عبادة الإمام عليه السلام وأخلاقه:
عُرِفَ الإمام الرضا عليه السلام بأخلاقه التي شهد بها القريب والبعيد حتى قال المأمون: "هذا خير أهل الأرض وأعلمهم وأعبدهم"، وقال رجاء بن أبي الضحاك: "والله ما رأيت رجلاً كان أتقى منه ولا أكثر ذكراً له في جميع أوقاته، ولا أشدّ خوفاً لله عزّ وجلّ".
وقد ورد عنه عليه السلام في عبادته أنّه كان إذا صلّى الفجر في أوّل وقتها يسجد لربِّه فلا يرفع رأسه إلى أن ترتفع الشمس وكان يكثر بالليل من تلاوة القرآن فيختمه كلّ ثلاثة أيّام وكان يقول: "لو أردت أن أختمه في أقرب من ثلاثة لختمت ولكنني ما مررت بآية قط إلاّ فكّرت فيها، وفي أيّ شيء أنزلت، وفي أيّ وقت، فلذلك صرت أختم كلّ ثلاثة أيّام".
وعن أخلاق الإمام عليه السلام في تعامله مع الآخرين قال إبراهيم بن العباس: "إنّي ما رأيت ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا عليه السلام وشهدت منه ما لم أشهد من أحد: ما رأيته جفا أحداً بكلام قط، ولا رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه، وما ردَّ أحداً عن حاجة قدر عليها، ولا مدّ رجليه بين يدي جليس له قط، ولا اتّكى بين يدي جليس له قط، ولا رأيته يقهقه في ضحكه بل كان ضحكه التبسّم وكان إذا خلا ونصبت الموائد أجلس على مائدته مماليكه ومواليه حتى البواب والسائس".
تواضعه:
في حديث لأحد أصحابه عليه السلام قال:كنت مع الرضا عليه السلام في سفره إلى خراسان فدعا يوماً بمائدة له، فجمع عليها مواليه من السودان ومن غيرهم، فقلت: جعلت فداك لو عزلت لهؤلاء مائدة فقال: "إنّ الربّ تبارك وتعالى واحد والأم واحدة والأب واحد والجزاء بالأعمال".
وقد أكدَّ الإمام عليه السلام غير مرّة أنّ قيمة الإنسان إنّما هي بتقوى الله وطاعته، فقد قال له أحدهم: والله ما على وجه الأرض أشرف منك آباء. فأجابه عليه السلام: "التقوى شرّفتهم وطاعة الله أحاطتهم".
وعمل الإمام الرضا عليه السلام على نشر علوم الإسلام المحمّدي الأصيل وجالس العلماء في مناظرات فريدة وصفها أحدهم مبتدئأً بوصف الإمام: "ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا عليه السلام،ولا رآه عالم إلاّ شهد بمثل شهادتي، ولقد جمع المأمون في مجلس له عدداً من علماء الأديان وفقهاء الشريعة والمتكلمين فغلبهم عن آخرهم حتى ما بقي أحد إلاّ أقرَّ له بالفضل وأقرَّ على نفسه بالقصور ولقد سمعته يقول: كنت أجلس معهم في الروضة، والعلماء بالمدينة متوافرون، فإذا أعيا الواحد منهم عن مسألة أشاروا إليَّ بأجمعهم وبعثوا إليّ المسائل فأجبت عنها!!".
حديث السلسلة الذهبيّة:
وحينما وصل الإمام عليه السلام في رحلته إلى خراسان إلى بلدة نيشابور دخلها على بغلة شهباء، فاستقبله الحافظان أبو زرعة الرازي ومحمد بن أسلم الطوسي مع خلق لا يحصون من طلبة العلم، قالا: أيها السيد الجليل ابن السادة الأئمة بحق آبائك الأطهرين وأسلافك الأكرمين إلا ما أريتنا وجهك الميمون المبارك ورويت لنا حديثاً عن آبائك عن جدِّك محمد (صلّى الله عليه وآله). فقال: "حدثني أبي موسى الكاظم عن أبيه جعفر الصادق عن أبيه محمّد الباقر عن أبيه علي زين العابدين عن أبيه الحسين شهيد كربلاء عن أبيه علي بن أبي طالب أنه قال: حدثني حبيبي وقرة عيني رسول الله عن جبرائيل أنه قال: سمعت رب العزة سبحانه يقول: كلمة لا إله إلا الله حصني، ومن قالها دخل حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي".
فكتب الحديث أكثر من عشرين ألفاً ثم مضى الإمام والعيون تترقبه فإذا بالإمام يرفع الستار ليقف الناس مندهشين يتساءلون عن السرّ في توقف الإمام عليه السلام المفاجئ فإذا به يقول للناس مكملاً حديثه السابق: "لكن بشرطها وشروطها وأنا من شروطها".