القرآن مهجور يشكو "تصحيح العلاقة بالقرآن الكريم"
تصدير الموضوع:
الإمام علي عليه السلام: "وَخَلَّفَ فِيكُمْ مَا خَلَّفَتِ الْأَنْبِيَاءُ فِي أُمَمِهَا إِذْ لَمْ يَتْرُكُوهُمْ هَمَلًا بِغَيْرِ طَرِيقٍ وَاضِحٍ وَلَا عَلَمٍ قَائِمٍ كِتَابَ رَبِّكُمْ فِيكُمْ مُبَيِّناً حَلَالَهُ وَحَرَامَهُ...."1.
فضل القرآن وعظمته
لقد أرسل الله تعالى الأنبياء لهداية البشرية إلى سواء السبيل، وأنزل على بعضهم كتباً لتكون مناراً يستهدي بها الناس، ولكن للأسف حرّف الناس كتب الله تعالى كما في التوراة والإنجيل، وبذلك انحرفوا عن الصراط المستقيم ووقعوا في ضلال مبين. إلى أن أرسل الله تعالى نبيّه الكريم محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم ليرجع الناس إلى طريق الله، ويزيلهم من الانحراف، وينير لهم الطريق، فأنزل على قلبه الكتاب الكريم القرآن المجيد وحفظه تعالى من التحريف: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾2. فكان الهادي والمبين والموعظة والمنير لطريق السالكين إلى الله تعالى، فهو الكتاب السماوي الوحيد الذي لم تمسّه يد التحريف. يقول تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾3. ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾4. ﴿هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ﴾5.
وحسب القرآن عظمةً وكفاه منزلةً وفخراً وفضلاً أنه كلام اللّه العظيم، ومعجزة نبيّه الكريم، وأن آياته هي المتكفلة بهداية البشر في جميع شؤونهم وأطوارهم وفي جميع أجيالهم وأدوارهم، وهي الضمينة لهم بنيل الغاية القصوى والسعادة الكبرى في العاجل والآجل. هو كلام اللّه و"فضل كلام اللّه على سائر الكلام كفضل اللّه على خلقه"6.
هو وصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الأولى والثقل الأكبر الذي خلّفه قائلاً: "إني تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علَيَّ الحوض"7.
اعتراف المفكّرين بعظمة القرآن
وقد اعترف بعظمة القرآن وفضله المنصفون من المِلل الأخرى، يقول ول ديورانت: "وقد ظلَّ (القرآن) أربعة عشر قرناً من الزمان محفوظاً في ذاكرتهم (المسلمين)، يستثير خيالهم، ويشكِّل أخلاقهم، ويشحذ قرائح مئات الملايين من الرجال. والقرآن يبعث في النفوس... أسهل العقائد، وأبعدها عن التقيّد بالمراسم والطقوس، وأكثرها تحرراً من الوثنية والكهنوتية. وقد كان له أكبر الفضل في رفع مستوى المسلمين الأخلاقي والثقافي، وهو الذي أقام فيهم قواعد النظام الاجتماعي والوحدة الاجتماعية، وحضّهم على اتباع القواعد الصحية، وحرّر عقولهم من كثير من الخرافات والأوهام، ومن الظلم والقسوة، وحسن أحوال الأرقّاء، وبعث في نفوس الأذلاء الكرامة والعزة، وأوجد بين المسلمين (إذا استثنينا ما كان يقترفه بعض الخلفاء المتأخرين) درجة منالاعتدال والبعد عن الشهوات لم يوجد لها نظير في أية بقعة من بقاع العالم يسكنها الرجل الأبيض..."8.
هذه شهادة - من شهادات كثيرة - للقرآن الكريم من أحد الغربيين، وهو مؤرخ كبير معروف، أليس في شهادته دلالة على فضل القرآن وعظمته؟ أليس في شهادته وشهادة أمثاله، دلالة على مدى تأثير القرآن وفاعليته وهدايته للبشرية؟
كيف نستفيد من القرآن الكريم:
إن من الأمور المهمة معرفة كيفية الاستفادة من القرآن العظيم - ولا يكفي أن نعرف عظمة هذا الكتاب الكريم وفضله - وذلك يكون بمعرفة أن هذا الكتاب كتاب تعليم وهداية إلى اللهو إلى سبيل السعادة الحقيقية.
