محاور الموعظة:
1- قواعد العلاقة بين المؤمنين
2- صفات المؤمنين بعضهم مع بعض
3- شيعة عليّ من صدق قوله فعله
4- الفرق بين المحبّ والشيعيّ
تصدير الموعظة:
روي عن سليمان بن مهران قال: "دخلت على الصادق عليه السلام، وعنده نفر من الشيعة وهو يقول: معاشر الشيعة كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً، قولوا للناس حسنا، واحفظوا ألسنتكم، كفّوها عن الفضول وقبيح القول"1.
مدخل
أسّست الآيات والروايات قواعد في العلاقة ما بين المؤمنين، وكيفيّة الانتساب إلى المعصومين، وفرقت الروايات بين صفة الشيعيّ وصفة المحبّ وصفة الموالي، ويظهر أنّ صفة التشيّع هي أعلى مرتبة يصل إليها الإنسان المؤمن في الانتساب إلى أهل البيت عليهم السلام، وقد نقل الشيخ الصدوق في كتاب صفات الشيعة روايات، فرّقت بشكل واضح بين صفات الشيعيّ والمحبّ.
قواعد العلاقة بين المؤمنين:
أسّس القرآن قواعد كلّيّة في العلاقة بين المؤمنين وهي:
1- قاعدة الأخوّة الإيمانيّة: يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾2. ركّز المنهج القرآنيّ والنبويّ في أهمّيّة مبدأ الأخوّة الإيمانيّة، معتبراً المؤمنين أخوة، وأنّهم بمنزلة الجسد الواحد، ولا يوجد أيّ مذهب اجتماعيّ قد رفع من شأن العلاقة بين أبناء المجتمع إلى منزلة الأخوّة إلّا الإسلام. روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد، إن اشتكى شيء منه، وجد ألم ذلك في سائر جسده، وأرواحهما من روح واحدة، وإنّ روح المؤمن لأشدّ اتّصالاً بروح اللَّه من اتّصال شعاع الشمس بها"3. وعنه عليه السلام: "المؤمنون في تبارّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائره بالسهر والحمّى"4.
وتترتّب على هذا المبدأ أساليب تربويّة اجتماعيّة عدّة، كالتعاطف، والتبارّ، والتراحم، وإصلاح ذات البين، وعدم الظلم أو الخيانة أو الغشّ...، هو ما يؤكّده الإمام الصادق عليه السلام بقوله: "إنّ المؤمن أخو المؤمن، عينه ودليله، لا يخونه، ولا يظلمه، ولا يغشّه، ولا يعدّه عدّة فيخلفه"5.
2- قاعدة النظائريّة في الإنسانيّة: يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾6. أكّد القرآن الكريم مبدأ وحدة النوع الإنسانيّ من حيث الخلقة، فالناس متساوون في البشريّة، إذ كلّ الناس من آدم وحواء عليهما السلام، وهذا يعني أنّهم إخوة في الإنسانيّة. وفي هذين السياقين نلاحظ أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد قسّم الناس إلى صنفين على أساس الدين والإنسانيّة، إذ قال: "فإنّهم (أي الناس) صنفان: إمّا أخ لك في الدين، وإمّا نظير لك في الخلق"7.
3 - قاعدة أولياء بعض: يقول الله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ﴾8: إنّ أوّل ما يلفت النظر أنّ كلمة ﴿أَوْلِيَاء﴾ لم تذكر أثناء الكلام عن المنافقين، بل ورد ﴿بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ﴾9 التي توحي بوحدة الأهداف والصفات والأعمال، ولكنّها تشير ضمناً إلى أنّ هؤلاء المنافقين وإن كانوا في صفّ واحد ظاهراً، ويشتركون في البرامج والصفات، إلّا أنّهم يفتقدون روح المودّة والولاية فيما بينهم، بل إنّهم إذا شعروا في أيّ وقت بأنّ منافعهم ومصالحهم الشخصيّة قد تعرّضت للخطر، فلا مانع لديهم من خيانة حتّى أصدقائهم، فضلاً عن الغرباء، وإلى هذه الحالة تشير الآية (14) من سورة الحشر: ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾10.
