كانت السيدة المعصومة أختاً للإمام الرضا لامه، فأمهما واحدة.
فمن كانت أمهما ؟ وكيف اختارها الإمام الكاظم لتكون أمّاً لأولاده ؟
هذا ما ستقرأه في الحديث الآتي:
قال الإمام الكاظم عليه السلام لهشام بن احمد: هل علمت أحداً من أهل المغرب قدم ؟
قال: لا.
فقال عليه السّلام: بلى قد قدم رجل أحمر، فانطلق بنا.
قال هشام: فركب وركبنا معه حتى انتهينا إلى الرجل، فإذا رجل من أهل المغرب معه رقيق- عبيد أو جواري أو كلاهما-.
فقال عليه السلام: أعرض علينا.
فعرض علينا تسع جوار، كل ذلك وأبو الحسن يقول له: لا حاجة لي فيها.
ثم قال له: اعرض علينا.
قال: ما عندي شيء.
فقال عليه السلام: بلى، اعرض علينا.
قال: لا والله ! ما عندي إلا جارية مريضة.
فقال له: ما عليك أن تعرضها ؟
فأبى عليه صاحب الرقيق، ثم انصرف عليه السلام .
قال هشام: ثم إنه عليه السلام أرسلني من الغد إليه.
وقال لي: قل له كم غايتك فيها ؟ فإذا قال: كذا وكذا. فقُل: قد أخذتها. قال هشام: .
فأتيتُه...
قلتُ: كم غايتُك فيها ؟
فقال: ما أريد أن أُنقصها من كذا.
فقلت: قد أخذتها.
فقال: هي لك، ولكن مَن الرجل الذي كان معك بالأمس؟
فقلت: قد أخذتها.
فقال: هي لك، ولكن من الرجل الذي كان معك بالأمس ؟
فقلت: رجل من بني هاشم.
فقلت: من نقبائهم.
فقال: أريد أكثر.
فقلت: ما عندي أكثر من هذا.
فقال: أخبرك عن هذه الوصيفة-الجارية-؟ إنّي اشتريتها من أقصى بلاد المغرب، فلقيتني امرأه من أهل الكتاب.
فقالت: ما هذه الوصيفة معك ؟
فقلت: اشتريتها لنفسي.
فقالت: ما ينبغي أن تكون هذه الوصيفة عند مثلك ! ! إن هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض، فلا تلبث عنده إلا قليلاً حتى تلد منه علاماً يدين له شرق الأرض وغربها.
قال هشام: فأتيت الإمام عليه السلام بالجارية.
وكانت لهذه الجارية عدة أسماء منها: نجمة وتكتم.
وقد كانت بكراً حين شرائها.
والظاهر أن الإمام عليه السلام اشتراها-ابتداءً- لامّه حميدة المصفّاة.
وكانت السيدة تُكتم من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة حتى أنها ما جلست بين يديها إجلالاً لها.
ثم إن السيدة حميدة ذكرت أنها رأت في المنام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يقول لها: يا حميدة ! هبي نجمة لابنك موسى، فإنّه سيولد له منها خير أهل الأرض.
فقالت لابنها موسى عليه السلام: يا بني ! إن تُكتم جارية ما رأيت جارية قط افضل منها... وقد وهبتها لك.
فقالت لابنها موسى عليه السلام - لمّا أتى بها - قد جمع أصحابه وأخبرهم بأنّه ما اشتراها إلا بأمر من الله وحيه.
قال عليه السّلام: بينا أنا نائم، إذا أتاني جدّي رسول الله وأبي عليهما السلام ومعهما شقّة حرير -قطعة حرير-، فنشراها فإذا قميص وفيه صورة هذه الجارية.
فقالا: يا موسى ! ليكونن لك من هذه الجارية خير أهل الأرض بعدك. ثم أمراني أن أسمه عليا.
وقالا لي: إن الله تعالى يظهر به العدل والرافة، طوبى لمن صدقه وويل لمن عاداه وجحده 4.
ولما ولدت السيدة تكتم الإمام الرضا عليه السلام قالت: أعينوني بمرضعة ! ! فقيل لها: أَنَقَصَ الدر- هل نقص لبن الرضاع-؟
قالت: ما أكذب. ما نقص الدّر، ولكن علي ورد-عمل مستحب- من صلاتي وتسبيحي. وقد نقص منذ ولدت.
