أمّا عيد الفطر السعيد فقد جعله الإسلام ثمرة رحلة ملكوتية، يسير فيها المؤمن شهرًا كاملاً في طاعة الله تعالى، على أجنحة الملائكة النازلة والصاعدة، والفارشة أجنحتها لتظلّله بالكرامة والبركة، حيث السماوات مفتوحة، والشياطين مغلولة، وأبواب الرحمة والمغفرة مشرعة، ويمكنه أن يتغلب على أهواء نفسه وشهواتها.
ولا يخفى أنّ الصّيام من أهمّ العبادات البدنيّة، والرياضات الروحيّة، لما فيه من كفّ لِيَد الشهوات، وتقييد وكبح لجماحها، الأمر الذي ينعكس إطلاقًا لملكات الروح، وتساميًا ورقيًّا في درجاتها نحو عالم الملكوت والرحمة الإلهية، إذا استوفى شرائطه المعتبرة، والتزم بحدوده وقوانينه، ولهذا ورد في الحديث القدسي أنّ الله تعالى يقول: (كلّ عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنّه لي وأنا أجزي به)، لما فيه من مجاهدة للنفس ومحاربة للشيطان، وتسامٍ للملكات الروحيّة وتعرّض للألطاف الإلهيّة.
فإذا استكمل المرء هذه المسيرة الروحية والجهادية، على مدى شهر كامل من السنة، فاز بالغاية المرجوة، وحصل الملكات الفاضلة، التي تؤهله ليكون جديرًا باتباع سبيل الحق المستقيم، فاستحق الاحتفال وإعلان الفرحة والشكر لله تعالى، ولهذا فإنّ من أجلى مظاهر العيد عند المسلمين هو التكبير والتهليل والتحميد.
فقد ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام) في جواب من سأل: لم جُعل يوم الفطر العيد؟ قال (صلى الله عليه وآله): (لأن يكون للمسلمين مجمعًا يجتمعون فيه، ويبرزون إلى الله عز وجل، فيحمدونه على ما مَنَّ عليهم، فيكون يوم عيد ويوم اجتماع ويوم فطر ويوم زكاة ويوم رغبة ويوم تضرع، ولأنّه أول يوم من السنة يحلّ فيه الأكل والشرب، لأنّ أول شهور السنة عند أهل الحق شهر رمضان، فأحبّ الله عز وجل أن يكون لهم في ذلك اليوم مجمع يحمدونه فيه ويقدسونه).
ولهذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف العيد وأنّ من يستحق الفرح والاحتفال هو المؤمن، الذي طوى مسيرة التكامل الروحي، من خلال الصيام وطاعة الله تعالى، وأمّا من لم يتّصف بهذه الصفة فلا عيد له، إنه قال (عليه السلام) في بعض الأعياد: (إنّما هو عيد لمن قَبِل الله صيامه، وشكر قيامه، وكلّ يوم لا تعصي الله فيه فهو يوم عيد).
وعن الإمام الحسن (عليه السلام) إنه مرَّ في يوم فطر بقوم يلعبون ويضحكون، فوقف على رؤوسهم، فقال (عليه السلام): (إنّ الله جعل شهر رمضان مضمارًا لخلقه فيستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وقصَّر آخرون فخابوا، فالعجب كلّ العجب من ضاحك لاعب في اليوم الذي يُثاب فيه المحسنون، ويخسر فيه المبطلون، وأيم الله لو كُشِف الغطاء لعلموا أن المحسن مشغول بإحسانه، والمُسيء مشغول بإساءته) ثم مضى.