للملتقى الثاني للخرّيجين في لبنان ـ 2015 ميلادية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }
التحية والسلام والتقدير والاحترام للحضور كافة لا سيما لمن تدرّج محصلا في مدرسة معارف القرآن وأهل بيت النبي المصطفى (ص).
أعبّر لكم بداية عن غاية شوقي للحضور في مجلس العلم والإيمان المقام عندكم وأن أنال من فيض النفس الرحماني والنفحات الإلهية الذي يتنزل من عند المولى العليم الحكيم على طلاب العلم وأصحاب الفضيلة؛ ولكن يمنعني من ذلك الاشتغال بواجب آخر.
طبقاً للتعاليم الإلهية القرآنية وسنة وسيرة أئمة الدين من أهل العصمة والطهارة (ع) فإن التعلم والتخرج من الحوزة العلمية هو بداية تحمل الوظيفة الكبيرى المتمثلة بالتبليغ وتعليم الرسالات الإلهية وقد ألقيت مهامها على عاتق كل فرد فرد منكم أيها الأعزاء، فإن كنا قد طوينا سفرين من الأسفار الأربعة وهما (السفر من الخلق إلى الحق) و(السفر من الحق في الحق بالحق) فإن الذي يبقى أمامنا سفران أساسيان هما (السفر من الحق إلى الحق بالحق) و(السفر من الخلق إلى الحق بالحق).
وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في بيان فلسفة التعلم قوله (عليه السلام): (من تعلّم لله وعمل لله وعلّم لله دعي في ملكوت السموات عظيما، فقيل: تعّلم لله وعمل لله ، وعلّم لله).
نعم ليس الانتهاء من التحصيل العلمي هو النهاية، فإن حضرة النبي موسى (عليه السلام) وبعد أن نال العلوم الشرعية وقاد الأمة انتقل ليصبح طالب علم لدنّي وتحمَّلَ أعباء السفر وألقى بنفسه في المتاعب والمشاق سعيا منه لكسب تلك العلوم. إذاً لا ننظر إلى أنفسنا على أننا قد انتهينا من مرحلة التحصيل العلميّ وأن نكتفي بما توصَّلنا إليه من علوم ومعارف، بل لا بد وأن نشتغل على الدوام بالتعليم والتزكية العلميّة والعمليّة، وأن ترتقي علومنا ومعارفنا العلميّة والعمليّة من خلال زكاة العلم المتمثِّلة بنشره، وأن لا نغفل دوماً عن أن نكون طلاب علم ومعرفة وسيرٍ إلى الله.
إنّكم أنتم أتباع مدرسة الإسلام المحمديّ الأصيل وبالاستفادة من العقل والعلم لا بد وأن يكون نظركم إلى التعليم والتزكية في ظلّ المعرفة الاجتماعية البعيدة عن أي نوع من العزلة السلبية، وثمّة أمور أحبّ أن أشير إليها لا بد وأن تؤخذ بعين الاعتبار وأنتم أعرف بها ولكني أوردها من باب قول الله تعالى: (وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين):
أولاً: إنّ إلإيمان بالله عزّ وجل والتوكل عليه شرطان أساسيان في الوصول إلى الغايات المطلوبة من تبليغ رسالة الإسلام ومعارف أهل البيت (عليهم السلام)، وينضم إليهما التصديق بالمستقبل المشرق والأمل الكبير به.
ثانياً: لا بد وأن تتمثّل في شخصيتكم العزيزة مظاهر الزهد والاستقامة وأن تظهر آثار التقوى والعلم في القول والعمل، وأن تكون تجسّما لمن (خُلُقُه القرآن) مع أنّ (المخلصين على خطر عظيم) ولذا لا ينبغي أن نفغل ولو لحظة ما عن الهوى النفساني.