وهذا مما يدل على حرصها على عبادتها ووردها وانقطاعها إلى الله تعالى.
السيدة تكتم
قد ذكرت للسيدة تكتم أسماءً أخرى، منها: نجمة، أروى، سمان، سكن أو سكنى..
وتكتم هو ما استقر عليه اسمها حين ملكها أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام.
فلما ولدت له الإمام الرضا عليه السلام سمّاها الطاهرة.
وكانت تكنى: أم البنين. والمستفاد من الروايات أن لها أسماء أخرى نذكرها فيما يلي:
1- نجمة:
روي عن أبي بصير، قال:" لمّا حضر أبا جعفر -محمد بن علي الباقر عليهما السلام- الوفاة، دعا بابنه الصادق عليه السلام ليعهد إليه عهداً... ثم دعا بجابر بن عبد الله الأنصاري.
فقال: يا جابر ! حدّثنا بما عاينت من الصحيفة ؟
فقال له جابر: نعم يا أبا جعفر. دخلتُ على مولاتي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لأهنئها بولادة الحسين عليه السلام، فإذا بيدها صحيفة بيضاء من درة.
فقلت: يا سيدة النسوان ! ما هذه الصحيفة التي أراها معك.
قالت: فيها أسماء الأئمة من ولدي.
قلت لها: ناوليني لأنظر فيها !
قالت: يا جابر ! لولا النهي لكنت افعل، ولكنه قد نهي أن يمسها إلا نبي أو وصي نبي أو أهل بيت نبي، ولكنه مأذون لك أن تنظر إلى باطنها من ظاهرها.
قال جابر: فقرأت، فإذا فيها:
أبو القاسم محمد بن عبد الله المصطفى، أمه: آمنة.
أبو الحسن علي بن أبي طالب المرتضى، أمه: فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.
أبو محمد الحسن بن علي البر.
أبو عبد الله الحسين بن علي، أمهما: فاطمة بنت محمد.
أبو محمد علي بن الحسين العدل، أمه: شهربانو يه بنت يزدجر.
أبو جعفر محمد بن علي الباقر، أمّه: أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب.
أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق، وأمه: أم فروة بنت القاسم ابن محمد بن أبي بكر.
أبو إبراهيم موسى بن جعفر، أمه جارية اسمها: حميدة المصفاة.
أبو الحسن علي بن موسى الرضا، أمه جارية اسمها: نجمة... " .
فالسيدة نجمة، نجمة تألقت في سماء بيت الإمامة حيث إنها ولدت الإمام الرضا عليه السلام.
2- طاهرة:
عندما اشترت أم الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام هذه الجارية - نجمة، ذكرت حميدة أنها رأت في المنام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لها: يا حميدة ! هبي نجمة لابنك موسى، فإنه سيولد له منها خير أهل الأرض... فلمّا ولدت له الرضا عليه السلام سمّاها الطاهرة.
ومن قبلها كانت سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء عليها السلام تسمى بالطاهرة، كما وأن أمها خديجة عليها السلام كانت أيضاً تدعى بالطاهرة.
3- تُكْتَم:
وتكتم آخر أسمائها، وعليه استقر اسمها حين ملكها أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام.
متى ولدت السيدة المعصومة عليها السلام؟
إن السيدة فاطمة بنت الإمام الكاظم عليه السلام هي أختُ الإمام الرضا لأمّه، فأمّهما واحدة، وهي من قد عرفت فضلها وعقلها ودينها.
وأبوها مثله كمثل الشمس في وسط ا لسماء، فهو " مَعدن التنزيل، وصاحب التأويل، وحامل التوراة والإنجيل "، " وصي الأبرار، وإمام الأخيار، وعيبة الأنوار، ووارث السكينة والوقار، والحكم والآثار، الذي كان يحيي الليل بالسّهر إلى السٌحر بمواصلة الاستغفار، حليف السجدة الطويلة، والدموع الغزيرة، والمناجاة الكثيرة، والضرّاعات المتصلة. ومقر النهي والعدل، والخير والفضل، والندى والبذل، ومألف البلوى والصبر... ".
