أقامت حوزة الرسول الأكرم (ص) التابعة لجامعة المصطفى (ص) العالميّة في لبنان يوم الأربعاء في 31/1/2024 ندوة علميّة بعنوان "أشكال السنن وصِيَغها في القرآن الكريم -مدخل منهجي للفهم السنني-"، حاضر فيها الأستاذ الشيخ لبنان حسين الزين، مبيّنًا أنّ المتأمّل في النظام الجاري في الكون والاجتماع الإنسانيّ التاريخيّ يجده محكومًا بسنن إلهيّة تحكي تقديراته -تعالى- في خَلْقه، وهذه السنن جارية ومستمرّة في الخَلْق في كلّ زمان ومكان، لا تتبدّل ولا تتحوّل، ولا تستثني من الناس أحدًا. كما أكّدا ذلك القرآن الكريم والسنّة الشريفة.
ثمّ دعا المُحاضِر إلى معرفة الإنسان بهذه السنن الجارية في الخلق والوعي بخصائصها والاسترشاد بها؛ لما لها من بالغ الأثر والأهمّيّة في سلامة السير الكماليّ للإنسان ورقيّه الحضاريّ؛ فالعاقل هو من يقف عند هذه السنن بأشكالها وخصائصها ويتبصّر بها لحاضره ومستقبله.
وتطرّق المُحاضر لجهود العلماء والمفسّرين المسلمين في بحث السنن من منظار قرآنيّ، متوقّفًا عند التنظير الذي أسّسه الشهيد السعيد السيّد محمد باقر الصدر (قده) في موضوع السنن ومشيدًا به في التأسيس لفهم ووعي سُنَني، ومضيفًا عليه بعض التطبيقات التي لم يذكرها الشهيد الصدر (قده) ضمن تقسيمه للسنن.
ثمّ تناول المُحاضِر ما كشف القرآن الكريم عنه من أنّ الساحة التاريخيّة البشريّة عامرة وزاخرة بسنن إلهيّة، عبّر عن حقائقها بأشكال وأساليب مختلفة وبصِيَغ وتعابير متعدّدة؛ فتارة عبَّر عنها بصيغة قضيّة شرطيّة مكوّنة من طرفين يرتبطان بعلاقة شرطيّة يتحقّق بموجبها الطرف الثاني عند تحقّق الطرف الأوّل؛ كما في سنن: التغيير، والتدافع، والنصر، ودمار المجتمعات وانهيارها، ووفرة الرزق، ...، وتارة أخرى عبَّر عنها بصيغة قضيّة علميّة حتميّة ثابتة لا تتخلَّف ولا تختلف؛ كما في سنن: الاستخلاف، والابتلاء والامتحان، والتفاضل والتمايز، والتداول، وآجال الأمم، ...، وتارة ثالثة عَبَّر عنها بصيغة قضيّة ذي اتّجاه طبيعيّ قد تقبل مخالفة الإنسان لها على المدى القصير، ولكنّها حتميّة وقاهرة له في حال استمراره في مخالفتها على المدى المتوسّط والبعيد؛ كما في سنن: ارتباط الإنسان بالدين، وحبّ الحقّ وبغض الباطل، والإقبال على الطيّبات والإعراض عن الخبائث، والارتباط بين الرجل والمرأة بعلاقة الزوجيّة، وتوزيع ميادين العمل بين الرجل والمرأة، ...
وأكّد المُحاضِر على أنّ الفهم والوعي السننيّ بات مطلبًا ضروريًّا، ولا سيّما في ما يتعلّق بأشكال السنن الاجتماعيّة التي طرحها القرآن الكريم بأساليب مختلفة وصِيَغ وتعابير متعدّدة؛ بوصفها مدخلًا منهجيًّا في الفهم السننيّ الواعي والفاعل للاجتماع والتاريخ، وفي فهم التاريخ والواقع والمستقبل.
ثمّ ختم محاضرته بالدعوة إلى استمكال الجهد النظري والتطبيقي في البحث السنني من منظار قرآني، ولا سيما بلحاظ ما أسّسه الشهيد الصدر (قده) وتعزيز التطبيقات السننيّة وفق مقاربته النظريّة، وتناول السنن بنحو نسقيّ قائم على أساس لحاظ الانسجام والتناغم في ما بينها، مع الالتفات إلى حاكميّة سنن على سنن أخرى.