مواقف العامليين الوطنية
جبل عامل بين لبنان الكبير ومعاهدة1 1936م:
صحيح أنّ الانتداب الفرنسيّ استطاع، ولأسباب عديدة داخلية وخارجية، ولعدم التكافؤ في القوى بين العامليين والفرنسيين، أن يوجّه ضربة قوية وقاسية للعمل الوطنيّ في جبل عامل ممثّلاً "بالعصائب" الوطنية التي وقفت بوسائلها المعروفة وبإمكانياتها المتواضعة والمتوافرة ضدّ الفرنسيين والمتعاونين معهم في المنطقة، إلا أنّ الفرنسيين لم يستطيعوا أن يقضوا نهائياً على الروح الوطنية المتجذّرة في صدور العامليين وفي أفكارهم ومنطلقاتهم كذلك. والدليل على ذلك أنّ أهالي جبل عامل وممثليهم، لم يفوّتوا فرصة سانحة دون إبراز مواقفهم الأساسية، الممثلّة بدعوتهم الدائمة والمستمرة إلى تأكيد العلاقة مع سوريا وفي رفض الانتداب الفرنسي. وقد عبّرت مجلّة العرفان عن هذه الطموحات من خلال ما ورد فيها عام 1921م: "إنّ الوحدة السورية أنجح دواء لأدوائنا، وأفضل واسطة تجمع قلوبنا، ولا يستحسن ضمّ لبنان الكبير لهذه الوحدة فقط، بل حبّذا ضمّ فلسطين وما وراء الأردن، وما ذلك بعزيز لو صحّت العزائم".
إنّ ما جرى في جبل عامل سنة 1920م، كان تمهيداً لما سيجري بعد ذلك في سوريا، حيث كان الفرنسيون يخطِّطون بعد احتلال المنطقة إلى إكمال طريقهم لاحتلال الشام، وذلك لإكمال مخطّط سايكس - بيكو.
ويشاء القدر أن يكون اعتقال أحد قادة العصائب (أدهم خنجر) من قبل الفرنسيين، الشرارة الأولى التي ألهبت منطقة جبل العرب بأسرها، لتنطلق الثورة السورية الكبرى بعد ذلك.
القمع الفرنسيّ ضدّ العامليين
لقد تعرّض العامليون لأساليب القمع الفرنسي المختلفة، وعلى رأسها إعدام البطل العاملي أدهم، فقد صادف وجود أدهم ذات يوم في منزل سلطان باشا الأطرش2 فقبض الفرنسيون عليه بوشاية، وحُمل إلى السويداء، ثمّ إلى بيروت، وأُعدم هناك. وقد لعب المجاهدون العامليون دوراً بارزاً في دعم الثورة السورية، وكانت الثورات تتلاقى بين سوريا ولبنان، خاصة ثورة سنة 1925م، التي لعب فيها المجاهدون الشيعة في جنوبي لبنان دوراً بطولياً رائعاً. وفي غضون 1927م كانت الثورة السورية ما تزال مشتعلة، أو قبيل انتهائها بفترة وجيزة، وخوفاً من انتقال عدوى هذه الثورة مجدّداً إلى منطقة جبل عامل، فقد لجأت السلطات الفرنسية إلى جمع السلاح من المنطقة، وكلّفت الجندرمة المحلّية بالتفتيش عنها، وهدّدت باستعمال أقصى العقوبات بحقّ كلّ من يدلي بتصريحات ناقصة أو كاذبة، بقصد الحؤول دون جمع السلاح من صور ومنطقتها.
موقف العامليين من دستور سنة 1926م والاستيطان
بعدما وضع الدستور اللبناني سنة 1926م، قابله فريق بالارتياح وآخر بالارتياب، فقد اعتبره الفريق الأوّل بدايةَ الخلاص من الاستعمار الفرنسي، وأنّه ضرب من ضروب التحرّر والانعتاق. لكنّ الفريق الثاني كان يعي أنّ الدستور لا يلبّي الحاجات والمطالب القومية المطلوبة. في الوقت الذي كان أبناء جبل عامل عامّة لا يعرفون المصير الذي سيؤولون إليه، فهم ما زالوا يفكّرون بالانضمام إلى سوريا، وبقوا ينادون بشعار الوحدة السورية ويعملون من أجل تحقيقه.
