لقد نشأ رسول الله صلى الله عليه وآله على قيم إلهية سامية كما صرّح بذلك القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾1، فكان النموذج المغاير لإنسان الجزيرة في معتقده وتفكيره وسلوكه وأخلاقه، فسلك منذ نعومة أظفاره خطّاً موازياً لقيم رسالات الأنبياء سيّما شيخهم إبراهيم الخليل عليه السلام، وكان في قناعة الرسول صلى الله عليه وآله أنّ هذا الخطّ لا يلتقي بقيم المجتمع الجاهلي، من هنا بدأ صلى الله عليه وآله بإنشاء نواة الاُسرة المؤمنة المتكونة منه وخديجة وعليّ عليهم السلام.
وقرّر أن يشقّ مجرى التأريخ، وأن يفتح طريقاً وسط التيار العام، وأن يقاوم بتلك الاُسرة الانحراف السائد، وأن يُحدث موجاً هادراً يتحوّل شيئاً فشيئاً إلى تيار جارف للوثنية والجاهلية من ربوع الأرض، إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام والذي تربّى في حِجر الرسول صلى الله عليه وآله لم يسجد لصنم قطّ، ولم يُشرك بالله طرفة عين. وعندما نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وآله كان عليّ عليه السلام الى جانبه، وكان أوّل من آمن برسالته صلى الله عليه وآله كما شهدت بذلك عامّة مصادر التأريخ.
وعن أنس بن مالك قال: اُنزلت النبوّة على رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الإثنين وصلّى عليّ عليه السلام يوم الثلاثاء2.
كما روي عن سلمان الفارسي أَنّه قال: أوّل هذه الاُمّة وروداً على نبيّها صلى الله عليه وآله الحوض، أوّلها إسلاماً عليّ بن أبي طالب عليه السلام3.
وعن العباس بن عبدالمطلب أنّه سمع عمر بن الخطاب وهو يقول: كفّوا عن ذكر عليّ بن أبي طالب إلاّ بخير، فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: في عليّ ثلاث خصال، وددت أنّ لي واحدةً منهنّ، كلّ واحدة منهنّ أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس، وذلك أنّي كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجرّاح ونفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله إذ ضرب النبي على كتف عليّ بن أبي طالب وقال: يا عليّ، أنت أوّل المسلمين إسلاماً، وأنت أول المؤمنين إيماناً، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى، كذب من زعم أنّه يحبّني وهو مبغضك4.
وإذ اتّفق المؤرّخون على أنّ أمير المؤمنين عليه السلام أوّل الناس إسلاماً5، فقد اختلفوا في سنّه حين أعلن اسلامه، والخوض في تحديد عمر الإمام عليه السلام حين إسلامه لا يُجدي نفعاً بعد أن عرفنا أنّه لم يكفر حتى يُسلم ولم يشرك حتّى يؤمن، ولقد قال سلام الله عليه: "ولدت على الفطرة"، ومن هنا اتّفقت كلمة المحدّثين جميعاً على احترام هذه الفضيلة وتقديسها بقولهم له حين ذكره "عليّ كرّم الله وجهه" فكان الإسلام في أعماق قلبه بعد أن احتضنه حجر الرسالة، وغذّته يد النبوّة، وهذّبه الخلق النبوّي العظيم.
قال الاُستاذ العقّاد وهو يتحدّث عن الإمام عليّ عليه السلام: لقد ولد مسلماً على التحقيق إذا نحن نظرنا إلى ميلاد العقيدة والروح، لأنّه فتح عينيه على الإسلام، ولم يعرف قطّ عبادة الأصنام، فهو قد تربّى في البيت الّذي انطلقت منه الدعوة الإسلاميّة، وعرف العبادة من صلاة النبيّ صلى الله عليه وآله وزوجته الطاهرة قبل أن يعرفها من صلاة أبيه واُمّه6.
--------------------------------------------------------------------------------
1- القلم: 4.
2- تأريخ دمشق لابن عساكر: 1 / 41، والكامل في التأريخ: 2 / 58، وتأريخ الطبري: 2 / 55، وسنن الترمذي: 5 / 600 الحديث 3735.
3- الاستيعاب لابن عبدالبرّ المالكي بهامش الإصابة: 3 / 29، وتأريخ الطبري: 2 / 55 وفيه: عليّ أول من أسلم، وفي تأريخ دمشق لابن عساكر: 1 / 32، 36، 65 ذكر أنّ عليّاً أول من أسلم، وتأريخ بغداد: 2 / 81 رقم 459.
4- الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: 126، وتأريخ دمشق لابن عساكر: 1 / 331 رقم الحديث 401.
5- من مصادر حديث أنّ علي بن أبي طالب أول من أسلم: سنن البيهقي: 6 / 206، ومسند أبي حنيفة: رقم 368 ص173، وتأريخ الطبري: 2 / 55 ط مؤسسة الأعلمي، والكامل في التأريخ: 2 / 57، واُسد الغابة: 4 / 16، تاريخ ابن خلدون: ج3 / ص715، بدء الوحي والسيرة النبوية: 1 / 262، والسيرة الحلبية: 1 / 432، ومروج الذهب: 2 / 283، وعيون الأثر: 1 / 92، والإصابة في معرفة الصحابة: 2 / 507، وتأريخ بغداد للخطيب البغدادي: 2 / 18.
6- عبقرية الإمام علي، عباس محمّود العقّاد: ص43. وقد ذكر العلاّمة الأميني في كتابه الغدير: 3 / 220 ـ 236 ما يربو على 66 حديثاً في أسبقية إسلام الإمام عليّ عليه السلام على غيره من الصحابة.