فليس القرآن الكريم لتعليم الجهات الأدبية والنحو والصرف أو أن تأخذ منه الفصاحة والبلاغة والنكات البيانية والبديعية وليس هو لتعليم القصص والحكايات بالنظر التاريخي والاطلاع على الأمم السابقة.
ثم أنه ليس كتابًا نقرأه للثواب والأجر فقط ولهذا لا نعتني بغير تجويده، ونريد أن نقرأه صحيحاً حتى يعطي لنا الثواب، ونحن مقتنعون بهذا الحد، ولهذا لا يفيدنا القرآن. فالمطلوب إذن التعلّم من القرآن كيفية السير والسلوك إلى الله وكيفية التخلّق بالأخلاق العالية لنصل إلى الكمال والسعادة.
رفع الموانع والحجب:
من الآداب المهمة حتى تحصل الاستفادة من القرآن الكريم، رفع موانع الاستفادة، والحجب بين المستفيد والقرآن، وهذه الحجب كثيرة نشير إلى بعضها:
١- حجاب رؤية النفس، بحيث يرى الإنسان المتعلم نفسه غير محتاج إلى الاستفادة من هذا الكتاب العظيم. أو يرى استقادة منه ولكن في جهات لا تساعد على الهداية والسلوك إلى الله تعالى، كمن يقصر نظره إلى الجهات الفقهية أو الفلسفية أو البلاغية أو التجويدية أو غير ذلك مما لا مساس له بالمقصود الأصلي للقرآن الكريم وهو الهداية إلى الله جلّ وعلاّ، ويقنع بما هو عليه، ويختصر القرآن في الجهة التي هو فيها. في حين أن القرآن أرشدنا إلى عدم القناعة بما نحن عليه، والإشارة إلى هذا المعنى كثيرة في القصص القرآنية، فموسى كليم الله، مع ماله من مقام عظيم ما اقتنع بذلك، وبمجرد أن لاقى شخصاً كاملاً كالخضر عليه السلام قال له بكل تواضع وخضوع: ﴿قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾9.
٢- ومن الحجب حجاب الآراء الفاسدة والمذاهب الباطلة، وأغلب هذا يوجد من التبعية والتقليد، مثلا إذا رسخ في قلوبنا اعتقاد بمجرّد الاستماع من الأب أو الأم أو من الجهلة، نبني على هذا الاعتقاد، ولا نبدّله ولو أتانا واضح البرهان.
٣- ومن الحجب المانعة من الاستفادة من القرآن، الاعتقاد بأنه ليس لأحد حق الاستفادة من القرآن الشريف إلا ما كتبه المفسرون وما فهموه...
٤- حجاب المعاصي والكدورات الحاصلة من الذنوب.
٥- حبّ الدنيا، فيصرف القلب بواسطة تمام همتّه في الدنيا وحبّ الجاه والشرف.
التفكّر في آياته ومعانيها:
هذا ومن الآداب المهمة لقراءة القرآن التفكّر، وقد كثرت الدعوة إلى التفكر في القرآن الشريف.
قال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾10.
وقال تعالى: ﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾11.
إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة. والروايات أيضاً في التفكر كثيرة، فقد نقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما نزلت الآية الشريفة: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ...﴾12. قال صلى الله عليه وآله وسلم: "ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها".
التطبيق لآياته:
ومن الآداب المهمة لقراءة القرآن التي تنيل الإنسان نتائج كثيرة والاستفادات غير المعدودة هو التطبيق.
فمن أراد أن يأخذ من القرآن الشريف الحظ الوافر فلا بد له أن يطبّق كل آية شريفة على حالات نفسه حتى يستفيد استفادة كاملة، مثلا يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾13.
فلا بدّ للسالك أن يلاحظ هذه الأوصاف الثلاثة منطبقة عليه، وهل قلبه يوجل إذا ذكر الله ويخاف؟ وإذا تليت عليه الآيات الشريفة هل يزداد إيماناً في قلبه؟ وهل اعتماده وتوكله على الله تعالى؟ أو أنه محروم من ذلك.
