في لسان العرب الدحو هو البَسْط، ويؤيّده قوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا}1، و"الأدحي" موضع بيض النعامة، لأنّها تبسط المكان قبل الوضع، و"المداحي" لعبة كانت معروفة قديماً، وفي حديث أبي رافع: "كنت ألاعب الحسن بن علي (ع) وهو صبي بالمداحي"2، وهي أحجار كالأقراص يحفرون حفيرة فيرمون بالأحجار إليها، ويظهر أنّها تشبه لعبة (الكِلل) التي كنّا نلعبها، ويسمّيها بعضهم (الدحل)، ودحل الشيء وسّع له مكاناً.
(وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا)3 فبسطها وسهّل العيش عليها، والانتقال فيها، فلا يشقّ على الإنسان التقلّب من مكانٍ إلى آخر، وبالتالي جعلها صالحة للتكامل البشري، بعد أن كانت لفترة طويلة غير قابلة للسكن. وقيل إنّ الدحو يعني البسط مع التدوير، أي جعلها مكوّرة مع بسطها، فهي مفردة تدلّ على معنيين.
وفي الحديث إنّ الدحو بدأ "من تحت الكعبة"4، وهي خصوصيّة مكانيّة لها أسرارها، وعن الإمام الباقر (ع) أنّ الله "أمرَ الرياح فضربن وجه الماء، حتّى صار موجاً، ثم أزبد فصار زبداً واحداً، فجمعه في موضع البيت، ثم جعله جبلاً من زبد ثم دحا الأرض من تحته وهو قوله تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً)5، ولمّا كان البيت مظهراً للرحمة الإلهيّة الكبرى، فقد جاء في حديث للإمام علي (ع): "أَوَّلُ رَحْمَةٍ نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ"6.
وفي بعض الدراسات العلميّة أنّ الأرض كانت -قبل 3 مليارات سنة- مغمورة بالماء، ومن هنا يصفها الإمام (ع) في نهج البلاغة فيقول: "وَسَكَنَتِ الْأَرْضُ مَدْحُوَّةً فِي لُجَّةِ تَيَّارِهِ"7، ونظراً لمحوريّة هذا اليوم في تشكيل مهدِ خلافة الإنسان، فقد تضافرت الروايات وهي تبيّن أهميّة العبادة فيه، وهو أحد الأيّام الأربعة التي خُصّت بالصّيام، وروي أنّ صيامه يعدل صيام سبعين سنة، يغفر الله به الذنوب، وبه تستجاب الدعوات... "اَللّهُمَّ داحِيَ الْكَعْبَةِ، وَفالِقَ الْحَبَّةِ"8 اكشف عنّا كلّ همّ وغمّ بمحمّد وآله الطاهرين.
* الشيخ حسن علي شحاذي
1- سورة نوح: 19
2- مستدرك الوسائل: 14:83
3- سورة النازعات: 30
4- البحار: 54: 203
5- من لا يحضره الفقيه: 2: 241
6- وسائل الشيعة: 7: 333
7- من كلامه في صفة الأرض و دحوها على الماء
8- مصباح المتهجد: 671