عن الإمام موسى الكاظم عليه السلام أنّه قال: "تفقّهوا في دين الله، فإنّ الفقه مفتاح البصيرة، وتمام العبادة، والسبب إلى المنازل الرفيعة والرتب الجليلة في الدين والدنيا... ومَن لم يتفقّه في دينه لم يرضَ الله له عملاً"[1].
تمهيد
الفقه: الفهم والفطنة، يُقال: يفقه الخير والشرّ، أي يفهمه، ففي المصباح المنير: "الفقه فهم الشيء، وكلّ علم بشيء، فهو فقه له"[2]، وتقول العرب: أُوتي فلان فقهاً في الدين، أي فهماً له. وقد ورد في القرآن الكريم استعمال الفقه بمعنى الفهم، قال الله -تعالى-: ﴿قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ﴾[3] و﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾[4]، أي لا تفهمون تسبيحهم.
وفي لسان العرب: "الفِقه، العلم بالشيء والفهم له"[5]، وفي القاموس المحيط: "الفِقه (بالكسر)، العلم بالشيء والفهم له والفطنة، وغَلَبَ على علم الدين لشرفه..."[6].
والفِقْه، العلم بأحكام الشريعة، يُقال: فَقَهَ الرجل فقاهةً: إذ صار فقيهاً، وفقِهَ: أي فهِم فقهاً، وفقِهَهُ: أي فهمَهُ، وتفقَّه، إذا طلبَه فتخصَّص به، قال - تعالى -: ﴿لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ﴾[7].[8]
1- الحثّ على التفقّه في القرآن[9]
قال الله - تعالى -: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾[10].
لا شكّ أنّ المقصود من التفقّه في الدين هو تحصيل المعارف والأحكام الإسلاميّة، وهي أعمّ من الأصول والفروع، لأنّ هذه الأمور كلّها قد جُمعت في مفهوم التفقّه. وعليه، فإنّ هذه الآية دليل واضح على وجوب توجّه فئة من
المسلمين وجوباً كفائيّاً على الدوام لتحصيل العلوم في مختلف المجالات الإسلاميّة، وبعد الفراغ من التحصيل العلميّ يرجعون إلى مختلف البلدان، وخصوصاً بلدانهم وأقوامهم، ويعلّمونهم مختلف المسائل الإسلاميّة[11].
دلّت الآية على وجوب تعلّم الأحكام لغاية الإنذار والإرشاد بالنسبة إلى القوم الذين لا يعلمون، فيجب إرشاد الجاهل على العالم بحكم الآية الكريمة. ومن المعلوم أنّ الآية تكون في مقام بيان غائيّة العمل، أي الإنذار غايةً للتفقّه، فتفيد وجوب الإرشاد قطعاً، كما قال السيّد الخوئيّ قدس سره: "أمّا الأحكام الكلّيّة الإلهيّة، فلا ريب في وجوب إعلام الجاهل بها، لوجوب تبليغ الأحكام الشرعيّة على الناس، جيلاً بعد جيل إلى يوم القيامة، وقد دلّت عليه آية النفر، والروايات الواردة في بذل العلم وتعليمه وتعلّمه"[12].
2- التفقّه في الدين
ورد في فضل التفقّه وأهمّيّته والحثّ عليه، والنهي عن تركه، الكثير من الروايات الشريفة:
أ- الأمر بالتفقّه في الدين
روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "إذا تفقّهت، فتفقّه في دين الله"[13]. وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "ليت السيّاط على رؤوس أصحابي حتّى يتفقّهوا في الحلال والحرام"[14].
ب- ذمّ ترك التفقّه في الدين
روي عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أفٍّ لكلّ مسلم لا يجعل في كلّ جمعة الأسبوع يوماً يتفقّه فيه أمر دينه، ويسأل عن دينه"[15]. وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "تفقّهوا في دين الله، ولا تكونوا أعراباً، فإنّ من لم يتفقّه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة، ولم يزكِّ عمله"[16]. وعنه عليه السلام قوله أيضاً: "لا خير فيمن لا يتفقّه من أصحابنا يا بشير، إنّ الرجل منهم إذا لم يستغنِ بفقهه، احتاج إليهم، فإذا احتاج إليهم أدخلوه في باب ضلالتهم، وهو لا يعلم"[17].