فإذا كان محروماً فليسعَ لتحصيل هذه الصفات، وهكذا كل آية يمرّ عليها يطبّقها خارجاً، فالقرآن كتاب تطبيق لا كتاب ترتيل فحسب. فكما أن خُلُق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان القرآن، فينبغي عليك أن يكون خلقك القرآن.
مهجورية القرآن الكريم:
يقول تعالى: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾14.
إن مهجورية القرآن لها مراتب، ولعلنا متصفين بالعمدة منها، أترى أننا إذا جلّدنا القرآن العظيم جلداً نظيفاً وقيّماً أو إذا قرآناه أو استخرنا به وقبّلنا هو وضعناه على أعيننا، لا نكون هاجرين له؟ أترى إذا صرفنا غالب عمرنا في تجويده والاهتمام في جهاته اللغوية والبيانية والبديعية، ما اتخذناه مهجوراً؟ هل أننا إذا تعلمنا القراءات المختلفة، ما اتخذناه مهجوراً؟ إن عمدة هجر القرآن هو عدم تطبيقه في حياتنا الخاصة والعامة، ونحن للأسف قد نكون متصفين بهذه المرتبة من الهجر، حيث لا نأخذ تعاليم القرآن في حسابنا!.
هوامش
1- نهج البلاغة، الخطبة 1.
2- سورة الحجر، الآية 9.
3- سورة الإسراء، الآية 9.
4- سورة إبراهيم، الآية 1.
5- سورة آل عمران، الآية 138.
6- المجلسي، بحار الأنوار، ج 6، ص 89.
7- الحديث متواتر رواه خمسة وثلاثون صحابياً (راجع مصادره في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الأول والثاني).
8- قصة الحضارة، ول ديورانت، مج201، ج1، ص48، دارالجيل.
9- سورة الكهف، الآية 66.
10- سورة النحل، الآية 44.
11- سورة الأعراف، الآية 176.
12- سورة آل عمران، الآية 190.
13- سورة الأنفال، الآية 2.
14- سورة الفرقان، الآية 30.
تصدير الموضوع:
الإمام علي عليه السلام: "وَخَلَّفَ فِيكُمْ مَا خَلَّفَتِ الْأَنْبِيَاءُ فِي أُمَمِهَا إِذْ لَمْ يَتْرُكُوهُمْ هَمَلًا بِغَيْرِ طَرِيقٍ وَاضِحٍ وَلَا عَلَمٍ قَائِمٍ كِتَابَ رَبِّكُمْ فِيكُمْ مُبَيِّناً حَلَالَهُ وَحَرَامَهُ...."1.
فضل القرآن وعظمته
لقد أرسل الله تعالى الأنبياء لهداية البشرية إلى سواء السبيل، وأنزل على بعضهم كتباً لتكون مناراً يستهدي بها الناس، ولكن للأسف حرّف الناس كتب الله تعالى كما في التوراة والإنجيل، وبذلك انحرفوا عن الصراط المستقيم ووقعوا في ضلال مبين. إلى أن أرسل الله تعالى نبيّه الكريم محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم ليرجع الناس إلى طريق الله، ويزيلهم من الانحراف، وينير لهم الطريق، فأنزل على قلبه الكتاب الكريم القرآن المجيد وحفظه تعالى من التحريف: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾2. فكان الهادي والمبين والموعظة والمنير لطريق السالكين إلى الله تعالى، فهو الكتاب السماوي الوحيد الذي لم تمسّه يد التحريف. يقول تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾3. ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾4. ﴿هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ﴾5.
وحسب القرآن عظمةً وكفاه منزلةً وفخراً وفضلاً أنه كلام اللّه العظيم، ومعجزة نبيّه الكريم، وأن آياته هي المتكفلة بهداية البشر في جميع شؤونهم وأطوارهم وفي جميع أجيالهم وأدوارهم، وهي الضمينة لهم بنيل الغاية القصوى والسعادة الكبرى في العاجل والآجل. هو كلام اللّه و"فضل كلام اللّه على سائر الكلام كفضل اللّه على خلقه"6.
