو: إذا خضع، ومنه قيل: أُخِذتْ البلاد عَنْوَةً: إِذا أُخذتْ غَلَبة، وأُخذتْ بخضوع من أهلها.
2- قيل إن جميع أسماء الله الحسنى مردّها إلى معنى هذين الاسمين العظيمين. ويقال في معنى الحي: إن حياة الله حياة تامة كاملة، لم يسبقها عدم ولا يلحقها زوال.
ومعنى الْقَيُّومُ- أنه جلّ وعلّا- مستغنٍ عن كل أحد، وكل أحد مفتقر إليه، فهو قائم بنفسه وقائم بغيره، بمعنى أن كل مخلوق مفتقر إلى الله جلّ وعلا-، فلا قوام لأحد إلا بالله، والله جلّ وعلا- غني كلّ الغنى عن جميع خلقه. وذكروا أقوالًا: أحدهما: أنه العالِم بما يستقيم به تدبير جميع الخلق، فعلى هذا لم يزل الله قيومًا، بمعنى لا يبيد ولا يزول، والثاني: أنه القائم بتدبير الخلق، وهي مثل صفة حكيم على وجهين، والثالث أنه القائم على كل نفس بما كسبت.
3- أي خسر الثواب مَن جاء يوم القيامة كافرًا ظالمًا مستحقًّا للعقاب.
4- "من" ها هنا للجنس. وإِنما شرط الإِيمان لأن غير المؤمن لا يُقبَل عملُه، ولا يكون صالحًا. فَلا يَخافُ، أي: فهو لا يخاف. وفي معنى ظُلْمًا وَلا هَضْمًا- أربعة أقوال: أحدها: لا يخاف أن يَظلَم فيُزاد في سيِّئاته، ولا أن يُهضَم من حسناته، والثاني: لا يخاف أن يُظلَم فيزاد من ذَنْب غيره، ولا أن يُهضم من حسناته، والثالث: لا يخاف أن يؤاخَذ بما لم يعمل، ولا يُنتقص من عمله الصالح، والرابع: لا يخاف أن لا يُجزَى بعمله، ولا أن يُنقَص من حَقِّه. قال اللغويون: الهَضْم: النَّقْص، تقول العرب: هضمتُ لك من حَقِّي، أي: حَطَطْتُ، ومنه: فلان هضيم الكَشْحَيْن، أي: ضامر الجنبين، ويقال: هذا شيء يهضم الطعام، أي: ينقص ثِقْله. وفرّق بعض المفسرين بين الظُّلم والهَضْم، فقال: الظُّلم: منع الحق كلِّه، والهضم: منع بعض، وإِن كان ظُلْمًا أيضًا.
5- سورة طه، الآيتان 111 - 112.
6- روي عن الإمام أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام يقول: إذا كان يومُ القيامة، جمع الله الناس في صعيد واحد من الأولين والآخرين، عراةً حفاةً، فيوقفون على طريق المحشر حتى يعرقوا عرقًا شديدًا، وتشتدّ أنفاسهم، فيمكثون كذلك ما شاء الله، وذلك قوله تعالى: فلا تسمع إلا همسًا. قال: ثم ينادي منادٍ من تلقاء العرش: أين النبي الأمي؟ قال: فيقول الناس: قد أسمعتَ كلًّا، فسمّ باسمه، قال: فينادي: أين نبي الرحمة محمد بن عبد الله؟ قال: فيقوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيتقدم أمام الناس كلهم حتى ينتهي إلى حوض طوله ما بين أيلة وصنعاء، فيقف عليه، ثم ينادي بصاحبكم فيقوم أمام الناس فيقف معه، ثم يؤذن للناس فيمرّون. قال أبو جعفر عليه السلام: فبين وارد يومئذ وبين مصروف، فإذا رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مَن يُصرف عنه من محبينا أهلَ البيت بكى، وقال: يا ربّ شيعةَ عليّ، يا ربّ شيعةَ عليّ، قال: فيبعث الله إليه ملكًا فيقول له: ما يبكيك يا محمد؟ قال: فيقول: وكيف لا أبكي لأناس من شيعة أخي عليّ بن أبي طالب أراهم قد صُرفوا تلقاء أصحاب النار ومُنعوا من ورود حوضي! قال: فيقول الله - عزّ وجلّ - له: يا محمد، إني قد وهبتهم لك، وصفحت لك عن ذنوبهم، وألحقتهم بك وبمن كانوا يتولّون من ذريتك، وجعلتهم في زمرتك، وأوردتهم حوضك، وقبلت شفاعتك فيهم، وأكرمتك بذلك. العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج65، ص 100.
7- الطباطبائي، العلامة السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في قم المشرفة، 1417ه‏، ط5، ج 14 ص 134.
8- مسلم النيسابوري، الجامع الصحيح صحيح مسلم-، ج8، ص18.
9- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 69، ص5.
10- العلاّمة المجلسي، مرآة العقول، ج98، ص 376.
11- مسلم النيسابوري، الجامع الصحيح صحيح مسلم-، ج 1، ص 62.
12- العزة صفة لله جل وعلا، ومن أسمائه سبحانه وتعالى العزيز والعزيز هو الذي كملت له أوصاف العزة.
ولها عدد من المعاني العزة التي هي بمعنى الامتناع والغنى وعدم الحاجة، الامتناع عمن يغالب أو عمن يسيء والغنى، والغنى عن الخلق، الثاني العزة بمعنى القهر والغلبة، الثالث العزة بمعنى القوة التي لا يقوى عليها قوة لا يند عنها شيء، والمقصود القرب منه.
13- طبقات الملائكة مختلفة في الدرجة والفضيلة، فالأكابر منهم مثل جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وحملة العرش والملائكة المقربون هم المسمَّون بالكروبيين، أي سادة الملائكة، ومنهم الكروبيون الذين هم حول العرش، وهم أشرف الملائكة مع حملة العرش، وهم الملائكة المقربون كما قال تعالى: ﴿لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾ سورة النساء، الآية 172-. وأفضل المقربين رؤساء الملائكة الثلاثة الذين كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يذكرهم في دعائه الذي يفتتح به صلاته إذا قام من الليل فيقول: "اللهم ربَّ جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطرَ السموات والأرض..".
14- المازندراني، شرح أصول الكافي، ج 1، ص 194-195.
15- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج75، ص 141.
16- الغِيبة: ذكر مساوئ الإنسان التي فيه في غيبته، والبهتان: ذكر مساوئ للإنسان وهي ليست فيه، والشتم: ذكر المساوئ في مواجهة المقول فيه، والإفك: أن تقول في إنسانٍ ما بلغك عنه، فتنقله دون التثبّت والتيقُّن من صدقه.
17- منه: الكلام بما لا يعنيك، فضول الكلام، الخوض في الباطل، التكلف والتصنع في الكلام، الفحش والسبّ وبذاءة اللسان، السخرية والاستهزاء، إفشاء السر، الوعد الكاذب، الغيبة، النميمة، قذف المؤمنين.
18- فإن الهُمَزة: الذي يُعكَس بظهر الغيب، واللُّمزة: الذي يُعكس في وجهك. وقيل: الهمزة: الذي يؤذي جليسه بسوء لفظه، واللمزة: الذي يكثر عيبه على جليسه ويشير برأسه ويومئ بعينه. وقيل: الهُمَزَة: الذي يهمز الناس بيده ويضربهم، واللُّمَزَة: الذي يَلْمِزهم بلسانه. وقيل: الهُمَزَة: الذي يهمز بلسانه، واللُّمَزَة: الذي يلمز بعينه.
19- الصفح: ترك التثريب، وهو أبلغ من العفو، وقد يعفو الإنسان ولا يصفح، والعفو ترك عقوبة المذنب، والصفح: ترك لومه. ويدل عليه قوله تعالى: ﴿فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ﴾ سورة البقرة، الآية 109-، ترقيًا في الأمر بمكارم الأخلاق من الحَسَن إلى الأحسن، ومن الفضل إلى الأفضل.
20- سورة النحل، الآية 90.
21- سورة النمل، الآية 89.
22- سورة البقرة، الآية 195.
23- سورة الرحمن، الآية 60.
24- سورة النجم، الآية 31.
25- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج93، ص 357.
26- الحراني، ابن شعبة، تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في قم المشرفة، 1404ه - 1363ش، ط2، ص391.
27- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج53، ص 72.
28- المصدر نفسه، ج75، ص 141.
29- سورة يوسف، الآية 3.
30- سورة يوسف، الآية 22.
31- سورة يوسف، الآية 36.
32- سورة يوسف، الآية 56.
33- سورة يوسف، الآية 78.
34- سورة يوسف، الآية 90.
35- سورة يوسف، الآية 100.