ثالثاً: إنّ رمز النجاح يتمثّل بالعزم والجزم والهمة العالية. فلو اقترن العقل النظري مع العقل العملي، والجزم مع العزم العالي والهمة العليا التي هي الحزم فلن يكون أي أمر بعيد المنال، على أن نقوم بالتخطيط ووضع السياسيات والبرامج للوصول إلى الأهداف العليا المنشودة في هذه الحياة، وأن نقوم بعمليّة تقييم لكلِّ مرحلةٍ وأن نلحظ مقياس القرب والبعد ومن خلال المقارنة والمحاسبة نحدِّد أين نحن الآن ونقارن ذلك بالماضي وبالمستقبل ونبحث عن عوامل وأسباب النقص والإخفاق. وبناء عليه لا بد لنا أولا من أن نرسم أهدافا عليا بدقة، وأن نقوم بالتخطيط للوصول إليها وأن نقوم بتقييم خطواتنا بحكم قاعدة (حاسبوا قبل أن تحاسبوا).
رابعاً: إنّ الحياة بُنيت على الاجتماع، والكلُّ يحتاج إلى الكلِّ. وهذا يشمل كلَّ شيء حتى الاستفادة من الأساليب والمناهج. ولذا لا بد لنا من بناء رؤيتنا على أساس المَشُورة وتبادل الرأي لنفتح رؤىً جديدة، فإنّ العمل الجمعي وتبادل التجارب سببان موجبان للرقي في النتائج على مستوى الفرد والجماعة.
خامساً: إن أمة الإسلام هي كالجسد الواحد، فلأعضائها أهداف مشتركة وعدو مشترك. ولا بد لنا ومن خلال التعاون الفكري والتواصل مع العلماء المنصفين من سائر المذاهب والطوائف الإسلامية من العمل على اتخاذ الطرق المناسبة للحد من تعميق الاختلاف القائم وذلك بالأخذ بعين الاعتبار المحيط الفكري والثقافي لبلادنا.
سادساً: إنّ العالم اليوم ومن خلال استخدام كافة وسائل التواصل المتنوعة أصبح ساحة مفتوحة لمختلف الآراء والأفكار وعلينا أن نقوم جميعا بوظيفة التعريف بنظرتنا إلى فلسفة الحياة وأسلوب العيش بأفضل الوسائل الممكنة لكي يتعرف العالم كله على ما لدينا. إنّ مساحةَ التنافس واسعةٌ جداً اليوم والعالم أصبح قريةً صغيرةً، ولذا لا بد لنا من أن نتعرَّف على الآخر في كافة أبعاده والاستفادة من وسائل التبليغ والأساليب المعتمدة لديه فإن ذلك يشكل ضرورة لا محيد عنها. ففي مقام نشر رسالة الدين لا بد وأن نعرف خصومنا المنافسين لنا وأن نصل إلى تقييمٍ صحيحٍ لإمكاناتهم وقدراتهم. وبهذا نصل إلى أنّ النجاح في ساحة التبليغ ونشر الدين يتوقف على الاستمرار في البحث التام والكامل والواسع النطاق لكي نغني نشاطنا التبليغي دوما وأن نبقى في مصاف المنافسة مع الآخرين.
سابعاً: إن علينا أن نظهر هويتنا الحوزوية وأصالة الرسالة الحوزوية وذلك في طريقة حياتنا؛ لأن طريقة الحياة تعكس فلسفة الحياة التي يؤمن بها الإنسان؛ ولو أننا أضعنا هويتنا فلن يبقى لنا سوى اسم الاسلام وعلماء الاسلام دون أن يكون لنا أي تأثير، فلا بد وأن يكون سلوكنا وطريقة عيشنا مثالا واضحا للعالِم الإسلامي.
ثامناً: أن نكون من العارفين بزماننا حتّى نأمنَ من هجوم اللوابس والشبهات علينا وأن نمتلك القدرة على المواجهة السريعة للفتن، وأن يكون لنا موقفا مدروسا في القضايا الإقليمية والعالمية. فإن لربط الأمس باليوم دور مهم وأساسي في سبيل تعيين الواجب في الغد لكي نقوم بدورنا؛ فكما أننا نقوم ومن خلال إرجاع الموضوعات والحوادث النازلة إلى الأصول لاستنباط أحكامها فإن علينا أن نستثمر السنن الحاكمة على عالم التكوين والتشريع لكي نصل إلى توصيات مناسبة ومتناسبة لنا وللآخرين.
وختاما أسأل الله لكم التوفيق والنجاح.