ج- فضل التفقّه في الدين
- أفضل العبادة: روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أفضل العبادة الفقه، وأفضل الدين الورع"[18].
- الخير من الله: عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "إذا أراد الله بعبدٍ خيراً فقّهه في الدين"[19].
- من الكمال: عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: "الكمال كلّ الكمال التفقّه في الدين، والصبر على النائبة وتقدير المعيشة"[20].
الرجوع إلى الفقهاء
أمرت الروايات الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام بالرجوع إلى الفقهاء، ممّن قيّض الله فيهم روح الاجتهاد في العلم، والتفقّه في الدين، واتّصفوا بالعدالة، ليكونوا مصابيح للهداية، ونذراً للحقّ، فيرجع المسلمون إليهم، فهم حفظة التراث، وحملة الشريعة، وخزّان العلم، والأمناء على القيادة الإسلاميّة.
وقد ورد عن الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام أنّه قال: "فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلِّدوه، وذلك لا يكون إلّا بعض فقهاء الشيعة، لا جميعهم..."[21].
3 - خصائص التفقّه وآثاره
يظهر من الروايات وجود العديد من الخصائص الخاصّة بالفقيه، إلى جانب العديد من الآثار التي ينبغي أن تنعكس على سلوك المتفقّه في دين الله - تعالى -، منها:
أ- القصد في العمل: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "ما ازداد عبد قطّ فقهاً في دينه، إلّا ازداد قصداً في عمله"[22].
ب- إصلاح المعيشة: فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمأنّه قال: "من فقه الرجل أن يصلح معيشته..."[23].
ج- الورع: فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "الورع شيمة الفقيه"[24].
د- عدم الغرور: فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "إنّ من الحقّ أن تتفقّهوا، ومن الفقه أن لا تغترّوا"[25].
هـ- الحلم والقصد في الكلام: فعن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: "من علامات الفقه الحلم والعلم والصمت"[26].
4- التفقّه روح العبادة
ترتبط العبادة بالعلم ومعرفة الله - تعالى - ارتباطاً وثيقاً، وهو ما نجده في العديد من الروايات التي قرنت بين التفقّه والعبادة، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "قليل الفقه خير من كثير العبادة"[27]. وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "لا خير في عبادة ليس فيها تفقّه، ولا خير في علم ليس فيه تفكّر، ولا خير في قراءة ليس فيها تدبّر"[28]، "ولا عبادة إلّا بتفقّه"[29]، كما عن الإمام زين العابدين عليه السلام.
خاتمة
التفقّه في الدين من القضايا التي أرسل الله - تعالى- الأنبياء لأجلها، حيث كلّفهم بالدعوة إلى الدين، وتعليم الناس أحكام الله - تعالى -، كي يتفقّهوا في الدين، ويستقيم سلوكهم، وينظّموا علاقتهم بالله - تعالى -. ولا يقصد بالتفقّه أن يتفرّغ الناس جميعاً لدراسة العلوم الدينيّة والفقه بالمصطلح المتداول، بل المراد أن يتفقّه الناس بالمقدار اللازم من الدين، فيتعلّمون من العقيدة ما يصحّح إيمانهم واعتقادهم وفكرهم، ويتعلّمون من الفقه ما ينظّم عباداتهم وعلاقتهم بالله والناس، ومن الأخلاق ما يزكّي النفس ويهذّب السلوك.
[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج78، ص321.
[2] أحمد بن محمّد المقريّ الفيوميّ، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعيّ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لا.ت، لا.ط، ج2، ص154.
[3] سورة هود، الآية 91.
[4] ابن منظور، العلّامة محمّد بن مكرم الإفريقيّ المصريّ، لسان العرب، نشر أدب الحوزة، إيران - قم، 1405ه، لا.ط، ج12، مادّة فقه.
[5] سورة الإسراء، الآية 44.
[6] الفيروز آبادي، الشيخ مجد الدين محمّد بن يعقوب الشيرازيّ، القاموس المحيط، دار العلم للجميع، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج4، ص289.
