مولده:
كتب عن نفسه: كان مولدي يوم الثلاثاء، ثالث عشر شوّال، سنة إحدى عشرة وتسعمائة من الهجرة النبويّة ( 911 هـ ).
وهو تاريخ يشير إلى ظروف حسّاسة مرّت بها الأُمّة الإسلاميّة، أدّى فيها الشهيد الثاني دوراً مهمّاً ترك آثاره فيما بعد.
نشأته:
لا شك أنّ للبيئة أثرها، وقد نشأ هذا العالم في أُسرة علميّة فاضلة، يكفي أنّ ستّة من آبائه وأجداده كانوا من العلماء الفضلاء. وكان اجتمع لديه عاملان مهمّان نهضا به إلى تسلّق سَنام المجد.
الأوّل: الجوّ العلميّ الذي تأثّر به فبَلوَر ذهنيّته، ونمّى فيه مواهب الفقاهة والمعرفة.
الثاني: الحالة الروحيّة التي كان يتمتّع بها الشهيد الثاني منذ صباه، فقد بكّر بختم القرآن والتوجّه العباديّ. وإلى جانب هذين العاملين كانت الهجرة من وطنه طلباً للعلم سبباً آخر في ارتقائه مدارجَ المعرفة. فسافر إلى « ميس » إحدى قرى جبل عامِل في جنوب لبنان ولم يكن تجاوز سنَّ المراهقة، فأكمل دراسته المعمّقة مشفوعةً بالبحث الجادّ والمراجعة المركّزة.. فقطع مراحلَ عديدة في مدّة قصيرة وهو في شوق إلى العلم وحُسن استماعٍ لحديث الأكابر، وكان شجاعاً في ساحات الحوار والمباحثة، يُفيد ويستفيد.
فإذا بلغ الشهيد الثاني ثلاثاً وثلاثين سنةً من عمره رُزق موهبة الاستنباط الفقهي، لكنّه لم يتظاهر باجتهاده؛ لما عُرف عنه من التواضع، حتّى عُلم ذلك بعد أربع سنوات كان خلالها قد ألّف كتابه ( شرح الإرشاد ) وهو يكتم اجتهاده.
رحلاته:
مع أنّ السفر غربة وعناء، ووحشة ومتاعب ومخاطر لا سيّما في ذلك الوقت.. إلاّ أن السفر كان ممتدّاً في حياة الشهيد الثاني، يرى فيه أُنساً ونوالاً. فهو لم يُعمَّر أكثر من 54 أو 55 سنة، ولم يسافر قبل وفاته أبيه، لكنّه قضى قرابة ثلاثين عاماً من عمره في أسفار ورحلات:
1 ـ منها علميّة: درس خلالها على أفضل العلماء، ودرّس جمعاً غفيراً.
2 ـ ومنها عباديّة: تشرّف فيها بالحج والعمرة، وزيارة بيت المقدِس، وزيارة العتبات المقدّسة في النجف الأشرف وكربلاء والكاظميّة وسامرّاء بالعراق.
وكانت سفراته العلميّة إلى ميس، وكرك نوح، وجُبَع، ودمشق ومصر والحجاز وبيت المقدس والروم وحلب وأسكدار وبعلبك.. وغيرها، حتّى لم يُبق السفر من عمره إلاّ عشر سنوات قضاها مقيماً في بلاده.
قالوا فيه:
وهو تقييم نطلبه من أهل المعرفة والاختصاص، منهم:
• ابن العُوديّ، وهو تلميذه، وقد ذكر حياة أُستاذه في رسالة مستقلّة جاء فيها: كان (الشهيد الثاني) شيخ الأُمّة وفتاها، ملك من العلوم زِماماً، وجعل العكوف عليها إلزاماً.. زرع أوقاته على ما يعود نفعه عليه في اليوم والليلة، أمّا النهار ففي تدريسٍ ومطالعة، وتصنيف ومراجعة، وأمّا الليل فله فيه استعداد كامل، لتحصيل ما يبتغيه من الفضائل.
