{وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الجاثية: 13)
لا شكّ أنّ عنصرَي التفكير الواعي والعميق والتنظير يمثلان منصّة لتعرّف الإنسان على أسرار الكون، ويشكّلان أرضيّة لتقدّمه وتطوّره.
إنّ تحصيل القدرة على التنظير يتطلّب وضع أسس ومبادئ ترتكز على النشاط المنطقيّ للعقل السليم، وفي نفس الوقت تكون مستوحاة من المعارف الوحيانيّة، إذ إنّ كثيـراً من المشاكل القائمة في عالمنا المعاصر ناجمة عن تجاهل الحقائق السامية من قبل من جعلـوا طريق تـوخيالحقيـقة حكراً عـلى المحسـوسات، موصـدين أبواب العلـوم العقليّة والشهوديّة والوحيانيّة على أنفسهم
وعلى العالم أجمع. إنّ الإيمان بهذه العقليّة الخاطئة التي حصرت طرق الوصـول إلى الحقيقـة على الطـريقة الحـسيّة، قد ألحق ضـرراً فادحاً بمسار العلـم وحركته ، حيث إنّ هذه الطريـقة تتجاهل الحقـيقة الـباطنيّة للأمــور الحسيّة وتصدّ العقل عن السير نحو الماورائيّات، وتقيّده بالمحسوسات الأمر الـذي يؤدّي إلى تبـلور ما يكابده عالمنا المعاصر من التهرّب من المعنويات، ومحاربة العدالة على الصعيدين العلميّ والعمليّ.
ولا سبيل إلى الخلاص من هذه الآفات إلا بالتروّي والبحث الدقيق والعلمي في حقائـق الكون بوصـفـها آيـات إلهيّة، تبيّن فلسفة وأسلوب حياة الإنسان في إطار الإرادة الإلهيّة الحكيمة، والسنن الربوييّة التكـوينيّة والتشـريعيّة وتقدّم للإنسان نظريّات توائم بين المادة والمعنى، وتوفّق بين الدنيا والآخرة وتزاوج العقل والنقل كما تزوّده بأسلوب حياة يتّسم بسمة الروحانيّة والمعنويّة ويخضع لرؤية كونيّة إلهيّة ويفيد الإنسان على الصعيدين العلمي والعملي.
من هنا، يجب أن يعتبر أسبوع البحث فرصة تجعل الباحثين والمثقّفين يستعرضون ويتناقشـون نتائج بـحوثهم وتنظيراتهم في مختلف الحقوق المتّصلة باحتياجات الإنـسان المعاصر، معتمـدين في ذلك على طرق بحثيّة فاعلة ونظرة موجّهة نحو حلّ المشاكل. من هذا المنطلق فإنّه حري بالباحثين في مؤسّسة المصطفى (ص) العلميّة الرصينة أن يعملوا من خلال تقديم آراء وتنظيرات قائمة على أساليب علميّة معتـمدة، وعـبر التركز على خطاب الثورة الإسلاميّة المرتكز على العقلانيّة والمعنويّة والعدالة، علـى تعريف البشريّـة إلى الفلسفة وأسلوب الحياة الإسلاميّين، وعلى تقديم طرق علميّة شاملة تخلّص الإنسان المعاصر من المشاكل والمآزق القائمة، وتحقّق في نفس الوقت الحضارة الإسلاميّة الحديثة في أرجاء المعمورة.
ونحن إذ نعيش ظروفاً عالميّة خاصّة جراء تفشّي جائحة كورونا واستشراء الظلم وغياب العدالة الماديّة والمعنويّة في العالم، فإنّنا نرجو من الله التوفيق والسداد لكم أيّها الباحثون المجدّون والمثابرون، سائلين المولى عزّ وجل أن يخلّص البشريّة من الكروب والمحن التي تعتريها في هذه الأيّام.
عــلـي عـــبّاسي
14– 12- 2020