«.. لقد كان المرحوم السيّد القاضي ".." إحدَى حسناتِ الدَّهر، وكان بحقّ من الشخصيّات العلميّة والعمليّة نادرة النّظير، إنْ لم نَقُل إنّها منقطعةُ النّظير. فهو مضافاً إلى مقاماتِه المعنويّة والعرفانيّة قامَ بتربية الكثير من الطلّاب ".." لقد كان طلّابُه من الشخصيّات الكبيرة ".." كالمرحوم السيّد الطّباطبائي [صاحب تفسير الميزان] ".." وفي أيّامنا الأخيرة هذه، المرحوم الشّيخ بهجت ".." كان [السيّد القاضي] من حيث معاني السّلوك والعرفان وما إلى ذلك من النّوادر القلائل..».
هكذا عرّفَ وليُّ أمر المسلمين الإمام الخامنئي حفظه الله أستاذَ العرفاء، الفقيهَ المتألّه، آيةَ الله السيّد علي القاضي الطّباطبائي التّبريزي قدّس سرّه، (1285 - 1365 للهجرة)، أحد أبرز الفُقهاء العُرفاء والفلاسفة وأساتذة الأخلاق في تاريخ الحوزة العلميّة في النّجف الأشرف وقمّ المقدّسة.
ما يلي، ترجمة عربيّة خاصّة بـ «شعائر» لِنَصِّ وصيّة السيّد القاضي رضوان الله عليه، والتي حرّرها قبَيل أشهرٍ من وفاته في النّجف الأشرف.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمدُ لله الّذي لا يبقى إلّا وَجْهُه، وَلا يَدومُ إلّا مُلْكُه، وَالصّلاةُ والسّلامُ على خَاتَم النَّبيّين الذي هـو البَحرُ، والأئمّةِ الأَطْهارِ من عترتِه، جَواريه [الجواري أي السُّفُن] وفُلْكِه، صلّى الله عليه وعليهم ما سُلِكَ سِلْكُه ونُسِكَ نُسْكُه.
وبعد، فالوصيّة من جملة السُّنَن الواجبة، و(أنا) العبدُ العاصي، عليُّ بن حسين الطّباطبائي، كتبتُ وصيّةً عدّة مرّات، وهذه [أكتبها] في هذا التّاريخ، يومَ الأربعاء الثّاني عشر من صفر سنة خمس وستّين وثلاثمائة وألف [1365 للهجرة = 1946 ميلاديّة، وقد وردَ في بعض التّرجمات العربيّة لوصيّته قدّس سرّه، قولُه إنّ هذه الوصيّة ناسخة لما قبلَها من الوصايا]، وهذه الوصيّة في فصلَين اثنَين.
الفصلُ الأوّل في الأمور الدّنيويّة، والفصلُ الآخر في الأمور الأُخرويّة. أُقدِّمُ ذِكرَ الدّنيا كما قدَّمَ ذكرَها الحقُّ -تبارك وتعالى- في الخِلْقَة وفي الذِّكر [القرآن الكريم].
***
[ورد في التّرجمة العربيّة المشار إليها آنفاً تعيينُه رضوان الله عليه بعضَ أفراد أسرتِه وصيّاً على شؤونه الدّنيويّة بعد وفاته، وإلزامَه أبناءه بالتزام أمر الوصيِّ المعيّن، لكنّ النصّ الفارسيّ المتداوَل للوصيّة لا يتضمّن هذه الفقرة، وإنّما وردتْ مكانها الفقرة الآتية]
ثمّ إنّ من جملة الدّيون، خمسين توماناً هي مالُ وصيّةِ [المال الموصى به] مَن رُتْبَتُه في عِليّين، الحاج السيّد قريش القزويني، ومن بعده قبضَها الحاج إمام قُلي، ومن الحاج قُلي وصلتْ إلى والد الحقير رضوان الله عليهم أجمعين، ويجب أن يصلَ هذا المبلغ إلى يدِ من له أهليّة ذلك، بحيث يُقيم ".." مجالسَ التّعزية في عشرة محرّم، فينال شيئاً منها قارئُ العزاء، ولا تُصرَف في الشّاي والقهوة وأمثالهما، إنْ شاء الله تعالى.
وإذا عرّفتُ شخصاً آخر، فسأكتبُ [اسمه] في هامشِ هذه الوصيّة، وإذا خطرَ [لي] تغييرٌ وتبديلٌ فَسيُدوَّن في آخرِ هذه الورقة.
***
الفصلُ الثّاني في الأمور الأُخرويّة، وعمدتُها التّوحيد. يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ..﴾ النساء:48.
