أوّلاً: أهمّية زيارة آل البيت عليهم السلام
لقد تعرّفنا على مشروعيّة زيارة القبور، وخصوصاً أفضلها, أي زيارة المشاهد المشرّفة للأنبياء العظام عليهم السلام والرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته الطاهرين عليهم السلام. وبقي أن نشير إلى أهمّية هذه الزيارات من جهات عدّة ومنها أنّها:
1- تمثِّلُ العلاقة الرُّوحية مع المعصوم: فالزيارة تمثّل تجسيداً عملياً وروحياً للرابطة بين الإنسان المؤمن والمعصومين عليهم السلام، حيث يعتقد الزائر أنَّه يرد على بيت الإمام الذي هو من بيوت الله التي ﴿أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾1, وأنّه يتحدّث في هذه الزِّيارة مع الإمام الذي يسمع كلامه ويفهمه ويردّ جوابه. ونجد في الاستئذان للدخول إلى مشاهدهم ما يعبّر عن هذه الحقيقة: "اللّهمّ، إنّي وقفت على باب من أبواب بيوت نبيّك صلواتك عليه وآله... اللّهمّ، إنّي أعتقدُ حرمةَ صاحب هذا المشهد الشريف في غيبته، كما أعتقدها في حضرته، وأعلم أنّ رسولك وخلفاءك عليه السلام أحياء عندك يرزقون، يرون مقامي ويسمعون كلامي ويردّون سلامي، وأنّك حجبت عن سمعي كلامهم، وفتحت باب فهمي بلذيذ مناجاتهم"2.
2- تتضمّن أبعاداً عقائدية وتوحيدية: فالزيارات المنقولة تشتمل على مضامين مشتركة لها أبعاد عقائدية توحيدية إسلاميّة وروحية، مثل التكبير مئة مرة، والشهادتين، وكذلك السلام على الأئمّة الأطهار عليهم السلام وعدّهم واحداً بعد آخر، وغير ذلك من مراسيم الشكر للّه تعالى على التوفيق والحمد والتقديس. وهي تمثّل دروساً عقائديّة وأخلاقيّة وروحيّة مباشرة. وعلى سبيل المثال، ما رواه يونس الكناسي عن الإمام الصَّادق عليه السلام في زيارة الإمام الحسين عليه السلام: "إذا أتيت قبر الحسين عليه السلام فأتِ الفرات، واغتسل بحيال قبره وتوجّه إليه وعليك السكينة والوقار حتّى تدخل إلى القبر من الجانب الشرقي، وقل حين تدخله: "السلام على ملائكة الله المنزلين، السلام على ملائكة الله المردفين، السلام على ملائكة الله المسومين، السلام على ملائكة الله الذين هم في هذا الحرم مقيمون" فإذا استقبلت قبر الحسين عليه السلام، فقل: "السلام على رسول الله، السلام على أمين الله على رسله وعزائم أمره والخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل والمهيمن على ذلك كلّه، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته" ثمّ تقول: "اللهمّ، صلّ على أمير المؤمنين، عبدك وأخي رسولك الذي انتجبته بعلمك وجعلته هادياً لمن شئت من خلقك، والدليل على من بعثته برسالاتك، وديّان الدين بعدلك، وفصل قضائك بين خلقك، والمهيمن على ذلك كلّه، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته... اللهمّ، صلّ على الحسن بن علي عبدك وابن الذي انتجبته بعلمك، وجعلته هادياً لمن شئت من خلقك، والدليل على من بعثته برسالاتك، وديّان الدين بعدلك وفصل قضائك بين خلقك والمهيمن على ذلك كلّه، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته". ثمّ تصلّي على الحسين وسائر الأئمّة عليهم السلام كما صلّيت وسلّمت على الحسن عليه السلام ثمّ تأتي قبر الحسين عليه السلام فتقول: "السلام عليك يا ابن رسول الله، السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين، صلّى الله عليك يا أبا عبد الله، أشهد أنّك قد بلّغت عن الله عزّ وجلّ ما أمرت به، ولم تخشَ أحداً غيره، وجاهدت في سبيله، وعبدته صادقاً حتى أتاك اليقين..."3.
3- إحياء لذكرهم: وهو من الأمور الثابتة في اعتقادنا, لأنّ في إحياء ذكر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام إحياء لشعائر الدين وعقائده، وبه تسمو الروح لارتباطه بتلك القمم الشامخة في عالم السير والسلوك، فهم القدوة والأسوة، حيث يقول تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾4. وعن الباقر عليه السلام: "أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا"5.
