قوله تبارك وتعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
واعلم أن هذه الآية قد دلت على أمور:
الأول: تعريضه تعالى لعباده بسؤاله بقوله: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ).
الثاني: غاية عنايته بمسارعة اجابته ولم يجعل الجواب موقوفاً على تبليغ الرسول بل قال: (فَإِنِّي قَرِيبٌ) ولم يقل: قل لهم: إني قريب.
الثالث: خروج هذا الجواب بالفاء المقتضى للتعقيب بلا فصل.
الرابع: تشريفه تعالى لهم برد الجواب بنفسه لينبه بذلك على كمال منزلة الدعاء وشرفه عنده تعالى ومكانه منه.
قال الباقر عليه السلام: ولا تمل من الدعاء فإنه من الله بمكان
وقال عليه السلام لبريد بن معاوية بن وهب وقد سأله كثرة القراءة أفضل أم كثرة الدعاء؟
فقال عليه السلام كثرة الدعاء أفضل ثم قرأ (قل ما يعبؤ بكم ربى لولا دعائكم).
الخامس: دلّت هذه الآية على أنه تعالى لا مكان له إذ لو كان له مكان لم يكن قريباً من كل من يناجيه.
السادس: أمره تعالى لهم بالدعاء في قوله: (فليستجيبوا لي) أي فليدعوني.
السابع: قوله تعالى (وليؤمنوا بي) وقال الصادق عليه السلام أي وليتحققوا أنّى قادر على اعطائهم ما سألوه فأمرهم باعتقادهم قدرته على إجابتهم.
وفيه فائدتان: إعلامهم بإثبات صفة القدرة له. وبسط رجائهم في وصولهم إلى مقترحاتهم وبلوغ مراداتهم ونيل سؤالاتهم فإنّ الإنسان إذا علم قدرة معامله ومعاوضه على دفع عوضه كان ذلك داعياً له إلى معاملته ومرغباً له في معاوضته كما أن علمه بعجزه عنه على الضد من ذلك، ولهذا تريهم يجتنبون معاملة المفلس.
الثامن: تبشيره تعالى لهم بالرشاد الذي هو طريق الهداية المؤدى إلى المطلوب فكأنّه بشّرهم بإجابة الدعاء.
ومثله قول الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام: من تمنّى شيئاً وهو لله رضا لم يخرج من الدنيا حتى يعطاه. ويروى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله.
* عدة الداعي / ابن فهد الحلي.