[7] سورة التوبة، الآية 122.
[8] الراغب الأصفهانيّ، أبو القاسم الحسين بن محمّد، مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق صفوان عدنان داوودي، طليعة النور، لا.م، 1427ه، ط2، ص1421
[9] راجع: سورة الأنعام، الآيتان 65 و 98.
[10] سورة التوبة، الآية 122.
[11] الشيرازيّ، الشيخ ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، لا.ن، لا.م، لا.ت، لا.ط، ج6، ص269.
[12] الخوئيّ، السيّد أبو القاسم الموسويّ، مصباح الفقاهة، مكتبة الداوري، إيران - قم، لا.ت، ط1، ج1، ص 122.
[13] الحرّانيّ، الشيخ ابن شعبة، تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة، إيران - قم، 1404ه - 1363ش، ط2، ص410.
[14] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص31.
[15] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج1، ص176.
[16] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص31.
[17] المصدر نفسه، ص33.
[18] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، الخصال، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة، إيران - قم، 1403ه - 1362ش، لا.ط، ص30.
[19] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص32.
[20] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص32.
[21] الطبرسيّ، الشيخ أبي منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب، الاحتجاج، تعليق السيّد محمّد باقر الخرسان، دار النعمان للطباعة والنشر، العراق - النجف الأشرف، 1386ه - 1966م، لا.ط، ج2، ص264.
[22] الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، تحقيق ونشر دار الحديث، لا.م، لا.ت، ط1، ج3، ص2455.
[23] المصدر نفسه.
[24] التميميّ الآمديّ، عبد الواحد بن محمّد، غرر الحكم ودرر الكلم، تحقيق وتصحيح السيّد مهدي رجائي، نشر دار الكتاب الإسلاميّ، إيران- قم، 1410ه، ط2، ص995.
[25] الشيخ المحموديّ، نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج3، ص29.
[26] المفيد، الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان، الاختصاص، تحقيق علي أكبر الغفاري والسيّد محمود الزرنديّ، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414ه - 1993م، ط2، ص232 .
[27] الريشهريّ، ميزان الحكمة، مصدر سابق، ج3، ص2459.
[28] الحرّانيّ، تحف العقول، مصدر سابق، ص204.
[29] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج70، ص204.
تمهيد
الفقه: الفهم والفطنة، يُقال: يفقه الخير والشرّ، أي يفهمه، ففي المصباح المنير: "الفقه فهم الشيء، وكلّ علم بشيء، فهو فقه له"[2]، وتقول العرب: أُوتي فلان فقهاً في الدين، أي فهماً له. وقد ورد في القرآن الكريم استعمال الفقه بمعنى الفهم، قال الله -تعالى-: ﴿قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ﴾[3] و﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾[4]، أي لا تفهمون تسبيحهم.
وفي لسان العرب: "الفِقه، العلم بالشيء والفهم له"[5]، وفي القاموس المحيط: "الفِقه (بالكسر)، العلم بالشيء والفهم له والفطنة، وغَلَبَ على علم الدين لشرفه..."[6].
والفِقْه، العلم بأحكام الشريعة، يُقال: فَقَهَ الرجل فقاهةً: إذ صار فقيهاً، وفقِهَ: أي فهِم فقهاً، وفقِهَهُ: أي فهمَهُ، وتفقَّه، إذا طلبَه فتخصَّص به، قال - تعالى -: ﴿لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ﴾[7].[8]
1- الحثّ على التفقّه في القرآن[9]
قال الله - تعالى -: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾[10].
لا شكّ أنّ المقصود من التفقّه في الدين هو تحصيل المعارف والأحكام الإسلاميّة، وهي أعمّ من الأصول والفروع، لأنّ هذه الأمور كلّها قد جُمعت في مفهوم التفقّه. وعليه، فإنّ هذه الآية دليل واضح على وجوب توجّه فئة من
المسلمين وجوباً كفائيّاً على الدوام لتحصيل العلوم في مختلف المجالات الإسلاميّة، وبعد الفراغ من التحصيل العلميّ يرجعون إلى مختلف البلدان، وخصوصاً بلدانهم وأقوامهم، ويعلّمونهم مختلف المسائل الإسلاميّة[11].
