يصف الله تعالى المعرض عن ذكر الله بقوله عزّ وجل: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى﴾1.
إذاً، حالته في الدنيا هي: معيشة ضنك.
وقد عبّر الله تعالى بالمعيشة لا بالحياة؛ لأن العيش لفظ مختّص بالحيوان من إنسان وغيره باعتبار أنّه يحتاج إلى التعيُّش، ولا يطلق على الله تعالى وملائكته كما أفاد ذلك الراغب في المفردات2.
أما معنى الضنك فهو الضيق، وكل ما ضاق فهو ضَنْك3. ومن لطيف القرآن الكريم أنه وصف الضالَّ عن سبيل الله تعالى والذي هو - بالطبع - معرض عن ذكر الله تعالى بضيق الصدر، فقال عزّ وجل: ﴿فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء...﴾4 والتعبير بالصدر بما هو قالب القلب، فإذا كان الصدر ضيق، فإن الشاعر بهذا الضيق والمتَّصف به هو القلب، وهذا ما يعاكس اطمئنانه الناتج من ذكر الله تعالى.
وتجدر الإشارة هنا إلى روعة التعبير وبلاغته وإعجازه العلمي حينما شبّه ضيق قلب الإنسان، بالصاعد في السماء، فمن المعلوم أنه كلما ارتفع الإنسان في السماء، كلما قلّ الأوكسيجين إلى أن ينقطع، وهذا ما يسبب صعوبة التنفس ثم استحالته، وفي هذا ضيق جسدي واضح أراد الله تعالى أن يشبّه ضيق القلب والنفس به.
* كتاب هكذا تكون سعيداً، سماحة الشيخ أكرم بركات
1- سورة طه، الآيات:124- 126.
2- الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، ط1، مصر، الميمنية، 1324ه، ص 353.
3- ابن منظور، محمد بن مكرَّم، لسان العرب، (ل،ط)، بيروت، دار صادر، (ل،ت)، ج10، ص 462.
4- سورة الأنعام، الآية 125.