لقد عاصر الإمام زين العابدين عليه السلام في مرحلتي الطفولة والفتوّة حكم معاوية بن أبي سفيان الذي تميّز بالاضطراب أولاً، ثمّ تلاه القمع في العراق، والتأزّم في الحجاز، وإقصاء السُنّة وظهور البدعة.
ولقد استشهد الإمام أمير المؤمنين علىّ عليه السلام في الكوفة في شهر رمضان من سنة أربعين للهجرة، فيما كان يعبّئ الناس لحرب جديدة مع معاوية، وإثر استشهاده عليه السلام بايع أهل العراق ولده الإمام الحسن المجتبى عليه السلام خليفة عليهم، إلاّ أنّ قلوب أغلب المبايعين لم تكن تصدّق ألسنتهم، فلا ينتظر من المتظاهرين بالتشيّع في الكوفة وفي جيش الإمام علىٍّ عليه السلام الذين آذوه إلى الدرجة التي تمنّى فيها غير مرّة الموت أن يكون سلوكهم مع ولده الحسن عليه السلام أفضل ممّا كان معه.
وكانت الكوفة في السنوات الأخيرة من عمر الإمام علىّ عليه السلام تضمّ مختلف الاتجاهات والجماعات، فكان هنالك اللاهثون وراء السلطة، الطامعون في أن يوليهم الخليفة الجديد منصباً ما والمسلمون الجدد الذين دفعتهم الآمال الكبيرة إلى الإعراض عن مدنهم والتوجّه إلى عاصمة الخلافة على أمل الحصول على عمل يحقّق رغباتهم، والانتهازيون من الموالي الذين تحالفوا مع هذه القبيلة العربية أو تلك لتغطّي على تآمرهم; إذ لا يجرؤون على التحرّك دون غطاء عروبي.
لقد تقوّم المجتمع الكوفي وقتذاك بهذه الجماعات التي وجّهت قدرتها لإيجاد العراقيل والعقبات أمام حركة الإمام الحسن السبط عليه السلام عندما اشترط قيس بن سعد بن عبادة بيعته للإمام الحسن عليه السلام بمحاربة أهل الشام، لكنّ الإمام اضطرّ إلى الصلح مع معاوية بعد أن كشفت أكثر قوات الإمام ما كانت تضمر من أهداف تآمرية على شخص الإمام، والمخلصين من أصحابه بإنضواء بعضهم تحت لواء معاوية، وبثّهم الإشاعات التي أسفرت عن التخاذل المقيت، حتى كتب من كتب منهم إلى معاوية بتسليمهم إمامهم وقائدهم إلى معاوية.
لقد امتازت الفترة الواقعة بين سنة (41 هـ ) وسنة (60 هـ ) بتشديد القهر والقمع على أتباع أهل البيت عليهم السلام في العراق، ويتبيّن من خلال تعامل معاوية مع زعماء هذه المنطقة ـ الذين كانوا يلتقونه بين الحين والآخر الدرجة التي بلغها سخطه على أهل العراق. وقد انكفأ السياسيون العراقيون الذين خدعوا في حرب صفّين وسلّطوا أهل الشام على مقدراتهم في بيوتهم إبّان حكم معاوية، لكنّهم كانوا ينتظرون أن تسنح لهم فرصة جديدة للتحرك.
ومن جهة اُخرى لحق بالمسلمين المخلصين الذين نشأوا على التربية الإسلامية النقية وارتفعوا عن المنظار القومي والقبلي أو نظروا من خلاله بالشكل الذي لم يضرّ بدينهم أذىً أكبر ممّا لحق بالطائفة الاُولى، إذ كانوا يرون في عهد معاوية الذي امتدّ نحو عشرين عاماً اندراس سنّة النبىّ صلى الله عليه وآله.
لقد ظهرت البدعة وساد النظام الملكي عوضاً عن الخلافة، واستلم مقاليد اُمور المسلمين أفراد اُسرة قامت بكلّ ما بوسعها من أجل القضاء على الإسلام والمسلمين.
وخلافاً لصريح القرآن الكريم لقد بثّ معاوية الجواسيس بين الناس ليحصوا عليهم أنفاسهم، ونسخ الوفاء بالعهد والإيمان، فقتلوا حجر بن عديٍّ بعد كلّ الضمانات التي أعطوها له، وبمؤامرة نسج خيوطها معاوية دسّت جعدة بنت الأشعث بن قيس السمّ لزوجها الإمام الحسن المجتبى سبط رسول الله صلى الله عليه وآله.
إلى عشرات الممارسات الاُخرى المخالفة لصريح القرآن وسنّة النبىّ صلى الله عليه وآله التي كان يتّسم بها ذلك العهد.
فكانت النتيجة أنّه لم يبقَ أيّ مظهر اسلاميٍّ للحكومة الإسلامية في الشام والعراق اللّذين كانا يمثّلان أخطر مركزين في الدولة آنذاك، كما اقتصر فقه المسلمين على الصلاة والصوم والحجّ والزكاة وما يسمّى بالجهاد، وكان المتديّنون المخلصون يتألّمون بشدّة لتفشّي البدع، فكانوا يتربّصون الفرص التي تتيح لهم إقصاء ما ابتدعه معاوية في عصره باسم الإسلام.
--------------------------------------------------------------------------------
* أعلام الهداية ج6 ص170_172.