فالسيدة المعصومة عليها السلام قد وُلدت في بيت لا يتنفس فيه إلا عبير التقى، ولا يُرتضعُ فيه إلا بلبان الإيمان، ولا يتربى فيه إلا بتربية القرآن، ولا ينهل فيه إلا من رواء العلم، ولا يُطعم فيه إلا من رياض الخلق والأدب والطهر والعفة.
وأمّا تاريخ ولادتها: ذكروا أنّها سلام الله عليها قد ولدت في المدينة المنورة في غرة ذي القعدة من سنة 173 هـ .
وعلى هذا التاريخ يكون عمرها الشريف حين وفاتها ثمان وعشرين سنة حيث توفيت في عام 201 هـ.
وعلى كل تقدير لا يمكن أن يتصور عمرها الشريف أقل من إثنين وعشرين عاماً، أي ولادتها لا تتصور بعد عام 179 هـ.
لماذا ؟ وكيف ؟
الجواب: في أصول الكافي: "... قبض عليه السلام ببغداد في حبس السندي بن شاهك، وكان هارون حمله من المدينة لعشر ليال بقين من شوال سنة تسع وسبعين ومئة، وقد قدم هارون المدينة منصرفة من عمرة شهر رمضان، ثم شخص هارون إلى الحج وحمَله معه، ثم انصرف على طريق البصرة فحبسه عند عيسى بن جعفر، ثم أشخصه إلى بغداد، فحسبه عند السندي بن شاهك، فتوفي عليه السلام في حبسه... ".
فالإمام الكاظم عليه السلام قد فارق بيته ومدينة جدّه صلّى الله عليه وآله وسلّم في شوال سنة 179 هـ. وعليه فولادة السيدة المعصومة عليها السلام كان قبل هذا التاريخ، فيكون عمرها الشريف على أقل التقادير حين وفاتها اثنتين وعشرين سنة، ولكن الأقرب أن عمرها كان اكثر من ذلك، وخاصة إذا عرفنا أنها كبرى الفاطمتين أو الفواطم، فالظاهر أن عمرها الشريف ثمان وعشرون سنة.
إخوتها:
ذكر الشيخ المفيد في الإرشاد أنه كان لأبي الحسن موسى عليه السلام سبعة وثلاثون ولداً ذكراً وأنثى.
فالذكور: الإمام الرضا عليه السلام، وإبراهيم، والعباس، والقاسم، لأمّهات أولاد.
وإسماعيل، وجعفر، وهارون، والحسين لأم ولد.
وأحمد، ومحمّد، وحمزة، لأمّ ولد.
وعبد الله، وإسحاق، وعبيد الله، وزيد، والحسن، والفضل، وسليمان، لأمهات أولاد1.
والإناث: فاطمة الكبرى، وفاطمة الصغرى، ورقيّة، ورقيّة الصغرى، وأم أبيها، وحكيمة وكلثم، وأم جعفر، ولبابة، وزينب، وخديجه، وعليّة، وآمنة، وحسنة، وبريهة، وعائشة، وأم سلمة، وميمونة، وأم كلثوم، لأمهات أولاد.
وذكر النوبختي أنّ للإمام عليه السلام ثلاثة وثلاثين ولداً: ثمانية عشر ذكراً وخمس عشرة بنتاً. وفي تاريخ اليعقوبي أنّ له عليه السلام واحداً وأربعين ولداً: ثمانية عشر ذكراً، وثلاث وعشرين بنتاً. وفي عمدة الطالب أن له عليه السلام ستين ولداً: ثلاثة وعشرين إبنا، وسبع وثلاثين بنتاً.
فهذه أربعة أقوال، ولعل الأقرب هو المروي عن الإمام الكاظم عليه السلام نفسه في الخبر الذي ذكره الشيخ الصدوق في عيون الأخبار، الموافق لما ذكره الشيخ المفيد والنوبختي، أن هارون العباسي سأل الإمام الكاظم عليه السلام عن عياله فقال:"... أما الولد فلي نيف وثلاثون... ".
* راجع: سَيِّدةُ عُشِّ آل مُحمَّد، السيّد أبو الحسن هاشم.
--------------------------------------------------------------------------------
1- أم ولد: هي الجارية التي أولدها مالكها، فتصبح حرة وتعتق من نصيب ولدها.