﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾1.
أ- في كنف الآية:
عداوة الشيطان للإنسان ليست جديدة وإنما تعود جذورها إلى أول يوم خلق فيه ادم عليه السلام وطرد إبليس من قرب اللَّه وجواره بسبب عدم تسليمه للأمر الإلهي بالسجود لادم، أقسم وتوعد بأن يتخذ طريق العداء لادم وبنيه، حتى أنه دعا اللَّه تعالى أن يمهله ويطيل في عمره لذلك الغرض، وقد التزم بما قال، ولم يفوّت أدنى فرصة لإبراز عدائه وإنزال الضربات ببني ادم، فهل يتعقل منا أن لا نتخذه عدواً لنا، أو أن نغفل عنه ولو لحظة واحدة؟! فإلى أي حد نريد اقتفاء خطوات الشيطان يا ترى؟! ألا يجب الحذر الدائم من هذا العدو اللدود الذي يحكم صياغة الفتن وصناعة المصائد، ويدفع بأتباعه الذين استحوذ عليهم بما زيّن لهم من اتباع الشهوات إلى الدرك الأسفل من النار والخسران في الاخرة، كيف يمكن أن ننتصر عليه في هذه الحرب إذا لم نتعامل معه كعدو، بل تعاملنا معه كصديق وصاحب شفيق، يقول تعالى: ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ2﴾.
ب- سلاح اليقظة:
إن السلاح الأول الذي ينبغي أن يتسلح به المؤمن أثناء حربه مع الشيطان هو الانتباه والذكر الدائم واليقظة ومطلوب منه ذلك في طول خط حياته التي ستشهد على وسعها ساحة لهذا الصراع في جميع الميادين والاتجاهات، ومما يؤكد ذلك قوله سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ3﴾ إشارة إلى حقيقة أن الوساوس الشيطانية تلقي حجاباً على بصيرة الإنسان وحتى لا يعرف العدو من الصديق ولا الخير من الشر إلا أن اليقظة وذكر اللَّه يكشفان الحجب ويخلصان الإنسان من هذا الانحراف بما يؤدي إلى زيادة البصيرة لديه والقدرة على معرفة الحقائق والواقعيات، والفارق بين الحالتين في غاية الوضوح ويمكن تقريبه بالقياس على الحروب العسكرية، فإن الغافل عن عدوّه يمكن لعدوّه أن يستحكم عليه أكثر ويبطش به بسهولة، بينما الذي يبقى عدوّه حاضراً في ذهنه وقد أعدّ لحربه العدّة وهو في حالة جهوزية تامة يمكنه خوض هذه الحرب والانتصار فيها، وهكذا حالنا مع الشيطان الذي يجب علينا أن نكون دائمي الحذر والترقب والتسلح بما يساعدنا عل طرده وإبعاده، وإلا فمع الغفلة عنه فإن ألاعيبه ومهماته ستنجح وينفذ إلى داخلنا. وما من شك أن الغافل لا يمكنه محاربة الشيطان، بل هو من الذي يسيرون في ركبه، على غير معرفة منهم بما يفعلون.
ج- متى يعجز الشيطان؟
باستطاعة أي واحد منا أن يقطع الطريق على الشيطان ويجعله عاجزاً لا يملك حيلة في الوصول إليه وإحكام قبضته عليه، عبر التحلي ببعض المواصفات وهي:
في الحديث: "قال إبليس لعنه اللَّه: خمسة ليس لي فيهن حيلة وسائر الناس في قبضتي: من اعتصم باللَّه عن نية صادقة، واتكل عليه في جميع أموره، ومن كثر تسبيحه في ليله ونهاره، ومن رضي لأخيه المؤمن ما يرضاه لنفسه، ومن لم يجزع على المصيبة حتى تصيبه، ومن رضي بما قسم اللَّه له ولم يهتم لرزقه"4.
ويمكننا القول أن الإنسان حينما يكون عبداً مخلصاً للَّه تعالى لا يحرك ساكناً حتى يعلم حكم اللَّه في ذلك، ويقبله اللَّه ويتخذه من المخلصين لديه لا يمكن للشيطان أن يكون له طريق إليه أو سلطان عليه يقول عز من قائل: "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان"5.
د- ما يؤلم الشيطان؟
ورد على لسان العترة الطاهرة عليهم السلام ذكر بعض الأمور التي تشكل وقاية من الحبائل الشيطانية وتؤلم الشيطان وهي:
1- ذكر اللَّه:
يدل على ذلك ما يأتي في الأمر الثالث.
2- إطالة السجود:
في الحديث: "أطل سجدتك فلا شيء أقسى على إبليس وأصعب من رؤية ابن ادم في حال سجوده، لأنه كان مأموراً بالسجود لادم لكنه تمرد على أمر اللَّه وهذا ابن ادم مأمور بالسجود ومنفذ لهذا الأمر وقد ظفر بالنجاة"6.
3- ذكر فضيلة أهل البيت عليهم السلام:
في الحديث: "إذا التقى مؤمنان أو زار أحدهما الاخر ورددا على ألسنتهما ذكر اللَّه وفضيلة أهل البيت عليهم السلام لا يجد إبليس مكاناً له بينهما.. وتعتريه قشعريرة، وترتعد أنفاسه حتى ليستنجد ويستغيث"7.
4- الصوم والصدقة و..:
يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا أخبركم بشيء إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان منكم تباعد المشرق من المغرب، قالوا: بلى، قال صلى الله عليه وآله وسلم: الصوم يسوّد وجهه والصدقة تكسر ظهره، والحب في اللَّه والمؤازرة على العمل الصالح يقطعان دابره، والاستغفار يقطع ونينه"8.
5- وجود المصحف في المنزل:
عن الباقر عليه السلام: "حينما أرى مصحفاً في المنزل اطمئن إلى أن الشيطان مطرود منه للبركة في هذا المصحف"9.
*صدى الآيات، سلسلة الدروس الثقافية، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، أيلول 2002م، ص43-49.
1- فاطر:6.
2- الكهف:50.
3- الأعراف:201.
4- البحار، ج69، ص378.
5- الإسراء:65.
6- البحار، ج6، ص202.
7- م. ن.
8- الكافي، ج2، ص314.
9- الكافي، ج2، ص446.