الطالب الكهل
كان السكاكي في بداية أمره حدادا، فصنع ذات يوم محبرة صغيرة من حديد وجعل لها قفلا عجيبا وأهداها إلى ملك زمانه.
فلما أحضر بين يدي الملك، تعجب الملك من صنعته ولكن لم يرحب به كثيرا ولم يحتف به كما كان يتصور. واتفق في هذا الوقت أن دخل رجل إلى الملك وكان السكاكي حاضرا، فقام الملك احتراما لذلك الرجل وأجلسه في محله، فسأل عنه السكاكي فقيل انه من العلماء ، ففكر السكاكي في نفسه أنه لو كان من هذه الطائفة لكان أقرب إلى ما كان يطلبه من الفضل والشرف والقبول. خرج من ساعته لتحصيل العلوم وكان إذ ذاك قد ذهب من عمره ثلاثون سنة.
وذات يوم قال له المدرس: لعلك في سن لا ينفعك فيه التعلم وأرى أن ذهنك لا يساعدك على اكتساب العلم.ثم أخذ يعلمه هذه المسألة "قال الشيخ جلد الكلب يطهر بالدباغة" وجعل يكررها عليه. فلما كان من الغد جاء السكاكي وطلب منه أستاذه أن يعيد الدرس الذي قرأه بالأمس فقفال السكاكي: قال الكلب جلد الشيخ يطهر بالدباغة. فضحك منه الحاضرون.
يئس السكاكي من نفسه وضاق صدره فخرج إلى البراري والجبال فاتفق أن رأى قليلا من الماء يتقاطر من فوق جبل على صخرة صماء، وقد ظهر فيها ثقب من أثر ذلك التقاطر، فاعتبر بهذه وقال: ليس قلبي بأقسى من هذه الصخرة ولا خاطري بأصلب منها حتى لا يتأثر بالدرس والتحصيل، ورجع ثانية إلى المدرسة بعزمه الثاقب حتى فتح الله عليه أبواب العلوم والمعارف وحاز قصب السبق على جميع أهل زمانه1 .
المصدر: قصص الأبرار، الشيخ مرتضى مطهري، التعارف، ص109-110.