هكذا مـهـِّد...
"... ولو أنّ أشياعنا وفّقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد لما تأخّر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقّ المعرفة وصدقها منهم بنا..." من توقيعه عجل الله تعالى فرجه الشريف الصادر إلى الشيخ المفيد.1
لا شك أنّ هناك نوعين من الانتظار أحدهما: يعبر عنه بالانتظار السلبي، وهو يعني القعود وترك العمل للظروف وحوادث الأيّام والثاني: هوالانتظار الإيجابي الذي يقترن بالعمل والجهاد وإعداد العدّة والاستعداد لظهور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف المبارك.
وباعتبار أنَّ الإمام إنّما غاب نتيجة عدم نضوج الظروف الموضوعيّة لقيامه بالأمر، يكون الانتظار هو العمل على انضاج الظروف الموضوعيّة للمشروع المهدويّ، بمعنى العمل على استرجاع الغائب من غيبته، ولذا كان التعبير في التوقيع المذكور آنفاً.
"... ولتعجّلت لهم السعادة بمشاهدتنا...".
فالإنتظار يعني العمل والتمهيد، أي تمهيد الأرض لقيام دولة العدل الإلهيّ.
وإنّه لشرف أعظم الشرف أن يكون المرء فاعلاً في تحقّق المشروع الإلهيّ هذا.
سؤال:هل تستقيم للإمام عليه السلام الأمور بلا عمل؟
الجواب:نقرأه في إجابة الإمام الصادق عليه السلام لمن قال له: إنّهم يقولون: إنّ المهديّ لو قام لاستقامت له الأمور عفواً ولا يهريق محجمة دم، فقال عليه السلام: "كلا، والذي نفسي بيده لو استقامت عفواً لاستقامت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين أدميت رباعيته وشجّ في وجهه، كلا والذي نفسي بيده حتى نمسح نحن وأنتم العرق والعلق ثم مسح جبهته".2
ما أعظمها من رواية تلخّص المطلوب لنحقّق المشروع الإلهيّ الأعظم الذي يتحقق من خلال:
1- حضور الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف وقيادته للمشروع...حين قال:... نحن...
2- وجود أنصار مهيّأون وجاهزون... قال:... وأنتم...
3- العمل مشترك من القيادة (الإمام) والقاعدة حيث عبر بـ:... نمسح...
4- العمل على نوعين:
أ- جهدّ وكدّ وتعب: "... نمسح العرق...".
ب- جهادٌ بما يعني الجرح والقتل:... نمسح... والعلق...".
واللافت أن الإمام استخدم القَسَم مرتين بالذي نفس المعصوم بيده، مكرراً النفي بكلا بعد كِلا القَسَمين، الأولى لنفي التوهّم الوارد في السؤال عن عدم الحاجة إلى العمل والجهاد للتمهيد. والثاني لتأكيد احتياج الأمر إلى جهادٍ وبذل دماء.
وهذا يعني وجود أفراد على جهوزيّةٍ عالية عقائديّاً ونفسيّاً وبدنيّاً ومن حيث الكفاءات لاستقامة أمر القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف.
هل الإعداد فرديّ؟
بمعنى أنّ المطلوب والكافي هو أن تكون حركة التمهيد حركةً فرديّة، أي أن يصلح كلّ فردٍ نفسه على حده، أو أنّ التمهيد عمليّة جماعيّة.
بالنظر إلى مشروع الدولة المهدويّة نستنتج أنّه مشروع شموليّ يشمل كلّ البشر، ولا يشمل فيهم الحياة الفرديّة، بل يشمل النظام العام والحياة العامّة من حكومة وأنظمة وغير ذلك.
فالرواية تعبر بـ: "... يملؤها قسطاً وعدلاً...".3
لا تعني فقط ملء الأمكنة والبلدان بل تشمل نواحي الحياة ولجميع أشكالها.
وهذا يفترض وجود أفراد على كفاءة في كافّة هذه الميادين.
ثمّ إنّ العقبات التي تحول دون قدومه عجل الله تعالى فرجه الشريف والتي قد تواجه مشروعه بعد قدومه المبارك ليست أفراداً فقط، بل هي دول وأنظمة وجماعات منحرفة وظالمة وطاغية فهل يا ترى يمكن إزالة هذه المعوقات ومجابهتها بشكل فرديّ؟...
