وصيته لأخيه الحسين(عليه السلام)
دخل الحسين بن علي(عليهما السلام) على أخيه الحسن بن علي عليهما السلام في مرضه الذي توفي فيه فقال له: كيف تجدك يا أخي؟ قال : أجدني في أول يومٍ من أيام الآخرة وآخر يومٍ من أيام الدنيا، واعلم أنّي لا أسبق أجلي، وأني واردٌ على أبي وجدي(عليهما السلام) على كرهٍ مني لفراقك وفراق إخوتك، وفراق الأحبّة وأستغفر الله من مقالتي هذه وأتوب إليه، بل على محبة مني للقاء رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) وأمّي فاطمة، وحمزة، وجعفر: وفي الله عز وجل خلفٌ من كل هالكٍ، وعزاءٌ من كل مصيبةٍ، ودركٌ من كل ما فات.
رأيت يا أخي كبدي في الطشت، ولقد عرفت من دهى بي ومن أين أتيت فما أنت صانعٌ به يا أخي؟ فقال الحسين(عليه السلام): أقتله والله، قال: فلا أخبرك به أبداً حتى نلقى رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ولكن اكتب يا أخي: هذا ما أوصى به الحسن بن علي إلى أخيه الحسين بن علي: أوصى أنّه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّه يعبده حق عبادته، لا شريك له في الملك، ولا وليَّ له من الذل، وأنه خلق كل شيءٍ فقدّره تقديراً، وأنّه أولى من عُبد، وأحقُّ من حُمد، من أطاعه رشد، ومن عصاه غوى، ومن تاب إليه اهتدى.
فإنّي أوصيك يا حسين بمن خلّفت من أهلي وولدي وأهل بيتك أن تصفح عن مسيئهم، وتقبل من محسنهم، وتكون لهم خلفاً ووالداً، وأن تدفنني مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) فإنّي أحقُّ به وببيته ممّن أدخل بيته بغير إذنه، ولا كتاب جاءهم من بعده، قال الله فيما أنزله على نبيّه(صلى الله عليه وآله) في كتابه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} (الأحزاب: 53) فوالله ما أذن لهم في الدخول عليه في حياته بغير إذنه، ولا جاءهم الإذن في ذلك من بعد وفاته، ونحن مأذونٌ لنا في التصرف فيما ورثناه من بعده.
فإن أبت عليك المرأة فأنشدك الله بالقرابة التي قرب الله عز وجل منك والرحم الماسة من رسول الله(صلى الله عليه وآله) أن تهريق في محجمةٍ من دمٍ، حتى نلقى رسول الله(صلى الله عليه وآله) فنختصم إليه، ونخبره بما كان من الناس إلينا بعده، ثم قُبض عليه السلام[1].
وفي وصية أخرى:
روى بعضهم أن يزيد بن معاوية بعث إلى جعدة بنت الأشعث أن سُمّي الحسن وأنا أتزوجك بعده، ففعلت، فلما مات الحسن بعثت إليه فقال: أنا والله لم نرضك للحسن أفنرضاك لأنفسنا؟
ولما حضرته الوفاة اجتمع إليه الناس فقال: أيها الحاضرون، اسمعوا وأنصتوا لما أقول لكم الآن: هذا الحسين أخي إمامٌ بعدي فلا إمام غيره، ألا فليبلّغ الحاضر الغائب، والوالد الولد، والحر العبد، والذكر الأنثى، وهو خليفتي عليكم، لا أحد يخالفه منكم، نحن ريحانتا رسول الله(صلى الله عليه وسلم)، سيّدا شباب أهل الجنة، فلعن الله من يتقدم أو يقدّم علينا أحداً. وإنّي ناصٌ عليه كما نص رسول الله(صلى الله عليه وسلم) على أمير المؤمنين علي(رضي الله عنه)، وكما نص أبي علي، وهو الخليفة بعدي من الله ورسوله، ثم أوصيك يا أخي بأهلي وولدي خيراً، واتبع ما أوصى به جدك(عليه الصلاة والسلام)، وأبوك وأمك رضوان الله عليهما.
