عندما كنت صغيراً في مطلع دراستي، مشتغلاً بعلم الصرف والنحو، لم أجد في نفسي رغبةً في مواصلة التحصيل والدراسة، بل أمضيت أربع سنواتٍ من عمري أقرأ، بيد أنّي لا افهم ماذا أقرأ، ولكنّني انقلبت فجأةً بعد أن شملتني العناية الإلهية، بحيث وجدت نفسي فاهماً مجدّاً مدفوعاً بنبضٍ داخليٍّ خاصٍّ إلى تحصيل الكمال، فمنذ ذلك الوقت إلى أواخر أيام دراستي التي استمرّت زهاء سبع عشرة سنة، ما كسلت وما توانيت في طلب العلم، حتى نسيت حوادث الدهر وملذّات الحياة وتعاستها، وانقطعت من كلّ أحدٍ وكلّ شيءٍ باستثناء أهل العلم، مقتصراً في حياتي على الحدّ الأدنى، مقتنعاً بالضروريات من لوازم الحياة، صارفاً ما تبقّى من الوقت في المطالعة.
طالما قضيت الليل في القراءة حتّى شروق الشمس، خصوصاً في فصلي الربيع والصيف، وحين كان يعترضني إشكالٌ علميٌّ، كنت أجهد لمعالجته وحلّه بكلّ الوسائل والسبل، حتى عندما كنت أحضر درس الأستاذ كنت مستوعباً من قبل لما يقوله، بحيث لم أقع أبداً بمشكلة- نظير اشتباه أو سوء فهم- أمام الأستاذ.
من حياة العلامة الطباطبائي، بقلمه...