من الذي يقوم بقيادة عملية التمهيد؟
إذا كانت عمليّة التمهيد عمليّة جماعيّة فهي تحتاج إلى أجهزة كما تحتاج أفراداً، وهي بما أنّها مشروع جماعيّ تفرض وحدة، والوحدة تفترض قيادة موحدة.
لننظر ما يقوله التوقيع الشريف: "لو أنّ أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخّر عنهم اليمن بلقائنا...".
المكاتبة تتحدّث عن شرط الظهور وهو اجتماع القلوب، وهو عين معنى الوحدة والاجتماع وقوام الوحدة الوفاء بالعهد للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف أي اجتماع على قضية المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.
ومن نافل القول إنّ الانتماء العقائديّ لا يكفي لأنّه لو كان هو الشرط لكان الخروج من زمن قديم، بل إنّ الوحدة والاجتماع هما في إطار العمل وصبّ الجهد في مشروع التمهيد، لا بشكل عشوائي، بل بشكل منظم له قيادة وله نظام، فمن هو قائد هذه الحركة وهذا النظام؟
"أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا...".4
القائد لحركة الممهّدين هو الوليّ الفقيه. فالوليّ الفقيه هو قائد هذه الحركة الجماعيّة والموحّدة، التي تحمل توقاً إلى الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وهو الذي يقوم برعاية الجماعات والأفراد والأجهزة والمؤسّسات، التي تعمل على التهيؤ لاستقبال واستقدام الإمام من غيبته، بما يحتاج إليه من أفراد وأجهزة ومؤسّسات ذوي كفاءة ومهارات وجهوزيّة للشروع في الحركة الإصلا حيّة، أولاً للعالم تحت لواء الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف ثم بناء وإدارة دولة العدل الإلهيّ على كلّ الأرض وقد ورد في صفتهم ودورهم: "... هم النجباء والقضاة والحكام...".5
ولهذا نقرأ في الرواية الواردة عن الإمام الرضا عليه السلام في حقّ العلماء:"لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم من العلماء الداعين إليه، والدالّين عليه، والذابّين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته، ومن فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلا ارتدّ عن دين الله، ولكنّهم الذين يمسكون أزمّة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانّها، أولئك هم الأفضلون عند الله عزَّ وجلَّ".6.. لاحظ إشارة الرواية إلى قيادة هؤلاء، حيث شبّههم الإمام الرضا عليه السلام بربّان السفينة.
هكذا أنصر...
هل نحن من أنصار الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف ؟
إنّ نصرة صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف والإنضواء تحت لوائه والتشرّف بخدمته توفيق إلهي.
فالحضور في ساحة الإمام والقتال بين يديه ونصرته، يحتاج إلى لياقة من نوع خاصّ وإعداد متميّز. تتناسب مع طبيعة الأهداف الكبرى. عن الإمام الباقر عليه السلام: "فيا طوبى لمن أدركه وكان من أنصاره".7
ويمكن أن نرصد، ومن خلال الروايات والآثار طبيعة هذه المواصفات، ليتشرّف الإنسان بخدمة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف والقتال بين يديه.