... وبالجملة، فهو عالِم الأوان ومصنّفه، ومُقرِّط البيان ومشنّفه، بتآليف كأنها الخَرائد، وتصانيف أبهى من القلائد، وضعَها في فنون مختلفةٍ وأنواع، وأقطَعَها ما شاء من الإتقان والإبداع، وسلك فيها مسلك المدقّقين، وهجر طريق المتشدّقين.
• الشيخ الحرّ العامليّ في ( أمل الآمل 85:1 ) قال:
أمره في الفقه والعلم والفضل والزهد والعبادة والورع والتحقيق والتبحّر وجلالة القَدْر وعِظم الشأن وجمع الفضائل والكمالات.. أشهر من أن يُذكر، ومصنّفاته مشهورة.. كان فقيهاً مجتهداً، ونحويّاً حكيماً متكلّماً قارئاً جامعاً لفنون العلوم، وهو أوّل مَن صنّف من الإماميّة في دراية الحديث.
• الشيخ يوسف البحرانيّ في ( لؤلؤة البحرين ص 25 )، وصفه بأنّه: عالم عامل، محقّق مدقّق، زاهد مجاهد.
• السيد مصطفى التَّفريشيّ في ( نقد الرجال ص 45 )، ذكر أنّه: كثير الحفظ، نقيّ الكلام، له تلاميذ أجلاّء، وله كتب نفيسة جيّدة.
• السيّد محمّد باقر الموسويّ الخوانساريّ في ( روضات الجنّات ) يفضّله على علماء عصره قائلاً: إنّي لم ألْفَ إلى هذا الزمان من العلماء الأجلّة من يكون بجلالة قَدْره وعِظَم شأنه وارتفاع مكانه، وجودة فهمه ومتانة عزمه، وحُسن سليقته واستواء طريقته، ونظام تحصيله وكثرة أساتيده، وطرافة طبعه ولطافة صنعه، ومعنويّة كلامه وتماميّة تأليفاته.
• الشيخ عبدالحسين الأمينيّ في كتابه ( شهداء الفضيلة ) الذي ضمّ عشرات العلماء الشهداء، ومن بينهم الشهيد الثاني، أورد الحديث حوله فقال:
شيخ الفقهاء الأجلّة، مشارك في علوم مهمّة، من: حكمةٍ وكلام وفقه وأُصول وشعر وأدب وطبيعيٍّ ورياضيّ. وقد كفانا مؤنةَ التعريف به شهرتُه الطائلة في ذلك كلّه.
مزاياه وخصائصه:
لكلّ عالِمٍ علَمٍ مزايا وخصائص انفرد بها عن غيره، وفاق بها أقرانه والمتقدّمين عليه. والشهيد الثاني جمع من هذه الخصائص والمزايا الشيءَ الكثير، بل كان عنده ما افتقر إليه الكثير من ذلك:
أوّلاً: إحاطته بثقافات عصره وآراء المذاهب الإسلاميّة كلّها. وقد تسنّى له ذلك بتواضعه وشوقه للاطّلاع العلمي النزيه، إضافة إلى رحلاته التي التقى فيها بجملةٍ من علماء المسلمين على اختلاف مشاربهم، حتّى حضر حلقات دروسهم، وأخذ عن مشايخهم إجازات عديدة بعد أن أمضى معهم بحوثاً ودراسات واعية مستوعبة في حقول الحديث والفقه وغيرهما.
وهو إلى سعة صدره كان يتمتّع بأصالته، ويتّخذ المواقف العلميّة المحكمة.
ثانياً: تفوّقه العلميّ اللاّفت، فهو رحمه الله:
• قد بلغ في بعض المجالات ما لم يبلغه الأوائل قبله.
• جمع بين دقّة الملاحظة وعمق النظر.
• ألمّ باختصاصات متعدّدة من حقول المعرفة.. فإلى إحاطته بالثقافات الإنسانية في عصره وتضلّعه في الفقه والأُصول والحديث، درس علوم: الهيئة والفلَك، والطبّ والرياضيّات، والأدب والفلسفة، واللغة والنحو والصرف والبلاغة والشعر والقراءات القرآنية. كذلك ألمّ إلمامة واسعة بالعلوم العقلية في وقته، من: منطق وكلام.
