ولادته:
ولد الحسن(عليه السلام) بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان عام أحد سنة ثلاث من الهجرة، وقيل سنة اثنين، وجاءت فاطمة(عليها السلام) إلى النبي(صلى الله عليه وآله)يوم السابع من مولده في خرقةٍ من حرير الجنّة[1].
وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد أمرهم أن يلفوه في خرقةٍ بيضاءَ فيجيء به إليه، فأخذه(صلى الله عليه وآله) وقبّله، وأدخل لسانه في فيه، يمصّه إيّاه، وأذّن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، وحلق رأسه، وتصدّق بوزن شعره ورقاً(أي فضّةً)، وطلى رأسه بالخلوق. ثم قال: يا أسماء، الدم(أي طلي رأس المولد بالدم) فعل الجاهليّة. فأبطل ما كان من فعل الجاهليّة بفعله، حيث ظلَّ رأس المولود بالخلوق بدل الدم، وبقوله الصريح بكلمته الآنفة الذكر.
وسأل علياً(عليه السلام)، إن كان قد سمّاه. فقال(عليه السلام): ما كنت لأسبقك باسمه. فقال(صلى الله عليه وآله): ما كنت لأسبق ربي باسمه. فأوحى الله إليه: إن علياً منك بمنزلة هارون من موسى؛ فسمّه باسم ابن هارون. قال: وما كان اسمه؟! قال: شبر. قال: لساني عربي. قال: سمّه: «الحسن»، فسمّاه الحسن.
وعقَّ(صلى الله عليه وآله) عنه بكبشين. وقيل: بكبش[2].
كنيته وألقابه:
كنيته أبو محمد، وأما ألقابه: الوزير، والتقي، والقائم، والطيب، والحجة، والسيد، والولي، والسبط[3].
مكارم أخلاقه(ع):
أمالي الصدوق: عن الصّادق، عن أبيه، عن جدّه(عليهم السلام) إنّ الحسن بن عليّ(عليه السلام)كان أعبد الناس في زمانه، وأزهدهم وأفضلهم، وكان إذا حجّ حجّ ماشياً، وربّما مشى حافياً، وكان إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبر بكى، وإذا ذكر البعث والنشور بكى، وإذا ذكر الممرّ على الصراط بكى، وإذا ذكر العرض على الله تعالى شهق شهقةً يُغشى عليه منها، وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربّه عزّوجلّ ـ إلى أن قال: ـ ولم ير في شيءٍ من أحواله إلاّ ذاكراً لله سبحانه، وكان أصدقَ الناس لهجةً، وأفصحهم منطقاً ـ الخبر.
مناقب ابن شهرآشوب: وكان إذا توضّأ ارتعدت مفاصله واصفرّ لونه، فقيل له في ذلك، فقال: حقٌّ على كلّ من وقف بين يدي ربّ العرش أن يصفرّ لونه وترتعد مفاصله. وكان إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه ويقول: إلهي ضيفك ببابك، يا محسن قد أتاك المسيء، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم[4].
وقد حج(عليه السلام) خمسةً وعشرين مرةً ماشياً. وأن النجائب لتقاد معه.
وكان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة. وقيل له: ما أعظم خوفك من ربك؟! فقال: لا يأمن يوم القيامة إلا من خاف الله في الدنيا.
وكان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل، واليتامى، والمساكين.
وأعطى لمن علّم ولده "الحمد" ألف دينار وألف حلة وحشا فاه درا.
وكان يقعد في المكان المظلم فيُهتدى إليه ببياض جبينه ونحره.
ولم يرضع من أنثى ولا من فاطمة، بل كان يؤتى به النبي (صلى الله عليه وآله) فيضع إبهامه في فيه فيمص منها ما يكفيه اليومين والثلاث، فنبت لحمه من لحم رسول الله (صلى الله عليه وآله)[5].
ومن حلمه ما روى المبرد وابن عائشة أن شاميّاً رآه راكباً فجعل يلعنه والحسن لا يرد، فلمّا فرغ أقبل الحسن(عليه السلام) فسلّم عليه وضحك فقال: أيّها الشيخ أظنّك غريباً، ولعلّك شُبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجةً قضيناها لك، فلو حرّكت رحلك إلينا، وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك، لأن لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً. فلمّا سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال: أشهد أنّك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إلي والآن أنت أحب خلق الله إلي وحوّل رحله إليه، وكان ضيفه إلى أن ارتحل، وصار معتقداً لمحبتهم[6].
