أجمع المسلمون على أن نبي الله عيسى عليه السلام ينزل من السماء إلى الأرض في آخر الزمان ، قال الله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) .(النساء:159) ، وقال تعالى: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) (الزخرف:61) . والمعنى: أن عيسى عليه السلام آية من آيات الساعة ، وما من أحد من أهل الكتاب النصارى واليهود إلا سيؤمن بعيسى عليه السلام عندما ينزله الله إلى الدنيا ويرونه ويرون آياته . قال الإمام الباقر عليه السلام : (ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا ، فلا يبقى أهله ملة يهودي ولانصراني إلا آمن به قبل موته ، ويصلي خلف المهدي). (البحار:14/530).
فالحكمة من رفعه إلى السماء أن الله تعالى ادَّخره لدور عظيم في مرحلة حساسة من التاريخ ، يكون أتباعه وعُبَّاده فيها أكبر قوة في العالم ، وأكبر عائق أمام وصول نور الهدى الى الشعوب ، وإقامة دولة العدل الإلهي العالمي .
لهذا من الطبيعي أن ينزل المسيح عليه السلام في بلادهم ، وأن تَعُمَّ العالم المسيحي مظاهرات شعبية عارمة ، ويعتبروا نزوله نصراً لهم في مقابل ظهور المهدي عليه السلام في المسلمين . ومن الطبيعي كذلك أن يزور المسيح عليه السلام بلادهم المختلفة ، ويظهر الله على يديه أنواع المعجزات ، ويهتدي على يديه أعداد كبيرة .
وستكون أول ثمرات نزوله عليه السلام تخفيف عداء الغربيين للإسلام والمهدي عليه السلام وعقد اتفاقية سلام وعدم اعتداء بين الدول الغربية والإمام المهدي عليه السلام .
وقد تكون صلاة عيسى خلف المهدي عليهما السلام بعد سنين من نزوله ، وذلك عندما تنقض الدول الغربية معاهدة الصلح وتحشدون جيوشها لغزو المنطقة وحرب المهدي عليه السلام ، عند ذلك يتخذ المسيح عليه السلام موقفه الصريح إلى جانب المسلمين ويأتم بإمامهم عليه السلام . أما كسره الصليب وقتله الخنزير الذي روته مصادر السنيين ، فالمعقول أن يكون بعد هزيمة الغربيين في معركتهم مع المهدي عليه السلام ، ودخوله هو والمسيح عليهما السلام الى عواصمهم واستقبال أهلها لهما بالهتاف والتكبير .
البيان في أخبار صاحب الزمان عليه السلام /528: (قال مقاتل بن سليمان ، ومن شايعه من المفسرين في تفسير قوله عز وجل: وإنه لعلم للساعة ، قال: هو المهدي عليه السلام يكون في آخر الزمان).وعنه كشف الغمة:3/280 ، والصواعق/162 ، وحلية الأبرار:2/724 ، وينابيع المودة/301 .
وقال تعالى: (إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ . وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ). (آل عمران:45-46) ومعنى: وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ: ما حدث عند ولادته عليه السلام . وَكَهْلاً: عندما ينزل من السماء ، لأنه رُفع وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة أي قبل الكهولة ، وعن ابن عباس أنه ابن ثلاثين(البغوي:2/77) والكهولة تبدأ من بدأ خط الشيب كما نص اللغويون . قال الراغب/442: ( الكهل من وَخَطَهُ الشيب... وأكتهل النبات إذا شارف اليبوسة مشارفة الكهل الشيب) . وفي مجمع البيان:2/295: (وكهلاً، بعد نزوله من السماء ليقتل الدجال ، وذلك لأنه رفع إلى السماء وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة وذلك قبل الكهولة، عن زيد بن أسلم).
وذكر الطبري في تفسيره:3/371 ، رأي من قال بأن عيسى عليه السلام كلم الناس في المهد وكهلاً قبل رفعه الى السماء، ثم قال: (وقال آخرون: معنى قوله: وكهلاً ، أنه سيكلمهم إذا ظهر . ذكر من قال ذلك... ثم رواه عن ابن زيد . ونسبه الثعلبي في تفسيره:3/69، الى الحسن بن الفضل البجلي وكذا الرازي:8/55 ، وقال البغوي:1/308:قيل للحسين بن الفضل: هل تجدون نزول عيسى في القرآن؟قال: نعم ، قوله: وكهلاً ، وهو لم يكتهل في الدنيا وإنما معناه وكهلاً بعد نزوله من السماء).انتهى.
وبذلك تعرف ضعف تفسير من قال إن تكليمه الناس كهلاً قد تمَّ قبل رفعه الى السماء ، كالبيضاوي:2/40 ، والزركشي:3/67، والسيوطي في الدر المنثور:2/24، لكنه روى بعده/50 ، عن ابن عباس: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ: يقول: عبيدك قد استوجبوا العذاب بمقالتهم ، وإن تغفر لهم أي من تركت منهم فنزلوا عن مقالتهم ، ووحدوك وأقروا أنا عبيد، وإن تغفر لهم حيث رجعوا عن مقالتهم ، فإنك أنت العزيز الحكيم). وعنه التصريح في نزول المسيح للكشميري/292 .
الكتاب : المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي عليه السلام
سماحة الشيخ علي الكوراني