وقد حكت تآليفُه القيمّة خصوبةَ كتابته، وفيوض معرفته، وتفوّق ذهنيّته.. وهي تتجاوز الثلاثين مؤلَّفاً، نذكر أشهرها:
• الروضة البهيّة في شرح اللُّمعة الدمشقيّة ـ في مجلّدين، وهو شرح استدلالي مختصر، لم يَزَل موضع اهتمام العلماء والحوزات الدينيّة، حتّى حظي بشروح وتعليقات وإيضاحات كثيرة من قبل ذوي الاختصاص، حيث ذكر الشيخ آغا بزرگ الطهراني في ( الذريعة ) ما يقرب من تسعين شرحاً وحاشية عليه.
• مسالك الأفهام في شرح شرائع الإسلام ـ في سبعة مجلّدات كبيرة.
• تمهيد القواعد الأُصوليّة والعربيّة.
• التنبيهات العَليّة على وظائف الصلاة القلبية.
• مُنية المريد في آداب المفيد والمستفيد ـ يذكر فيه ما ينبغي للعالم.
والمتعلّم الالتزام به من الأخلاق العلميّة، وما يجب على القاضي والمفتي حين القضاء والإفتاء.
• مسكّن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد ـ ذكر فيه ما يجب على المؤمن من الصبر عند نزول الشدائد والمصائب، من فَقْد الأحبّة والأقارب والأولاد.. ثمّ اختصره في (مُبرِّد الأكباد في مختصر مسكّن الفؤاد).
• جوابات المسائل ـ ما أجاب به على ما ورده من البلدان من مسائل.
• الفوائد المليّة في شرح النَّفليّة.
• حقائق الإيمان ـ وفيه بحوث مستفيضة في معنى الإسلام والإيمان، رادّاً فيه على بعض الشبُهات.
• الدراية ـ في الحديث.
• غُنية القاصدين في معرفة اصطلاحات المحدّثين ـ وهذا لم يسبق إليه أحد.
• منار القاصدين في معرفة معالم الدين ـ يبحث فيه أسرار الأحكام الشرعيّة.
• كشف الرِّيبة عن أحكام الغِيبة ـ وهو كتاب أخلاقيّ قيمّ.
إضافة إلى: منسك الحجّ والعمرة، ورسالة في عشرة علوم، وكتاب الرجال والنسب، والاقتصاد والإرشاد.. في الأُصول العقائدية، والفروع والواجبات الفقهيّة.
ثالثاً: إلى فضيلة العلم كان للشهيد الثاني أعلى الله مقامه فضيلة طول العبادة، وفضيلة مكارم الأخلاق. يحدّثنا تلميذه ابن العُوديّ عن ذلك فيقول:
هذا.. مع غاية اجتهاده في التوجّه إلى مولاه، وقيامه بأوراد العبادة حتّى تَكِلَّ قدماه. وهو مع ذلك قائم بالنظر في أحوال معيشته على أحسن نظام، وقضاء حوائج المحتاجين بأتمّ قيام، يَلقى الأضياف بوجهٍ مُسْفر عن كرم كانسجام الأمطار، وبشاشةٍ تكشف عن شَممٍ كالنسيم المعطار.
ويستمرّ ابن العوديّ فيتحدّث عن تواضع أستاذه مع علوّ رتبته وسمّو منزلته، فيذكر أنّه إذا اجتمع بالأصحاب عَدّ نفسَه واحداً منهم، ولم يَمِل إلى تمييز نفسه بشيء عنهم. وقد شاهده ابن العوديّ نفسه ينقل الحطب لعياله في الليل على حمار، ويصلّي الصبح في المسجد، ثمّ يشتغل بالتدريس بقيّة نهاره، وأنّه كان يصرف أوقاته في الطاعات وتهذيب النفس، كما كان يصرفها في المطالعة والبحث والدرس.
