اللحظات الأخيرة من عمر النبي (صلى الله عليه وآله) :
وكان علي (عليه السلام) ملازماً للرسول (صلى الله عليه وآله) ملازمة ذي الظل لظلّه حتى آخر لحظات حياته الشريفة وهو يوصيه ويعلّمه ويضع سرّه عنده. وفي الساعة الأخيرة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ادعوا لي أخي ـ وكان(صلى الله عليه وآله) قد بعثه في حاجة فجاءه بعض المسلمين فلم يعبأ بهم الرسول (صلى الله عليه وآله) حتى جاء علي (عليه السلام) فقال (صلى الله عليه وآله) له: اُدن مني. فدنا علي (عليه السلام) فاستند إليه فلم يزل مستنداً إليه يكلّمه حتى بدت عليه(صلى الله عليه وآله) علامات الاحتضار[1]، وتوفّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو في حجر علي(عليه السلام) . كما قد صرّح بذلك علي (عليه السلام) نفسه في إحدى خطبه[2] الشهيرة.
وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) ومراسم دفنه :
ولم يكن حول النبي (صلى الله عليه وآله) في اللحظات الأخيرة إلاّ علي بن أبي طالب وبنو هاشم ونساؤه. وقد علم الناس بوفاته (صلى الله عليه وآله) من الضجيج والصراخ الذي علا من بيت الرسول (صلى الله عليه وآله) حزناً على فراق الحبيب، وخفقت القلوب هلعة لرحيل أشرف خلق الله.
وانشغل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وأهل بيته بتجهيز الرسول (صلى الله عليه وآله) ودفنه فقد غسّله عليّ من دون أن ينزع قميصه وأعانه على ذلك العباس بن عبد المطلب ابنه والفضل وكان يقول: بأبي أنت وأمي ما أطيبك حيّاً وميّتاً[3].
ثم وضعوا جسد الرسول (صلى الله عليه وآله) على سرير وقال علي (عليه السلام): إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إمامنا حياً وميتاً فليدخل عليه فوج بعد فوج فيصلّون عليه بغير إمام وينصرفون. وأوّل من صلى على النبي (صلى الله عليه وآله) علي (عليه السلام) وبنو هاشم ثم صلّت الانصار من بعدهم[4].
ووقف علي (عليه السلام) بحيال رسول الله(صلى الله عليه وآله) وهو يقول: سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته اللهم إنّا نشهد أن قد بلّغ ما اُنزل اليه ونصح لاُمته وجاهد في سبيل الله حتى أعزّ الله دينه وتمّت كلمته، اللهم فاجعلنا ممن يتّبع ما أنزل الله إليه وثبّتنا بعده واجمع بيننا وبينه، فيقول الناس: آمين، حتى صلّى عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان[5].
وحفر قبر للنبي(صلى الله عليه وآله) في الحجرة التي توفي فيها. وحين أراد علي (عليه السلام) أن ينزله في القبر نادت الأنصار من خلف الجدار: يا علي نذكرك الله وحقّنا اليوم من رسول الله أن يذهب، أدخل منا رجلاً يكون لنا به حظّ من مواراة رسول الله. فقال (عليه السلام) ليدخل أوس بن خولي، وكان بدرياً فاضلاً من بني عوف.
ونزل عليّ (عليه السلام) الى القبر فكشف عن وجه رسول الله ووضع خدّه على التراب، ثم أهال عليه التراب.
فسلامٌ عليك يا رسول الله يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حياً.
_____________________________________
[1] الطبقات الكبرى: 2 / 263.
[2] نهج البلاغة: خطبة 197.
[3] السيرة النبوية لابن كثير: 4 / 518.
[4] الارشاد : 1 / 187 واعيان الشيعة : 1 / 295 .
[5] الطبقات الكبرى : 2 / 291 .