بسم الله الرحمن الرحيم
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ (سورة البقرة: الآية 264)
مفردات الآية:
الإبطال التخريب والنقض، والصدقة هي ما يدفع من المال لوجه الله تعالى، والمنّ هو ذكر الإنسان واعتداده بما يقدّمه للآخرين من خدمات أو يسدي إليهم من معروف، والرئاء أو الرياء هو الفعل من أجل رؤية الناس ما نفعل، والصفوان هو الحجر الأملس، والوابل المطر الغزير، الصلد هو الأملس الذي لا ينبت فيه شيء.
المعنى الإجمالي للآية
يدعو الله سبحانه المؤمنين في هذه الآية إلى الالتفات إلى الروحية التي يؤدّون بها أعمالهم، وينبّههم إلى أنّ بعض الأعمال التي نؤدّيها قد تكون حسنة في حدّ ذاتها ولكنّا بسوء اختيارنا نبطل أثرها ونحوّلها إلى هباء. ويكشف لنا سبحانه عن ثلاثة أمور تؤدّي إلى إبطال الأعمال (الصدقات) هي: المنّ، والأذى، والرياء. وكي تتّضح الصورة أكثر يشبّه حالة المنّان والمرائي بحالة من يزرع على حجر عليه شيء من التراب ثمّ يصيبه الماء فيغسل التراب عن الحجر فيعود الحجر الترِب إلى ما كان عليه. وإذا بالمزارع الذي كان يحلم بالحصاد يفتح عينيه على فقد الربح ورأس المال دفعة واحدة.
التعاليم المستفادة:
1- الحاجة والفقر عند الناس والغنى والقدرة على العطاء ليس امتيازًا يسمح للغني بانتهاك شخصية المحتاج.
2- حسن الأعمال يقع بين حدّين هما الدافع نحو الفعل (بئس الدافع الرياء) والحد الثاني هو النهايات (فلا خير في صدقة يتبعها منٌّ وأذى)
3- بين الرياء والكفر أخوّة وتناسب ولهذا سُمي الرياء بالشرك الخفيّ.
4- تشبيه المعقول بالمحسوس أسلوب مناسب لتركيز المفاهيم الأخلاقية في أذهان المخاطبين.
5- على الإنسان أن يخطط ويدرس الأرضية التي يعمل فيها قبل البدء بالعمل.
6- الأعمال غير المدروسة ليس فقط لا تنتج بل تؤدي إلى خسارة رأس المال.
7- على المؤمن أن يحذر من أن تكون دوافعه وسلوكه شبيهة بسلوك الكافر ودوافعه.
8- بين السلوك والعقيدة ترابطٌ وثيق وتلازم بيّن. يعمل الكافر من أجل الناس بينما يتوقّع من المؤمن أن يعمل من أجل الله تعالى.
9- الإيمان لا يعني الاستغناء عن التذكير والرعاية التربوية الدائمة من الله.
إشارة:
محور الكلام في الآية هو الإنفاق والصدقة وهدفها الدعوة إلى الإخلاص وأن يجعل الإنسان الله نصب عينيه. ولكن يمكن تعميم الآية وتوسعة دلالتها إلى ميادين أخرى وساحات مختلفة خاصة ما يرتبط بزرع الأفكار في أذهان الناس. فربّ شخصٍ يسعى إلى زرع الأفكار والتعاليم الإلهية في عقول الناس وقلوبهم، ولكنّه بعد فترة من السعي والجهد والجهاد لا يحصد شيئًا ممّا زرع، فعليه في هذه الحالة أن يعيد النظر في دوافعه، فربّما أخطأ في اختيار القلوب الحاضنة لهذه الأفكار والتعاليم فقرّب من يستحقّ الإبعاد وحشر نفسه بينهم وأبعد من يستحقّ التقريب وجفاهم، وربّما أبطل ما زرع بمنٍّ وتعالٍ على «أيتام آل محمد» المتعطّشين إلى العلم والمعرفة فسقاهم منًّا وأذى مع زلال المعارف الإلهية فكدّره وحال بينهم وبين الارتواء بها. جعلنا الله زارعي خير وحاصدي معروف بمنّه وكرمه.
سماحة الشيخ محمد زراقط. 25-12-2020
* موعظة تربويّة أسبوعيّة لطلاب الحوزة الأعزاء