إضافة إلى المواقف العاملية التي برزت حتى عام 1927م فإنّ المواقف نفسها تتكرّر أثناء مؤتمر القدس، بهدف لفت الرأي العام الإسلاميّ إلى خطر الاستيطان الصهيوني في فلسطين، وقد شارك فيه قيادات سياسية إسلامية وكبار رجال دين مسلمون من 22 دولة، وقد تمثّل جبل عامل بوفد مؤلّف من رياض الصلح، أحمد رضا، الشاعر محمد علي الحوماني والشيخ سليمان ظاهر. وجاءت مشاركة العامليين نتيجة قناعة راسخة بأنّ الخطر الصهيوني لا يطال فلسطين فقط، بل يمتدّ إلى جبل عامل. وكان لمشاركة العامليين وقع مهمّ على المهتمّين بإنجاح المؤتمر. هذا، ولم تتوقّف الاجتماعات والمؤتمرات العاملية أو التي شارك فيها عامليون لإثبات أنّه كان جزءاً من سوريا، وأنّ العامليين لم يكونوا أبداً من طلّاب الانتداب الفرنسي.
انتفاضة بنت جبيل
في عام 1936م انفجر الوضع في بنت جبيل على أثر تلزيم زراعة التبغ في جبل عامل لشركة فرنسية "الريجي". يومها احتجّ عدد من شبّان البلدة فاعتقلتهم السلطات الفرنسية، فانضمّت القرى المجاورة وعلى رأسها عيناثا إلى مظاهرات صاخبة للمطالبة بإخراج المعتقلين من سجن بنت جبيل، فوقع عدد من المحتجّين صرعى وجرحى, وأعلن جبل عامل الإضراب العام وعمّت المظاهرات الجبل بكامله من أقصاه إلى أقصاه، ولم تنفع أساليب القمع. فكان من نتائج هذه الانتفاضة أنّ السلطة شعرت أنّ جبل عامل بكلّ أهله يقف وقفة واحدة ضدّها وضدّ احتكار شركة الريجي، ودعماً للوحدة السورية والمطالب الوطنية.
الشيعة والقضية الفلسطينية
منتصف العام 1936م كان التوتّر على أشدّه في البلاد الخاضعة للانتداب، في أواسط العقد الرابع من القرن العشرين. فقامت الثورات في المناطق الريفية، في أماكن مختلفة من فلسطين، ولا سيما في الجليل الأدنى، حيث قام الشيخ عزّ الدين القسّام3 بحرب على البريطانيين إلى أن استشهد في ساحة القتال في تشرين الثاني 1935م. واستمرّ العنف إلى بداية الحرب العالمية الثانية. وقد عُزّز بإضراب في المدن دام ستة أشهر. وكان العامليون في الجهة المقابلة من الحدود التي رسمتها سلطات الانتداب، يتابعون هذه الأحداث عن قرب. وكانت العلاقات التي تربط العامليين الجنوبيين بفلسطين أقوى بكثير من تلك العلاقة التي كانت تربطها بالمدن اللبنانية، خاصّة صيدا وبيروت وغيرهما، إلى درجة أن العملة الفلسطينية كانت الأكثر تداولاً في معظم أسواق الجنوب وبلداته. أمّا على الصعيد السياسيّ، فالعلاقة بين الحركة الوطنية في كلّ من القطرين كانت قوية لدرجة أنّها كانت علاقة بين جناحين لحركة وطنية واحدة وهكذا كانت العلاقة أيضاً مع الحركة الوطنية السوريّة التي كانت تقارع الاستعمار الفرنسي.
