القسم الأول: ما يعمّ الليالي والأيام
روى السيّد ابن طاووس(رض) عن الصادق والكاظم(عليهم السلام)، قالا: تقول في شهر رمضان من أوّله إلى آخره بعد كُلِّ فريضةٍ: "اللهُمَّ ارْزُقْنِي حَجَّ بَيْتِك الحَرامِ فِي عامِي هذا وَفِي كُلِّ عامٍ ما أَبْقَيْتَنِي فِي يُسْرٍ مِنْكَ...".
وتدعُو عقيب كُلِّ فريضة فتقول: "يا عَلِيُّ يا عَظِيمُ، يا غَفُورُ يا رَحِيمُ...".
وروى الكفعمي في (المِصباح) وفي (البلد الأمين) كما روى الشيخ الشهيد في مجموعته عَن النبي(صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: مَن دعا بهذا الدُّعاء في رَمَضان بَعد كُلِّ فريضةٍ غفر الله لَهُ ذنوبه إلى يَوم القيامة: "اللّهُمَّ أَدْخِلْ عَلى أَهْلِ القُبُورِ السُّرُورِ...".
وروى الكليني في الكافي عَن أبي بصير، قال: كان الصادق(عليه السلام) يدعو بهذا الدُّعاء في شَهر رمضانَ: "اللّهُمَّ إِنِّي بِكَ وَمِنْكَ أَطْلُبُ حاجَتِي...".
أقول: هذا الدُّعاء يُسمّى دعاء الحج، وقَد رواه السيّد في(الاقبال) عَن الصادق(عليه السلام) لليالي شَهر رَمَضان بَعد المغرب.
وقال الكفعمي في(البلد الأمين) يُستَحب الدُّعاء بهِ في كُل يَومٍ مِن رَمَضانَ وفي أوّل لَيلَةٍ مِنهُ، وأورده المفيد في(المقنعة) في خصوص اللّيلة الأولى بَعد صلاة المغرب.
واعلم أنّ أفضَل الأعمال في لَيالي شَهر رَمَضان وأيامه هُوَ تلاوة القرآن الكَريم، وينبغي الاكثار مِن تلاوته في هذا الشّهر؛ ففيه كان نزول القرآن، وفي الحديث: أن لكل شيءٍ ربيعاً وربيع القرآن هُوَ شَهر رَمَضان، ويُستَحب في سائر الأيام ختم القرآن ختمةً واحدةً في كُل شَهرٍ، وأقل ما روى ذلِكَ هُوَ ختمه في كُل ستة أيام، وأما شَهر رَمَضان فالمَسنون فيهِ ختمه في كُل ثلاثة أيامٍ، ويحسن - إنْ يتيسر لَهُ - أن يختمه ختمةً في كُل يَومٍ.
وروى العلامة المجلسي(رض): أنّ بعض الأئمة الأطهار(عليهم السلام) كانوا يختمون القرآن في هذا الشّهر أربعين ختمةً وأكثر مِن ذلِكَ، ويضاعف ثواب الختمات إن أُهديت إلى أرواح المعصومين الأَرْبعة عَشر(عليهم السلام) يخص كُل منهم بختمةٍ، ويظهر مِن بعض الروايات أنَّ أجر مهديها أن يكون معهم في يَوم القيامة، وليكثر المرء في هذا الشّهر مِن الدُّعاء والصلاة والاستغفار ومِن قول: "لا أِلهَ إِلاّ اللهُ".
وقَد رُوي أن زينَ العابدين(عليه السلام) كان إذا دخل شَهر رَمَضان لا يتكلم إلاّ بالدعاء، والتسبيح، والاستغفار، والتكبير. وليهتم اهتماماً بالغاً بالمأثور مِن العبادات ونوافل الليالي والأيام.
القسم الثاني : مايُستَحب اتيانه في لَيالي شَهر رَمَضان
وهِيَ أمورٌ:
الأول: الافطار، ويُستَحب تأخَيره عَن صلاة العشاء إلاّ إذا غلب عَليهِ الضعف أو كانَ له قومٌ ينتظرونه.
الثاني: أن يفطر بالحلال الخالي مِن الشبهات سّيما التمر؛ ليضاعف أجر صلاته أربعمائة ضعفٍ، ويحسن الافطار أيضاً بأيّ مِن التمر، والرطب، والحلواء، والنبات، والماء الحار.
الثالث: أن يدعو عِندَ الافطار بدعوات الافطار المأثورة، منها: أن يَقول: "اللّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ"؛ ليهب الله لَهُ مثل أجر كُل مَن صام ذلِكَ اليَوم.
ورُوي أن أمير المُؤمنين(عليه السلام) كان إذا أراد أن يفطر يَقول: "بِسْمِ الله اللّهُمَّ لَكَ صُمْنا وَعَلى رِزْقِكَ أَفْطَرْنا فَتَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ.