صفات المؤمنين بعضهم مع بعض
وبعد بيان هذه القواعد الكلّيّة في ربط المؤمنين بعضهم مع بعض، تحدّثت عن صفاتهم الجزئيّة. وهي أربع صفات:
أ- ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾.
ب- ﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ﴾.
ج- ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾.
د. ﴿ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ﴾.
شيعة عليّ من صدق قوله فعله:
أسّس أهل البيت قاعدة في الانتساب إليهم، وهي:
"كونوا لنا زينا". وعند مراجعة الروايات نجد أنّ كلمة الشيعة لها معنًى خاصٌ ومقدّس في روايات أهل البيت، وتأكيداً لهذا المعنى ذكر أهل البيت للشيعة أوصافاً خاصّة بهم، من أهمّها تجسيد القدوة الحسنة بين الناس في السلوك الفرديّ والاجتماعيّ العامّ. ومن هذه الصفات:
1- كونوا زيناً لنا: روي عن سليمان بن مهران قال: "دخلت على الصادق، وعنده نفر من الشيعة وهو يقول: معاشر الشيعة كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً، قولوا للناس حسنا، واحفظوا ألسنتكم، كفّوها عن الفضول وقبيح القول"11.
التزيّن باتّباع أهل البيت هو أن يجعلَ الانتساب إليهم وموالاتهم زينة لهم وفخراً بين الناس، ولا زينة أرفع من ذلك، فمن أراد التزيّن بتلك الصفات عليه أن يلاحظ ما خطّته روايات أهل البيت عليهم السلام في وصف الشيعة.
والمعنى المراد بهذا التعبير: كونوا من أهل الورع والتقوى والعمل الصالح، لتكونوا زينة لنا فإنّ حسن أتباع الرجل زينة له، إذ يمدحونه بحسن تأديب أصحابه بخلاف ما إذا كانوا فسقة، فإنّه يصير سبباً لتشنيع رئيسهم، ويكونون شيناً وعيباً لرئيسهم12.
2- الصفات الجامعة: وعن أَبِي أُسَامَةَ زَيْدٍ الشَّحَّامِ قَالَ قَالَ: لِي أَبُو عَبْدِ اللَّه عليه السلام: اقْرَأْ عَلَى مَنْ تَرَى أَنَّه يُطِيعُنِي مِنْهُمْ ويَأْخُذُ بِقَوْلِيَ السَّلَامَ.
أ- وأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّه عَزَّ وجَلَّ، والْوَرَعِ فِي دِينِكُمْ، والِاجْتِهَادِ لِلَّه، وصِدْقِ الْحَدِيثِ، وأَدَاءِ الأَمَانَةِ، وطُولِ السُّجُودِ، وحُسْنِ الْجِوَارِ فَبِهَذَا جَاءَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وآله وسلم.
ب- أَدُّوا الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكُمْ عَلَيْهَا بَرّاً أَوْ فَاجِراً فَإِنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ يَأْمُرُ بِأَدَاءِ الْخَيْطِ والْمِخْيَطِ.