وصيته لأخيه محمد بن الحنفية:
وروى محمد بن يعقوب بإسناده، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: لما حضرت الحسن الوفاة قال: يا قنبر انظر هل ترى من وراء بابك مؤمناً من غير آل محمد؟ فقال: الله ورسوله وابن رسوله أعلم، قال: امض فادع لي محمد بن علي[2].
قال : فأتيته، فلما دخلت عليه قال: هل حدث إلا خيرٌ؟ قلت: أجب أبا محمد. فعجل على شسع نعله فلم يسوه، فخرج معي يعدو، فلما قام بين يديه سلم، فقال له الحسن(عليه السلام): اجلس فليس مثلك يغيب عن سماع كلامٍ يحيى به الأموات ويموت به الأحياء، كونوا أوعية العلم ومصابيح الدجى، فإن ضوء النهار بعضه أضوء من بعض، أما علمت أن الله عز جل جعل ولد إبراهيم أئمةً، وفضّل بعضهم على بعضٍ وأتى داود زبوراً، وقد علمت بما استأثر (به) محمداً(صلى الله عليه وآله وسلم).
يا محمد بن علي، إنّي أخاف عليك الحسد، وإنّما وصف الله تعالى به الكافرين فقال: { كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} (البقرة: 109) ولم يجعل الله للشيطان عليك سلطانا.
يا محمد بن علي، ألا أخبرك بما سمعت من أبيك(عليه السلام)فيك؟
قال: بلى.
قال: سمعت أباك يقول يوم البصرة: من أحب أن يبرني في الدنيا والآخرة فليبر محمداً ولدي.
يا محمد بن علي ، لو شئت أن أخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك.
يا محمد بن علي، أما علمت أن الحسين بن علي بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي إمامٌ من بعدي، وعند الله في الكتاب وراثة من النبي أضافها الله له في وراثة أبيه وأمه، علم الله أنّكم خيرة خلقه فاصطفى منكم محمداً، واختار محمدٌ عليّاً، واختارني عليٌّ للإمامة، واخترت أنا الحسين.
فقال له محمد بن علي: أنت إمامي وسيدي، ألا وإن في رأسي كلاماً لا تنزفه الدلاء، ولا تغيّره نغمة الرياح، كالكتاب المعجم في الرق المنمنم أهم بإبدائه فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل وما جاءت به الرسل، وإنه لكلامٌ يكل به لسان الناطق ويد الكاتب، حتى لا يجد قلماً، ويؤتوا بالقرطاس حمماً، ولا يبلغ فضلك، وكذلك يجزي الله المحسنين ولا قوة إلا بالله، الحسين أعلمنا علماً، وأثقلنا حلماً، وأقربنا من رسول الله رحماً، كان إماماً قبل أن يُخلق، وقرأ الوحي قبل أن ينطق، ولو علم الله أن أحداً خيراً منا ما اصطفى محمداً(صلى الله عليه وآله وسلم)، فلما اختار محمداً اختار محمدٌ عليّاً إماماً، واختارك عليٌّ بعده، واخترت الحسين(عليه السلام) بعدك، سلمنا ورضينا بمن هو الرضى وبمن نسلم به من المشكلات[3].
وصيته لابنه القاسم:
يا ولدي يا قاسم أوصيك إنك إذا رأيت عمك الحسين(عليه السلام) في كربلاءَ وقد أحاطت به الأعداء فلا تترك البراز والجهاد لأعداء الله وأعداء رسوله، ولا تبخل عليه بروحك، وكلما نهاك عن البراز عاوده ليأذن لك في البراز؛ لتحظى في السعادة الأبديّة[4].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] المجلسي: بحار الأنوار: ج44، ص 151 - 152.
[2] هو أخوه محمد بن الحنفية.
[3] الكافي 1: 239 / 2، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 44 : 174 / 2 .
[4] السيد هاشم البحراني: مدينة المعاجز، ج3، ص 367.