هو الشيخ الجليل، والعلامة الكبير، إمام الطائفة وزعيمها المطلق في عصره, نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن بن نجيب الدين يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي(1) المشهور بـ (المحقّق الحلّي). ولد في مدينة الحلة سنة (602) للهجرة على الأغلب (2)، ونشأ بها، وقرأ على مشاهير الفقهاء وأركان الشريعة فيها.
كان أفضل أهل زمانه في الفقه وأصول الشريعة، وكان مجلسه يزدحم بالعلماء والفضلاء، ممّن كانوا يقصدونه للاستفادة من حديثه، والاستزادة من علمه، خاصّة وأنّه كان مجدّداً إلى حدّ كبير في مناهج البحث الفقهي والأصولي.
• من مشايخه:
1ـ والده الشيخ حسن بن يحيى الحلّي (3).
2ـ محمّد بن جعفر المعروف بابن نما الحلّي (567 ـ 645ﻫ) (4)
3ـ محمّد بن عبد الله بن زُهرة الحسيني (565 ـ 639ﻫ) صاحب (كتاب الأربعين في حقوق الإخوان).
4ـ فخار بن معدّ الموسويّ (ت 630هـ ) صاحب كتاب (الحُجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب).
5ـ سديد الدين سالم بن محفوظ من مشايخ السيّد ابن طاووس (ت حدود 690 هـ). (5)
من تلامذته:
1ـ الحسن بن يوسف بن مطهر الحلي (648 -726 هـ)، المعروف بالعلاّمة الحلّي (ت 726هـ ) وهو ابن اخت المحقق.
2ـ الحسن بن داوود الحلي صاحب الرجال (ت 707هـ ).
3ـ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻋﺰ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ﺍﻟﻴﻮﺳﻔﻲ المعروف بالفاضل الآبي صاحب (كشف الرموز في شرح المختصر النافع).
4ـ صفي الدين محمّد بن نجيب الدين، وهو ابن ابن عم المحقق.
5ـ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي المشغرى العاملي صاحب كتاب (الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم(.
6ـ رضيّ الدين علي بن يوسف الحلّي صاحب كتاب (العُدَد القويّة لدفع المخاوف اليوميّة) أخو العلامة الحلي.
• حياته العلميّة وأقوال العلماء فيه:
كان ألسن أهل زمانه، وأقومهم بالحجة وأسرعهم استحضاراً (6)، وقد استحقّ لقب المحقّق لجهوده وإبداعه في علم الفقه. قال السيّد محسن الأمين: (كفاه في جلالة قدره اشتهاره بـ «المحقّق»، فلم يشتهر من علماء الإماميّة على كثرتهم في كلّ عصر بهذا اللقب غيره وغير الشيخ عليّ بن عبد العالي الكركي، وما أخَذ هذا اللقب إلاّ بجدارةٍ واستحقاق) (7).
وقد قدّر (للمحقّق الحلي) أن يجدّد كثيراً في مناهج البحث الفقهي والأصولي، وأن يكون رائد هذه المدرسة، ويكفي في فضله على المدرسة الفقهيّة أنّه ربّى تلميذاً بمستوى (العلامة الحلي).
-قال الشيخ يوسف البحراني: (كان محقّق الفضلاء ومدقق العلماء، وحاله في الفضل والنبالة، والعمل والفقه والجلالة، والفصاحة والشعر، والأدب والإنشاء، أشهر من أن يذكر، وأظهر من أن يسطر) (8).
- وقال تلميذه الفاضل الآبي بحقّه: (كان صدر جريدتها وبيت قصيدتها، جمال كمالها وكمال جمالها، الشيخ الفاضل عين أعيان العلماء، ورأس رؤساء الفضلاء، نجم الدين حجّة الإسلام والمسلمين أبا القاسم جعفر بن الحسن بن سعيد) (9).
ـ أمّا ابن داود الحلّي فيحدّث عنه قائلاً: (شيخنا نجم الدين، المحقّق المدقّق العلاّمة، واحد عصره، كان ألسنَ زمانه وأقومهم بالحجّة وأسرعهم استحضاراً.. له تصانيف حسنة محقَّقة محرَّره عذبة.. وله تلاميذ فقهاء فضلاء) (10)
ـ ويشير العلامة الحلّي إليه فيقول: (هذا الشيخ كان أفضلَ أهل عصره في الفقه) (11)
ـ أما الشهيد الثاني فقد صرّح قائلاً: (لا أرى في فقهائنا مِثلَه على الإطلاق) (12)
ـ وقال عنه فخر المحقّقين ابن العلاّمة الحلّي بأنه (شيخ مشايخ الإسلام) (13) .
