السبت 04 أيار 2024 الموافق لـ 24 شوال 1445هـ

» قراءات ومـــراجعــات

ولكم مِن بَعد القِراءة طُول الشقاء!


مقال أدرج في مجلّة البشير (العدد 9) الصادرة عن المصطفى-لبنان
الكاتب: الشيخ حسن شحاذي الأنصاري

بسم الله الرّحمَن الرّحيم، الحَمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على المَبعوث رَحمةً للعالمين، وعَلى آله الطيّبين الطاهرين.

شَهِدت الأعوَام المَاضيَة ثورةً متقدّمة في تكنولوجيا الاتّصال والتواصل، وَوَصلت تسُوناميّة الظاهرة المُتطوّرة عالمَنا العَربي لتغوصَ في كلّ دارٍ ومدار، وأصبحَت وسائط ووسائل التواصل الاجتماعي الإلكتروني ممثّلةً رسميّة للآراء والأقوال، والأخبار والأسرار،  لتخرق حتّى أولئك الذّين تمنّعوا بدواً عن خدشِ تقليديّة حياتهم، وحاولوا عدم اللجوء إليها بتصويرِ أنّها ذات جوانب مظلمة ظالمة، تكبّل أصابِع الجانِح إليها، وتسرق منه زمان معصمه، وأوانَ معيشته! وأذكر على سبيل الطرفة أنّ صديقاً لي كان يهاجم بشدّة برنامج الـ Whatsapp [1]، ويعتبره مضيعةً للوقت، ومجلبةً للمقت! وبعد اقتناعه بجوانبِ الإيجاب، حادثته يوماً فحادثني وأطال حديثه وآنسني! وبعد مدّة قال لي: "أحادثك لاحقاً لأنّي أقود السيّارة"!!.

ولا يهمّني في عُجالة المَقال أن أتعرّض لمَساوِئ تلك البَرامج، ولا لإيجابيّات حصولها، ونتائِج حضورها، لكنّي توقّفت عند حُدود الظاهرة مُنذ مُدّة، ورَسمتُ تصوّراً مَعرفيّاً رائداً يَنساب إلى عُقول وقلوب الجيل الجديد من مُجتمعنا، ذاكَ أنّي وَجدت في برامجِ التواصل -بخاصّة الوتساب- قاعدةً ثقافيّةً علميّةً رائِدة، وَوسيلةً تتراكم فيها الأحاديث الشريفة، والقصص المعبّرة، والمحطّات المُلهمة، والأفكار المُغذّية لجُوع العَقل، إذ يَتزاحم النّقل ما بين الدقيقة والأخرى، ولا يَنتهي النهار ليلاً، ليَستيقظ بعدها الهاتف عَلى ضعفٍ في طاقته، لا يُعيدها إلا اشتراك كهرباء الحي، لأنّ التقنين في بلادي حاكمٌ مطلق.

وبهذا، كانَ ظنّي أنّ الحَاضر يَحمل بوسائِله المعاصرة وَعياً للشعوبِ أكبر، وَكيّاً لجهلٍ استوطنَ البلاد طويلاً، فنال جنسيّة عقولِ العرب، وتفاخر العدو بحالنا، فكنّا أمّة {إقرأ}[2] التي لا تقرأ!! وربّما ذهبتُ بعيداً لأظنّ بأنّ العلوم التي أضحَت في متناول الجَميع، ستَغمر عَدداً من أهلِ العلم، وتقطع حاجة النّاس إلى الّذين سافروا وهاجروا وحصّلوا بخافِت ضوء الشمع ما وجدوه في الكتب التي استدانوا معظم ثمنها، أو استقرضوا حبراً لتدوينها، فكابدوا وعاندوا الظروف كي {يُنْذِرُوا قَوْمهمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ}[3] .

لكنّ ظنّي خَاب! وتبيّن أنّ الغَاية التي نَشدتها لم تبرّرها الوسيلة الحديثة، ولم تكُن الهوَاتف الذكيّة إلا مِرآةً لحماقةِ بَعض حَامليها! وقَد تصدّرت لعبة الـ Candy Crush [4] قائمة الاستخدام، ولم تكن ثورة المعلومات إلا توكيداً لِما يُخشى أن يُقال عنه مَات!، فالقِراءة أضحَت عبئاً على عيون البعض، وتفكيك الحروف يشكّل أحجيّةً مملّة عند الآخرين، وأقصى ما يمكن أن نكحل أعيننا به موضوعات الطُرَفِ والنّكات والأمور الغريزيّة وأخبار أهلِ الفنّ والضلال! بل ربّما قرأنا عنواناً هادفاً فأرسلناه دون قراءة المضمون!! ومرّرناه لكلّ المشتركين في المَجموعات، ليمرّروه بدورهم دون دراية ورعاية. 