تخوّف العامليون من حلول الاستعمار الاستيطاني الصهيوني على الحدود الفلسطينية, ومن هنا وجدوا أنفسهم معنيين فعلاً بالثورة التي أعلنتها الجماهير الفلسطينية سنة 1936م، حيث كان الثوار الفلسطينيون يتلقّون المعونة المادّية والدعم المعنويّ من وطنيي جبل عامل. ونمت العلاقة الوثيقة بين بنت جبيل ومنطقة صور من جهة والثوار الفلسطينيين من جهة ثانية، حتّى أنّ شهداء عامليين استشهدوا، وهم يقاتلون إلى جانب إخوانهم في فلسطين.
دفاع علماء الشيعة عن فلسطين
غادر عدد كبير من أبناء فلسطين بلادهم بعد المذابح الرهيبة التي كان الصهاينة يرتكبونها، فوقف أبناء جبل عامل من إخوانهم موقفاً مشرّفاً وقدّموا لهم البيوت والفرش والطعام.
وباعتراف فوزي القاوقجي نفسه في مذكّراته فإنّ المعارك الحامية تلك التي دارت على أرض جبل عامل دفاعاً عن القضية الفلسطينية، كانت من أشدّ ما عرفته فلسطين من معارك.
ولعلّ الحماسة الدينية والقومية المتجذّرة في قلوب العامليين مردّها إلى مواقف المراجع والعلماء. فها هو السيد محسن الأمين يعلن الجهاد المقدّس في فلسطين، ويوجّه نداءً يقول فيه: "أيّها العرب، أيّها المسلمون، إنّ لكم في فلسطين تراثاً، وإنّ لكم في كلّ غور ونجد وحزن وسهل فيها دماً عُجن به ترابها، واختلط به ماؤها ونباتها، وإنّ إخوانكم في فلسطين قد أقضّ مضاجعهم ما هم فيه من محنة وبلاء، وأسهر عيونهم وبرّح أجسامهم ما يلاقونه من كيد الخصوم، وإنّ بني أبيكم ليقدمون إقدام الأتيّ ويدافعون دفاع المستميت، فلا تظنّوا عليهم ببذل التافه الحقير وهم بذلوا الجليل العظيم...".
ومِثْلُه السيد عبد الحسين شرف الدين يستصرخ الأمّة بنداء آخر: "أيّها المسلمون، أيّها العرب، هذا شهر المحرّم الدامي الذي انتصرت فيه عقيدة، وبُعث فيه مبدأ. ألا إنّ قتلة الحسين عليه السلام بكر في القتلات، فلتكن قدوتنا فيه بكراً في القدوات، ولنكن نحن في فلسطين مكان سيّد الشهداء من قضيّته، ليكون لنا ولفلسطين ما كان له ولقضيته من حياة ومجد وخلود.
أيّها العرب، أيّها المسلمون، لقد حُمَّ الأجل وموعدنا فلسطين، عليها نحيا وفيها نموت والسلام عليكم يوم تموتون شهداء، ويوم تبعثون أحياء".
جبل عامل والقضية الفلسطينية
بعد ضياع فلسطين قضمت الدولة الصهيونية آلاف الدونمات من أراضي قرى جبل عامل، وضمّتها إليها، كما اقتطعت بريطانيا من قبل قرى طربيخا وصلحا وقدس والنبيّ يوشع وهونين والمالكية4 وآبل والمنصورة وغيرها من المزارع والقرى الصغيرة. وبعد الهزيمة التي مُني بها العرب عام 1967م، أصبحت قرى جبل عامل على موعد دائم مع الاعتداءات الإسرائيلية والقذائف والصواريخ.
