ولادته:
وُلد آية اللَّه الحاج آقا حسين الطباطبائي البروجردي في أواخر شهر صفر من سنة اثنتين وتسعين ومائتين وألف من الهجرة النبويّة - على صاحبها آلاف السلام والتحيّة - في أسرةٍ علميّةٍ وبيتِ تقوىً وورعٍ في بلدةِ "بروجرد".
قال العلّامة الطهراني خلال ترجمته له : «...إنّ أسرة السيّد البروجرديّ من أسر العلم الجليلة التي لها مكانتها السامية، فوالده وجدّه، وعمّ أبيه الميرزا محمود، وجدّ أبيه، وجدّ جدّه، وسلفه علماءٌ أجلاءٌ معاريف، لهم آثارٌ هامّةٌ، قد قاد بعضهم الحركة العلميّة». وكذا عمّ جدّه فخر الشيعة ومفخر الشريعة السيّد محمّد مهدي الطباطبائي الشهير بـ «بحر العلوم».
دراسته في بروجرد:
تربّى في أحضان والده الجليل حجّة الإسلام السيّد عليّ الطباطبائي وأسبغ عليه عنايته الخاصّة، وتعلّم القراءة والكتابة قبل اجتياز السابعة من عمره الشريف، وعندما بلغها نقله والده إلى «المكتب»، وتعلّم هناك كتب الأدب العربيّ: جامع المقدّمات، والسيوطيّ، وغيرهما، و «گلستان سعدي» في الأدب الفارسيّ. ولمّا رأى والده عدم قدرة «المكتب» على إشباع الفهم العلميّ لولده دراسةً وبحثاً؛ لما كان فيه من شدّة الذكاء، والفطنة، وحدّة الذهن، وقوة الاستعداد، نقله إلى «مدرسة نور بخش» الدينيّة، وخصّص له غرفةً خاصّةً به، وأوصى أساتذته فيها بالإشراف الخاص على تحصيله.
الرحلة إلى أصفهان وأساتذته فيها:
وقد أتمّ في هذه المرحلة العلوم العربيّة، والمنطق، وسطوح الفقه، والأصول عند المبرّزين من أساتذة حوزة "بروجرد" العلميّة آنذاك. وفي سنة 1310 هـ أرسله والده إلى حوزة أصفهان العلميّة التي كانت آنذاك من أكبر الحوزات العلميّة في إيران؛ ببركة وجود زبدةٍ من رجال الفضل والعلم فيها. وحضر درس العلامة السيّد محمّد باقر الدرچهاي، والميرزا أبو المعالي الكلباسيّ، والمير محمّد تقيّ المدرّس في الفقه والاُصول. والحكيم المتألّه جهانگير خان القشقائيّ الأصفهانيّ. والحكيم المتألّه ملّا محمّد الكاشاني المعروف بـ «آخوند كاشيّ»، وقد صرّح - طاب ثراه - بأنّ اهتمامه كان بدرس الميرزا أبو المعالي أكثر من غيره، وله إجازات اجتهادٍ منه، ومن العلّامة الدرچهاى، ومن العلّامة المير محمّد تقيّ المدرّس. بقي في أصفهان مدّة تسع سنواتٍ إلى سنة 1319 هـ، ولم يخرج منها إلّا مرّةً واحدة، ولمدّةٍ قليلةٍ، بأمر والده، حيث استقدمه للزواج سنة 1314 هـ. وقد باشر التدريس في حوزة أصفهان، ودرّس فيها شرح اللمعة، والقوانين، وحضر عنده جمٌّ غفيرٌ من الفضلاء، وقد كرّر الطلب والرجاء من والده المعظّم في أواخر أيّام إقامته في أصفهان كثيراً أن يجيزه بالسفر إلى العراق؛ لزيارة المشهد العلويّ الشريف، والارتشاف من ينبوع الحوزة العلميّة في النجف الأشرف، وكان أن أجابه إلى ذلك سنة 1319 هـ، وطلبه إلى مسقط رأسه "بروجرد" لتهيئة وسائل سفره.