ـ كما قال عنه الشهيد الأوّل: (فخر المذهب ومحقّق الحقائق) (14)
ـ واعتبره ابن فهد الحلّي: (عين الأعيان، ونادرة الزمان، قدوة المحقّقين، وأعظم الفقهاء المتبحّرين) (15)
ـ وكتب الشيخ علي الكَرَكي في إحدى إجازاته ذاكراً المحقّق الحلّي بقوله: (شيخ الإسلام، فقيه أهل البيت في زمانه، ناهج سبل التحقيق والتدقيق في العلوم الشرعيّة) (16)
ـ ووصفه الميرزا عبدالله الأفندي فقال: (كان محقّق الفقهاء، ومدقّقَ العلماء، وحاله في الفضل والنبالة والعلم والثقة والفصاحة والجلالة والشعر والأدب والإنشاء والبلاغة، أشهر من أن يُذكر، وأكثر من أن يُسطر) (17)
ـ وهذا الحرّ العامليّ يصفه بالقول: (حاله في الفضل والعلم، والقدر والثقة، والجلالة والتحقيق والتدقيق، والفصاحة والشعر، والأدب والإنشاء، وجمع العلوم والفضائل والمحاسن، أشهر من أن يذكر. وكان عظيم الشأن، جليل القدر رفيع المنزلة، لا نظير له في زمانه. له شعر جيد وإنشاء حسن بليغ) (18)
ـ والمحقّق التستري يقول عنه: (الشيخ الرفيع الشأن، اللامع البرهان، كشّاف حقائق الشريعة بطرائف من البيان، رئيس العلماء، حكيم الفقهاء الوارث لعلوم الأئمّة المعصومين) (19)
• آثاره العلمية:
خلف كتباً قيّمة في الفقه والأصول وغيرهما منها:
1- شرائع الإسلام ./ 2- كتاب المختصر النافع (20) اختصره من كتابه المعروف بشرائع الإسلام 3- كتاب المعتبر في شرح المختصر خرج منه العبادات إلى كتاب الحج، وذكر في أوله بعض المطالب الأصولية./ 4- كتاب نكت النهاية (حاشية على نهاية الشيخ الطوسي)/ 5- كتاب المعارج في أصول الفقه./6 ـ المسلك في أصول الدين./7 ـ مختصر مراسم سلار الديلمي في الفقه./ 8 ـ نهج الوصول إلى معرفة علم الأصول./ 9 ـ المسائل المصرية./ 10 ـ المسائل العزية./وغيرها من الكتب النافعة.
• شرائع الإسلام:
إكتسب المحقق الحلّي شهرة واسعة بمؤلفاته القيمة، فكتابه المعروف (شرائع الإسلام) هو أهم مصدر أساس لدروس الأساتذة في الفقه الاستدلالي، ولا يزال يعدّ من الكتب الدراسيّة في الحوزة حتى يومنا هذا، وإن كل من أراد أن يكتب في الفقه الاستدلالي المتعمّق كتب شرحاً عليه، حتى توفّرت للمكتبة الفقهيّة الشيعيّة العشرات من هذه الشروح أمثال:
1ـ مسالك الأفهام./ 2 ـ مدارك الأحكام./ 3ـ جواهر الكلام./ 4ـ هداية الأنام./ 5ـ مصباح الفقيه.
وكان فقهاء الشيعة، قبل عصر المحقّق الحلي يعتمدون في مصادرهم الفقهيّة على كتب الشيخ الطوسي، ولكن عندما ألّف الحلّي كتاب (شرائع الإسلام) إستعاض الفقهاء به عن مؤلفات الشيخ الطوسي، وأصبح هذا الكتاب من أهم كتبهم الدراسيّة، وظلّ الفقهاء لفترة قرن كامل لا يحيدون عنه أبداً.
• المحقق والشعر
قال الشيخ الحر العاملي: ومن شعره قولٌ كتبه إلى أبيه :
ليهنك أنّي كل يوم إلى العلا * أقدم رجلا لا تزل بها النعل
وغير بعيد أن تراني مقدّما على * الناس حتى قيل ليس له مثل
تطاوعني بكر المعاني وعونها * وتنقاد لي حتى كأني لها بعل
ويشهد لي بالفضل كل مبرز * ولا فاضل إلا ولي فوقه فضل
قال المحقق : فكتب أبي فوق هذه الأبيات : لئن أحسنت في شعرك لقد أسأت في نفسك، أما علمت أن الشعر صناعة من خلع الفقه، ولبس الخرقة والشاعر ملعون وإن أصاب، ومنقوص ولو أتى بالشيء العجاب، وكأنّي بك قد دهمك الشعر بفضيلته، فجعلت تنفق منه ما تلفق بين جماعة لا يرون لك فضلاً غيره، فسموك به، ولقد كان ذلك وصمة عليك آخر الدهر، أما تسمع:
ولست أرضى أن يقال شاعر * تباً لها من عدد الفضائل
قال: فوقف عند ذلك خاطري حتى كأنّي لم أقرع له باباً، ولم أرفع له حجاباً .