ثانياً: فضل زيارة أهل البيت عليهم السلام
إنَّ الزِّيارة لأهل البيت عليهم السلام نوعان: زيارة عن قرب، وزيارة عن بعد. والنوع الأول - أي عن قرب - له الفضلُ الأكبر، لأنّ في الزِّيارة عن قرب دلالة أكبر على تعلّق المؤمن وشوقه وإرادته وبذله الجهد والمال وقطع المسافات لزيارة المعصوم عن قرب. وفيما يلي نورد أهمّ الميزات والفضائل الخاصة بالزِّيارة عن قرب، (والتي يظهر أنَّه تصح للزائر عن بعد أيضاً في بعض الحالات):
1- فضل زيارة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم:
عن زيد الشحام قال: "قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما لمن زار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: كمن زار الله عزّ وجلّ فوق عرشه، قال: قلت فما لمن زار أحداً منكم؟ قال: كمن زار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"6.
2- فضل زيارة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام:
روي عن الإمام الصادق عليه السلام عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: "من زار علياً بعد وفاته، فله الجنة"7. وعنه عليه السلام أيضاً: "إنّ أبواب السماء لتفتح عند دعاء الزّائر لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فلا تكن عن الخير نوّاما"8.
3- فضل زيارة الإمام الحسن بن علي عليه السلام:
روي عن الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه أنّهم قالوا: "بينا الحسن ذات يوم في حجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ رفع رأسه، فقال: يا أبت، ما لمن زارك بعد موتك؟ قال: يا بنيّ، من أتاني زائراً بعد موتي، فله الجنة، (...) ومن أتاك زائرا بعد موتك، فله الجنة"9.
4- فضل زيارة الإمام الحسين بن علي عليه السلام:
عن الإمام الباقر عليه السلام: أنَّه قال: "مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه السلام, فإنّ إتيانه مفترض على كلّ مؤمن يقرّ للحسين عليه السلام بالإمامة من الله"10.
وعن بشير الدهان قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: "ربما فاتني الحجّ، فأعرف عند قبر الحسين عليه السلام؟ فقال: أحسنت يا بشير، أيّما مؤمن أتى قبر الحسين عليه السلام عارفاً بحقّه في غير يوم عيد، كتب الله له عشرين حجّة وعشرين عمرة مبرورات مقبولات، وعشرين حجّة وعمرة مع نبي مرسل أو إمام عدل، ومن أتاه في يوم عيد كتب الله له مئة حجّة ومئة عمرة ومئة غزوة مع نبيّ مرسل أو إمام عدل"11.
5- فضل زيارة أئمة البقيع عليهم السلام:
روى الشيخ المفيد في (المقنعة) روايات عدّة في زيارة أئمّة البقيع عليهم السلام: فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "من زار إماماً من الأئمّة، وصلّى عنده أربع ركعات، كتبت له حجّة وعمرة"12.
وقيل للصادق عليه السلام: "ما حكم من زار أحدكم؟ قال: يكون كمن زار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"13، وقد حمل الشيخ المفيد رحمه الله هذين الحديثين على كونهما في خصوص أئمّة البقيع عليهم السلام.
6- فضل زيارة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام:
عن الحسين بن محمد القمي، قال: "قال الرض عليه السلام من زار قبر أبي ببغداد، كمن زار قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقبر أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله وسلم، إلا أنّ لرسول الله ولأمير المؤمنين صلوات الله عليهما فضلهما"14.
7- فضل زيارة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام:
روي عن أبي جعفر عليه السلام أنَّه قال: "من زار قبر أبي بطوس، غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، قال: فحججت بعد الزِّيارة فلقيت أيّوب بن نوح، فقال لي: قال أبو جعفر الثاني عليه السلام: من زار قبر أبي بطوس غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وبنى الله له منبراً في حذاء منبر محمد وعلي عليه السلام حتى يفرغ الله من حساب الخلائق. فرأيته وقد زار، فقال: جئت أطلب المنبر"15.
وعن الإمام الرض عليه السلام قال: "من زارني على بعد داري أتيته يوم القيامة في ثلاثة مواطن، حتى أخلّصه من أهوالها: إذا تطايرت الكتب يمينا وشمالاً، وعند الصراط، وعند الميزان"16.
