الإثنين 25 تشرين الثاني 2024 الموافق لـ 15 جمادى الاولى 1446هـ

» إضـــــاءات قــــرآنــية

مفهوم الحق قرآنياً


استعمالات الحق كثيرة في القرآن الكريم ، لكنها بحسب الظاهر تطبيقات لمفهوم واحد وبأساليب متعددة ، ولعل من أهم تلك الاستعمالات الكاشفة عن مفهوم الحق الآيات التي اعتبرته نقيضاً للباطل ، والنقيض للباطل إنما هو الحقيقة المطلقة والثابتة يقيناً ، كقوله سبحانه :﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ 1 ، وقوله عز من قائل : ﴿ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ 2 ، وقوله تعالى : ﴿ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾ 3 ، وقوله جل شأنه :  ﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ 4 .

وهذا الاستعمال يشير إلى المفهوم اللغوي السابق الذكر ، ويؤيِّد ذلك الاستعمالات المتفرِّقة في السور القرآنية لهذا اللفظ وباشتقاقات متعددة في معاني الثبوت والإلزام والمطابقة للواقع اليقيني ، ومن أمثلة ذلك :

قوله سبحانه : ﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ 4 فالله هو الحق أي أنه هو الثابت المطابق ثبوته للواقع اليقيني ، وقد رأينا لهذا المعنى أثراً في سياق تقريرات بعض الأصوليين لمفهوم الحق ، كما هو ملاحظ في كلمات المحقق الأصفهاني عند تعريفه لمفهوم الحق ، قال : « فالحق بمعنى المبدء هو الثبوت ، والحق بالمعنى الوصفي هو الثابت ، وبهذا الاعتبار يطلق الحق عليه تعالى لثبوته بأفضل أنحاء الثبوت الذي لا يخالطه عدم أو عدمي» 5 . فالثبوت في كلامه هو المراد بالمطابقة مع الواقع اليقيني كما سبق الكلام .

قوله عز وجل: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾ 6 ، فالحق هنا إشارة إلى الحقيقة الثابتة المطابقة للواقع والملزِمة للمخاطَب ، وإنما هي حقيقة لأن من اتبعها كان على هدى ، ومن خالفها كان كان ضلال ، كما تنص الآية ، وأما كونها ملزِمة لوجوب اتِّباعها والإلتزام بها ، إذ لا معنى للهداية في الآية إلا وجوب الإتباع ، كما لا معنى للضلال إلا حرمة المخالفة .

ما جاء في الآيات المباركة من التأكيد على أن الكثير من الأمور المرتبطة بالتكوين أوالتشريع إنما حصلت بمحض الحق ، كما في الآيات المباركة التالية : ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ... ﴾ 7 ، ﴿ ... نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ... ﴾ 8 ، ﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ... ﴾ 9، فإرسال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ، وتنزيل الكتاب ، وخلق السماوات والأرض ، كل ذلك إنما حصل بالحق والثبوت والمطابق للواقع . مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن للحق في هذه الآيات ظلالاً ومعاني أوسع يتكفّل بها البحث التفسيري ولسنا  في صددها في هذا المقام .

النص على مطابقة الحق للواقع التام من دون أي شائبة ، وذلك من خلال التأكيد على أن كل ما عداه خارج تخصُّصاً عنه ، بمعنى المباينة التامة للواقع والحقيقة ، كما في قوله جل شأنه :﴿ فَذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ ﴾ 10 ،  ﴿ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ 11 ، فإذا كان كل شيء غير الحق ضلالاً ، كما تنص الآية الأولى ، والضلال هو «العدول عن الطريق المستقيم ، ويضادّه الهداية» 12 ، فمعنى ذلك أن الحق هو الهداية إلى الحقيقة الثابتة والواقع اليقيني . وهكذا إذا وقع الحق وتحقق خارجاً ، تبيَّن أن كل شيء عداه باطل ، كما تنص الآية الثانية ، إذاً فالحق هو الثابت والمطابق للواقع .
وهكذا سائر الاستعمالات في القرآن الكريم ، فجميعها تشير وتعبِّر عن المعنى اللغوي الذي قرَّرناه في العنوان السابق . بالتالي فالاستعمال القرآني لا يضيف خصوصيّة للمعنى اللغوي ، وإنما يلتزم بالمعنى نفسه ، كما هو الشأن في سائر الخطابات القرآنية ، نظراً لأن القرآن إنما جاء باللغة الدارجة عند العرب .
وهذا هو الظاهر تماماً في الاستعمالات الروائية أيضاً ، فجميعها متطابق مع الاستعمالات القرآنية . نعم سيأتي كلام حول التمايز بين الاستعمالات الروائية لمفهوم الحق وبين المفهوم الفقهي الخاص للحق 13 .


1. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 81، الصفحة: 290.
2. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 42، الصفحة: 7.
3. القران الكريم: سورة الأنفال (8)، الآية: 8، الصفحة: 177.
4. a. b. القران الكريم: سورة الحج (22)، الآية: 62، الصفحة: 339.
5. حاشية كتاب المكاسب ، مصدر سابق ، ج1 ص38 .
6. القران الكريم: سورة يونس (10)، الآية: 108، الصفحة: 221.
7. القران الكريم: سورة فاطر (35)، الآية: 24، الصفحة: 437.
8. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 176، الصفحة: 26.
9. القران الكريم: سورة النحل (16)، الآية: 3، الصفحة: 267.
10. القران الكريم: سورة يونس (10)، الآية: 32، الصفحة: 212.
11. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 118، الصفحة: 164.
12. المفردات في غريب القرآن ، مصدر سابق ، ص300 .
13. نشر هذه المقال في الموقع الرسمي لسماحة الشيخ فيصل العوامي بتأريخ 13 / 2 / 2013م - 3 :21 م .

2244 مشاهدة | 01-01-2017
جامعة المصطفى (ص) العالمية -فرع لبنان- ترحب بكم

مجلس عزاء عن روح الشهيد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ورفاقه

رحيل العلامة المحقق الشــيـخ علي كـوراني العاملي (رحمه الله)

ورشة تقنيات قراءة في كتاب

ورشة تقنيات تدوين رؤوس الأقلام

ورشة أسس اختيار الموضوع ومعايير صياغة عنوان الرسالة

عزاء عن روح الشهيد جعفر سرحال

المسابقة العلمية الرابعة

دورة في مخارج الحروف العربيّة

حفل تكريم المشاركات في دورة مشروع الفكر الإسلامي في القرآن

دورة إعداد خطيبة منبر حسيني

لقاء مع المربي العلامة الشيخ حبيب الكاظمي

احتفال في ذكرى المولد الشريف

ندوة كاتب وكتاب: التاريخ السياسي والاجتماعي لشيعة لبنان

لقاء مع المستشار الثقافي لسفارة الجمهوريّة الإسلاميّة

وفد من حوزة الإمام الخميني (قده) يزور الجامعة

دعوة للمشاركة في مؤتمر الإمام الحسين (ع) والنهضة الفكريّة

صباحيّة قرآنيّة في حوزة السّيدة الزهراء (ع)

ندوة كاتب وكتاب: الله والكون برواية الفيزياء الحديثة

العدد 54-55 من مجلَّة الحياة الطيّبة