محاور الموعظة:
1- الإيمان وعلاقته بالقلوب 3- الإيمان وعلاقته باليقين
2- الإيمان وعلاقته بالصبر 4- الإيمان وعلاقته بالقرآن الكريم
تصدير الموعظة:
قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾1.
تمهيد:
الإيمان منظومة متكاملة وشبكة دقيقة من العلاقات وله روابط متعدّدة منها علاقته مع القلوب، ومع اليقين، ومع الصبر، ومع القرآن، ونحاول شرح هذه العناوين باختصار.
الإيمان وعلاقته بالقلوب:
قال أمير المؤمنين "فَمِنَ الإيمان مَا يَكُونُ ثَابِتاً مُسْتَقِرّاً فِي الْقُلُوبِ، ومِنْهُ مَا يَكُونُ عَوَارِيَّ بَيْنَ الْقُلُوبِ والصُّدُورِ "إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ". فَإِذَا كَانَتْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ مِنْ أَحَدٍ فَقِفُوهُ حَتَّى يَحْضُرَهُ الْمَوْتُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقَعُ حَدُّ الْبَرَاءَةِ"2.
قوله: "ومِنْهُ مَا يَكُونُ عَوَارِيَّ بَيْنَ الْقُلُوبِ والصُّدُورِ"، أي لم يبلغ الإيمان حدّ الملكة، بل كانت بعد حالات في معرض التغيّر والانتقال، فهي العواريّ المتزلزلة غير راسخ فيها، ولا بالغ حدّ الملكة، لعدم استناده إلى الحجّة، فيزول بتشكيك المشكّك وتفتين المفتّن3.
الإيمان وعلاقته باليقين:
قال أمير المؤمنين في صفات المتقين "وإِيمَاناً فِي يَقِينٍ"4.
من صفات المتّقين هو الإيمان في اليقين، واليقين هو العلم الذي لا يداخله شكّ وريب. والإيمان الجازم، والحكم القاطع الذي لا يتطرّق إليه شكّ، هو ما يؤمن به الإنسان، ويعقد عليه ضميره، ويتّخذه مذهباً وديناً، بغضّ النظر عن صحّته من عدمها. واليقين جزء من تلك العقيدة الثابتة التي لا يتطرّق إليها شكّ.
ومن خطبة للنبيّ جاء فيها: "وأعظم الخطايا اللسان الكذوب، وخير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى، ورأس الحكمة مخافة الله عزّ وجلّ، وخير ما وقر في القلوب اليقين، والارتياب من الكفر،..."5.
روي أنّه ذكر عند النبيّ: أنّ بعض أصحاب عيسى، كان يمشى على الماء فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "لو زاد يقينه لمشى على الهواء"6.
والحديث يومئ إلى أنّ تسخير الأسباب الكونيّة، يدور مدار اليقين بالله سبحانه وتعالى.
ولا يمكن الوصول إلى درجة اليقين من دون أن يكون الإنسان مؤمناً بالله حقّ الإيمان، مصدّقاً بأركان الإيمان، مطمئنّ النفس بالقضاء والقدر، ساكن القلب لأحكام الشرع، بعيدًا عن الشكوك والشبهات والارتياب، وعليه يبنى الإيمان بل إنّ الإيمان يقينيّ، فإذا نزل عن درجة اليقين، فقد أصبح ضعيفاً، لا يقوى عند الامتحان، والشدائد؛ لأنّ الإيمان الضعيف يخشى على صاحبه من سوء الخاتمة، فإذا نقص اليقين نقص الإيمان، وإذا ضعف اليقين ضعف الإيمان، لكونه باعثاً على فعل الطاعات، ومانعاً من اقتراف السيّئات، بل قد يقال: إنّ اليقين هو الإيمان كلّه، إن لم يكن الإيمان كلّه فهو على الأقلّ جزء مهمّ وأساس من دعائم الإيمان؛ ولذا قد يطلق الإيمان ويراد به اليقين.
واليقين صفة من صفات المؤمنين، وعلامة على صدق إيمانهم: إنّ من صفات المؤمن: اليقين بالله واليوم الآخر، فلا إيمان لمن لا يقين له يدلّ على هذا آيات كثيرة، منها قول الله تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾7.
الإيمان وعلاقته بالصبر:
قال أمیر المؤمنين عليه السلام: "وعَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ، فَإِنَّ الصَّبْرَ مِنَ الإيمان كَالرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ، ولَا خَيْرَ فِي جَسَدٍ لَا رَأْسَ مَعهُ، ولَا فِي إِيمَانٍ لَا صَبْرَ مَعَهُ"8.
وقد بيّن الإمام عليه السلام فضيلة الصبر "وأمر بتحصيلها؛ لأنّ كلّ الفضائل لا يخلو عنها وأقلّ ذلك الصبر على اكتسابها، ثمّ على البقاء عليها، وعن الخروج عنها، ولذلك شبّهها من الإيمان بالرأس من الجسد، في عدم قيامه بدونه. ثمّ أكَّد التشبيه والمناسبة بينهما بقوله: لا خير في جسد. إلى آخره"9. ومن خلال جعل الصبر من الإيمان كالرأس يفهم منه أمرين:
1- إنّ من لا صبر له لا إيمان له.