8- فضل زيارة الأئمة عليهم السلام أجمعين:
روى أبو علي الأشعري، عن عبد الله بن موسى، عن الحسن بن علي الوشاء قال: سمعت الرض عليه السلام يقول: "إنّ لكلّ إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبور هم، فمن زارهم رغبةً في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه، كان أئمّتهم شفعاءهم يوم القيامة"17.
9- فضل زيارة السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام:
تستحبّ زيارة قبر فاطمة بنت موسى بن جعفر عليه السلام بقم، فقد سئل الرض عليه السلام عن زيارتها، فقال: "من زارها، فله الجنّة"18.
ثالثاً: من أحكام الزِّيارة
في الأحكام العامّة للزيارات، وهي ثمانية19:
1- يتأكَّد استحباب زيارة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام. فعن الإمام الباقر عليه السلام: "إنَّما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها، ثمّ يأتونا، فيخبرونا بولايتهم ويعرضوا علينا نصرهم"20. وعنه عليه السلام أيضاً: "تمام الحجّ لقاء الإمام"21.
2- تستحبّ عمارة مشاهد الأئمّة عليهم السلام، وكثرة زيارتها: فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "يا عليّ، إنّ الله جعل قبرك وقبر ولدك بقاعاً من بقاع الجنّة، وعرصة من عرصاتها، وإنّ الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوة من عباده تحنّ إليكم، فيعمرون قبوركم، ويكثرون زيارتها تقرّباً منهم إلى الله تعالى، ومودّة منهم لرسوله، أولئك يا - عليّ - المخصوصون بشفاعتي، والواردون حوضي، وهم زوّاري غداً في الجنّة. يا عليّ، من عمّر قبوركم وتعاهدها فكأنَّما أعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس، ومن زار قبوركم، عدل ذلك له ثواب سبعين حجّة بعد حجّة الإسلام"22.
3- يستحبّ زيارة كلّ واحد منهم عليه السلام بالزيارة المأثورة الخاصّة أو الجامعة (وسوف يأتي ذكر بعضها).
4- لا يجوز السجود للمعصوم ولا على قبره: فقد روي عن صاحب الزمان عليه السلام: "أمّا سجود على القبر فلا يجوز في فريضة ولا نافلة ولا زيارة، ولكن يضع خدّه الأيمن على القبر"23.
5- يستحبّ التبرّك بمشاهدهم عليه السلام.
6- لا ينبغي السفر إلى زيارة شيء من القبور غير قبور الأنبياء والأئمّة عليهم السلام. فعن الإمام الرض عليه السلام: "لا تشدّ الرحال إلى شيء من القبور إلَّا إلى قبورنا"24.
يستحبّ زيارتهم عليه السلام من بعد عند تعذّرها من قرب: فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا تعذّرت لأحدكم، ونأت به الدار. فليصعد أعلى منزله وليصلِّ ركعتين، وليؤمّ بالسلام إلى قبورنا، فإنّ ذلك يصل إلينا"25.
7- يكره ترك زيارتهم: فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "من لم يأتِ قبر الحسين عليه السلام حتّى يموت، كان منتقص الإيمان منتقص الدين، إنّ أُدخل الجنّة كان دون المؤمنين فيها"26.
8- يستحبّ زيارة النساء للأئمّة عليهم السلام: ولو من سفر بعيد لما مرّ من العموم، وللروايات الخاصة، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال لامرأة أرادت زيارة قبور الشهداء: "ما أعجبكم يا أهل العراق تأتون الشهداء من سفر بعيد وتتركون سيّد الشهداء الحسين بن عليّ عليه السلام، قالت: إنّي امرأة، قال: لا بأس بمن كان مثلك أن تذهب إليه وتزوره، قالت: أيّ شيء لنا في زيارته؟ قال: كعدل حجّة وعمرة، واعتكاف شهرين في المسجد الحرام وصيامها، وخير منهما"27.
رابعاً: آداب الزِّيارة
لقد وردت عن آل البيت عليهم السلام جملة من الآداب التي يُستحسن للزَّائر أن يتحلَّى بها، إذ إنَّ التَّحلِّي بها يعكِسُ إرادةً جدّيةً عند الزائر في إظهار ارتباطه الحقيقي بالمزور وعلاقته المعنوية به، ومن هذه الآداب:
1- الصَّلاة عنده: روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "من زار إماماً من الأئمّة، وصلّى عنده أربع ركعات كتبت له حجّة وعمرة"28.