وما كانت الثورة الفلسطينية لتثبت أقدامها في لبنان لولا الدفق الجماهيري المؤيّد لها، حيث كانت تمتلك أرضية صلبة في الجنوب اللبناني. ولقد كان للشعارات والنداءات التي أطلقها السيد موسى الصدر دويّ قويّ في أوساط المسلمين اللبنانيين عامّة وأهالي جبل عامل خاصّة "إنّ التعامل مع إسرائيل حرام" وشعار "إسرائيل شرّ مطلق" وشعار "بعمامتي هذه سوف أحمي الثورة الفلسطينية" وشعار "إنّ شرف القدس يأبى أن يتحرّر إلا على أيدي الشرفاء"، وغيرها من الشعارات التي جعلت كلّ القوى والتيّارات الوطنية والإسلامية تتعاطف مع الثورة الفلسطينية. وكان للإضرابات والمظاهرات المسلّحة التي تقسم بالله على مواصلة الجهاد أثرها على الساحة السياسية وامتداد العمق الجماهيري للثورة. كما لاقت دعوة "المحرومين في وطنهم والمحرومين من وطنهم"، التفاف الجماهير المسلمة حيث ربط السيد بين الظلم الذي يحيط باللبنانيين في وطنهم والوضع البائس الذي يعيشه الفلسطينيون خارج وطنهم، فكانت (حركة المحرومين) التي مدّت نظرها للمحرومين والمستضعفين دون الالتفات لهويّتهم ومذهبهم.
وها هو السيد موسى الصدر يتطلّع إلى واقع البلاد والأمّة وحاضرها ومستقبلها في مهرجان بعلبك في 19 آذار 1974م، ويطالب الدولة بإنشاء مخيّمات التدريب فقال: "... أنا سأطلب منكم إنشاء مخيّمات التدريب، مخيّمات في البقاع والجنوب، وأنا سأتدرّب معكم. لا تعتقدوا أنّ المعركة مع إسرائيل قاربت نهايتها، وأنّ العالم العربي سينام مرتاحاً. نربّي جيلاً يتمكّن من حمل السلاح... نحن مضطرون إلى تدريب أولادنا وتسليحهم لكي نحفظ كرامة بيوتنا ونحفظ أعراضنا ونؤدّي دورنا في صيانة الوطن".
الاجتياح الإسرائيلي سنة 1978م
سبق الاجتياح الإسرائيلي لجبل عامل عام 1978م عملية فدائية جريئة قامت بها مجموعة من الفدائيين في عمق الأراضي الإسرائيلية على شواطئ حيفا، فما كان من حكّام إسرائيل إلا أن اتّخذوا من هذه العملية ذريعة لاجتياح جبل عامل.
وفي الخامس عشر من آذار سنة 1978م بدأ اليهود هجومهم الواسع النطاق على طول الحدود مع لبنان من الناقورة غرباً حتى راشيا شرقاً، على جبهة يبلغ طولها مئة كيلو متر تقريباً. وقد بدأ الهجوم البريّ بعد التغطية بالقصف الجويّ والمدفعي البعيد المدى المكثف، ثمّ دفعوا بقوّاتهم المحمولة تدعمها الآليات الضخمة، وقد قدّر مجمل المشتركين في هذه الهجمة بـِ 28 ألف جندي تقريباً، و50 دبابة وأربعة ألوية مدرّعة، تساندها المدفعية الصاروخية.
وقد تعاونت الميليشيات المسيحية والصهاينة على تدمير القرى وتشريد السكّان، واقتحم رجال سعد حدّاد بالتعاون مع الصهاينة بلدة الخيام فقتلوا أكثر من ثمانين مدنياً عاجزاً، ودمّروها تدميراً شاملاً. أما قرية العبّاسية فقد هاجمها الطيران الصهيونيّ وقصف المسجد الجامع، وذلك عندما التجأ الأهالي للاحتماء به. لقد قصف قصفاً عنيفاً فدُمّر على رؤوس من كانوا فيه، ولم ينجُ منهم أحد! وقتل أكثر من سبعين شخصاً أكثرهم من النّساء والأطفال! ومارسوا المجازر نفسها في بلدات كونين والغندورية وفرون، حيث تشرّد السكان وهربوا نحو صيدا وبيروت، وأقيمت لهم المخيّمات في صيدا، وافترشوا ملاعب المدارس ومداخل البنايات في بيروت، واستقرّت القوات الإسرائيلية على مقربة من نهر الليطاني، بالقرب من برج رحال.
