كيف يستدل الإمامية بآية المباهلة المباركة على إمامة علي (عليه السلام)؟
فيما يتعلّق بإمامة أمير المؤمنين في هذه الآية، وفي الروايات الواردة في تفسيرها، يستدلّ علماؤنا بكلمة: (وَأَنفُسَنَا)، تبعاً لأئمّتنا عليهمالسلام.
ولعلّ أوّل من استدلّ بهذه الآية المباركة هو أمير المؤمنين عليهالسلام نفسه، عندما احتجّ في الشورى على الحاضرين بجملة من فضائله ومناقبه، فكان من ذلك احتجاجه بآية المباهلة، وهذه القصّة، وكلّهم أقرّوا بما قال أمير المؤمنين، وصدّقوه في ما قال، وهذا الإحتجاج في الشورى مروي أيضاً من طرق السنّة أنفسهم (١).
وأيضاً هناك في رواياتنا (٢) أنّ المأمون العباسي سأل الإمام الرضا عليهالسلام قال: هل لك من دليل من القرآن الكريم على إمامة علي، أو أفضليّة علي؟ السائل هو المأمون والمجيب هو الإمام الرضا عليهالسلام.
المأمون كما يذكرون في ترجمته كما في تاريخ الخلفاء للسيوطي وغيره (٣) أنّه كان من فضلاء الخلفاء، أو من علماء بني العباس من الخلفاء، طلب المأمون من الإمام أن يقيم له دليلاً من القرآن، كأنّ السنّة قد يكون فيها بحث، بحث في السند أو غير ذلك، لكن لا بحث سندي فيما يتعلّق بالقرآن الكريم، وبآيات القرآن المجيد.
فذكر له الإمام عليهالسلام آية المباهلة، واستدلّ بكلمة: (وَأَنفُسَنَا).
لأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عندما أُمر أنْ يخرج معه نساءه، فأخرج فاطمة فقط، وأبناءه فأخرج الحسن والحسين فقط، وأُمر بأن يخرج معه نفسه، ولم يخرج إلاّ علي، وعلي نفس رسول الله بحسب الروايات الواردة بتفسير الآية، كما أشرنا إلى مصادر تلك الروايات، ولم يخرج رسول الله إلاّ عليّاً، فكان علي نفس رسول الله، إلاّ أن كون علي نفس رسول الله بالمعنى الحقيقي غير ممكن، فيكون المعنى المجازي هو المراد، وأقرب المجازات إلى الحقيقة يؤخذ في مثل هذه الموارد كما تقرّر في كتبنا العلمية، فأقرب المجازات إلى المعنى الحقيقي في مثل هذا المورد هو أن يكون علي مساوياً لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم، إلاّ أنّ المساواة مع رسول الله في جميع الجهات وفي جميع النواحي حتّى النبوّة؟ لا.
فتخرج النبوّة بالاجماع على أنّه لا نبي بعد رسول الله، وتبقى بقيّة مزايا رسول الله، وخصوصيات رسول الله، وكمالات رسول الله، موجودةً في علي بمقتضى هذه الآية المباركة.
من خصوصيّات رسول الله: العصمة، فآية المباهلة تدلّ على عصمة علي بن أبي طالب قطعاً.
من خصوصيّات رسول الله: أنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فعلي أولى بالمؤمنين من أنفسهم كرسول الله قطعاً.
من خصوصيّات رسول الله: أنّه أفضل جميع الخلائق، أفضل البشر والبشريّة، منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى العالم وخلق الخلائق كلّها، فكان أشرفهم رسول الله محمّد بن عبد الله، وعلي كذلك.
فحينئذ حصل عندنا تفسير الآية المباركة على ضوء الأحاديث المعتبرة، حصل عندنا صغرى الحكم العقلي بقبح تقدّم المفضول على الفاضل، بحكم هذه الأحاديث المعتبرة.
وناهيك بقضيّة الاولويّة، رسول الله أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وعلي أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
* آية الله السيد علي الميلاني - بتصرف
(١) ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق ٣ / ٩٠ الحديث ١١٣١.
(٢) الفصول المختارة من العيون والمحاسن: ٣٨.
(٣) تاريخ الخلفاء: ٣٠٦.