ممّا يتّصل ببحث الإرهاب في نظر البعض مسألة صلح الإمام الحسن(عليه السلام) مع معاوية، حيث أنّ الكثير ممّن كانوا في ركب الإمام الحسن(عليه السلام)، ومنهم بعض أصحابه المخلصين، حلّلوا ظاهرة الصلح التي أقدم عليه الإمام(عليه السلام) لوقوعه تحت ضغط الإرهاب والتهديدات الأمويّة، وهذا ما تشهد به مكاتبات معاوية التي كانت تستخدم لغة الإرهاب والتخويف بشكلٍ مكثّفٍ; ولجهل البعض بمقام الإمام(عليه السلام)، ولضعف الإيمان الذي وصل إليه النّاس، والتجرّئ على مقام الإمامة، فقد سأل البعض الإمام الحسن(عليه السلام):«ما ينقضي تعجّبنا منك! بايعت معاوية ومعك أربعون ألف مقاتل من الكوفة سوى من أهل البصرة والحجاز»[1] ظنّاً منهم أنّ الإمام الحسن(عليه السلام) وقع تحت ضغط الإرهاب الأموي، وهذا التحليل خاطئٌ; لأنّ الأرقام التاريخيّة تدلّل على أنّ قبائل العراق التي كان أغلبها مهاجرةً من الجزيرة العربيّة، ومنها ربيعة ومضر وكندة، قد وقعت تحت الإغراء الذي يقدّمه معاوية لكي تقف إلى جانبه وتتخلّى عن الإمام الحسن(عليه السلام)، ويضاف إلى ذلك وجود الخيانات التي حصلت عند قادة جيش الإمام الحسن(عليه السلام) كعبيد الله بن العباس وغيره.
الفرق بين جيشي الإمام عليّ والإمام الحسن(عليهما السلام)
قد يسأل سائلٌ في المقام: أليس الجيش الذي قاده الإمام الحسن(عليه السلام) هو نفس الجيش الذي جهّزه أمير المؤمنين(عليه السلام) للقضاء على معاوية وأتباعه، فلماذا صار هذا الانحلال والتخاذل؟!
وللجواب على هذا نذكر أنّ هناك فرقٌ بين جيش الإمام الحسن وجيش الإمام عليّ(عليهما السلام) في نهاية أيّامه; لأنّ جيش الإمام عليّ كان معدّاً لضرب معاوية ضربةً نهائيّةً بعد شهر رمضانَ، حيث كان جيشه هائلاً وقويّاً لولا أنّ الله اختار الإمام عليّ واستشهد، أمّا جيش الإمام الحسن(عليه السلام)، فبالإضافة إلى الوضع النفسي الذي حصل للناس بعد استشهاد الإمام(عليه السلام) وتخوّفهم، نجد أنّ جيش الإمام الحسن(عليه السلام) هو جيشٌ منخورٌ تكثر فيه الخيانة والميل لإغراءات معاوية، بالإضافة إلى اختلاف موقع الإمام علي(عليه السلام) عن موقع الإمام الحسن(عليه السلام) في عيون الناس.
من أهداف صلح الإمام الحسن(عليه السلام)
الإمام الحسن(عليه السلام) كان يدرك أنّ له نفوذٌ في شيعته، وكان حريصاً على المحافظة عليه، والذي فعله في صلح معاويةَ هو أمرٌ شبيهٌ بالكرّ والفرّ الذي تفرضه التوازنات السياسيّة، بحيث أنّه لو حارب معاوية لخسر تلك الحرب، وبالتالي سوف يؤدّي إلى فقدان هذا النفوذ.
الإمام الحسن(عليه السلام) في الأحاديث النبويّة
مع ما يميّز به الإمام علي(عليه السلام) من مميّزاتٍ كثيرةٍ، فهو بمنزلة نفس النبي(صلى الله عليه وآله)، وما لا يحصى من المناقب، وأوّل من أسلم مع النبي(صلى الله عليه وآله)، بالإضافة إلى قتاله معه، ومنزلته وقربه منه(صلى الله عليه وآله).