ج- صِلُوا عَشَائِرَكُمْ، واشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ، وعُودُوا مَرْضَاهُمْ، وأَدُّوا حُقُوقَهُمْ، فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ إِذَا وَرِعَ فِي دِينِه، وصَدَقَ الْحَدِيثَ، وأَدَّى الأَمَانَةَ، وحَسُنَ خُلُقُه مَعَ النَّاسِ، قِيلَ هَذَا جَعْفَرِيٌّ فَيَسُرُّنِي ذَلِكَ، ويَدْخُلُ عَلَيَّ مِنْه السُّرُورُ، وقِيلَ هَذَا أَدَبُ جَعْفَرٍ وإِذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، دَخَلَ عَلَيَّ بَلَاؤُه وعَارُه،
وقِيلَ هَذَا أَدَبُ جَعْفَرٍ، فَوَاللَّه لَحَدَّثَنِي أَبِي عليه السلام أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَكُونُ فِي الْقَبِيلَةِ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ عليه السلام، فَيَكُونُ زَيْنَهَا آدَاهُمْ لِلأَمَانَةِ، وأَقْضَاهُمْ لِلْحُقُوقِ، وأَصْدَقَهُمْ لِلْحَدِيثِ إِلَيْه، وَصَايَاهُمْ ووَدَائِعُهُمْ تُسْأَلُ الْعَشِيرَةُ عَنْه فَتَقُولُ مَنْ مِثْلُ فُلَانٍ: إِنَّه لآَدَانَا لِلأَمَانَةِ وأَصْدَقُنَا لِلْحَدِيثِ"13.
- وعن أبي عبد الله عليه السلام في رواية أخرى قال: "إنّ أصحاب عليّ كانوا المنظور إليهم في القبائل، وكانوا أصحاب الودائع، مرضيين عند الناس، سهار الليل، مصابيح النهار"14.
- وعن أبي عبد الله أنّه قال: ليس من شيعتنا من يكون في مصر يكون فيه مائة ألف ويكون في المصر أورع منه"15.
الفرق بين المحبّ والشيعيّ:
- قال رجل للحسن بن عليّ عليه السلام: "يا بن رسول الله، إنّي من شيعتكم. فقال الحسن بن عليّ: يا عبد الله، إن كنت لنا في أوامرنا وزواجرنا مطيعاً فقد صدقت، وإن كنت بخلاف ذلك، فلا تزد في ذنوبك بدعواك مرتبة شريفة، لست من أهلها، لا تقل: أنا من شيعتكم، ولكن قل: أنا من مواليكم، ومحبّيكم، ومعادي أعدائكم. وأنت في خير، وإلى خير"16.
- وقال رجل للحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام: "يا بن رسول الله، أنا من شيعتكم. قال عليه السلام: اتّقِ الله، ولا تدعين شيئاً يقول لك الله: كذبت، وفجرت في دعواك. إنّ شيعتنا من سلمت قلوبهم من كلّ غشّ وغلّ ودغل، ولكن قل: إنّي من مواليكم ومحبّيكم"17.
- وعن أبي الْحَسَنِ عليه السلام لَوْ مَيَّزْتُ شِيعَتِي لَمْ أَجِدْهُمْ إِلَّا وَاصِفَةً ولَوِ امْتَحَنْتُهُمْ لَمَا وَجَدْتُهُمْ إِلَّا مُرْتَدِّينَ ولَوْ تَمَحَّصْتُهُمْ لَمَا خَلَصَ مِنَ الأَلْفِ وَاحِدٌ ولَوْ غَرْبَلْتُهُمْ غَرْبَلَةً لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا مَا كَانَ لِي إِنَّهُمْ طَالَ مَا اتَّكَوْا عَلَى الأَرَائِكِ فَقَالُوا نَحْنُ شِيعَةُ عَلِيٍّ إِنَّمَا شِيعَةُ عَلِيٍّ مَنْ صَدَّقَ قَوْلَه فِعْلُه"18.
أي لو ميّزتهم عن غيرهم ما وجدتهم إلاّ واصفين قائلين بالتشيّع وهذا الوصف لم يوجد في غيرهم، فهم به يمتازون عنهم، ثمّ الواصفون، لو امتحنتهم واختبرت أحوالهم، لما وجدت أكثرهم إلاّ مرتّدين، صارفين عن سيرتي، غير آخذين بأمري، ولا عاملين بما هو خير لهم، ثمّ الآخذون العاملون لو تمحّصتهم وفتّشت كيفيّة أخذهم، وعملهم وأخلاقهم، بنوع من التمحيص والتخليص لما وجدت أكثرهم إلاّ غير خالصين، ثمّ الخالصون، وهم الأقلّون جدّاً لو غربلتهم غربلة وحرّكتهم تحريكاً بغربلة البلايا والمحن والمصائد والشدائد لم يبق منهم إلاّ قليل، وهو من كان لي وأخذ بسيرتي، (وإنّما شيعة عليّ من صدق قوله فعله) بالعمل بسيرته ليتحقّق معنى التشيّع والمتابعة"19.
