الشيخ يوسف بن أبي بكر بن محمد بن علي الخوارزمي الملقب (سراج الدين السكاكي). صاحب كتاب ( مفتاح العلوم) الذي يذكر فيه اثني عشر علماً من علوم العرب، مع أنه لم يكن من العرب.
كان في باديء أمره حداداً فعمل بيده محبرة صغيرة من حديد، وجعل لها قفلاً عجيباً، ولم يزد وزن تلك المحبرة وقفلها عن قيراط واحد، فأهداها إلى ملك زمانه، ولما رآه الملك وندماء مجلسه الرفيع لم يزيدوا على الترحيب بالرجل على صنعته، واتفق أنه كان واقفاً في الحضور إذ دخل رجل آخر، فقام الملـــك احتراماً لذلك الرجل، وأجلسه في مقامه، فسأل عنه السكاكي؟ فقيل: إنه من جملة العلماء.
ففكر السكاكي في نفسه أنه لو كان من هذه الطائفة لكان أبلغ إلى ما يطلبه من الفضل والشرف والقبول، وخرج من ساعته إلى المدرسة لتحصيل العلوم، وكان إذ ذاك قد ذهب من عمره ثلاثون سنة.
فقال له المدرس: لعلك في سن لا ينفعك فيه التعلم، وأرى ذهنك مما لا يساعدك على أمر التحصيل، فلا بد من الامتحان، ثم أخذ يعلمه هذه المسألة التي هي من آراء إمامهم الشافعي، وقال له: قال الشيخ: جلد الكلب يطهر بالدباغة، وجعل يكرر له هذه العبارة عليه، ثم لما جاءه من الغد طلب منه أن يحكي درس أمسه الذي لقنه فقال: قال الكلب: جلد الشيخ يطهر بالدباغة، فضحك منه الحاضرون.. وعلّمه الأستاذ شيئاً آخر. وهكذا إلى أن مضى من عمر السكاكي في ذلك التعب في أمر التحصيل عشرة أعوام أخر، فيأس من نفسه بالكلية، وضاق خلقه، فخرج إلى البراري والجبال، فاتفق أنه كان يتردد يوماً في شعب الجبال، إذ وقع نظره على قليل من الماء يتقاطر من فوقه على صخرة صماء، وقد ظهر فيها ثقب من أثر ذلك التقاطر، فاعتبر بذلك وقال: ليس قلبك بأقسى من هذه الحجرة، ولا خاطرك أصلب منها، حتى لا يتأثر بالتحصيل، ورجع ثانياً إلى المدرسة بعزمه الثابت، وصمم في الأمر إلى أن فتح الله عليه أبواب العلوم والمعارف، وحاز قصب السبق على كثير من الأماثل والأقران من العظماء والأعيان.