اسمه:
أبو جعفر محمد بن محمد بن الحسن الطوسي المعروف بالمحقق الطوسي وبالخواجة نصير الدين الطوسي الحكيم الفيلسوف أستاذ الحكماء والمتكلمين.
ولادته ووفاته
وُلد في طوس، واختلف في سنة ولادته، ولكن غالبية المؤلفين على أنه ولد سنة 597، وتوفي في بغداد يوم الغدير سنة 672، ودفن عند الكاظمين.
أقوال العلماء في حقه
قال بروكلمن الألماني: هو أشهر علماء القرن السابع، وأشهر مؤلفيه
إطلاقاً.
وفاضل جلبي في مقدمة "كشف الظنون" حين يصف المؤلفين المعتبرين يجعل المحقق الطوسي رأس سلسلتهم.
ويقول عنه ابن عربي في كتاب "مختصر الدول": حكيم عظيم الشأن في جميع فنون الحكمة كان يقوي آراء المتقدمين ويحل شكوك المتأخرين والمؤاخذات التي وردت في مصنفاتهم.
وقال العلامة الحلي: كان هذا الشيخ أفضل أهل زمانه في العلوم العقلية والنقلية. وقال عنه في موضوع آخر: هو أستاذ البشر والعقل الحادي عشر.
وعده الصفدي في شرح "لامية العجم" من الرجال الذين لم يصل أحدٌ إلى رتبتهم في فن المجسطي.
دراسته
درس في صغره علوم اللغة من نحو، وصرف، وآداب بعد دراسته القرآن، ثم بتوجيهٍ من أبيه درس الرياضيات على كمال الدين محمد المعروف بالحاسب، ثم درس الحديث والأخبار، وتوسع في دراسة الحديث على أبيه، كما درس عليه الفقه، ودرس المنطق والحكمة على خاله، وفي خلال هذه الفترة أتقن علوم الرياضيات من حساب وهندسة وجبر ، وكان لا يزال في مطلع شبابه.
ويقول هو عن نفسه: أنه بعد وفاة والده عمل بوصيته في الرحيل إلى
أي مكانٍ يلقى فيه أساتذة يستفيد منهم. وكانت نيسابور في ذلك العهد مجمع العلماء ومنتجع الطلاب، فسافر إليها، وقضى فترةً ظهر فيها نبوغه وتفوقه، وصار فيها من المبرزين المشار إليهم بالبنان.
الغزو المغولي الأول
وفي خلال وجوده في نيسابور زحف المغول زحفهم الأول بقيادة جنكيز حاملين الدمار والموت، فاجتاحوا فيما اجتاحوه بلاد خراسان وانهزم أمامهم السلطان محمد خوارزم شاه، وانهارت بعده كل مقاومة وتساقطت المدن واحدة بعد الأخرى، وساد القتل، والخراب، والحريق، وفر الناس هائمين على وجوههم: بعضٌ إلى الفلوات، وبعضٌ إلى المدن البعيدة، وبعضٌ إلى القلاع الحصينة، ومن لم يستطع شيئاً من ذلك انطلق لا يدري أية ساعةٍ يأتيه الموت.
صمود الإسماعيليين
والقوة الوحيدة التي حيل بينها وبين المغول فقط هي قلاع الإسماعيليين حيث صمدت هذه القلاع سنوات ولم تستسلم، بينما كانت باقي مدن خراسان - ومنها نيسابور - قد عادت يبابا في أيدي المغول.
الطوسي عند الإسماعيليين
في هذا البحر المخيف والمحنة الرائعة كان الطوسي حائراً لا يدري أين يلجأ ولا بمن يحتمي، وكان المحتشم ناصر الدين عبد الرحيم بن أبي منصور متولي قهستان قد وُلي السلطة على قرع الإسماعيليين في خراسان من قبل علاء الدين محمد زعيم الإسماعيليين آنذاك، وكان ناصر الدين هذا من أفاضل زمانه وأسخياء عهده، وكان يعتني بالعلماء والفضلاء، وكانت شهرة الطوسي قد وصلت اليه وعرف مكانته في العلم، والفلسفة، والفكر، وكان من قبل راغباً في لقياه فأرسل يدعوه إلى قهستان، وصادفت الدعوة هوى في نفس المدعو الشريد ورأى أنه وجد المأمن الذي يحميه فقبل الدعوة وسافر إلى قهستان.
وإذا كان الطوسي قد حمد الحمى في قهستان فإن ناصر الدين كان أشد حمداً، إذ اعتبر وجود الطوسي عنده مغنماً، أي معنم فاستقبله بإجلال، وكان يسعى جهده في ارضائه وتلبية رغباته، مستفيداً دائماً من عشرته ومجالسته.
ومضى الزمن سريعاٌ والطوسي مقيم عند المحتشم ناصر الدين وطالت اقامته هناك معززاً مكرماً يقضي وقته بالمطالعة، والكتابة، والتأليف.