أساتذته في النجف:
غادر مسقط رأسه - بعد أن لبث فيها قليلاً - قاصداً إلى رحاب بلد باب مدينة العلم النجف الأشرف، إذ أنّ الحوزة العلميّة في النجف تُعدّ بحقٍّ من أقدم الحوزات العلميّة الشيعيّة وأعظمها، وقد طوى مدارج التكامل العلميّ في عصر أستاذ المتأخّرين وفخر المحقّقين الشيخ مرتضى الأنصاريّ، وبعد رحلة الشيخ سنة 1281 هـ حمل العبء العلميّ وقوّم أركان التدريس والتحقيق فيها تلامذته الأجلّاء، وعلى رأسهم الزعيم المجدّد الميرزا حسن الشيرازيّ، ولمّا غادرها السيد الشيرازي إلى سامراء مع جل تلامذته، دارت رحى التدريس على قطب أستاذ المتأخّرين المولى محمّد كاظم الخراسانيّ، وهو لامتيازه في محاضراته الاُصوليّة ببساطة النظر في الأفكار العالية الفلسفيّة، والإيجاز في البحث بإسقاط زوائده وغضّ النظر عن التفريعات غير المجدية، ودقّته واستقامة نظره، ولأسلوبه الخاص في الفقه؛ فقد استطاع أن يكون المدرّس الأوّل في الحوزة العلميّة آنذاك على رغم وجود علمين كبيرين من الأعلام، هما الشيخ الميرزا حبيب اللَّه الرشتي والشيخ هادي الطهراني، وقد انتشر صيته العلميّ في البلاد، ودوّى اسمه في الآفاق.
وقد حضر سيّدنا المترجم في بدء وروده إلى النجف في سنة 1319 هـ حلقة درس الآخوند، وكان قد بلغ حينها السابعة والعشرين من عمره، ولازمها مدّة عشر سنواتٍ فقهاً وأصولاً، مع تردّده على درس العلّامة شيخ الشريعة الأصفهانيّ في الفقه والرجال، وقد اشترك في درس الفقيه الجليل السيّد محمّد كاظم اليزديّ صاحب العروة مدّةً، وكان أكثر ملازمته وتعلّقه بالمحقّق الخراسانيّ، وبعده بشيخ الشريعة، وقد نال منهما إجازة الاجتهاد...
العودة إلى بروجرد:
غادر سيّدنا المترجم - طاب ثراه - في أواخر سنة 1328 هـ عاصمة العلم والتقى النجف الأشرف قاصداً مسقط رأسه بروجرد لعيادة والده رحمه الله، حيث بلغه نبأ مرضه، وكان أن التحق والده بالملأ الأعلى بعد ستّة أشهر من وصوله، وهذا ما سبّب تأخّر عودته إلى النجف الأشرف؛ لأجل تكفّله وحضانته لإخوته وأخواته الأصغر منه، وفي النهاية عزم على الإقامة هناك بسبب رحيل أستاذه المعظّم المرحوم الآخوند الخراسانيّ وطالت هذه الإقامة مدّة ستّة وثلاثين سنةً.
تدريسه في بروجرد:
وكان لتكرّر رجاء جلّ أعلام الحوزة العلميّة في "قم" وفضلائها وتحقيق رغبتهم أن عزم على التوطّن في هذه البلدة المقدّسة سنة 1364 هـ. وما كان سيّدنا المعظّم - طوال أيّام إقامته في مسقط رأسه - أن يغفل عن مواكبة مساعيه العلميّة تدريساً وتحقيقاً، حيث تسنّى له تربية ثلّةٍ ممتازةٍ من الطلاب، فكانت هجرته إلى "قم" سبباً في نشوء حركةٍ علميّةٍ في الحوزة العلميّة، وأن تطوي هذه الجامعة مدارج الرقيّ العلميّ والاجتماعيّ بسرعةٍ، سائرةً سيراً حثيثاً في طريق السموّ والنضوج الفكريّ.
الرحلة إلى قم:
وكان لوفاة آية اللَّه السيّد أبي الحسن الأصفهانيّ في 9 ذي الحجّة الحرام 1365هـ.ق وفقدان المرحوم آية اللَّه الحاجّ آقا حسين الطباطبائيّ القمّي في 14 ربيع الأول 1366 هـ.ق الأثر الكبير في انتقال الزعامة الدينيّة والمرجعيّة الشيعيّة والثقل العلميّ إلى بلدة قمّ المقدّسة، وذلك ما سبّب ظهور أرضيّةٍ خصبةٍ للتطوّر الاجتماعي، والأثر الكبير في الحركة الثقافيّة والعلميّة أكثر من ذي قبل، وقد كانت حصيلة هذه النهضة العلميّة أيّام زعامته تربية وصقل مئات الفقهاء وأرباب العلم والفضل وأبناء القلم والبيان، ممّا أوجد حركةً قويّةً في التأليف والتصنيف، وبثّ معالم الدين، وإرشاد عامّة المسلمين على اختلاف طبقاتهم في أرجاء البلاد الإسلاميّة.