دلّت الآية على وجوب تعلّم الأحكام لغاية الإنذار والإرشاد بالنسبة إلى القوم الذين لا يعلمون، فيجب إرشاد الجاهل على العالم بحكم الآية الكريمة. ومن المعلوم أنّ الآية تكون في مقام بيان غائيّة العمل، أي الإنذار غايةً للتفقّه، فتفيد وجوب الإرشاد قطعاً، كما قال السيّد الخوئيّ قدس سره: "أمّا الأحكام الكلّيّة الإلهيّة، فلا ريب في وجوب إعلام الجاهل بها، لوجوب تبليغ الأحكام الشرعيّة على الناس، جيلاً بعد جيل إلى يوم القيامة، وقد دلّت عليه آية النفر، والروايات الواردة في بذل العلم وتعليمه وتعلّمه"[12].
2- التفقّه في الدين
ورد في فضل التفقّه وأهمّيّته والحثّ عليه، والنهي عن تركه، الكثير من الروايات الشريفة:
أ- الأمر بالتفقّه في الدين
روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "إذا تفقّهت، فتفقّه في دين الله"[13]. وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "ليت السيّاط على رؤوس أصحابي حتّى يتفقّهوا في الحلال والحرام"[14].
ب- ذمّ ترك التفقّه في الدين
روي عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أفٍّ لكلّ مسلم لا يجعل في كلّ جمعة الأسبوع يوماً يتفقّه فيه أمر دينه، ويسأل عن دينه"[15]. وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "تفقّهوا في دين الله، ولا تكونوا أعراباً، فإنّ من لم يتفقّه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة، ولم يزكِّ عمله"[16]. وعنه عليه السلام قوله أيضاً: "لا خير فيمن لا يتفقّه من أصحابنا يا بشير، إنّ الرجل منهم إذا لم يستغنِ بفقهه، احتاج إليهم، فإذا احتاج إليهم أدخلوه في باب ضلالتهم، وهو لا يعلم"[17].
ج- فضل التفقّه في الدين
- أفضل العبادة: روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أفضل العبادة الفقه، وأفضل الدين الورع"[18].
- الخير من الله: عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "إذا أراد الله بعبدٍ خيراً فقّهه في الدين"[19].
- من الكمال: عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: "الكمال كلّ الكمال التفقّه في الدين، والصبر على النائبة وتقدير المعيشة"[20].
الرجوع إلى الفقهاء
أمرت الروايات الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام بالرجوع إلى الفقهاء، ممّن قيّض الله فيهم روح الاجتهاد في العلم، والتفقّه في الدين، واتّصفوا بالعدالة، ليكونوا مصابيح للهداية، ونذراً للحقّ، فيرجع المسلمون إليهم، فهم حفظة التراث، وحملة الشريعة، وخزّان العلم، والأمناء على القيادة الإسلاميّة.
وقد ورد عن الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام أنّه قال: "فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلِّدوه، وذلك لا يكون إلّا بعض فقهاء الشيعة، لا جميعهم..."[21].
3 - خصائص التفقّه وآثاره
يظهر من الروايات وجود العديد من الخصائص الخاصّة بالفقيه، إلى جانب العديد من الآثار التي ينبغي أن تنعكس على سلوك المتفقّه في دين الله - تعالى -، منها:
أ- القصد في العمل: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "ما ازداد عبد قطّ فقهاً في دينه، إلّا ازداد قصداً في عمله"[22].
ب- إصلاح المعيشة: فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمأنّه قال: "من فقه الرجل أن يصلح معيشته..."[23].
ج- الورع: فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "الورع شيمة الفقيه"[24].
د- عدم الغرور: فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "إنّ من الحقّ أن تتفقّهوا، ومن الفقه أن لا تغترّوا"[25].
هـ- الحلم والقصد في الكلام: فعن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: "من علامات الفقه الحلم والعلم والصمت"[26].