ومن شعره أيضا قوله :
هجرت صوغ قوافي الشعر من زمن * هيهات يرضى وقد أغضبته زمنا
وعدت أوقظ أفكاري وقد هجعت * عنفاً وأزعجت عزمي بعدما سكنا
إن الخواطر كالآبار إن نزحت * طابت وإن يبق فيها ماؤها أجنا
فاصفح شكرت أياديك التي سلفت * ما كنت أظهر عيبي بعدما كمنا
وقوله :
يا راقداً والمنايا غير راقدة * وغافلاً وسهام الدهر ترميه
بم اغترارك والأيّام مرصدة * والدهر قد ملا الأسماع داعيه
أما رأتك الليالي قبح دخلتها * وغدرها بالذي كانت تصافيه
رفقاً بنفسك يا مغرور إن لها * يوماً تشيب النواصي من دواهيه (21)
• وفاته:
توفى سنة (676) للهجرة، في الثالث عشر من ربيع الآخر، عن عمر يناهز الرابعة والسبعين، فتفجّع الناس لموته، واجتمع لتشييعه خلقٌ كثير، ودُفن في الحلّة، وقبره هناك يُزار ويُتبرّك به، وأخيراً عُمّر وجُدد بناؤه على يد أهل الخير من أهالي الحلة، ويقع مرقده في محلة (الجباويين) وعلى واجهة الشارع الذي يعرف باسمه شارع أبو القاسم، أو شارع المحقّق .
قال الشيخ حرز الدين: (زرناه سنة 1315هجري في العهد العثماني بالعراق وكان على قبره قبة بيضاء قديمة مائلة إلى الانهدام ،وبجنب مرقده البسيط مسجد صغير متصل به ،وقد رمم وشيد بنائه الحاج الوجيه المرحوم الحاج عبد الرزاق مرجان الحلي بعد أن أضاف إليه أرضا لتوسعته وهي اليوم ضمن عمارته القائمة وأرخ الفراغ من تعميره بالشعر كتب على واجهة الباب في سنة 1375هجري) (22)
و نَقَل الشيخ أبو علي الحائري عن إجازة الشيخ يوسف البحراني: (أنّ بعض الأجلاء رأى بخطّ بعض الأفاضل أنّ تاريخ وفاة المحقق الحلّي كان يوم الثالث عشر من ربيع الآخر سنة 676هـ، فتفجّع الناس لوفاته واجتمع لجنازته خلق كثير، وحُمل إلى مشهد أمير المؤمنين عليه السّلام بالنجف الأشرف. وسُئل عن مولده فقال سنة 602هـ، فيكون عمره أربعاً وسبعين سنةً تقريباً.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) نسبة إلى هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. مجلة ينابيع، العدد 35 – 36.
(2) مراقد المعارف، حرز الدين، ج2 ص237.
(3) كان عالماً فاضلاً ... وكذا جدّه (أي المحقق) يحيى كان عالماً محقّقاً من فقهاء عصره (رياض العلماء للميرزا عبدالله الأفندي 342:5 ـ 343، أعلام الشيعة في القرن الثامن للشيخ أقا بزرك الطهراني 43..(
(4) قيل: هو أعلم مشايخه بالفقه.
(5) يراجع: أمل الآمل 80:2، 280، والكنى والألقاب للشيخ عباس القمّي 434:1، وروضات الجنّات للسيّد محمد باقر الخوانساري 349:5، ورياض العلماء 412:2.
(6) الكنى والألقاب 134:3.
(7) أعيان الشيعة، ج15 ص278.
(8) لؤلؤة البحرين، ص227.
(9) وهو يحكي وروده إلى مدينة الحلّة في كتابه ( كشف الرموز ) ج1ص38، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
(10) رجال ابن داود 83 ـ 84.
(11) بحار الأنوار للشيخ المجلسي 62:104 ـ 63.
(12) بحار الأنوار 11:106، في إجازته لبني زهرة.
(13) بحار الأنوار 222:104.
(14) بحار الأنوار 194:104.
(15) المهذّب البارع لابن فهد الحلي 63:1.
(16) بحار الأنوار 44:105.
(17) رياض العلماء 106:1.
(18) أمل الآمل 49:2 ـ 50. ويراجع المهذّب البارع لابن فهد 312:1.
(19) المقابيس 12.
(20) للكتاب شروح عديدة، من أهمها: المهذّب البارع لابن فهد الحلّي، والتنقيح الرائع للفاضل المقداد السيوري، ورياض المسائل للسيّد علي الطباطبائي، وجامع المدارك للسيّد أحمد الخوانساري.
(21) معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، ج5، ص 31، الطبعة الخامسة1992 م.
(22) مراقد المعارف، حرز الدين، ج2ص238.