منهجه في البحث والتدريس:
وكان لفقيدنا الغالي مدرسةً خاصّةً وطريقةً جذّابةً في الفقه والرجال، كما كانت له رويّةٌ خاصّةٌ في الأصول، إذ كان يحذر أشدّ الحذر من ربط هذا العلم بعلومٍ أخرٍ؛ نظير الحكمة، أو إقحام مصطلحات فلسفيّة فيه، ممّا يظهر امتياز طريقته عمّا كان عليه أستاذه المعظّم المرحوم الآخوند الخراسانيّ - طاب ثراهما - إذ نجده يطرح لبانة أفكاره وعصارة تحقيقاته بشكل يفهمه كلّ أحدٍ مهما قصر في الاستعداد وقدرة الفهم؛ إذ قد طرح المباحث الأصوليّة بشكلٍ مبسّطٍ وسهلٍ، بعيدٍ عن اللّف والدوران، أو إغراق البحث بالمصطلحات المعقّدة والعبارات المغلقة، ويسعى دوماً لتبسيط الفكرة وتسهيل البحث والابتعاد عن إلقاء المباحث الّتي تقلّ ثمرتها العمليّة في المباحث الفقهيّة، مقتصراً على أقلّ ما يفي بتوضيح عبارة أستاذه صاحب «الكفاية». ولا نراه يتوسّع أو يفصّل في بحثٍ إلّا بالمقدار الّذي يعتقد أنّ له نتيجةً وثمرةً في المباحث الفقهيّة، معرضاً عمّا كان منه ذو نتيجةٍ علميّةٍ بحتةٍ، لما كان يعتقد أنّ الأصول ليس هو إلّا مقدّمةً للورود إلى الفقه، وأنّ الاجتهاد وقوّة الاستنباط فيه لا تغني الطالب عن الاستعانة ببقيّة المقدّمات، كفهم الحديث بالكيفيّة الّتي صدرت، ودرك كلمات الأصحاب خاصّة القدماء منهم، وربط ذلك بزمان المعصوم، ثمّ الوصول إلى تحصيل الأحكام المرتكزة في زمان أصحاب الأئمّة، والتتبّع والتحقيق في أسانيد الروايات والطبقات، لا بملاحظة أنظار وأقوال عدّةٍ من علماء الرجال فحسب. ومن هنا كانت أصوله - طاب ثراه - بعيدةً عن البسط، والتوسعة، والتفريعات، والتفصيلات المتداولة آنذاك في كتب الأصول، وعند أهل النظر والفضل من معاصريه، بل يمكن ادّعاء قربها إلى مذاق أساتذته في أصفهان أكثر من كونها مستوحاةً من أعاظم مشايخه في النجف الأشرف. وعلى كلٍّ، فهي نظريّاتٌ جمعت بين مدرسة أستاذه الآخوند الخراسانيّ ومدرسة أصفهان ... وبذا امتازت وتشخّصت.
وفاته ومدفنه:
وفي الثالث عشر من شهر شوّال لسنة 1380 هـ لبّى سيّدنا آية اللَّه البروجرديّ - طاب رمسه - نداء ربّه، وكان يوماً مشهوداً في تاريخ الطائفة، وحقّ له أن يكون كذلك. ودُفن بقم عند المدخل الشرقيّ للمسجد الأعظم الّذي أسّسه هو رحمه الله، وفي جوار روضة السيد فاطمة المعصومة".
آثاره العلميّة:
- ترتيب الأسانيد
- طبقات الرجال.
- جامع أحاديث الشيعة.
- حاشية على رجال الشيخ.
- حاشية على المبسوط.
- حاشية على عمدة الطالب.
- مستدرك فهرست الشيخ منتجب الدين.
- حاشية على كفاية الاُصول.
- رسالة في ترجمة جدّه الأعلى السيد محمد الطباطبائي.
- رسالة في المهور
- رسالة في منجّزات المريض
- رسالة في إرث الزوجة من العقار.
- حاشية على العروة الوثقى.
- رسالة في سند الصحيفة السجاديّة.