الرابع: أن يقول عند أوَّل لقمةٍ يأخذها: "بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا واسِعَ المَغْفِرَةِ اغْفِرْ لِي"؛ ليغفر الله لَهُ. وفي الحديث: إنّ الله تعالى يعتق في آخر ساعةٍ مِن نهار كُل يَوم مِن شَهر رَمَضانَ ألف ألف رقبةٍ، فسل الله تعالى أن يجعلكَ منهم.
الخامس: أن يتلو "سورة القَدر" عِندَ الافطار.
السادس: أن يتصدّق عِندَ الافطار، ويفطّر الصائِمين ولو بَعددٍ مِن التمر أو بشربةٍ مِن الماء.
وعَن النبي(صلى الله عليه وآله): أنّ مَن فطّر صائماً فَلهُ أجر مثله مِن دون أن ينقص مِن أجره شيءٌ، وكانَ له مثل أجر ما عمله مِن الخير بقّوة ذلِكَ الطعام.
السابع: مِن المأثور تلاوة "سورة القَدر" في كُل لَيلَةٍ ألف مرةٍ.
الثامن: أن يتلو "سورة حَّم الدّخان" في كُل لَيلَةٍ مائةَ مرةٍ إن تيسّرت.
التاسع: روى السيّد أنّ مَن قالَ هذا الدُّعاء في كُل لَيلَة مِن شَهر رَمَضان غفرت له ذنوب أربعين سنة: "اللّهُمَّ رَبَّ شَهْرَ رَمَضانَ الَّذِي أَنْزَلْتَ فِيهِ القُرْآنَ...".
العاشر: أن يدعو بَعد المغرب بدعاء الحج الَّذي مر في القسم الأوّل مِن أعمال الشّهر.
الحادي عَشر: أن يدعو في كُل لَيلَةٍ مِن رَمَضانَ بدعاء الافتتاح.
الثاني عَشر: أن يَقول في كُل لَيلَةٍ: "اللّهُمَّ بِرَحْمَتِكَ فِي الصَّالِحِينَ فَأَدْخِلْنا وَفِي عِلِّيِّينَ فَأَرْفَعْنا...".
الثالث عَشر: عَن الصادق(عليه السلام) قالَ: تقول في كُل لَيلَةٍ مِن شَهر رَمَضانَ: "اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ فِيما تَقْضِي وَتُقَدِّرُ مِنَ الاَمْرِ المَحْتُومِ...".
الرابع عَشر: في كتاب(أنيس الصّالحِينَ): ادعُ في كُل لَيلَة مِن لَيالي شَهر رمضان قائلاً: "أَعُوذُ بِجَلالِ وَجْهِكَ الكَرِيمِ...".
الخامس عَشر: روى الكفعمي في هامش كتابهِ(البلد الأمين) عَن السيّد ابن باقي قالَ: يُستَحب في كُل لَيلَةٍ من لَيالي شَهر رَمَضانَ صلاة ركعتين تقرأ في كُل ركعة [] و [التَوحيد] ثلاث مراتٍ، فإذا سلّمت تقول: [سُبْحانَ مَنْ هُوَ حَفِيظٌ لايَغْفَلُ سُبْحانَ مَنْ هُوَ رَحِيمٌ لا يَعْجَلُ سُبْحانَ مَنْ هُوَ قائِمٌ لايَسْهُو سُبْحانَ مَنْ هُوَ دائِمٌ لايَلْهُو]. ثم تسبّح بالتسبيحات الأَرْبع سبع مراتٍ، ثم تقول: [سُبْحانَكَ سُبْحانَكَ سُبْحانَكَ يا عَظِيمُ اغْفِرْ لِي الذَّنْبَ العَظِيمَ].
السادس عَشر: في الحديث أنّ مَن قرأ في كُل لَيلَةٍ مِن شَهر رَمَضانَ سورة [إِنا فَتَحنا] في صلاةٍ مسنونةٍ كانَ مصوناً في ذلِكَ العام. ثم تصلّي عَلى النبي وآله عَشر مراتٍ. مَن صلّى هذه الصلاة غفر الله لَهُ سبعين ألف سيئةٍ...الخ.
واعلم أنّ مِن أعمال لَيالي شَهر رَمَضانَ الصلاة ألف ركعةٍ، وقَد أشار إليها المشايخ والأعاظم في كتبهم في الفقه وفي العبادة.
القسم الثالث: في أعمال أسحار شَهر رَمَضان المبارك
وهي عديدةٌ:
الأوّل: أن يتسحّر فلا يدع السحور، ولو على حشفة تمر أو جرعةٍ مِن الماء؛ وأَفضَل السحور السويق والتمر، وفي الحديث: أن الله وملائكته يصلّونَ عَلى المستغفرين والمتسحّرينَ بالأسحار.
الثاني: أن يقرأ عِندَ السحور سورة "إِنا أنزلناهُ"، فَفي الحديثِ: ما مِن مؤمَنٍ صام فقرأ إنّا أنزلناه في لَيلَة القَدر عِندَ سحوره وعِندَ إفطاره إِلاّ كانَ فيما بينهما كالمتشحط بدمه في سبيل الله.