وبلغ علاء الدين محمد زعيم الإسماعيليين نزول الطوسي على واليه ناصر الدين، وعرف مقدار ما يستفيد من معارفه فطلبه منه فلم يكن مناص للطوسي من إجابة الدعوة، فمضى ناصر الدين يصطحب الهدية
العظيمة إلى زعيمه علاء الدين في قلعة ميمون در، فاستقبله الزعيم الإسماعيلي استقبالاً يتّفق ومنزلته واستبقاه لديه معززا مكرماً.
ثم انتهت حياة علاء الدين قتلاً بيد أحد حجّابه، فتولى أمر الإسماعيليين بعده ابنه الأكبر ركن الدين خورشاه، وظل الطوسي مع
ركن الدين في قلعة الموت حتى استسلام ركن الدين للمغول في حملتهم الثانية بقيادة هولاكو.
الغزو المغولي الثاني
كان الغزو المغولي الثاني بقيادة هولاكو أشد ضراوةً من الغزو الأول، والقلاع الإسماعيليّة التي صمدت في وجه جنكيز لم تستطع الصمود في وجه هولاكو، فكان أن أسرع ناصر الدين مستجيباً لدعوة التسليم التي دعاه إليها هولاكو فسلّم ثم والى هولاكو
أما هولاكو فقد أنهى الأمر بعد حينٍ بقتل ركن الدين ومن معه واستثنى من ذلك الطوسي والطبيبين موفق الدولة ورئيس الدولة، إذ أنه كان عارفا بمكانة الطوسي العلمية والفكرية ، وعارفا كذلك بمكانة الطبيبين، فاحتفظ بالثلاثة وأمر بضمهم إلى معسكره ووجوب ملازمته.
مع هولاكو
أصبح الطوسي في قبضة هولاكو ولم يعد يملك لنفسه الخيار في صحبته فعزم منذ الساعة الأولى أن يستغل هذا الموقف لانقاذ ما يمكن انقاذه من التراث الإسلامي المهدّد بالزوال، وأن يحول دون اكتمال الكارثة النازلة والبلاء المنصب، وقد استطاع بحنكته أن ينفّذ خطته بحزمٍ، وتضحيةٍ، وإصرارٍ، وقد بلغ من أحكام أمره وترسيخ منهجه أن الدولة التي أقبلت بجيوشها الجرارة لتهدم الإسلام وتقضي على حضارته انتهى أمرها بعد حين إلى أن تعتنق هي نفسها الإسلام ويصبح خلفاء جنكيز وهولاكو الملوك المسلمين!...
وفاته
يفهم مما ورد في الكتاب الذي ظُن أنه كتاب الحوادث الجامعة، وهو يسرد حوادث سنة 672 أن أباقا خان جاء في هذه السنة إلى بغداد لقضاء فصل الشتاء فيها يصبحه الأمراء، ورجال الجيش، والخواجة نصير الدين الطوسي، فلما انقضى الشتاء رجع الملك إلى عاصمته الصيفيّة، وبقي الطوسي في بغداد يتفقد الأوقاف وينظمها، ويعين رواتب الفقهاء، والمدرسين، والصوفية إلى أن أدركه الأجل تلك السنة.
مؤلفاته
كتب ما يناهز مائة وأربعة وثمانين مؤلفاُ ما بين كتبٍ، ورسائلَ، وأجوبة مسائل في فنون شتى، نعدد منها ما يلي:
في الرياضيات: تحرير اقليدس - الرسالة الشافية عن الشك في الخطوط المتوازية - تحرير المجسطي - كشف القناع عن أسرار شكل القطاع - تحرير مانالاوس ¬- تحرير ثاوذوثيوس - ....
في الأخلاق: ديباجة الاخلاق الناصرية - خاتمة الأخلاق الناصرية - أوصاف الاشراف - ترجمة الأخلاق الناصريّة.
في التفسير: تفسير سورة الإخلاص والمعوذتين - تفسير سورة العصر.
في التاريخ: واقعة بغداد.
في الفقه: جواهر الفرائد.
في الجغرافيا: الصبح الكاذب.
في الطب: تعليقة على قانون ابن سينا - جواب في رفع التناقضي في أقوال حنين وابن سينا.
في التربية والتعليم: آداب المتعلمين.
في المنطق: أساس الاقتباس - تجريد المنطق - تعديل المعيار في نقد تنزيل الأفكار - المقولات.
في الفلسفة والحكمة: شرح الإشارات - رسالة إثبات الجوهر المفارق - رسالة في العلم الاكتسابي واللدني - رسالة بقاء النفس بعد فناء الجسد - رسالة في النفي والإثبات - الرسالة النصيرية - رسالة في العقل - العلل والمعلومات - ربط الحديث بالقديم.
في علم الكلام: تجريد العقائد - قواعد العقائد - الفصول النصيرية - تلخيص المحصل - مصارع المصارع - رسالة في الجبر والاختيار - رسالة الجبر والقدر - الرسالة الاعتقادية - رسالة في الإمامة - إثبات الواجب - الابتداء والانتهاء - رسالة في أصول الدين - رسالة في العصمة - روضة القلوب - روضة التسليم - رسالة السير والسلوك - معرفة النفس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: السيد محسن الأمين: أعيان الشيعة، ج9، ص414 – 420. (بتصرف).