2- اختيار الأوقات الشَّريفة: حيث جاء في الروايات تحديد أوقات عديدة لزيارة الأئمّة عليهم السلام، إذ ورد استحباب زيارة الإمام الحسين عليه السلام على سبيل المثال ليلة عرفة ويوم عرفة ويوم العيد(الأضحى)، وأوّل رجب ونصفه، وفي نصف شعبان، ليلة القدر، وفي شهر رمضان خصوصاً أوّل ليلة وآخر ليلة وليلة النصف، وفي ليلة الفطر والأضحى ويوم عاشوراء وليلته، وغير ذلك من الأوقات الشَّريفة التي أكّدت عليها الروايات، وفي خصوص زيارة الإمام الحسين ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: "زوروه في كلّ وقت، وفي كلّ حين"29.
3- زيارة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام بعد إتمام الحجّ: فقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: "أتمّوا بزيارة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجّكم، فإنّ تركه بعد الحجّ جفاء. وبذلك أمرتم بالقبور التي ألزمكم الله عزَّ وجلَّ حقّها وزيارتها"30.
4- استحباب المشي في زيارته ذاهباً وعائداً، إذ روي عن الإمام الصادق عليه السلام في زيارة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: "من زار جدّي عارفاً بحقّه، كتب الله له بكلّ خطوة حجّة مقبولة وعمرة مبرورة. واللَّه، ما تطعم النار قدماً تغيّرت في زيارة قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ماشياً كان، أو راكباً"31.
5- استحباب وضع الطيب ولبس ثوبين طاهرين: فعن الإمام الصَّادق عليه السلام: "إذا أردت ذلك، فاغتسل والبس ثوبيك طاهرين غسيلين أو جديدين، ونل شيئاً من الطيب، فإن لم تنل، أجزأك"32.
6- الاغتسال: عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا أتيت مشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فاغتسل غسل الزِّيارة"33.
7- المشي بالسكينة والوقار: فعن الإمام الصادق عليه السلام: "والبس أنظف ثيابك، وشمّ شيئا من الطيب، وامشِ وعليك السكينة والوقار"34. وروي أيضاً: "أنَّه يتحفّى، ويقصّر خطاه، ويلقي ذقنه إلى الأرض"35.
8- زيارته بهيئة حزينة: فقد روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إذا أردت زيارة الحسين عليه السلام فزره وأنت حزين مكروب، شعث مغبر، جائع عطشان، وسله الحوائج وانصرف عنه ولا تتّخذه وطنا"36.
9- استحباب الانفاق في السفر إليه والإقامة عنده: فقد قيل للصادق عليه السلام: "هل يزار والدك؟ قال: نعم، ويصلَّى عنده، وقال: يصلَّى خلفه ولا يتقدّم عليه، قيل: فما لمن أقام عنده؟ قال: كلّ يوم بألف شهر، قيل: فما للمنفق في خروجه إليه والمنفق عنده؟ قال: كلّ درهم بألف درهم، قيل: فما لمن تجهّز إليه ولم يخرج لعلَّة تصيبه؟ قال: يعطيه الله بكلّ درهم ينفقه مثل أحد من الحسنات، ويخلف عليه أضعاف ما أنفق"37.
10- الاستئذان للدخول في الروضات الشَّريفة: حيث يستحب أن يستئذن في الدخول إلى الروضات الشَّريفة، ومما روي من الاستئذان: "اللّهُمَّ إِنِّي وَقَفْتُ عَلى بابٍ مِنْ أَبْوابِ بُيُوتِ نَبِيِّكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَقَدْ مَنَعْتَ النَّاسَ أَنْ يَدْخُلُوا إِلاّ بِإِذْنِهِ، فَقُلْتَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾، اللّهُمَّ، إِنِّي أَعْتَقِدُ حُرْمَةَ صاحِبِ هذا المَشْهَدِ الشَّرِيفِ فِي غَيْبَتِهِ كَما أَعْتَقِدُها فِي حَضْرَتِهِ، وَأَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَكَ وَخُلَفائَكَ عليه السلام أَحْياءٌ عِنْدَكَ يُرْزَقُونَ، يَرَوْنَ مَقامِي وَيَسْمَعُونَ كَلامِي وَيَرُدُّونَ سَلامِي، وَأَنَّكَ حَجَبْتَ عَنْ سَمْعِي كَلامَهُمْ وَفَتَحْتَ بابَ فَهْمِي بِلَذِيذِ مُناجاتِهِمْ، وَإِنِّي أَسْتأْذِنُكَ يا رَبِّ أَوَّلاً، وَأَسْتَأْذِنُ رَسُولِكَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ ثانِياً، وَأَسْتَأْذِنُ خَلِيفَتَكَ الإمام المُفْرُوضَ عَلَيَّ طاعَتُهُ "فُلانَ بْنِ فُلانٍ". واذكر اسم الإمام الذي تزوره واسم أبيه38.