رابعاً: استطاع الشهيد الثاني رضوان الله عليه أن يصلح مجتمعاً غارقاً في الجهل والفساد، فبثّ فيه الخير والنور والفضيلة، وأحيا فيه معالمَ الدين التي عَفَت آثارها، مُجدِّداً شعائر السُّنن الحنيفيّة.
ثمّ كان منه أن عَمَّر مساجد الله وأشاد بنيانها، ورتّب وظائف الطاعات فيها معظِّماً شأنها، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، مرشداً أصحابَ العبادات في مناسكهم وشعائرهم.. وإلى ذلك لم تأخذه في الله لومة لائم، ولم تُثنهِ شاهراتُ الصوارم (السيوف)، مخلصاً لله تعالى بأعماله، فتأثّرت القلوب بأقواله.
أجل.. وفي تلك الظروف القاسية، مضى الشهيد الثاني رجلاً مصلحاً للأمّة، تاركاً آثاره المباركة.
خامساً: كانت حياة الشهيد الثاني رحمه الله مُنغَّصة بالنكبات والفجائع، إضافة إلى إرهاب الظالمين في زمانه. ومع ذلك جاد قلمه بالمؤلّفات القيّمة ما عجز عنه أصحاب العيش الرغيد، والعمر السعيد. في تلك المرحلة العصيبة، كان الشهيد الثاني يتعاطى جميع مهمّاته بقلبه وبدنه، حتّى مهمّات أضيافه والواردين عليه، مضافاً إلى قيامه بأحوال أهله وعياله، مغالِباً زمانه في الخوف الذي يُهدّد بالقتل، والتستّر والاختفاء الذي لا يَسَع الإنسانَ معه أن يفكّر في مسألة بديهيّة، فضلاً عن أن يكتب تصانيفَ يَقف عليها ذوو الفِطن النبيهة.
سادساً: إنّ ما امتاز به الشهيد الثاني أيضاً هو إخلاصه لعقيدته وغَيرته على دينه، وجهاده وتفانيه من أجل الحقّ الإلهيّ.. حتّى شرّفه الله تعالى بخاتمة مباركة.
الخاتمة المشرّفة:
بالرغم من الروح الإنسانيّة والأخلاقيّة التي تحلّى بها الشهيد الثاني مع المسلمين المخالفين له في الرأي، إلاّ أنّه لم يسلم من الضغط الشديد والمراقبة الخانقة وإحاطة العيون والجواسيس بمنزله. حتّى اضطرّه ذلك إلى ترك مدينة « بعلبك » سنة 955 هجريّة والرجوع إلى بلدته « جُبَع ».
ولم يَنتهِ الحقد الدفين، فما يزال في قلوب أعدائه.. يقول الشيخ الحرّ العامليّ في ( أمل الأمل 90:1 ): ترافَعَ إليه رجُلان، فحكم لأحدهما على الآخر، فغضب المحكوم عليه وذهب إلى قاضي صيدا ( الشيخ معروف ) فأرسل إلى جُبَع من يطلبه، وكان الشهيد الثاني مقيماً في بستان متفرّغاً لتأليف كتابه ( اللُّمعة الدمشقيّة ).. فقال أهل البلدة للمبعوث: قد سافر عنّا مدّة. فخطر ببال الشيخ أن يسافر إلى الحجّ قاصداً الاختباء من السلطة الحاقدة، فسافر متنكّراً.
حينها كتب قاضي صيدا إلى سلطان الروم أنّه قد وُجِد ببلاد الشام رجلٌ مُبدع خارج عن المذاهب الأربعة، فأرسل السلطان رجلاً في طلب الشهيد الثاني يأتيه به حيّاً؛ ليجمع بينه وبين علماء بلاده في مباحثة يطّلعون من خلالها على مذهبه، فإذا أُخبر السلطان حَكمَ عليه بما يقتضيه مذهبه. فرجع الرجل يخبر السلطان أنّ الشيخ توجّه إلى مكّة، فذهب في طلبه مجتمعاً معه في الطريق، فقال الشيخ له: تكون معي حتّى نحجّ بيت الله، ثمّ افعَلْ بي ما تريد. فرضي الرجل بذلك.