4- التفقّه روح العبادة
ترتبط العبادة بالعلم ومعرفة الله - تعالى - ارتباطاً وثيقاً، وهو ما نجده في العديد من الروايات التي قرنت بين التفقّه والعبادة، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "قليل الفقه خير من كثير العبادة"[27]. وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "لا خير في عبادة ليس فيها تفقّه، ولا خير في علم ليس فيه تفكّر، ولا خير في قراءة ليس فيها تدبّر"[28]، "ولا عبادة إلّا بتفقّه"[29]، كما عن الإمام زين العابدين عليه السلام.
خاتمة
التفقّه في الدين من القضايا التي أرسل الله - تعالى- الأنبياء لأجلها، حيث كلّفهم بالدعوة إلى الدين، وتعليم الناس أحكام الله - تعالى -، كي يتفقّهوا في الدين، ويستقيم سلوكهم، وينظّموا علاقتهم بالله - تعالى -. ولا يقصد بالتفقّه أن يتفرّغ الناس جميعاً لدراسة العلوم الدينيّة والفقه بالمصطلح المتداول، بل المراد أن يتفقّه الناس بالمقدار اللازم من الدين، فيتعلّمون من العقيدة ما يصحّح إيمانهم واعتقادهم وفكرهم، ويتعلّمون من الفقه ما ينظّم عباداتهم وعلاقتهم بالله والناس، ومن الأخلاق ما يزكّي النفس ويهذّب السلوك.
[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج78، ص321.
[2] أحمد بن محمّد المقريّ الفيوميّ، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعيّ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لا.ت، لا.ط، ج2، ص154.
[3] سورة هود، الآية 91.
[4] ابن منظور، العلّامة محمّد بن مكرم الإفريقيّ المصريّ، لسان العرب، نشر أدب الحوزة، إيران - قم، 1405ه، لا.ط، ج12، مادّة فقه.
[5] سورة الإسراء، الآية 44.
[6] الفيروز آبادي، الشيخ مجد الدين محمّد بن يعقوب الشيرازيّ، القاموس المحيط، دار العلم للجميع، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج4، ص289.
[7] سورة التوبة، الآية 122.
[8] الراغب الأصفهانيّ، أبو القاسم الحسين بن محمّد، مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق صفوان عدنان داوودي، طليعة النور، لا.م، 1427ه، ط2، ص1421
[9] راجع: سورة الأنعام، الآيتان 65 و 98.
[10] سورة التوبة، الآية 122.
[11] الشيرازيّ، الشيخ ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، لا.ن، لا.م، لا.ت، لا.ط، ج6، ص269.
[12] الخوئيّ، السيّد أبو القاسم الموسويّ، مصباح الفقاهة، مكتبة الداوري، إيران - قم، لا.ت، ط1، ج1، ص 122.
[13] الحرّانيّ، الشيخ ابن شعبة، تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة، إيران - قم، 1404ه - 1363ش، ط2، ص410.
[14] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص31.
[15] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج1، ص176.
[16] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص31.
[17] المصدر نفسه، ص33.
[18] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، الخصال، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة، إيران - قم، 1403ه - 1362ش، لا.ط، ص30.
[19] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص32.
[20] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص32.
[21] الطبرسيّ، الشيخ أبي منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب، الاحتجاج، تعليق السيّد محمّد باقر الخرسان، دار النعمان للطباعة والنشر، العراق - النجف الأشرف، 1386ه - 1966م، لا.ط، ج2، ص264.
[22] الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، تحقيق ونشر دار الحديث، لا.م، لا.ت، ط1، ج3، ص2455.
[23] المصدر نفسه.
[24] التميميّ الآمديّ، عبد الواحد بن محمّد، غرر الحكم ودرر الكلم، تحقيق وتصحيح السيّد مهدي رجائي، نشر دار الكتاب الإسلاميّ، إيران- قم، 1410ه، ط2، ص995.
[25] الشيخ المحموديّ، نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج3، ص29.
[26] المفيد، الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان، الاختصاص، تحقيق علي أكبر الغفاري والسيّد محمود الزرنديّ، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414ه - 1993م، ط2، ص232 .
[27] الريشهريّ، ميزان الحكمة، مصدر سابق، ج3، ص2459.
[28] الحرّانيّ، تحف العقول، مصدر سابق، ص204.
[29] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج70، ص204.