11- استحباب قراءة القرآن عنده: فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "ثمّ صلّ أربع ركعات صلاة الزِّيارة بسلامين، واقرأ فيها ما شئت من السور، فإذا فرغت فسبح تسبيّح الزهراء عليها السلام"39.
مفاهيم رئيسة
1- تمثِّل زيارة المعصومين عليهم السلام التجسيد العملي والروحي للرابطة بين الإنسان المؤمن والمعصومين عليهم السلام, لأنّ الزائر يعتقد أنّه حينما يزور أنَّه يرد على بيت الإمام وروحه ووجوده.
2- تتضمَّن الزِّيارة أبعاداً عقائديّة وتوحيديّة، من حيث إنّها من شعائر الله تعالى ومظهر للارتباط به من خلال إظهار التعلّق بحبل الولاية.
3- تشكّل زيارة المعصومين عليهم السلام فرصةً لإحياء لذكرهم، كأحد أنواع الإحياء التي أمر بها أهل البيت عليهم السلام.
4- لقد ذكرت الروايات الشريفة عن آل البيت عليهم السلام فضل زيارة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، والإمام علي عليه السلام، والإمام الحسن عليه السلام، والإمام الحسين عليه السلام، وسائر الأئمّة من ولد الإمام الحسين عليه السلام.
5- هناك طيف واسعٌ من الأحكام المتعلّقة بزيارة المراقد الشريفة، ومنها:
- يتأكَّد استحباب زيارة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام.
- يستحبّ زيارة كلّ واحد منهم عليهم السلام بالزيارة المأثورة الخاصّة.
- يستحبّ زيارتهم عليهم السلام من بعد عند تعذّرها من قرب.
6- من آداب زيارة المعصوم عليه السلام: الصَّلاة عنده، واختيار الأوقات الشَّريفة، ومن الأدب زيارة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام بعد إتمام الحجّ، والمشي في زيارته ذاهباً وعائدا، والغسل، ووضع الطيب، ولبس ثوبين طاهرين، والمشي بالسكينة والوقار، وزيارته بهيئة حزينة، والانفاق في السفر إليه، والإقامة عنده، والاستئذان للدخول في الروضات الشَّريفة، وقراءة القرآن عنده.
للمطالعة
اطلبوا الحاجات الأكبر من الله
هناك أمرٌ مهم في الدعاء، وهو أنّه بالنسبة لقضاء الحاجات، ليس هناك حاجة كبيرة، بحيث نقول: هذه حاجة لا يمكن طلبها من الله, لأنّها كبيرة جداً. كلا، إذا لم تكن الحاجة على خلاف الطبيعة وسنّة الخلق، ولم تكن مستحيلة، فلا مشكلة, اطلبوها من الله مهما كبرت. إنّكم تقولون في كلّ يوم من شهر رمضان بعد الصلاة، على ما هو مأثور: "اَللّـهُمَّ اَدْخِلْ عَلى أَهْلِ الْقُبُورِ السُّرُورَ، اَللّـهُمَّ أَغْنِ كُلَّ فَقير"40، فأنتم تطلبون من الله أن يغني كل فقير, أي كلّ فقراء الإسلام، وما المانع من أن نطلب؟! إذا رفعت الموانع عن طريق اغتناء الفقراء فما الذي يمنع تحقّق هذا الأمر؟! فالفقر ليس بأمرٍ ذاتيٍّ للمجتمع!