فلمّا فرغ الشهيد الثاني من الحجّ سافر مع الرجل المبعوث إلى بلاد الروم، فلمّا وصل إليها سُئل المبعوث عن الشيخ فقال: رجل من علماء الشيعة الإماميّة، أُريد أن أُرسله إلى السلطان، فقال له رجل: أوَ ما تخاف أن يُخبَر السلطان بأنّك قد قصّرت في خدمته وآذيتَه، وله هناك أصحاب يُساعدونه، فيكون سبباً لهلاكك ؟ بل الرأي أن تقتله وتأخذ برأسه إلى السلطان !
فما كان من المبعوث إلاّ أن غَدَر بالشيخ فقتله في مكانه من ساحل البحر، ناكثاً معه عهده. وكان هناك جماعة من التركمان، فرأوا تلك الليلة أنواراً تنزل من السماء وتصعد، فدفنوه هناك وبنوا عليه قبّة. فيما أخذ الرجل المبعوث رأس الشيخ الشهيد الثاني إلى السلطان، فأنكر عليه السلطان قائلاً: أمرتك أن تأتيني به حيّاً فقتلتَه! ثمّ أمر بقتله.
وقد كانت شهادته رضوان الله عليه سنة 965 هجريّة، عن عمرٍ مبارك لم يتجاوز الرابعة والخمسين أو الخامسة والخمسين عاماً. فرثاه جمع من الفضلاء، أبرزهم تليمذه ابن العُوديّ قائلاً:
هـذي الـمنازلُ والآثـار والطُّلَلُ مُـخـبِّراتٌ بأنّ الـقـوم قد رَحَـلوا
سـاروا وقد بَعُدَت عنّا منازلُهـم فـاليومَ لا عِـوَض عنـهم ولا بَـدَلُ
فَسِرتُ شرقاً وغرباً فـي تـطلّبِهم وكلّما جِئتُ رَبْعاً قيل لي: رَحَـلـوا!
فحين أيقنتُ أنّ الـذكرَ مـنقطـعٌ وأنّه ليس لـي في وصـلِهـم أمـلُ
رَجَعتُ والعَينُ عَبرى والفؤاد شَجٍ والحزن بي نازلٌ والصـبر مُرتَحِـلُ
وعايَنت عينيَ الأصحاب في وَجَلٍ والعينُ منهم بمِيلِ الحُزنِ مُـرتَـحـِلُ
وعايَنتْ عينيَ الأصحابَ في وَجَلٍ والعينُ منهم بمِيلِ الحُزنِ تـكـتـحِلُ
فقلتُ: ما لكُمُ لا خـاب فأْلُـكـمُ قد حال حالُكمُ والضُّرُّ مـشـتـمِلُ ؟!
هل نالَكم غيرُ بُعد الإلْفِ عن وطنٍ ؟ قالوا: فُجِعْنا بزَين الـديـن، يا رجُلُ
أتى مِن الرومِ ـ لا أهلاً بمَقْدمهِ ـ نـاعٍ نَـعاهُ.. فـنارُ الحُزنِ تـشتعلُ
لمّا سَمعتُ كلامَ القوم خـامَرَنـي وَجدٌ.. وحَلَّ بقـلبـي المُبتلى وجَـلُ
وصـارَ حُزني أنيسي والبُكا سَكَني والنَّوحُ دأبي ودمـعُ العَينِ مُـنهـمِلُ
قـد كـنتُ أمَّلتُ آمالاً أُسَرُّ بـها فخابَ ظنّي وقد ضـاقـت بيَ السُّبُلُ
لكنْ تسلّت همـومـي مُذْ رأيتُهـمُ في النومِ في جَنّةِ الفِرَدوسِ قد نزلوا
مُنعَّمينَ مع الأصحـابِ قـاطبـةً في جَنّة الخُلـدِ.. لا بُؤسٌ ولا وجَلُ
هذا.. وحُزني عليهم لا انقضاء لَهُ حتّى أراهُم عَـيـاناً حـيثما نَزَلـوا