هو وصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الأولى والثقل الأكبر الذي خلّفه قائلاً: "إني تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علَيَّ الحوض"7.
اعتراف المفكّرين بعظمة القرآن
وقد اعترف بعظمة القرآن وفضله المنصفون من المِلل الأخرى، يقول ول ديورانت: "وقد ظلَّ (القرآن) أربعة عشر قرناً من الزمان محفوظاً في ذاكرتهم (المسلمين)، يستثير خيالهم، ويشكِّل أخلاقهم، ويشحذ قرائح مئات الملايين من الرجال. والقرآن يبعث في النفوس... أسهل العقائد، وأبعدها عن التقيّد بالمراسم والطقوس، وأكثرها تحرراً من الوثنية والكهنوتية. وقد كان له أكبر الفضل في رفع مستوى المسلمين الأخلاقي والثقافي، وهو الذي أقام فيهم قواعد النظام الاجتماعي والوحدة الاجتماعية، وحضّهم على اتباع القواعد الصحية، وحرّر عقولهم من كثير من الخرافات والأوهام، ومن الظلم والقسوة، وحسن أحوال الأرقّاء، وبعث في نفوس الأذلاء الكرامة والعزة، وأوجد بين المسلمين (إذا استثنينا ما كان يقترفه بعض الخلفاء المتأخرين) درجة منالاعتدال والبعد عن الشهوات لم يوجد لها نظير في أية بقعة من بقاع العالم يسكنها الرجل الأبيض..."8.
هذه شهادة - من شهادات كثيرة - للقرآن الكريم من أحد الغربيين، وهو مؤرخ كبير معروف، أليس في شهادته دلالة على فضل القرآن وعظمته؟ أليس في شهادته وشهادة أمثاله، دلالة على مدى تأثير القرآن وفاعليته وهدايته للبشرية؟
كيف نستفيد من القرآن الكريم:
إن من الأمور المهمة معرفة كيفية الاستفادة من القرآن العظيم - ولا يكفي أن نعرف عظمة هذا الكتاب الكريم وفضله - وذلك يكون بمعرفة أن هذا الكتاب كتاب تعليم وهداية إلى اللهو إلى سبيل السعادة الحقيقية.
فليس القرآن الكريم لتعليم الجهات الأدبية والنحو والصرف أو أن تأخذ منه الفصاحة والبلاغة والنكات البيانية والبديعية وليس هو لتعليم القصص والحكايات بالنظر التاريخي والاطلاع على الأمم السابقة.
ثم أنه ليس كتابًا نقرأه للثواب والأجر فقط ولهذا لا نعتني بغير تجويده، ونريد أن نقرأه صحيحاً حتى يعطي لنا الثواب، ونحن مقتنعون بهذا الحد، ولهذا لا يفيدنا القرآن. فالمطلوب إذن التعلّم من القرآن كيفية السير والسلوك إلى الله وكيفية التخلّق بالأخلاق العالية لنصل إلى الكمال والسعادة.
رفع الموانع والحجب:
من الآداب المهمة حتى تحصل الاستفادة من القرآن الكريم، رفع موانع الاستفادة، والحجب بين المستفيد والقرآن، وهذه الحجب كثيرة نشير إلى بعضها:
١- حجاب رؤية النفس، بحيث يرى الإنسان المتعلم نفسه غير محتاج إلى الاستفادة من هذا الكتاب العظيم. أو يرى استقادة منه ولكن في جهات لا تساعد على الهداية والسلوك إلى الله تعالى، كمن يقصر نظره إلى الجهات الفقهية أو الفلسفية أو البلاغية أو التجويدية أو غير ذلك مما لا مساس له بالمقصود الأصلي للقرآن الكريم وهو الهداية إلى الله جلّ وعلاّ، ويقنع بما هو عليه، ويختصر القرآن في الجهة التي هو فيها. في حين أن القرآن أرشدنا إلى عدم القناعة بما نحن عليه، والإشارة إلى هذا المعنى كثيرة في القصص القرآنية، فموسى كليم الله، مع ماله من مقام عظيم ما اقتنع بذلك، وبمجرد أن لاقى شخصاً كاملاً كالخضر عليه السلام قال له بكل تواضع وخضوع: ﴿قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾9.
