المعروف بين أهل الحديث والتأريخ أن ولادته (عليه السلام) كانت في السابع عشر من ربيع الأوّل، إِمّا عام 80 للهجرة، أو 83، وكلا القولين مشهورٌ بينهم.
ولكن قال (عليه السلام) في بعض وقفاته أمام المنصور : "وها أنذا قد ذرفت على السبعين" أي زدت عليها، وروى عن محمّد بن الربيع حاجب المنصور لمّا جاء بالصادق ليلاً إلى المنصور وقال عنه: وكان قد جاوز السبعين، وذكر المجلسي (طاب ثراه) في أحواله (عليه السلام) روايةً عن محمّد بن سعيد أنّه (عليه السلام) قُبض وهو ابن إِحدى وسبعين سنة، وهذا كما ترى لا يتّفق مع القول الثاني، ولا الأوّل؛ لأنهم متّفقون على أن وفاته كانت عام 148 هـ، فعليه تكون ولادته قبل الثمانين بثلاث سنين أو أكثر.
وبهذا تكون الروايات في سنة وفاته ثلاثاً، وأوسطها رواية الثمانين، ولعلّها أولاها.
وقيل: كانت وفاته (عليه السلام) في الخامس والعشرين من شّوال. وقيل: في النصف من رجب، والأوّل هو المشهور، واتّفق المؤرّخون من الفريقين على أن وفاته كانت عام 148.
كما اتّفق مؤلفو الشيعة على أن المنصور اغتاله بالسمّ على يد عامله بالمدينة، وقيل أن السّم كان في عنبٍ كما ذكر ذلك الكفعمي في "المصباح".
وذكر بعض أهل السنّة أيضاً موته بالسمّ، كما في "إِسعاف الراغبين" و "نور الأبصار" و "تذكرة الخواص" و "الصواعق المحرقة" وغيرها.
عند الموت ولمّا كاد أن يلفظ النفس الأخير من حياته أمر أن يجمعوا له كلّ مَن بينه وبينهم قرابة، وبعد أن اجتمعوا عنده فتح عينيه في وجوههم فقال مخاطباً لهم: "إِن شفاعتنا لا تنال مستخفّاً بالصلاة" .
وهذا يدلّنا على عظم اهتمام الشارع الأقدس بالصلاة، فلم تشغل إِمامنا (عليه السلام) ساعة الموت عن هذه الوصيّة، وما ذاك إِلا لأنّه الإمام الذي يهمّه أمر الأُمة وإِرشادها إلى الصلاح حتّى آخر نفسٍ من حياته، وكانت الصلاة أهمَّ ما يوصي به ويلفت إليه.
وأحسب إِنما خصّ أقرباءه بهذه الوصيّة؛ لأن الناس ترتقب منهم الإصلاح والإرشاد فيكون تبليغ هذه الوصيّة على ألسنتهم أنفذ، ولأنهم عترة الرسول، فعسى أن يتوهّموا أن قربهم من النبي وسيلةً للشفاعة بهم، وإِن تسامحوا في بعض أحكام الشريعة، فأراد الصادق أن يلفتهم إلى أن القرب لا ينفعهم ما لم يكونوا قائمين بفرائض اللّه.
وكانت زوجته أُمّ حميدة تعجب من تلك الحال، وأن الموت كيف لم يشغله عن الاهتمام بشأن هذه الوصيّة، فكانت تبكي إذا تذكّرت حالته تلك .
وأمر أيضاً وهو بتلك الحال لكلّ واحدٍ من ذوي رحمه بصلةٍ، وللحسن الأفطس بسبعين ديناراً، فقالت له مولاته سالمة: أتعطي رجلاً حمل عليك بالشفرة يريد أن يقتلك؟ قال: تريدين ألا أكون من الذين قال اللّه عزّ وجل فيهم: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} (الرعد: 21) نعم يا سالمة إِن اللّه خلق الجنّة فطيّب ريحها، وإِن ريحها ليوجد من مسيرة ألفي عام، ولا يجد ريحها عاقّ ولا قاطع رحم .
ولمّا قُبض (عليه السلام) كفّنه ولده الكاظم (عليه السلام) في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما، وفي قميصٍ من قمصه، وفي عمامةٍ كانت لعلي بن الحسين (عليه السلام)، وفي بُردٍ اشتراه بأربعين ديناراً .
وأمر بالسراج في البيت الذي كان يسكنه أبو عبد اللّه (عليه السلام) إلى أن أخرج إلى العراق كما فعل أبو عبد اللّه (عليه السلام) من قبل في البيت الذي كان يسكنه أبوه الباقر (عليه السلام) .
ودُفن (عليه السلام) في البقيع مع جدّه لاُمّه الحسن، وجده لأبيه زين العابدين، وأبيه الباقر (عليهم جميعاً صلوات اللّه)، وهو آخر من دُفن من الأئمة في البقيع، فإن أولاده دُفنوا بالعراق إِلا الرضا في خراسان.
كناه وألقابه
كان يُكنَّى بأبي عبد اللّه، وأبي إِسماعيل، وأبي موسى، وأوّلها أشهرها، ويُلقَّب بالصادق، والفاضل، والقائم، والكافل، والمنجي، وغيرها وأوّلها أيضاً أشهرها.
لقَّبه بالصادق أبوه رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله)، كما في "الخرائج والجرائح"، وكما في البحار ج11 في أحواله (عليه السلام) عن "علل الشرائع"، وكما في "كفاية الأثر" لعلي بن محمّد بن علي الخزاز عند ترجمة الصادق (عليه السلام) مسنداً عن أبي هريرة عن النبي (صلّى اللّه عليه وآله) في حديثٍ طويلٍ، ومنه أنّه قال (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم): ويخرج اللّه من صُلبه - أي صُلب محمّد الباقر - كلمة الحق، ولسان الصدق، فقال له ابن مسعود: فما اسمه يا نبيّ اللّه؟ قال: يقال له جعفر، صادقٌ في قوله وفعله، الطاعن عليه كالطاعن عليّ، والرادّ عليه كالرادّ عليَّ، الحديث.
وبلغ من شهرته بهذا اللقب أنه صار كالاسم له، حتّى أنه ليُستغنى به عن ذكر اسمه، ويُعرف به إذا أُطلق.
وكذلك كنيته بأبي عبد اللّه صارت كالاسم له يُستغنى بها عن اسمه ولقبه لا سيّما في الأحاديث.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: الشيخ محمد حسين المظر: الإمام الصادق(ع)، ص 108 – 112، بتصرف.