2- إنّ درجات الإيمان تقاس بدرجات الصبر.
فالإيمان والصبر مثل كفّتي ميزان متعادلتين، كلّما زادت إحداهما زادت الأخرى.
قال الله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾10.
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾11.
وفي الرواية: "عنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه فِي قَوْلِ اللَّه عَزَّ وجَلَّ: ﴿اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ﴾ قَالَ اصْبِرُوا عَلَى الْفَرَائِضِ وصَابِرُوا عَلَى الْمَصَائِبِ ورَابِطُوا عَلَى الأَئِمَّةِ"12. والمرابطة على الأئمّة، تكون بالنفس والمال والخدمة والانقياد لهم والانتظار لفرجهم.
وقال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾13. فالآية الكريمة بيّنت أنّ "سبب موهبة الإمامة بقوله: ﴿لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ فبيّن أنّ الملاك في ذلك صبرهم في جنب الله، والصبر هو في كلّ ما يبتلي ويمتحن به عبد في عبوديّته، ولكونهم قبل ذلك موقنين"14.
وإذا راجعنا إلى صفات أهل البيت فنجد أن أهمها على الإطلاق صفة الصبر فقد ورد في بعض الروايات "أن اليقين فوق الإيمان بدرجة واحدة، والصبر فوق اليقين"15.
وهناك روايات، كما قلنا، تشير إلى أنّ هناك مقامات أعلى من اليقين، ومن هذه الروايات عن عليِّ بن الحسين: "الزُّهْدُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ أَعْلَى دَرَجَةِ الزُّهْدِ أَدْنَى دَرَجَةِ الْوَرَعِ وأَعْلَى دَرَجَةِ الْوَرَعِ أَدْنَى دَرَجَةِ الْيَقِينِ وأَعْلَى دَرَجَةِ الْيَقِينِ أَدْنَى دَرَجَةِ الرِّضَا"16.
الإيمان وعلاقته بالقرآن الكريم:
"(القرآن) إِنَّهُ مَعْدِنُ الإيمان وبُحْبُوحَتُهُ"17. "أمّا أنّه معدن الإيمان، فلأنّ المعدن عبارة عن منبت الجوهر من ذهب وفضّة ونحوهما، ولمّا كان الإيمان باللَّه ورسوله جوهراً نفيساً، لا جوهر أنفس منه ولا أغلى عند ذوي العقول، وكان يستفاد من القرآن ويستخرج منه جعله معدناً له. وأمّا إنّه بحبوحته ووسطه فلأنّ الإيمان بجميع أجزائه وشرائطه ومراسمه يدور عليه، فهو بمنزلة القطب والمركز لدائرة الإيمان، كما هو ظاهر"18.
هوامش
1- سورة الحجرات، الآية 7.
2- نهج البلاغة، مصدر سابق، أقسام الإيمان، ص279.
3- راجع: ابن ميثم البحرانيّ، شرح نهج البلاغة، مركز النشر مكتب الإعلام الإسلامي - الحوزة العلمية، إيران - قم، 1362 ش، ط1، ج5، ص 193. (بتصرف).
4- نهج البلاغة، مصدر سابق، 193 ومن خطبة له عليه السلام يصف فيها المتّقين، ص 303.
5- الكراجكي، الإمام العلّامة أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان، كنز الفوائد، مكتبة المصطفويّ، إيران - قم، 1369ش، ط2، ص 97، فصل من كلام سيّدنا رسول الله.
6- الطبرسيّ، الميرزا حسين النوري، مستدرك الوسائل، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، لبنان - بيروت، 1408ه - 1987م، ط1، ج11، ص 198، باب وجوب اليقين بالله في الرزق والعمر والنفع والضرر، ح (12737) 16.
7- سورة البقرة، الآيتان 2 – 4.
8- نهج البلاغة، مصدر سابق، حكم أمير المؤمنين عليه السلام، رقم الحكمة 82، ص482.
9- ابن ميثم البحرانيّ، شرح نهج البلاغة، مصدر سابق، ج5، ص 283.
10- سورة البقرة، الآية 155.
11- سورة آل عمران، الآية 200.
12- الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص81، باب أداء الفرائض، ح3.
13- سورة السجدة، الآية 24.
14- الطباطبائي، العلّامة السيّد محمّد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرفة، إيران - قمّ، 1417ه، ط5، ج1، ص272.
15- عليّ بن بابويه القمّيّ، فقه الرضا، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قمّ المشرّفة، المؤتمر العالميّ للإمام الرضا عليه السلام - مشهد المقدّسة، 1406ه، ط1، ص 368، باب الصبر والكتمان والنصيحة.
16- الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص 62، باب الرضا بالقضاء، ح10.
17- نهج البلاغة، مصدر سابق، ص 315.
18- الخوئيّ، حبيب الله الهاشميّ، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، تحقيق السيّد إبراهيم الميانجي، بنياد فرهنگ امام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، لا.م، لا.ت، ط4، ج12، ص 307.