ولا أريد في المقام تعميم الحالة، لأنّ الاستفادة تكون لا محالة، ولكنّها دون حجم هذا التطوّر، وأقل من مستوى الإفادة المرجوّة، وأدنى من مكانة ما سهّله لنا التاريخ الحديث، وقد عَمدتُ إلى عددٍ من الأشخاص داخل البلاد وأثناء السفر والتبليغ، لأسأل عن بعضِ ما يُتداول بكثرة في المناسبات، أو بَعضِ ما كنت أنشره بين الأصدقاء، لأتفاجأ بعدم التنبّه له، أو التدقيق به، أو حتّى قراءته على نحوٍ سطحيّ مُجمل!.

ومِمّا لا شكّ فيه أنّ تقديس القراءة، وصَدارتها في لسَان الوَحي إنّما كان لِما تَستبطنه مِن وَساطةٍ جليلةٍ في مَعرفة  الخالق وتَوحيده، ورائديّتها في إيصال الإنسان إلى غاية الخلقة، وحقيقة العبوديّة، فإنّ قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[5] ينطوي على نفس تلك المعرفة، إذ ورد عن الإمام الحسين (ع) أنّه قال: "إن الله -جلّ ذكره- ما خلق العباد إلا ليعرفوه فإذا عَرفوه عَبدوه"[6].

ولم نحصر المعرفة بالقراءة، لكنّها بلا شكّ الوسيلة الأنجع والألمع، وقد عُدّت منذ القدِم أهمّ وسائِل التعلّم الإنساني التي يكتسب من خلالها الإنسان قيمته، ورفعته، ويفتح منها آفاق الشمس في أحلكِ أماكن الظلمة، ويُحكى أنّ أول مكتبة وَضعها الفراعنة تحت رعاية آلهتهم كَتبوا على بابها: (هُنا غذاء النّفوس وطبّ العقول).

ويكفينا ملاحظة عظيم ما حصَل في معركة بدر، حيثُ أعلن رسول اللّه (ص) عَن قرارٍ تاريخي عظيم، حرّر بموجبه الأسرى المشركين الّذين يعلّمون عشرةً من المسلمين القراءة والكتابة، فكان الفِداء بجلال العمَل.[7]

وللأسف، فإنّ المُتأمّل لوَضع مجتمعنا -وطلابنا خصوصاً- يقف حائراً أمام الانشغال الاستهتاري عن القراءة والمعرفة، وهَدر الوقت في سوءِ استخدام الوسائِط العلميّة الحديثة، والتقدّم التقني الميسّر الحاصل، ففي حينِ أنّ القراءة "تضيف إلى عُمر الإنسان أعماراً أخرى، هي أعمار الكتّاب والمفكّرين والفلاسفة الذين يُقرأ لهم"[8], فإنّ عدمها يَسلب من العمر خصائص تقوّم مسيره وإبداعه، لتنتِج ركوداً في أرضيّة العطاء، وجَموداً في التحرّر من أصفادِ الجهلِ الذي يغتنمه العدو في مواجهته الإسلام والمسلمين.

ولعلّنا نحتاج اليوم إلى مهارةٍ في تحقيق ثقافة القراءة، نخرج منها عن صنميّة الإعلام الفاسد، وما يرصده من أساليب مشتِّتة لاهيَة، كي نتجاوز ربع الصفحة التي أظهرت الأمَم المتّحدة أنّها معدّل قراءة الفرد العربي في العام! ونحتاج إلى مؤسّساتٍ تُعنى بتوظيف كلّ هذه الوسائل الحديثة لتعميم وتتميم غذاء الفكر، وتقديمه كحاجةٍ ثابتةٍ لا تخرج عن ضرورات الحياة السليمة، كي يتمّ بالتالي مواجهة الطريقة الماسونيّة في تعتيم جوانب الفاعليّة الإنسانيّة، وحَصر توجّهات الشعوب في شهواتِ الجسد.

إنّ القراءة الموصلة إلى الحقّ عبادة، فإن فهمنا لسَان الشريعة ورائديّة النصوص المتحدّثة عن العلم، فإنّه سيقع عَلى عاتِقنا مسؤوليّة المَعروف، وَوجوب دَفع مُنكرات الجّهل، لأنّ العمل يَبدأ من القواعد، وَحلّ المشكلات مِن الركائز، ولا شَكّ أنّ حصانة الدين تنبع من وعي أتباعه، وكلّ من يتخاذل في جبهة العلم والعمل، سيحمل   أوزار التاريخ القادِم، وعليه ينبغي العمل الجاد على استنفاذ الوسائل المساعدة في المضمار، والاستفادة من كلّ تلك البرامج التي دخلت بيوتات الناس، وعانقت عيون الصغار والكبار، ليكون الجليس بخير، ونكون بعده بسلام، ولا نسمع ناعية الأيّام: ولكم مِن بَعد القِراءة طُول الشقاء!