٢- ومن الحجب حجاب الآراء الفاسدة والمذاهب الباطلة، وأغلب هذا يوجد من التبعية والتقليد، مثلا إذا رسخ في قلوبنا اعتقاد بمجرّد الاستماع من الأب أو الأم أو من الجهلة، نبني على هذا الاعتقاد، ولا نبدّله ولو أتانا واضح البرهان.
٣- ومن الحجب المانعة من الاستفادة من القرآن، الاعتقاد بأنه ليس لأحد حق الاستفادة من القرآن الشريف إلا ما كتبه المفسرون وما فهموه...
٤- حجاب المعاصي والكدورات الحاصلة من الذنوب.
٥- حبّ الدنيا، فيصرف القلب بواسطة تمام همتّه في الدنيا وحبّ الجاه والشرف.
التفكّر في آياته ومعانيها:
هذا ومن الآداب المهمة لقراءة القرآن التفكّر، وقد كثرت الدعوة إلى التفكر في القرآن الشريف.
قال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾10.
وقال تعالى: ﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾11.
إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة. والروايات أيضاً في التفكر كثيرة، فقد نقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما نزلت الآية الشريفة: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ...﴾12. قال صلى الله عليه وآله وسلم: "ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها".
التطبيق لآياته:
ومن الآداب المهمة لقراءة القرآن التي تنيل الإنسان نتائج كثيرة والاستفادات غير المعدودة هو التطبيق.
فمن أراد أن يأخذ من القرآن الشريف الحظ الوافر فلا بد له أن يطبّق كل آية شريفة على حالات نفسه حتى يستفيد استفادة كاملة، مثلا يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾13.
فلا بدّ للسالك أن يلاحظ هذه الأوصاف الثلاثة منطبقة عليه، وهل قلبه يوجل إذا ذكر الله ويخاف؟ وإذا تليت عليه الآيات الشريفة هل يزداد إيماناً في قلبه؟ وهل اعتماده وتوكله على الله تعالى؟ أو أنه محروم من ذلك.
فإذا كان محروماً فليسعَ لتحصيل هذه الصفات، وهكذا كل آية يمرّ عليها يطبّقها خارجاً، فالقرآن كتاب تطبيق لا كتاب ترتيل فحسب. فكما أن خُلُق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان القرآن، فينبغي عليك أن يكون خلقك القرآن.
مهجورية القرآن الكريم:
يقول تعالى: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾14.
إن مهجورية القرآن لها مراتب، ولعلنا متصفين بالعمدة منها، أترى أننا إذا جلّدنا القرآن العظيم جلداً نظيفاً وقيّماً أو إذا قرآناه أو استخرنا به وقبّلنا هو وضعناه على أعيننا، لا نكون هاجرين له؟ أترى إذا صرفنا غالب عمرنا في تجويده والاهتمام في جهاته اللغوية والبيانية والبديعية، ما اتخذناه مهجوراً؟ هل أننا إذا تعلمنا القراءات المختلفة، ما اتخذناه مهجوراً؟ إن عمدة هجر القرآن هو عدم تطبيقه في حياتنا الخاصة والعامة، ونحن للأسف قد نكون متصفين بهذه المرتبة من الهجر، حيث لا نأخذ تعاليم القرآن في حسابنا!.
هوامش
1- نهج البلاغة، الخطبة 1.
2- سورة الحجر، الآية 9.
3- سورة الإسراء، الآية 9.
4- سورة إبراهيم، الآية 1.
5- سورة آل عمران، الآية 138.
6- المجلسي، بحار الأنوار، ج 6، ص 89.
7- الحديث متواتر رواه خمسة وثلاثون صحابياً (راجع مصادره في خلاصة عبقات الأنوار الجزء الأول والثاني).
8- قصة الحضارة، ول ديورانت، مج201، ج1، ص48، دارالجيل.
9- سورة الكهف، الآية 66.
10- سورة النحل، الآية 44.
11- سورة الأعراف، الآية 176.
12- سورة آل عمران، الآية 190.
13- سورة الأنفال، الآية 2.
14- سورة الفرقان، الآية 30.