النتيجة
نستفيد من هذه الروايات الشريفة ما يلي:
أ- ميّزت هذه الروايات بشكل واضح بين الشيعيّ والمحبّ والموالي.
ب- اعتبرت التشيّع من أعلى الصفات والرتب في الانتساب إلى أهل البيت عليهم السلام.
ج- أعطت لمصطلح الشيعيّ مجموعة من العناوين العامّة من قبيل: "اتّبع آثارنا واقتدى بأعمالنا".
د- نفت هذه الروايات صفة التشيّع عن مرتكب الذنب من قبيل: "إنّ هؤلاء لا يسمّون بشيعتنا، ولكن يسمّون بمحّبينا، والموالين لأوليائنا، والمعادين لأعدائنا". أو" إنّ شيعتنا من سلمت قلوبهم من كلّ غشّ وغلّ ودغل، ولكن قل: إنّي من مواليكم ومحبّيكم".
قصّة وعبرة:
قيل للكاظم عليه السلام: مررنا برجل في السوق وهو ينادي: أنا من شيعة محمّد وآل محمّد الخُلّص، وهو ينادي على ثياب يبيعها: مَن يزيد؟.. فقال موسى عليه السلام: "ما جهل ولا ضاع ?مرؤ عرف قدر نفسه، أتدرون ما مَثَل هذا ؟.. هذا شخص قال: أنا مثْل سلمان وأبي ذرّ والمقداد وعمّار، وهو مع ذلك يباخس في بيعه، ويدلّس عيوب المبيع على مشتريه، ويشتري الشيء بثمنٍ فيزايد الغريب يطلبه فيوجب له، ثمّ إذا غاب المشتري قال: لا أُريده إلاّ بكذا بدون ما كان طلبه منه.
أيكون هذا كسلمان وأبي ذرّ والمقداد وعمّار؟.. حاشَ لله أن يكون هذا كَهُم، ولكن ما يمنعه من أن يقول: إنّي من محبّي محمّد وآل محمّد، ومَن يوالي أولياءهم ويُعادي أعداءهم؟"20.
هوامش
1- الصدوق، محمّد بن بابويه، الأمالي، تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسّسة البعثة، مركز الطباعة والنشر في مؤسّسة البعثة، إيران - قم، 1417ه، ط1، ص 484، ح657/17.
2- سورة الحجرات، الآية 10.
3- الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص166. يراجع حول معنى هذه الأحاديث درس التربية الجهاديّة.
4- حسين بن سعيد الكوفي، المؤمن، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهديّ عليه السلام بالحوزة العلميّة، إيران - قم، 1404ه، ط1، ص39.
5- الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص166.
6- سورة النساء، الآية 1.
7- نهج البلاغة، مصدر سابق، ص427.
8- سورة التوبة، الآية 71.
9- سورة التوبة، الآية 67.
10- سورة الحشر، الآية 14.
11- الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص 484، ح657/17.
12- العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج65، ص 115.
13- الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص 636، باب ما يجب من المعاشرة، ح5.
14- الطبرسيّ، الشيخ علي، مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، تحقيق مهدي هوشمند، دار الحديث، إيران، 1418ه، ط1، ص 127، الفصل الثاني: في ذكر علامات الشيعة، ح294.
15- الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج15، ص 247، باب وجوب الورع، ح (20408) 18.
16- العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج65، ص 156.
17- المصدر نفسه، ص 156.
18- الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص 228، إنما شيعة عليّ بن صدق قوله فعله، ح290.
19- المولى المازندرانيّ، شرح أصول الكافي، مصدر سابق، ج12، ص 305.
20- العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج65، ص 157.