1535 مشاهدة | 10-07-2017
جامعة المصطفى (ص) العالمية -فرع لبنان- ترحب بكم

مناقشة رسالة للطالبة آمنة فرحات

أشكال السنن وصِيَغها في القرآن الكريم

العدد 54-55 من مجلَّة الحياة الطيّبة

ندوة كاتب وكتاب: الله والكون برواية الفيزياء الحديثة

ندوة كاتب وكتاب: التاريخ السياسي والاجتماعي لشيعة لبنان

زيارة للمجلس العلوي في منطقة جبل محسن

ورشة تقنيات قراءة في كتاب

ورشة تقنيات تدوين رؤوس الأقلام

ورشة أسس اختيار الموضوع ومعايير صياغة عنوان الرسالة

زيارة إلى ممثّليّة جامعة المصطفى (ص) في سوريا

زيارة إلى حوزة الإمام المنتظر (عج) في بعلبك

ندوة علميّة الذكاء الاصطناعي.. التقنيّات والتحدّيات

عزاء عن روح الشهيد جعفر سرحال

حفل توقيع في جناح جامعة المصطفى (ص) العالميّة

دورة في مخارج الحروف العربيّة

دورة إعداد خطيبة منبر حسيني

احتفال في ذكرى المولد الشريف

لقاء مع المستشار الثقافي لسفارة الجمهوريّة الإسلاميّة

وفد من حوزة الإمام الخميني (قده) يزور الجامعة

دعوة للمشاركة في مؤتمر الإمام الحسين (ع) والنهضة الفكريّة

صباحيّة قرآنيّة في حوزة السّيدة الزهراء (ع)

لقاء تعريفي مع طلاب حوزة أهل البيت (عليهم السلام)

زيارة المقامات الدينيّة وحوزة الامام الخميني (قده) في سوريا

دعوة للمشاركة في مؤتمر الإمام الحسين (ع) والنهضة الفكريّة

حفل تكريم سفير الجمهوريّة الإسلاميّة في لبنان

جلسة للجنة الفلسفة والكلام

مسابقة في حفظ أربعين حكمة للإمام علي (عليه السلام )

مناقشة بحث: الاجتهاد الفقهي بين روح الشريعة والمنهج المقاصدي.

المنهج التفسيري عند الإمام الخميني (قده)

الملتقى العلميّ السنوي الثاني للحوزات العلميَّة في لبنان

مناقشة بحث: أثر الزمان والمكان على موضوعات الأحكام

المسابقة العلميّة الثانية بين طلاب الحوزات العلميّة

صدور العدد (47) من مجلة الحياة الطيّبة