كيف نكون من أنصار الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف ؟
يمكن أن نتلمّس مواصفات أنصار الحجّة من خلال الروايات التالية:
الفداء والطاعة
عن الصادق عليه السلام في وصف أنصاره عجل الله تعالى فرجه الشريف قال: "يقونه بأنفسهم في الحروب، ويكفونه ما يريد فيهم.. ينصر الله بهم إمام الحق".8
النشاط في العبادة والجهاد
ورد في الحديث: "رجال لا ينامون الليل، لهم دويّ في صلاتهم كدويّ النحل، يبيتون قياماً على أطرافهم، ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل ليوث بالنهار، هم أطوع له من الأمة لسيّدها، كالمصابيح كأنّ قلوبهم القناديلُ، وهم من خشية الله مشفقون".9
تمنّي الشهادة
عن الصادق عليه السلام قال: "يدعون بالشهادة ويتمنّون أن يقتلوا في سبيل الله".10
الالتزام بالنظام
ويشير إلى ذلك ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام من أنّه قال فيهم: "كأنّي أنظر إليهم والزيّ، والقدّ واحد، والحسن واحد، والجمال واحد، واللباس واحد، كأنّما يطلبون شيئاً ضاع منهم".11
الثبات على الأمر
عن الصادق عليه السلام أنّه قال: "ورجال كأنّ قلوبهم زبر الحديد، لا يشوبها شكّ في ذات الله، أشدّ من الحجر، لو حملوا على الجبال لأزالوها".12
وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "والله ليغيبنّ إمامكم سنيناً من دهركم، ولتمحصّن حتى يقال: مات، قتل، هلك، بأيّ واد سلك...".13
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ علياً وصيّي ومن ولده القائم المنتظر المهديّ، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. والذي بعثني بالحق بشيراً ونذيراً، إنّ الثابتين على القول بإمامته في زمان غيبته لأعزّ من الكبريت الأحمر، فقام إليه جابر بن عبد الله فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وللقائم من ولدك غيبة؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: أي وربي ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِين﴾، يا جابر إنّ هذا أمر من أمر الله، وسرّ من سرّ الله، فإيّاك والشك، فإنّ الشك في أمر الله عزَّ وجلَّ كفر".14
الإخلاص والتسليم
سئل الإمام محمّد التقيّ عليه السلام: لمَ سمّي القائم؟ قال: "لأنّه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته. فقلتُ: ولمَ سمّي المنتظر؟
قال: لأنّ له غيبة يكثر أيّامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزيء بذكره الجاحدون، ويكذب فيها الوقاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلّمون".15
الصبر على الأذى
عن سيد الشهداء عليه السلام: "أما إنّ الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب، بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ".16
الانتظار
عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "أفضل العبادة انتظار الفرج".17
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "من مات منتظراً لهذا الأمر، كان كمن كان مع القائم في فسطاطه".18
وأنت أيّها العزيز انظر إلى هذه المواصفات العالية لأصحاب الإمام، ولنقس كم لدينا من نسبة مئوية إلى هذه الصفات، لا شكّ أنّ هؤلاء لم يحصلوا على هذه الصفات، ولم يتحلّوا بها، إلا بعد عمل دؤوب وكدّ وجهاد نفس ومعاناة، وإذا كانت الجائزة هي صحبة ونصرِة مولانا صاحب العصر والزمان، والمهر هذه الصفات فلا يغلو في سبيل ذلك ثمن.
هكذا كن معه...
عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام: "اللهم عرّفني نفسك فإنّك إنّ لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك، اللّهم عرّفني رسولك فإنّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك، اللهم عرّفني حجّتك فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني".19
إنّ هذا الدعاء يتحدّث عن أول واجبات العلاقة مع الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف المقدم على كلّ واجب منها، ألا وهو معرفة الإمام التي لا تكون إلا بتوفيق وتيسير من الله، وبتوسّط معرفة الله ورسوله.
"لولا الحجّة لساخت الأرض بأهلها".20
إن أي علاقة مع الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف إنّما تختلف بعمقها وسموها بحسب نوع المعرفة وعمقها ودرجتها.
"من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية".21
والواجب أن تكون علاقتنا به علاقة مأموم بإمام يرجع إليه في كل تفاصيل حياته، وهناك آداب ذكرتها الروايات الشريفة، سنقتصر على ذكر ثلّة منها وهي:
1- مؤاساته في غيبته تألّماً وبكاءً واشتياقاً لرؤيته:
وهذه الآداب ممّا تواترت بها الروايات والأدعية والزيارات عن أئمّة الهدى.
