يقول الله تعالى في سورة الفاتحة: ﴿مالك يوم الدين﴾، وفيما يلي يتعرض آية الله الشيخ جوادي آملي لما تحمله هذه الآية من مضامين:
الله سبحانه هو المالك المطلق لكلّ العوالم ومن فيها. وهذه الملكيّة المطلقة غير المحدودة تظهر يوم القيامة، لا انّها تحدث في المعاد. الله المدبّر والمربّي لأفراد الإنسانيّة ومن خلال اقامته ليوم الجزاء يفتح سبيل التكامل النهائيّ للناس ويربّيهم علىٰ الاعتقاد بالقيامة الّذي هو أفضل وسيلة لتطهير الإنسان وتحريره من الفساد، وفي يوم القيامة حيث محلّ ظهور المِلكيّة المطلقة لله وفيه يعترف الجميع بمالكيّة الحق تعالىٰ، هنالك يهب الله للناس جوائزهم فهو الله المحمود.
واليوم في الآية هو بمعنىٰ الظهور، لا بمعنىٰ الفترة من الزمان، وفي القيامة تظهر جميع أبعاد وأركان الدين كالتوحيد، والأسماء الحسنىٰ لله والأسرار والحقائق الاُخرىٰ.
وهذه الآية ومن خلال بيانها للنظام الغائيّ للخلق، تشكّل دليلاً آخر علىٰ حصر الحمد بالله، كما انّها سند لكون الله معبوداً ومستعاناً به، ولهذا فإنّها مرتبطة بالآيات السابقة واللاحقة.
تفسير مفردات الآية:
مالك: مالك ومَلِك ومَليك هي ثلاثة أسماء من الأسماء الإلٰهيّة الحسنىٰ، ولها أصل واحد هو (مِلْك أو مَلْك) وتعني السلطة الخاصّة الّتي تُمهّد لأنواع التصرّف في الشيء المملوك، كسلطة الإنسان علىٰ ماله أو مثل استيلاء وتسلّط الحكّام علىٰ النّاس (ويقال له مُلك). المِلْك أعمّ من المُلْك ولهذا يقول الراغب:
المَلِك هو المتصرّف بالأمر والنهي في الجمهور؛ ... والمِلْك كالجنس للمُلْك. فكلّ مُلْك مِلْك وليس كلّ مِلْكٍ مُلْكاً.[1]
وتذكر معاجم اللغة معاني اُخرىٰ لكلمة مِلْك، كالقوّة والشدّة والعزّة و... وجميعها من لوازم وآثار سلطة المالك، وليست معنىً أصليّاً للمِلْك.
وقد جاءت الأسماء الثلاثة المالك والمَلِك والمليك كلُّها في القرآن الكريم: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْك﴾[2]، ﴿فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقّ﴾[3]، ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُقْتَدِر﴾.[4]
يوم: اليوم في العُرف بمعنىٰ الجزء المحدود من امتداد الزمان، قليلاً كان أم كثيراً ولهذا كما يطلق علىٰ المسافة الزمنيّة بين طلوع الشمس وغروبها فانّه يطلق أيضاً علىٰ الأجزاء الأوسع من الزمان، وجاء اليوم في القرآن بمعنىٰ «الظهور» أيضاً، كما في قوله تعالىٰ: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْن﴾[5] ففي هذه الآية الكريمة ليس اليوم بمعناه المتعارف، لأنّ اليوم نفسه بالمعنىٰ المعروف هو أيضاً شأن جديد من فيض الله سبحانه، وبما انّ الألفاظ موضوعة لأرواح المعاني، فهذا النحو من الاستعمال حقيقيّ وليس مجازيّاً.
الدّين: الدين يعني الخضوع والانقياد أمام منهج أو تعليمات معيّنة. وعليه فإنّ هناك قيدين قد اُخِذا في معنىٰ كلمة (دين): أحدهما الانقياد والخضوع والآخر هو الانقياد في مقابل منهج خاصّ، وأمّا المفاهيم مثل الطاعة والتعبّد والاستسلام للحكم أو القهر، والتسليم والقانون والجزاء فهي ليست من المعاني الأصليّة لكلمة الدين وإن كانت قريبة منها وهي من لوازمها.
آية الله الشيخ جوادي آملي - بتصرّف
[1] . مفردات الراغب، ص472، «مِلك».
[2] . سورة آل عمران، الآية 26.
[3] . سورة المؤمنون، الآية 116.
[4] . سورة القمر، الآية 55.
[5] . سورة الرحمٰن، الآية 29.