هذا المطلب لا تُنال حقيقتُه بسهولة، ولم أرَ حتّى الآن من أولادي (أنا العبد) مَن هو جاهزٌ لتعليم ذلك. ولم أُعيِّن من أصحابي وصيّاً في الأمور الأُخرويّة حتّى آمركم باتّباعه. إحمِلوا عنّي -على وجه العَجل- هذه الشّهادة:
أشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وَحْدَه لا شَريكَ لَه، كما شَهِد اللهُ لِنفْسِه وملائكَتُه وأُولوا العِلم مِن خَلقِه، لا إلهَ إلّا هو العزيزُ الحَكيم، إلهاً واحداً أحداً صمداً لم يَتّخِذ صاحِبةً ولا وَلداً. لا شَريكَ لَه في الوجودِ ولا في الأُلوهيَّة ولا في العُبوديَّة، وأُشهِدُ اللهَ سُبحانَه وملائكَتَه وأنبياءَه وسماءَه وأرضَه ومَن حَضَرني مِن خَلقِه، وما يُرى وما لا يُرى، وأُشهِدُكم يا أهلي وإخواني علَى هَذه الشّهادَة، بَل كلَّ مَن قَرأ هذا الكتابَ وبَلغَتْه شهادتي، واتَّخِذُكم جميعاً شاهداً وكفَى باللهِ شَهيداً. وأَشهَدُ أنّ مُحمّداً عَبدُه ورَسولُه، جاءَ بالحَقِّ مِن عِندِه وصَدَّق المُرسَلينَ، وأنّ أوصياءَه مِن عِترَتِه اثنَا عشَر رجُلاً، أَوَّلُهم أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالب، وآخِرُهم الإمامُ المُنتظَرُ القائمُ بالحقِّ، وأنّه سوف يَظهرُ ويُظهِرُ نورَ الحقّ، صلّى اللهُ عليهِ وعلَيهم أجمَعين.
وأشهَد أنّ البَعثَ حقٌّ والنُّشورَ حَقٌّ وكلَّ ما جاءَ به رَسولُ اللهِ أو قالَه أوصياؤهُ صلّى اللهُ علَيه وعلَيهم حَقٌّ لا ريبَ فيهِ. أسألُ اللهَ المَوتَ علَى هَذه الشَّهادَةِ، وهو حَسبُنا جَميعاً ونِعْمَ الوَكيلُ، والحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمين.
أمّا الوصايا الأُخرى، فعمدتُها الصّلاة، لا تتّخذوا الصّلاةَ [شأناً] سوقيّاً. أَدّوها في أوّلِ وقتِها بخضوعٍ وخشوع. إذا حافظتُم على الصّلاة، فسوف تُحفَظ جميعُ شؤونِكم. لا يُترَك تسبيحُ الصِّدّيقة الكبرى سلام الله عليها و[قراءة] آية الكرسيّ في تَعقيب الصّلاة... هذه هي الواجبات.
وفي المستحبّات، لا تَتهاونوا في إقامة العزاء وزيارة مولانا سيّد الشهداء عليه السلام. ومجلسُ العزاء الأسبوعيّ -ولو حضره شخصان أو ثلاثة- سببُ تسهيلِ الأمور (من دواعي الفَرَج). وإذا أمضيتُم العمرَ من أوّلِه إلى آخرِه في خدمة الإمام الحسين عليه السلام بإقامةِ العزاء والزّيارة وغيرهما، فإنّ حقَّه سلام الله عليه لن يُؤدَّى أبداً. وإذا لم يتيسّر ذلك بنحوٍ أسبوعيّ، فلا يُترَك في عشرة محرّم الأولى.
وبعد، وَلَو أنّ هذه الكلمات بمَنزلة الضّربِ على الحديد البارد، ولكن لزاماً عليّ (أنا العبد) أن أقولها: طاعة الوالدَين، حُسْنُ الخُلُق، ملازمةُ الصّدق، موافقةُ الظّاهرِ للباطن، ترْكُ الخدعةِ والحيلة، المبادرةُ والسَّبقُ إلى السّلام [التّحيّة]، الإحسانُ إلى كلِّ بَرٍّ أو فاجر، إلّا في المواردِ التي نَهى اللهُ تعالى عنها. هذه [العناوين] ذكرتُها، فَلْتَتعاهدوا نظائرَها. الله الله الله في أن تُؤذوا أحداً (قلبَ أَحَد).
اكسَبْ [ودَّ] القلوبِ، ما قدرتَ على ذلك * فإنّ أذيّةَ القلبِ ليستْ بمَهارة (حَذَاقة)
(ترجمة بيت شعر بالفارسيّة)
عليّ بن الحسين الطّباطبائي