وقد سُمّيت عملية الاجتياح هذه: "عملية الليطاني", لأنّ الليطاني هو الحلم الذي يراود اليهود منذ ما قبل مطلع القرن العشرين، ووصل الجيش الإسرائيلي إلى بلدة عين بعال على مقربة من مدينة صور وبالقرب من مخيم الرشيدية جنوب صور وعلى مقربة من جسر القعقعية الواقع على نهر الليطاني.
هوامش
1- معاهدة 1936م: المعاهدة البريطانية المصرية لعام 1936م، هي معاهدة وقعت في 26 أغسطس 1936م بين بريطانيا ومصر في قصر الزعفرانة. وقد جاءت المعاهدة بعد إصدار بيان الحكومة بوفاة الملك فؤاد وارتقاء ابنه الملك فاروق العرش، وتمّ تعيين مجلس وصاية نظراً لصغر سنّه، ثمّ شكّل حزب الوفد الوزارة نظراً لفوزه في الانتخابات البرلمانية، وطالب بإجراء مفاوضات مع بريطانيا بشأن التحفّظات الأربعة، ولكن الحكومة البريطانية تهرّبت, فقامت الثورات وتألّفت جبهة وطنية لإعادة دستور 1923م بدلاً من دستور 1930م ولذلك اضطرت بريطانيا للتراجع، واضطرت للدخول في مفاوضات بقيادة السير مايلز لامبسون المندوب السامي البريطاني ومعاونيه وهيئة المفاوضات المصرية المصرية، ولقد اشترطت إنجلترا أن تكون المفاوضات مع كلّ الأحزاب حتّى تضمن موافقة جميع الأحزاب وبالفعل شاركت كلّ الأحزاب عدا الحزب الوطني الذي رفع شعار (لا مفاوضة إلا بعد الجلاء). وبدأت المفاوضات في القاهرة في قصر الزعفران في 2 مارس، وانتهت بوضع معاهدة 26 أغسطس 1936م في لندن. وكانت بنود المعاهدة الآتي:
1.انتقال القوّات العسكرية من المدن المصرية إلى منطقة قناة السويس، وبقاء الجنود البريطانيين في السودان بلا قيد أو شرط.
2.تحديد عدد القوّات البريطانية في مصر، بحيث لا يزيد عن 10 آلاف جندي و400 طيّار مع الموظّفين اللازمين لأعمالهم الإدارية والفنّية, وذلك وقت السلم فقط، أمّا حالة الحرب فلإنجلترا الحقّ في الزيادة، وبهذا يصبح هذا التحديد غير معترف به.
3.لا تنتقل القوّات البريطانية للمناطق الجديدة إلا بعد أن تقوم مصر ببناء الثكنات وفقاً لأحدث النظم.
4.تبقى القوّات البريطانية في الإسكندرية 8 سنوات من تاريخ بدء المعاهدة.
5.تظلّ القوّات البريطانية الجويّة في معسكرها في منطقة القنال ومن حقّها التحليق في السماء المصرية، للطائرات المصرية الحقّ نفسه.
6.في حالة الحرب تلتزم الحكومة المصرية بتقديم كلّ التسهيلات والمساعدات للقوّات البريطانية، وللبريطانيين حقّ استخدام مواني مصر ومطاراتها وطرق المواصلات بها.
7.بعد مرور 20 عام من التنفيذ للمعاهدة، يبحث الطرفان فيما إذا كان وجود القوّات البريطانية ضرورياً، لأنّ الجيش المصري أصبح قادرا على حرية الملاحة في قناة السويس وسلامتها فإذا قام خلاف بينهما فيجوز عرضه على عصبة الأمم.
8.حقّ مصر في المطالبة بإلغاء الامتيازات الأجنبية.