استشهاده (عليه السلام):
روى عيسى بن مهران قال: حدثنا عبيد الله بن الصباح قال: حدثنا جرير، عن مغيرة قال: أرسل معاوية إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس: أني مزوجك يزيد ابني، على أن تسمي الحسن، وبعث إليها مائة ألف درهم، ففعلت وسمت الحسن(عليه السلام) فسوغها المال ولم يزوجها من يزيد، فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها، فكان إذا وقع بينهم وبين بطون قريش كلام عيروهم وقالوا: يا بني مسمة الأزواج. وروى عيسى بن مهران قال: حدثني عثمان بن عمر قال: حدثنا ابن عون، عن عمر بن إسحاق قال: كنت مع الحسن والحسين (عليهما السلام) في الدار، فدخل الحسن(عليه السلام) المخرج ثم خرج فقال: "لقد سقيت السم مراراً، ما سقيته مثل هذه المرة، لقد لفظت قطعة من كبدي، فجعلت أقلبها بعودٍ معي" فقال له الحسين (عليه السلام ): ومن سقاكه؟ فقال: وما تريد منه؟ أتريد قتله، إن يكن هو هو فالله أشد نقمةً منك، وإن لم يكن هو فما أحب أن يؤخذ بي بريء".
وروى عبد الله بن إبراهيم عن زياد المخارقي قال: لما حضرت الحسن (عليه السلام) الوفاة استدعى الحسين بن علي(عليهما السلام) فقال: "يا أخي، إني مفارقك ولاحقٌ بربي عزوجل وقد سقيت السم ورميت بكبدي في الطست، وإني لعارفٍ بمن سقاني السم، ومن أين دهيت، وأنا أخاصمه إلى الله تعالى، فبحقي عليك إن تكلّمت في ذلك بشيء، وانتظر ما يحدث الله عز ذكره فيّ، فإذا قضيت فغمضني، وغسلني، وكفني، واحملني على سريري إلى قبر جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأجدّد به عهداً، ثم ردّني إلى قبر جدتي فاطمة بنت أسد (رحمة الله عليها) فادفني هناك. وستعلم يا ابن أم أن القوم يظنّون أنكم تريدون دفني عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيجلبون في منعكم عن ذلك، وبالله أقسم عليك أن تهرق في أمري محجمة دم" ثمَّ وصّى(عليه السلام) إليه بأهله، وولده، وتركاته، وما كان وصّى به إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) حين استخلفه وأهله لمقامه، ودلَّ شيعته على استخلافه ونصّبه لهم علماً من بعده.
فلمَّا مضى(عليه السلام) لسبيله غسّله الحسين (عليه السلام) وكفّنه، وحمله على سريره، ولم يشك مروان ومن معه من بني أمية أنهم سيدفنونه عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتجمعوا له ولبسوا السلاح، وكادت الفتنة تقع بين بني هاشم وبني أمية، فبادر ابن عباس إلى مروان فقال له: ارجع يا مروان من حيث جئت، فإنا ما نريد (أن ندفن صاحبنا) عند رسول الله صلى الله عليه وآله لكنّا نريد أن نجدد به عهداً بزيارته، ثم نرده إلى جدته فاطمة (عليها السلام) فندفنه عندها بوصيته بذلك، ولو كان وصّى بدفنه مع النبي (صلى الله عليه وآله) لعلمت أنك أقصر باعاً من ردّنا عن ذلك، لكنّه (عليه السلام) كان أعلم بالله ورسوله وبحرمة قبره من أن يطرق عليه هدما كما طرق ذلك غيره، ودخل بيته بغير إذنه[7].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب، ص191.
[2] السيد جعفر مرتضى: الصحيح من سيرة الإمام(ع) ، ص77 و78.
[3] الشيخ محمد مهدي الحائري: شجرة طوبى، ج2، ص255.
[4] الشيخ علي النماز الشاهرودي: مستدرك سفينة البحار، ج2، ص304.
[5] المصدر نفسه، ص305.
[6] المجلسي: بحار الأنوار، ج43، ص344.
[7] الإرشاد: الشيخ المفيد، ص 16 - 19.