والتي تؤكد في النفس شدّة تألّمه هو نفسه من طول غيبته وغربته، الموجبة لتألّم وتحرّق محبّيه مؤاساتاً له، فمن دعاء الندبة نقرأ:"عزيز عليّ أن تحيط بك دوني البلوى، ولا ينالك منّي ضجيج ولا شكوى".22
وهذا يومئ إلى ضرورة تأصيل ليس فقط الحرق والغصة والألم لفراقه وطول غيابه، بل المشاركة له في تحمّله ألم الفراق، لأنّه أشدّ شوقاً إلى الإياب من غيبته من أيّ مشتاق آخر، ولذا هو أشدّ ألماً من أيّ متألّم آخر، ويفترض أن تكون هذه الشكوى وهذا الألم والبكاء بشكل جماعيّ ومشترك:"... هل من معين فأطيل معه العويل والبكاء، هل من جزوع فأساعد جزعه إذا خلا، هل قذيت عين فساعدتها عيني على القذى".23
ولقد كان أئمّة أهل البيت يتحرقون شوقاً إليه، ويتألّمون من غيبته فهذا أمير المؤمنين علي عليه السلام يؤمئ إلى صدره قائلاً: "هاه من شدة شوقه إلى رؤيته، وهذا صادق أهل البيت عليهم السلام يناديه ملتاعاً متألّماً:"سيدي غيبتك نفت رقادي، وضيقت عليّ مهادي، وابتزّت منّي راحة فؤادي، سيدي غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد، فقد الواحد بعد الواحد يفني الجمع والعدد، فما أحس بدمعة ترقى من عيني وأنين يفتر من صدري عن دوارج الرزايا وسوالف البلايا...".24
فإذا كان هذا حال أئمّة الهدى فما بالنا لا نردّد بالقلب قبل اللسان:"اللهم أرني الطلعة الرشيدة والغرّة الحميدة واكحل ناظري بنظرة منّي إليه...".25
ولعلّنا نستطيع أن نعد من آيات الشوق لرؤية طلعته البهيّة في دعاء الندبة أكثر من ثلاثين فقرة ينادي بها الدعاء أين... أين... أين.
وفيه:"... بنفسي أنت أمنية شائق يتمنى، من مؤمن ومؤمنة ذكرا حنا".26
"هل إليك يا بن أحمد سبيل فتلقى".27
2- الصلاة عليه والدعاء له بالفرج
وهذا أيضاً ممّا تمتلئ به نصوص العترة الطاهرة على اختلافها فمن دعاء الافتتاح:"اللهم وصلّ على وليّ أمرك القائم المؤمّل والعدل المنتظر...".28
والدعاء نفسه أيضاً فيه فقرات عظيمة من الدعاء بفرجه.
وفي غير دعاء الافتتاح نقرأ:"وصلّ على الخلف الصالح الهادي المهدي... اللّهم وصلّ على وليّك المحيي سنّتك القائم بأمرك الداعي إليك والدليل عليك...".29
3- التوسل به في المهمات وطلب الحوائج
إنّ الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف هو وليّ الله في أرضه، وعين الله في خلقه، وهو باب الله الذي ورد في دعاء الندبة: "... أين باب الله الذي منه يؤتى، أين وجه الله الذي إليه يتوجه الأولياء، أين السبب المتّصل بين أهل الأرض والسماء...".30
وقد ورد أيضاً عن الإمام الرضا عليه السلام: "إذا نزلت بكم شدّة فاستعينوا بنا على الله عزَّ وجلَّ".
ولقد كانت سيرة العلماء والعرفاء أنّهم إذا أهمّهم ا مر ونزلت بهم حاجة أو ضائقة توسلوا بأهل بيت العصمة عليهم السلام، لا سيما حجّة الله عجل الله تعالى فرجه الشريف لطلب الفرج.
ونذكر في هذا الاطار حادثة: "في أثناء حرب عناقيد الغضب التي شنّها الصهاينة على المقاومة الإسلاميّة وبعد تفاقم الأمور واشتدادها وشعور الإمام الخامنئي بالخطر الشديد قام} بالانتقال في إحدى الليالي تلك من مقر إقامته في طهران إلى مسجد جمكران، بالقرب من قم المقدسة، وأخذ يصلّي ليلتها ويتوسل إلى الله بالإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف ليحفظ وينصر المقاومة، فلم يتأخر الأمر الإلهي بفضل الله والطاف صاحب العصر والزمان".
فهذا الإمام القائد يقطع المسافات ليصلّي وليتوسّل بالإمام في الأمور الخطيرة والمهمّة، فما بالنا لا نتأسى به.