9.إلغاء جميع الاتّفاقيات والوثائق المنافية لأحكام هذه المعاهدة، ومنها تصريح 28 فبراير بتحفّظاته الأربعة.
10.تحويل إرجاع الجيش المصري للسودان، والاعتراف بالإدارة المشتركة مع بريطانيا.
11.حريّة مصر في عقد المعاهدات السياسية مع الدول الأجنبية، بشرط إلا تتعارض مع أحكام هذه المعاهدة.
12.تبادل السفراء مع بريطانيا العظمى.
2- سلطان الأطرش: والمعروف باسم سلطان باشا الأطرش (1891م - 1982م) قائد وطني ومجاهد ثوري سوري درزي القائد العام للثورة السورية الكبرى 1925م، ضد الانتداب الفرنسي، أحد أشهر الشخصيات الدرزية في العصر الحديث، عرف بوطنيته وشجاعته ورفضه لتجزئة سورية.
ولد سلطان باشا الأطرش في قرية القريّا في محافظة السويداء منطقة صلد، في الجمهورية العربية السورية في العام 1891م وتوفي في 26/3/1982م، لدى عائلة الأطرش الدرزية الشهيرة. والده ذوقان بن مصطفى بن إسماعيل الثاني مؤسس المشيخة الطرشانية 1869م، كان مجاهداً وزعيماً محلّياً، قاد معركة ضارية في نواحي الكفر عام 1910م، وهي إحدى معارك أبناء الجبل ضدّ سامي باشا الفاروقي، والتي كانت تشنّها السلطنة العثمانية على جبل الدروز لكسر شوكته وإخضاعه لسيطرتها، أعدمه الأتراك شنقاً بسبب تمرده عام 1911م. أماّ والدة سلطان فهي شيخة بنت إسماعيل الثاني.
هو كبير إخوته علي ومصطفى وزيد، وله أختان سمّية ونعايم تزوّج في سن التاسعة عشر من عمره من ابنة عمّه فايز غازية، لكنّها توفّيت بعد فترة قصيرة دون أن يرزق منها أطفالاً. و بعد عودته من الخدمة الإجبارية تزوّج من ابنة الشيخ إبراهيم أبو فخر من بلدة نجران، واسمها تركية ورزق، منها جميع أولاده الذكور: طلال وفواز ويوسف وجهاد توفوا جميعاً، ومنصور وناصر وطلال والإناث: غازية، وبتلاء وزمرد وتركية ونايفة وعائدة ومنتهى.
3- القسّام: هو عزّ الدين عبد القادر مصطفى يوسف محمد القسّام (19 نوفمبر 1871م - 20 نوفمبر 1935م)، وُلِد في مدينة جبلة في محافظة اللاذقية في سوريا. ينسب إليه الجناح العسكري لحركة حماس. والده عبد القادر بن محمود القسّام. كان القسّام منذ صغره يميل إلى العزلة والتفكير. تلقّى دراسته الابتدائية في كتاتيب بلدته جبلة، ورحل في شبابه إلى مصر حيث درس في الأزهر، وكان من عداد تلاميذ الشيخ محمد عبده والعالم محمد أحمد الطوخي. كما تأثّر بقادة الحركة النشطة التي كانت تقاوم المحتل البريطاني بمصر.
ولمّا عاد إلى بلاده سوريا عام 1903 م تولّى الخطابة في جامع السلطان إبراهيم، وأقام مدرسة لتعليم القرآن واللغة العربية في مدينة جبلة. في عام 1920م عندما اشتعلت الثورة ضدّ الفرنسيين شارك القسّام في الثورة فحاولت السلطة العسكرية الفرنسية شراءه وإكرامه بتوليته القضاء، فرفض ذلك، وكان جزاؤه أن حكم عليه الديوان السوري العرفي بالإعدام. قاد أوّل مظاهرة تأييداً للليبيين في مقاومتهم للاحتلال الإيطالي، وكوّن سرية من 250 متطوعاً، وقام بحملة لجمع التبرعات.
