الجمعة 22 تشرين الثاني 2024 الموافق لـ 12 جمادى الاولى 1446هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لاَ تَشْعُرُونَ﴾ (سورة البقرة: الآية 154)،
ويقول عزّ وجلّ في آية أخرى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ (سورة آل عمران: الآية 169)

 

المفردات الواردة في الآيتين واضحة عمومًا، فالقتل هو إنهاء الحياة، والموت هو ضدّ الحياة فالحيّ هو الذي ينمو ويتحرّك و... والميت هو الذي لا يطرأ عليه تبدّل ولا تغيّر ولا يترتّب عليه أيّ أثر، والحياة كما هو معروف ذات مستويات كحياة الإنسان والنبات وما شابه. والشعور هو الإحساس والإدراك. والرزق هو ما يناله الإنسان من الله تعالى أو من غيره.

تميّز الآيتان بين القتل وبين الموت فالقتل هو محاولة إنهاء الحياة ولكنّ الله في هاتين الآيتين يبيّن لنا أنّ القتل ليس بالضرورة أن يكون عدمًا ونهاية؛ بل قد يكون بداية لنمط جديد من الحياة، وهذا النمط الجديد قد يكون أرقى وأعلى من النمط السابق، فكلّ شيء حيٍّ هو حيّ تحت نظر الله تعالى، أما الذين يُقتلون في سبيل الله فهم أحياء ولكن أحياء عند الله. وشتّان بين الحياة السفلية تحت النظر والحياة العلوية عند الله تعالى.

 

1- سوف تنتهي الحياة بالقتل أو المرض، فعلينا أن نعيش بحيث لو انتهت حياتنا تنتهي ونحن في سبيل الله وسائرون على صراطه.

2- على المؤمن أن يصحّح نظرته إلى الوجود وأحكامه على ضوء التعاليم الدينية ولا يكفي في التدين أن نعمل وفق الشريعة؛ بل علينا أن نرى ما يرينا إياه ونقول ما يدعونا عزّ وجلّ إلى قوله.

3- على الإنسان أن يلتفت إلى أنّ الحياة ليست هي الحياة المادية فقط، والرزق ليس الرزق المادي فقط؛ بل عند الله حياة أعلى وأشرف من حياة المادة وقيودها.

4- من يتقدّم إلى الله شبرًا يتقدم منه تعالى مترا، فبعض الناس يبذلون حياتهم في سبيل الله، فيرفعهم الله إليه ويبدلهم حياة أخرى عنده.

5- ليس مهمًّا أن تكون حيًّا أو ميتًا؛ بل المهم أن تكون أعمالنا وأمورنا في سبيل الله.

6- لا ينقطع اللطف الإلهي بالإنسان بموته، بل تستمرّ الرعاية واللطف بالإنسان حتى بعد موته، شرط أن يكون الموت في سبيل الله.

 

إشارة:

بين النظرة والفكرة وبين العمل ترابطٌ وثيق. فإذا أردنا تغيير سلوكنا أو سلوك الناس علينا تغيير نظرتهم إلى الأمور. ومن هنا نجد أنّ الله تعالى عندما يريد دعوة الناس إلى الجهاد لا يكتفي بتشريع الوجوب والدعوة إلى الجهاد، ولا يكتفي بالوعد بما يترتّب على القتل في سبيل الله من آثار وما يناله الإنسان من جزاء عليه في الجنّة. بل يدعونا أيضًا إلى تغيير نظرتنا إلى الموت والحياة ويقول لنا إنّ هؤلاء الذين دفنتموهم من الشهداء تحت الأرض، فتح الله لهم بابًا إلى حياة من نوع آخر. ومن هنا، أيضًا نجد أنّ القرآن الذي نزل في مكّة يغلب عليه طابع العقيدة وتغيير الأفكار أكثر من التشريع والدعوة إلى العمل بالأحكام. وكمثال للتوضيح لا يمكن أن تقنع أحدًا بأن يكون كريمًا، وبأن يتصدّق على الفقراء و... إلا إذا أقنعته بأنّ قيمة الإنسان ليست بما يملك من مال بل بما ينفق من هذا المال وبكيف يتصرّف فيه، وإلا إذا أقنعته بأنّ الفقير هو صاحب حقٌّ يجب أن ينال حقّه، وإلإ إذا أقنعته بأنّ المال الذي بين أيدينا هو أمانة إلهية وليس ملكًا طلقًا...

 

سماحة الشيخ محمّد زراقط. 1-1-2021
* موعظة تربويّة أسبوعيّة لطلاب الحوزة الأعزاء