وقد ورد عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام هذا التوسل:"اللهم إنّي أسألك بحقّ وليّك وحجّتك صاحب الزمان إلا أعنتني به على جميع أموري...".31
4- السعي والتشوق للتشرف بخدمته
ولعل ذلك من أفضل الأعمال، بل إنّ التشرّف بخدمته عليه السلام هو مقام وأيّ مقام، من خلال نشر معرفته والإيمان به وبحتميّة ظهوره والتمهيد والتوطئة له وإعداد النفس والناس لنصرته، وهذا المقام من الشرف والعظمة بحيث يتمنى الإمام الصادق عليهم السلام أن يناله فقد أجاب ردّاً على من سأله عن ولادة القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف.
"لا، ولو أدركته لخدمته مدّة حياتي".32
إنَّ الإمام الصادق عليه السلام يطمح ويتمنّى ويرجو خدمة الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف خدمة تستغرق حياته الشريفة، وكأنها عبادة لا تقاربها عبادة فضلاً وشرفاً، فماذا يبقى لأمثالنا أن يتمنى...
5- الشكوى إليه والاستعانة به على قضاء الحوائج
ورد في ذلك صلاة خاصة تسمى صلاة الاستغاثة بالحجة.
وهذه عادة المؤمنين على طول عهد الأئمة عليه السلام أن يرجعوا إليهم في ما يعتريهم من مهمات الأمور حيث كانوا يبثونهم شكاواهم مشافهة أو عبر الكتب.
كتب رجل إلى أبي الحسن عليه السلام: إنّ الرجل يحبّ أن يفضي إلى إمامه ما يحب أن يفضي به إلى ربّه قال الرجل: فكتب عليه السلام: "إذا كانت لك حاجة فحرّك شفتيك فإنّ الجواب يأتيك".33
6- إعداد النفس واصلاحها
وإعداد النفس له عجل الله تعالى فرجه الشريف يشمل تهذيبها وتكميلها بترك المحرّمات والإقبال على الطاعات والتحلّي بالأخلاق الحميدة، كما يشمل الاستعداد البدني والتجهّز لنصرته، فقد ورد أنه عليه السلام يطّلع على أعمال شيعته كل اثنين وخميس... فماذا سيكون موقفنا إذا ما كان فيما يرفع من أعمالنا ما يؤذيه ويسيئه، وأيّ حزن سندخله على قلبه الشريف إذا ما خيّبنا أمله فينا بسبب سوء أعمالنا ألا تكفيه غربته همّاً حتى نزيد همّه.
وقد ورد في التوقيع الشريف الصادر منه إلى الشيخ المفيد:"... فما يحبسنا عنهم إلا ما يتّصل بنا ممّا نكرهه، ولا نؤثره منهم والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل".34
يا الله... الإمام يستعين بالله على مصابه بانحراف شيعته وارتكابهم الذنوب، ولعلها أسهم مسمومة تصيب قلبه الشريف. فيا أيّها العزيز أنت بالخيار بين أن ترمي إلى قلب الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف - والعياذ بالله- سهماً، أو أن تدخل في هذا القلب فرحة!!!
فعن صادق أهل البيت عليه السلام: "من سرّه أن يكون من أصحاب القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف: فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق...".35
وفي الشأن الثاني من الإعداد أي الإعداد الجهادي فهذا يتضمّن مراتب من الجهوزيّة النفسيّة والبدنيّة والتنظيميّة، فما أروع ما ينقل لنا التاريخ من أن بعض الشيعة لشدّة يقينهم وشوقهم لرؤيته كانوا ينامون وسيوفهم تحت مضاجعهم... وقد روي كذلك في الإعداد النفسي عن الإمام الصادق عليه السلام:أنّ القائل منكم إذا قال: "إن أدركت قائم آل محمد نصرته، كالمقارع معه بسيفه والشهادة معه شهادتان".36
بل إنّ للشوق لنصرته مرتبة أرقى تشمل حتى ما بعد الموت:"فأخرجني من قبري مؤتزراً كفني شاهراً سيفي مجرّداً قناتي ملبّياً دعوة الداعي في الحاضر والبادي".37
خاتمة:
في روح العلاقة معه عجل الله تعالى فرجه الشريف
إنّ المستحبّات التي ذكرتها الكتب المختصة حول آداب العلاقة مع الإمام القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف أكثر بكثير مما مرَّّ، لكن ما يستوقف المتأمّل لهذه الآداب من أدعية وصلوات وزيارات وغير ذلك هو: أنّها تفرض العلاقة على أنّها مع شخص بعينه (فلان بن فلان) موجود وليس حالة أو مشروع أو فكرة ما، فهو بالاسم ابن الإمام العسكريّ عليه السلام معروف تاريخ ولادته وغيبته وهي علاقة مع حيّ يسمع ويرى ويعمل ويعبد ويقرا وينادي... "السلام عليك حين تقوم... حين تقعد... حين تقرأ.... حين تبين.... الخ".38
ولذا فإن روح العلاقة هو أن تؤمن بحضوره
ومخاطبته كحيّ حاضر وشخص ولعلّ ما يستوقف المتأمّل أيضاً في دعاء الندبة:"... بنفسي أنت من مغيّب لم يخل منّا، بنفسي أنت من نازح ما نزح عنّا...".39
فمن الغائب يا ترى؟! ومن المنتظر يا ترى...نحن الغائبون وهو المنتظر.