الثالث: أن يدعو بدعاء "البهاء" العَظيم الشأن الَّذي رُوي عَن الرضا (صَلَواتُ الله وسَلامُهُ عَلَيهِ) أنه قالَ: هُوَ دعاء الباقر (عليه السلام) في أسحار شَهر رَمَضان: "اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ بَهائِكَ بِأَبْهاهُ وَكُلُّ بَهائِكَ بَهِيُّ...".
الرابع: في (المصباح) عَن أبي حمزة الثمالي(رض) قالَ: كانَ زينُ العابدين (عليه السلام) يصلّي عامّة اللَّيل في شَهر رَمَضانَ، فإذا كانَ في السحر دعا بهذا الدُّعاء: "إِلهِي لاتُؤدِّبْنِي بِعُقُوبَتِكَ وَلا تَمْكُرْ بِي فِي حِيلَتِكَ".
الخامس: تدعو بدعاء إدريس الذي رواه الشّيخ والسيّد فليطلب من كتاب (المصباح) أو كتاب (الإقبال).
السادس: أن تدعو بدعاء "يا مفزعي" الَّذي هُو أخصر أدعية السحر، وهو مرويٌّ في (الإقبال): "يا مَفْزَعِي عِنْدَ كُرْبَتِي...".
السابع: وتسبّح أيضاً بهذه التسبيحات المرويّة في (الإقبال): "سُبْحانَ مَنْ يَعْلَمُ جَوارِحَ القُلُوبِ سُبْحانَ مَنْ يُحْصِي عَدَدَ الذُّنُوبِ...".
واعلم أنّ نية الصوم على ما ذكره العلماء يحسن أن تكون عقيب ما تسحر، ومن الجائز أن ينوي الصوم في أيّ وقتٍ كان من اللّيل، ويكفي في النّيّة أنّه يعلم ويقصد أن يصوم نهار الغد لله تعالى، وأن يمسك فيهِ عَن المفطرات، وينبغي أن لا يدع صلاة اللّيل في الأسحار، وأن لا يترك التهجّد فيها.
القسم الرابع: في أعمال أيام شهر رمضان، وهي أمورٌ:
أوّلها: أن يدعو كلّ يومٍ بهذا الدعاء الَّذي رواه الشيخ كَما رواه السّيّد: "اللَّهُمَّ هذا شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أَنْزَلْتَ فِيْهِ القُرْآنَ...".
الثاني: وقال أيضاً: تسبّح كُل يَومٍ مِن شَهر رَمَضانَ إلى آخره بهذه التسبيحات، وهي عشرة أجزاءٍ، كُل جزءٍ يحتوي عَلى عَشرة تسبيحاتٍ.
الثالث: وقال أيضاً: تصلّي في كُل يَومٍ مِن رَمَضانَ عَلى النبي، تقول: "إِنَّ الله وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيّ يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا...".
الرابع: وقالَ الشَيخ والسيّد أيضاً قُلْ في كُل يوم: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ بِأَفْضَلِهِ...".
الخامس: أن يدعو بهذا الدُّعاء: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَدْعُوكَ كَما أَمَرْتَنِي...".
السادس: روى الكفعمي في (البلد الأمين) وفي (المصباح) عَن كتاب (اختيار السيّد ابن باقي) أنّ مَن قرأ هذا الدُّعاء في كُل يَومٍ مِن رَمَضانَ غفر الله لَهُ ذنوب أربعين سنةً: "اللهمَّ رَبَّ شَهْرِ رَمَضانَ الَّذِي أَنْزَلْتَ فِيْهِ القُرْآنَ وَافْتَرَضْتَ عَلى عِبادِكَ فِيْهِ الصِّيامَ ارْزُقْنِي حَجَّ بَيْتِكَ الحَرامِ فِي هذا العامِ وَفِي كُلِّ عامٍ وَاغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ العِظامَ فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُها غَيْرُكَ يا ذا الجَلالِ وَالاِكْرامِ".
السابع: أن يَذكر الله تعالى في كُلِّ يَومٍ مائةَ مرةٍ بهذه الأذكار الَّتي أوردها المحدّث الفيض في كتاب (خلاصة الأذكار): "سُبْحانَ الضَّارِّ النَّافِعِ سُبْحانَ القاضِي بِالحَقِّ سُبْحانَ العَليِّ الأعْلى، سُبحانَهُ وَبِحَمْدِهِ سُبحانَهُ وَتَعالى".
الثامن: قالَ المفيد في المقنعة: إنّ مِن سنن شَهر رَمَضانَ الصلاة عَلى النبي (صلّى الله عليه وآله) في كُلِّ يَومٍ مائةَ مرةٍ، والأفضل أن يزيد عَليها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: الشيخ عباس القمي: مفاتيح الجنان، ص 286 - 344. (بتصرف).