ليلة القدر، هي إحدى ليالي شهر رمضان وأعظمها قدراً، حيث ورد في القرآن الكريم أنّها ﴿خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾، وأنّها اللّيلة المباركة الّتي أُنزل فيها القرآن.
ويعتقد المسلمون أنّ في هذه الليلة تُقدّر أمور العباد، وفيها ﴿يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾، وقد وردت روايات كثيرة في فضلها، منها عن النبي (ص): "شهر رمضان سيد الشهور، وليلة القدر سيدة الليالي"، وأن الملائكة تهبط إلى الأرض، وأن الله یغفر ذنوب عباده في هذه الليلة.
وهناك وقع خلاف بين تحديد هذه الليلة من بين ليالي السنة، ولكن تطلب حسب الروايات الواردة في شهر رمضان وفي العشرة الأخيرة منها، كما تؤكد الأخبار والروايات على ليالي 19 و21 و23 من الشهر.
معنى القدر
القدر في اللغة: مصدر: قدر يقدر قدراً، عبارة عمّا قضاه الله وحكم به من الأمور.[1] وقيل: هو كون الشيء مساوياً لغيره من غير زيادة ولا نقصان، وقدّر الله هذا الأمر بقدره قدراً: إذ جعله على مقدار ما تدعو إليه الحكمة.
سبب تسمية ليلة القدر
هناك أسباب ذكرت في الروايات الواردة عن أهل البيت عليه السلام لتسمية ليلة القدر، وأن الله قدّر فيها ما هو كائن إلى يوم القيامة،[2] كما أن فيها رأس السنة التي يقدر فيها ما يكون في السنة من خير أو شر أو مضرة أو منفعة، [3] [4] وسميت أيضاً؛ لأنه أنزل فيها كتاب ذو قدر إلى رسول ذي قدر، لأجل أمة ذات قدر ، على يدي ملك ذي قدر.[5]
تقدير الولاية
وقد ورد عن الإمام الصادق (ع) أن في هذه الليلة قدّرت ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، وفضلا عنه تم تقدير السماوات والأرض.[6]
فضل ليلة القدر ومكانتها
لليلة القدر شأن عظيم؛ وقد ورد في بعض آيات القرآن الكريم ما أشير إلى هذا المقصد:
سورة الدخان: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾.[7]
سورة القدر: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾.
كما وردت روايات كثيرة في فضلها، منها:
عن رسول الله (ص) قال: «...وشهر رمضان سيد الشهور ، وليلة القدر سيدة الليالي»[8]
قال الصادق (ع): «لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن».[9]
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غفر الله ما تقدّم من ذنبه»[10]
قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) : «من أحيي ليلة القدر غفرت له ذنوبه ولو كانت عدد نجوم السماء ومثاقيل الجبال ومكائيل البحار»[11]
عبد الله بن عباس أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: «...فإذا كان ليلة القدر أمر الله (عز وجل) جبرئيل فهبط في كوكبة من الملائكة إلى الأرض ومعه لواء أخضر، فيركز اللواء على ظهر الكعبة وله ستمأة جناح، منها جناحان لا ينشرهما إلا في ليلة القدر، فينشرهما في تلك الليلة فيتجاوز المشرق والمغرب ويبث جبرئيل (عليه السلام) الملائكة في هذه الأمة فيسلمون على كل قائم وقاعد ومصل وذاكر، ويصافحونهم ويؤمنون على دعائهم حتى يطلع الفجر»[12]
وورد أيضا عن الإمام الصادق (ع) في تفسير ﴿إنا أنزلناه في ليلة القدر﴾[13]: ...اللَّيْلَةُ فَاطِمَةُ وَالْقَدْرُ اللَّهُ فَمَنْ عَرَفَ فَاطِمَةَ حَقَّ مَعْرِفَتِهَا فَقَدْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ... .[14]
تعيين ليلة القدر
عند عامة المسلمين
اعتماداً على ما روي عن النبي (ص) أنها في العشر الأواخر من شهر رمضان، فقد روي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: «وإني أُريتها ليلة وترٍ وأنني أسجد صبيحتها في ماء وطين... فخرج حين فرغ من صلاة الصبح وجبينه وروثة أنفه فيهما الطين والماء، وإذا هي ليلة إحدى وعشرين من العشر الأواخر».[15]