إلاّ أنّ للإمام الحسن(عليه السلام) مميّزاتٌ لم تكن لعلي(عليه السلام)، فهو سبط النبي، والسبطيّة لها مدلولاتها ومؤدّاها الخاص، بمعنى الامتداد الشرعي لذلك النبي، وهذا حديثٌ عقائديٌّ لا اُريد الخوض فيه، وما يؤكّده قول رسول الله(صلى الله عليه وآله): «ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا»[2]. وقال(صلى الله عليه وآله): «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة»، وهذا الحديث رواه الترمذي، وأحمد بن حنبل، والحاكم الذي قال: « قد صح من أوجهٍ كثيرةٍ، وأنا أتعجّب أنّهما - أي البخاري ومسلم - لم يخرجاه»[3]، وقال الألباني في تصحيحاته الأخيرة: «فالحديث صحيحٌ بلا ريبٍ، بل هو متواترٌ»[4]، والألباني من المعتمدين عند أهل سنّة الجماعة والخلافة، وقال(صلى الله عليه وآله): «الحسن والحسين ابناي وريحانتاي من الدنيا»[5]، رواه البخاري في صحيحه، وروى أيضاً قوله(صلى الله عليه وآله): «اللهم إنّي اُحبّهما فأحبّهما»[6]، وذكر أيضاً في صحيحه قوله(صلى الله عليه وآله): «إنّ ابني هذا سيّدٌ، ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين»[7]، وقبل ذلك آية المباهلة التي خصّ بها أهل البيت(عليهم السلام).
ظروف الإمام علي والإمام الحسن(عليهما السلام) بين التطابق والاختلاف
لو رجعنا إلى سيرة الإمام الحسن(عليه السلام) في الكوفة، فإنّنا نجده كان يطعن في شرعيّة معاوية على الملأ، وما كان ليفعل ذلك لولا نفوذه وقواعده الجماهيريّة، بل إنّ معاوية كان يحذر من الدخول في تصعيد سياسي مع الإمام الحسن، فضلاً عن أن يتمكّن من تصفيته بشكلٍ علني وما أتيح للإمام الحسن(عليه السلام) من فرصةٍ للطعن في شرعيّة معاوية بنحو علني متكرّرٍ لم تكن موجودةً للإمام علي(عليه السلام) مع اُولئك، وتلك الفترة كان السائد فيها هو الوضع الحربيّ المسلّح بالرغم من الإعلان مرّاتٍ عديدةٍ عن انحراف معاوية، إلاّ أنّ ذلك لم يكن قد وصل إلى جميع النّاس، ولم تكن أفعال معاوية قد انكشفت بعدُ للنّاس بصورةٍ جليّةٍ، وبالرغم من أنّ الإمام علي(عليه السلام) لم يكن يرى شرعيّة الخلفاء بعد النبي(صلى الله عليه وآله) كذلك، إلاّ أنّ المصلحة العامّة للمسلمين لم تسمح له بإعلان المواجهة لحكم من سبقه من الخلفاء، فلم يكن يعلن المعارضة الساخنة إلاّ في فتراتٍ قصيرةٍ ومحدودةٍ حسب ما سمحت به الفرصة، كاحتجاجه(عليه السلام) مع الزهراء بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله) أمام الصحابة في مسألة أحقّيته بالخلافة واغتصاب حقوق أهل البيت(عليهم السلام) وكرفضه لقبول أي منصبٍ في دولة الخلفاء، وكشجبه لسيرة الشيخين يوم الشورى بعد موت الثاني، إذن فصلح الإمام الحسن كان الهدف منه الحفاظ على نفوذه في قواعده الجماهيريّة، ومن خلال الصلح الذي أقدم عليه استطاع أن يحافظ على التوازن بينه وبين معاوية.
المصدر: الشيخ محمد السند: الحداثة، العولمة، الإرهاب في ميزان النهضة الحسينية، ص 310 – 311 – 313- 315.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] راجع بحار الأنوار: 44 / 57 ، 19 - باب كيفيّة مصالحة الحسن بن عليّ ( صلوات الله عليه ) معاوية لعنه الله ، الحديث 6. المناقب / ابن شهرآشوب : 4 / 04 ، باب إمامة أبي محمّد الحسن بن عليّ ( عليه السلام )، فصل: في صلحه (عليه السلام) مع معاوية.
[2] بحار الأنوار: 16 / 703 ، 11 - باب فضائله وخصائصه(عليه السلام)، و : 21 / 279 ، 32 - باب المباهلة وما ظهر فيها من الدلائل.
[3] المستدرك على الصحيحين: الحاكم النيسابوري: 3 / 376 ، الحديث 4839، ومن مناقب الحسن والحسين.
[4] راجع سلسلة الأحاديث الصحيحة: محمّد ناصر الألباني: 2 / 431، الحديث 796 .
[5] صحيح البخاري : 2 / 546، باب مناقب الحسن والحسين( رضي الله عنهما )، ولكن ورد: «هما ريحانتاي في الدنيا».
[6] المصدر المتقدّم : الحديث 3747.
[7] المصدر المتقدّم : الحديث 3746.