4- القرى السبع: بعد نكبة فلسطين في العام 1948م، استمرّت الأعمال التوسّعيّة الصهيونية، فاحتلّت 17 قرية، وقد وصل لواء كرملي الإسرائيلي إلى وادي دوبا في الغرب وإلى نهر الليطاني في الشمال. وارتكب الصهاينة في بلدة حولا مجزرة ذهب ضحيّتها حوالي 81 شخصاً حسب مصادر الأهالي، لكنّ الضغوط السياسية الفرنسية فرضت على بريطانيا وبالتالي إسرائيل التراجع إلى ما سمّي بخط الهدنة. لكنّ أجزاءً واسعة من القرى السبع بقيت ضمن حدود فلسطين المحتلة، تتسع وتضيق حسب ما استقرّ عليه وضع هذه الحدود، فمن أصل 12840م دونماً في هونين، تحرّر 2900 دونم، وهذه الأراضي تتداخل مع قرى: مركبا، رب ثلاثين، عديسة، وحولا، وبقيت من أراضي قدس البالغة 1200 دونم، 200 دونم متداخلة مع أراضي: عيترون في منطقة أبو شوارب. وبالنسبة لتربيخا التي تبلغ مساحتها 35000 دونم، هناك 5000 دونم داخل الجزء المحرّر وهو يتداخل مع: راميا، عيتا الشعب، يارين، ومروحين. وكذلك الأمر بالنسبة إلى صلحا التي تبلغ مساحتها 10 آلاف دونم، هناك 444 دونما في المنطقة المحرّرة المتداخلة مع: مارون الراس، يارون وعيترون، أمّا قرية النبيّ يوشع فمساحتها 2000 دونم، لكن ليس لها أرض مشتركة مع الجوار، غير أنّ آبل القمح البالغة 17 ألف دونم، فلها 10 آلاف دونم داخل الأراضي المحرّرة، وبالنسبة للمالكية التي تقدّر مساحتها بـ 12 ألف دونم، هناك 25 دونم في الجزء المحرّر وتتداخل مع أراضي عيترون.
مزايا القرى السبع: تميّزت القرى الجنوبية السبع، والتي اختصرت هذه التسمية القرى والبلدات والمزارع المحتلة في أصبع الجليل، بموقعها الاستراتيجي، فشكّلت مركزاً أمنياً متقدّماً يحمي المستوطنات الشمالية، فهذه المنطقة تضمّ مرتفعات بالغة الأهمّية تشرف على كلّ الأراضي الجنوبية، وقد سبق لبريطانيا أن اعتمدتها في استراتيجيتها العسكرية فأنشأت على طول الحدود ثكنات عسكرية عبارة عن أبراج عالية، لمراقبة تحرّكات الثوار، ورصد أيّ عمل عسكري عربي أو غيره. وشجّعت على بناء المستوطنات الصهيونية لتكريس الاحتلال، وتحويل هذه المستوطنات إلى معسكرات لمنع تسلل المقاتلين الفلسطينيين واللبنانيين والعرب إلى فلسطين.
واحتفظ أهالي القرى الجنوبية السبع بهوية دولة لبنان الكبير، التي حصلوا عليها في العام 1920م، وحتى دخول اتفاقية نيو كومب ـ بوليه حيز التنفيذ في 30 آب/أغسطس 1924م عندما ضُمّت القرى إلى الأراضي الفلسطينية المحتلّة، إلا أنّه من الواضح أنّ هذه القرى لم تُسلخ عن لبنان رسمياً إلا بموجب اتفاق القدس بتاريخ 2 شباط/فبراير 1926م الموقع بين بريطانيا وفرنسا، والمسمّى بـ "اتّفاق الجوار" والذي تنازلت فيه الثانية للأولى عن الأراضي اللبنانية في الحولة وجوارها، وذلك مقابل منح شركة فرنسية امتياز تجفيف المستنقعات.