"أنا بقية الله في أرضه، والمنتقم من أعدائه، فلا تطلب أثراً بعد عين يا (أحمد ابن إسحاق)".40
والحمد لله ربّ العالمين
* هكذا قم هكذا كن مع الحجة (عج)، سلسلة بين يدي القائم (عج)، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- الميرزا النوري، ج13، خاتمة المستدرك- مؤسسة آل البيت عليهم السلام الطبعة الأولى 1416هـ- قم المقدسة- إيران- ج3، ص228.
2- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة، ج53، ص177.
3- م.ن، ج52، ص358.
4- الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران، اطبعة سنة 1405هـ، ص280.
5- الحر العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة، مؤسسة أهل البيت، الطبعة الثانية 1414هـ.ق، ج27، ص140.
6- محمد بن جرير الطبري، دلائل الإمامة، ص562.
7- الطبرسي، الاحتجاج، ج2، ص260.
8- الحسن بن سليمان الحلي، مختصر بصائر الدرجات، ص213.
9- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة، ج52، ص308.
10- م.ن، ج52، ص308.
11- م.ن، ج52، ص308.
12- م.ن، ج52، ص308.
13- الطوسي (ت: 460هـ): الغيبة، تحقيق: عباد الله الطهراني، وعلي أحمد ناصح، منشورات مؤسسة المعارف الإسلامية، قم، إيران، 4 الأولى 1411هـ، ص337.
14- القندوزي، ينابيع المودة لذوي القربى، ج3، ص297.
15- الصدوق - كمال الدين وتمام النعمة- الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة - إيران- الطبعة سنة 1405 هـ. - - ص 378
16- م.ن - ص 317
17- م.ن - ص 287
18- م.ن - ص 338
19- الكليني-الكافي- دار الكتب الإسلامية – طهران - الطبعة الخامسة - ج 1 - ص 337
20- النمازي - علي - مستدرك سفينة البحار - مؤسسة النشر الإسلامي- ج 5 - ص 278
21- الحر العاملي - محمد بن الحسن - وسائل الشيعة - مؤسسة أهل البيت - الطبعة الثانية 1414 هـ.ق.- ج 16 - ص 246
22- ابن طاووس - إقبال الأعمال - ج 1 - ص 510
23- م.ن - ج 1 - ص 511
24- كتاب الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني - ص 222
25- الصدوق - كمال الدين وتمام النعمة- الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة - إيران- الطبعة سنة 1405 هـ. - ص 353
26- المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانية المصححة - ج 53 - ص 96
27- ابن طاووس - إقبال الأعمال - ج 1 - ص 510
28- م.ن - ج 1 - ص 511
29- الطوسي - مصباح المتهجد - ص 408
30- ابن طاووس - إقبال الأعمال - ج 1 - ص 509
31- المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانية المصححة - ج 91 - ص 5
32- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة، ج51، ص148.
33- م.ن، ج50، ص155.
34- م.ن، ج53، ص177.
35- م.ن، ج52، ص140.
36- الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الخامسة، ج8، ص81.
37- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة، ج53، ص96.
38- م.ن، ج53، ص171.
39- ابن طاووس، إقبال الأعمال، ج1، ص510.
40- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة، ج52، ص24.