ولذا قال الشوكاني: وروى عبد الرزاق من طريق يونس بن سيف سمع سعيد بن المسيب يقول: استقام كلام القوم على أنها ليلة ثلاث وعشرين. [16]
وذُكر أنها في يوم 24 (ليلة 25) في شهر آب، اُورديبهشت (من شهور العجم).[17]
ونُسب إلى زيد بن أرقم يقول إنها في 19 منه.[18]
وقال آخر: هي في ليلة 29 منه.[19]
وفي حديث لأبي بكرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: «التمسوها في العشر من رمضان لتسع يبقين أو لسبع يبقين أو لخمس أو لثلاث أو لآخر ليلة».[20]
إلا أن الأغلب والأعم يقول بها في ليلة (27) ؛ لما روي أيضاً عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: «أنَّ أُبيَّ بن كعب حلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين».[21]
عند الشيعة خاصة
الشيعة واستناداً إلى روايات متعددة يعملون بها في ثلاث ليالٍ: 19 و 21 و 23 من شهر رمضان، والأخيرة قال عنها الشيخ الصدوق: "اتفق مشايخنا (رضي الله عنهم) على أنها ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان".[22]
ومن تلك الروايات:
عن حسان بن مهران، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن ليلة القدر؟ فقال: «التمسها في ليلة إحدى وعشرين أو ليلة ثلاث وعشرين».[23]
عن زرارة، قال: قال أبي عبد الله عليه السلام: «التقدير في ليلة تسعة عشر، والإبرام في ليلة إحدى وعشرين ، والامضاء في ليلة ثلاث وعشرين».[24]
عن سفيان بن السمط قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الليالي التي يرجى فيها من شهر رمضان؟ فقال: «تسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين» ، قلت: فإن أخذت إنساناً الفترة أو علة، ما المعتمد عليه من ذلك؟ فقال: «ثلاث وعشرين».[25]
1 ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث، ج 4، ص 22.
2 الصدوق القمي، معاني الأخبار، ص 315، حديث 1.
3 الصدوق القمي، علل الشرائع، ج 1، ص 270، باب 182، ح 9؛ الصدوق القمي، عيون أخبار الرضا، ج 2، ص 123، باب 34.
4الفتال النيسابوري، روضة الواعظين، ص 349؛ عبد الله بن قدامة، المغني، ج 3، ص 117؛ عبد الرحمن بن قدامة، الشرح الكبير، ج 3، ص 116.
5 الفخر الرازي، التفسير الكبير، ج 32، ص 28.
6 الصدوق القمي، معاني الأخبار، ص 315، حديث 2.
7 الدخان: 3 ــ 4.
8 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 40، ص 45.
9 الكليني، الكافي، ج 4، ص 158، حديث 7.
10 الطبرسي، مجمع البيان، ج 10، ص 409.
11 الصدوق القمي، فضائل الأشهر الثلاثة، ص 118، حديث 114.
12 الصدوق القمي، فضائل الأشهر الثلاثة، ص 127، حديث 133.
13 القدر، الآية: 1.
14 فرات الكوفي، تفسير فرات الكوفي، ص 581.
15 مسلم النيسابوري، الجامع الصحيح، ج 3، ص 172.
16 الشوكاني، نيل الأوطار ج 4، ص 369.
17 ابن الأثير، البداية والنهاية، ج 3، ص 11، الطبراني، المعجم الأوسط، ج 4، ص 111؛ المتقي الهندي، كنز العمال، ج 2، ص 17.
17 ابن شيبة الكوفي، المصنف، ج 2، ص 289، حديث 9.
19 انظر: العيني، عمدة القاري، ج 1، ص 281، عن أبي نعيم.
20 ابن شيبة الكوفي، المصنف ج 2 ص 289 حديث 10
21 مسلم النيسابوري، الجامع الصحيح، ج 3، ص 174.
22 الصدوق القمي، الخصال، ص 519، ذيل حديث 8.
23 الكليني، الكافي ج 4، ص 156 حديث 9.
24 الكليني، الكافي ج 4، ص 156، حديث 1.
25 الصدوق القمي، من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 103، حديث 460.