كذلك تقولون في هذا الدعاء: "اَللّـهُمَّ اَشْبِعْ كُلَّ جائِع، اَللّـهُمَّ اكْسُ كُلَّ عُرْيان"41، يستطيع الإنسان أن يطلب حاجة عظيمة كهذه من الله! في دعاء سحر يوم الجمعة، وهو دعاء مستحبّ، قصير، ولكن ممتاز. إذا وُفّقتم، فمن الضروري أن تقرؤوا هذا الدعاء. في الدعاء، تطلب بعض الحاجات من الله, ثم تأتي هذه العبارة: "طُمُوحُ الآمالِ قَدْ خابَتْ إِلاّ لَدَيْكَ وَمَعاكِفُ الهِمَمِ قَدْ تَعَطَّلَتْ إِلاّ عَلَيْكَ"42. إلهي قافلة حوائجنا لن تتحرّك، إلّا إذا دخَلَت في كنف بيتك. فالله لا يخاف من حاجة الإنسان الكبيرة! فلتطلبوا من الله حوائجكم مهما كبرت. وليحذر الإنسان أن يقول في يوم من الأيّام: "حسناً, لو أنّي أردت هذا الشيء لنفسي فقط لكان ممكناً، أمّا أن أطلب العافية لجميع النّاس، فهذا كبيرٌ جداً. فكيف أطلب هذا من الله؟!" اطلبوا, اطلبوا هذا للبشر, اطلبوا هذا الشيء لكلّ إنسان, هناك بعض الأشياء التي يجب أن تطلبوها للمسلمين. فالعبارة: "اللّهُمَّ أَصْلِحْ كُلَّ فاسِدٍ مِنْ أُمُورِ المُسْلِمِينَ"43، تختصّ بالمسلمين"44.
هوامش
1- سورة النور، الآية 36.
2- الشيخ الكفعمي، المصباح، ص473.
3- الشيخ الكليني، الكافي، ج4، ص573.
4- سورة الأحزاب، الآية 21.
5- الشيخ الطوسي، الأمالي، ص135.
6- الشيخ الكليني، الكافي، ج4ص585.
7- الشيخ المفيد، المقنعة، ص461.
8- م.ن، ص462.
9- م.ن، ص 465.
10- م.ن، ص468.
11- الشيخ الكليني، الكافي، ج4، ص580.
12- الشيخ المفيد، المقنعة، ص474.
13- م.ن.
14- الشيخ الكليني، الكافي، ج4، ص583.
15- م.ن، ص585.
16- الشيخ الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه: الأمالي، ص183، قسم الدراسات الاسلامية في مؤسسة البعثة، قم، مؤسسة البعثة، 1417هـ، ط1.
17- الشيخ المفيد، المقنعة، ص474.
18- الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج14، ص576.
19- تمام هذه الروايات قد استفيدت من كتاب: هداية الأمّة إلى أحكام الأئمّة عليهم السلام، ج5، ص453 -457.
20- الحرّ العاملي، هداية الأمة إلى أحكام الأئمّة عليهم السلام، ج5، ص453.
21- م.ن، ج5، ص453.
22- الحرّ العاملي، هداية الأمة إلى أحكام الأئمّة عليهم السلام، ج5، ص453.
23- م.ن، ج5، ص456.
24- م.ن، ج5، ص456.
25- م.ن، ج5، ص456.
26- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج14، ص430.
27- الحر العاملي، هداية الأمة إلى أحكام الأئمة عليهم السلام، ج5، ص478.
28- الشيخ المفيد، المقنعة، ص474.
29- الحر العاملي، هداية الأمة إلى أحكام الأئمة عليهم السلام، ج5، ص487.
30- الشيخ الصدوق، الخصال، ص616.
31- الحر العاملي، وسائل الشيعة، 14، ص377.
32- م.ن، ص392.
33- م.ن.
34- الشيخ المفيد، المقنعة، ص159.
35- الحرّ العاملي، هداية الأمة إلى أحكام الأئمة عليهم السلام، ج5، ص474.
36- الشيخ الكليني، الكافي، ج4، ص587.
37- الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج14، ص442.
38- الكفعمي، البلد الأمين والدرع الحصين، ص276.
39- السيد ابن طاووس، إقبال الأعمال، ج3، ص126.
40- القمي، الشيخ عباس: مفاتيح الجنان، ص211، أعمال شهر رمضان العامة، السيد محمد رضا النوري النجفي (تعريب)، قم، مكتبة العزيزي، 2006م، ط3.
41- م.ن.
42- م.ن، ص61، فضل ليلة الجمعة ونهارها وأعمالها.
43- م.ن، ص211، أعمال شهر رمضان العامة.
44- الإمام القائد الخامنئي دام ظله، خطب صلاة الجمعة، 17/2/1995.