 
هوامش:
[1] تأسّس الـ WhatsApp في عام 2009 من قبل الأمريكي بريان أكتون والأوكراني جان كوم (الرئيس التنفيذي أيضاً)، وكلاهما من الموظّفين السابقين في موقع ياهو، ويقع مقرّها في سانتا كلارا، كاليفورنيا. يتنافس WhatsApp مع عددٍ من خدمات الرسائل الآسيويّة (مثلLINE، KakaoTalk، وWeChat). تمّ إرسال عشرة مليارات رسالة يوميّة على ال WhatsApp في آب 2012، كما زادت مليارين في نيسان 2012 ومليار في أكتوبر الماضي .وفي ال 13 من يونيو 2013، أعلنت WhatsApp على تويتر ، أنّها قد وصلت سجلاتهم اليوميّة الجديدة إلى 27 مليار رسالة. وقد قامت شركة الفيس بوك بشراء الواتس أب في 19 فبراير من العام 2014 بمبلغ 19 مليار دولار أمريكي.
[2]  سورة العلق: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}
[3]  سورة التوبة: آية 122
[4]  لعبة كاندي كراش عبارة عن مجموعة مربّعات ذات ألوان مختلفة والمطلوب تجميع المربّعات المتشابهة في لون واحد على الأقل ثلات مربعات متشابهة في اللون ومتناسقة في الترتيب أيضاً وذلك قبل أن ينتهى الوقت.
[5]  سورة الذارايات: آية 56
[6]  المجلسي، بحار الأنوار، ج5، ص312
[7]  السيرة الحلبية:ج 2 ص 193.
[8]  الكلام منسوب لعبّاس محمود العقّاد




2460 مشاهدة | 27-01-2016
جامعة المصطفى (ص) العالمية -فرع لبنان- ترحب بكم

مناقشة رسالة للطالبة آمنة فرحات

أشكال السنن وصِيَغها في القرآن الكريم

العدد 54-55 من مجلَّة الحياة الطيّبة

ندوة كاتب وكتاب: الله والكون برواية الفيزياء الحديثة

ندوة كاتب وكتاب: التاريخ السياسي والاجتماعي لشيعة لبنان

لقاء مع المربي العلامة الشيخ حبيب الكاظمي

زيارة للمجلس العلوي في منطقة جبل محسن

ورشة تقنيات قراءة في كتاب

ورشة تقنيات تدوين رؤوس الأقلام

ورشة أسس اختيار الموضوع ومعايير صياغة عنوان الرسالة

زيارة إلى ممثّليّة جامعة المصطفى (ص) في سوريا

زيارة إلى حوزة الإمام المنتظر (عج) في بعلبك

ندوة علميّة الذكاء الاصطناعي.. التقنيّات والتحدّيات

عزاء عن روح الشهيد جعفر سرحال

حفل توقيع في جناح جامعة المصطفى (ص) العالميّة

دورة في مخارج الحروف العربيّة

دورة إعداد خطيبة منبر حسيني

احتفال في ذكرى المولد الشريف

لقاء مع المستشار الثقافي لسفارة الجمهوريّة الإسلاميّة

وفد من حوزة الإمام الخميني (قده) يزور الجامعة

دعوة للمشاركة في مؤتمر الإمام الحسين (ع) والنهضة الفكريّة

صباحيّة قرآنيّة في حوزة السّيدة الزهراء (ع)

لقاء تعريفي مع طلاب حوزة أهل البيت (عليهم السلام)

زيارة المقامات الدينيّة وحوزة الامام الخميني (قده) في سوريا

دعوة للمشاركة في مؤتمر الإمام الحسين (ع) والنهضة الفكريّة

حفل تكريم سفير الجمهوريّة الإسلاميّة في لبنان

جلسة للجنة الفلسفة والكلام

مسابقة في حفظ أربعين حكمة للإمام علي (عليه السلام )

مناقشة بحث: الاجتهاد الفقهي بين روح الشريعة والمنهج المقاصدي.

المنهج التفسيري عند الإمام الخميني (قده)

الملتقى العلميّ السنوي الثاني للحوزات العلميَّة في لبنان

مناقشة بحث: أثر الزمان والمكان على موضوعات الأحكام

المسابقة العلميّة الثانية بين طلاب الحوزات العلميّة

صدور العدد (47) من مجلة الحياة الطيّبة