السبت 23 تشرين الثاني 2024 الموافق لـ 13 جمادى الاولى 1446هـ

» قراءات ومـــراجعــات

محنة الأمم

  
                                                                          الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر

المحنة في المفهوم القرآنيّ1

إنّ المفهوم القرآنيّ عن المحنة ـ أيّ محنةٍ ـ يؤكّد أنّ الجماعة الممتحنة تتحمّل مسؤوليّة وقوع هذه المحنة. يقول القرآن الكريم ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾2، ما يشير إلى أنّ هذا الفساد الذي يظهر في البرّ والبحر هو نفس ذاك العمل الذي قدّمه الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون. فالمحنة هي في الواقع تجسيدٌ بشكلٍ مريرٍ للأعمال المسبقة التي قامت بها الجماعة الممتحنة، وهي في نفس الوقت موعظةٌ ونذيرٌ من الله سبحانه.

تحليل جوانب المحنة
أيّ محنةٍ تمرّ بالإنسان المسلم لها جانبان: جانبٌ موضوعيّ وجانبٌ ذاتيّ.
الجانب الموضوعيّ: أقصد به مجموعة الظروف والملابسات والعوامل الخارجيّة التي أدّت إلى تكوين هذه المحنة، ووضعها بين يدَي هذا الإنسان الممتحن، أو هذه الجماعة الممتحنة 3.
والجانب الذاتيّ للمحنة: أقصد به دور هذا الإنسان الممتحن، وموقفه من المحنة، بعد وقوعها وقبل وقوعها.

دراسة الجانب الذاتيّ للمحنة 4
ولهذا حيث إنّ كلّ محنةٍ لها جانبها الموضوعيّ وجانبها الذاتيّ، فلا بدّ للممتحنين جميعاً ـ بالإضافة إلى التفكير في الجانب الموضوعيّ الذي تتولّى التفكير فيه الجهات المسؤولة عن تلك المحنة ـ من أن يفكّروا في الجانب الذاتيّ من المحنة أيضاً، أن يعيشوا المحنة كعمليّة تطهيرٍ لأنفسهم، وتزكيةٍ لأرواحهم، وتصميمٍ على التوبة من التقصيرات المتراكمة المتلاحقة، التي عاشوها عبر حياتهم العمليّة والعلميّة، هذه التقصيرات التي قد لا يُحَسّ بكل واحدٍ منها على حدةٍ، لكنّها حينما تتراكم، تتحوّل إلى فتنةٍ تأكل الأخضر واليابس، وتأكل من ساهم ومن لم يساهم، تأكل من قصّر ومن لم يقصّر، تأكل الحسين سلام الله عليه 5 .

إذاً، فدرسُ هذا الجانب الذاتيّ واختبار نفوسنا ـ ونحن نواجه محنةً ـ واختبار مشاعرنا تجاه المحنة بعد وقوعها، واختبار أعمالنا التمهيديّة التي مهّدت لهذه المحنة... هذا الاختبار عملٌ ضروريّ آنيّ يجب أن لا يشغلنا عنه الألم، يجب أن لا ننشغل بالألم أو بالإنفعالات العاطفيّة عن حسابٍ مريرٍ من هذا القبيل.

ونحن كيف يمكن أن نترقّب فرجاً من الله، أن نترقّب رحمةً من الله تعالى، إذا كنّا لا نتفاعل مع النذر التي يريد الله تبارك وتعالى أن يميز فيها الخبيث من الطيّب، ويريد بها أن يفتح أمامنا أبواب التوبة من جديدٍ، وأبواب التطهير من جديدٍ؟

إذا شئنا أن نرجو من الله تعالى رجاءً حقيقيّاً، أن نرجو منه الرحمة والإمداد والعون على مواصلة الصبر والثبات ومواصلة الخطّ... فأوّل شروط ذلك، أن نتجاوب مع هذه النذر، ونعيش مع الله، لنقرأ من جديدٍ صفحات حياتنا وأعمالنا وما قدّمنا وما أخّرنا.

أولاً: مشاعرنا تجاه المحنة
لا بدّ قبل كلّ شيءٍ من أن ننظّف هذه المشاعر، وأن نجعل مشاعرنا تجاه المحنة مشاعر صحيحةً وإسلاميّة، تنبض بالغيرة على الإسلام لا بالغيرة على مصالحنا الخاصّة، وبالغيرة على الوجود الكليّ لهذا الكيان، لا بالغيرة على هذا الوجود وذاك الوجود، لأنّنا ما لم ننظّف هذا الشعور، ونحن في غمرة الامتحان القاصي والمرير، ما لم نستطع على أقلّ تقدير أن ننتصر في معركة تغيير هذا الشعور، وفي معركة إيجاد شعورٍ نظيفٍ تجاه هذا الامتحان، ما لم نستطع أن نغيّر هذا القدر الضئيل من نفوسنا... كيف نطمع أن نبني أنفسنا ككلّ؟ وكيف نطمع أن نبني المسلمين ككلّ؟ إذ، منطلق الحديث هو هذا الشعور الذي يواجه الإنسان الممتحن تجاه محنته، كيف يكون هذا الشعور؟

كثيراً ما نجد محنةً، وتولّد المحنة مشاعر متعدّدةً، وبالرغم من وحدة المحنة تختلف المشاعر في درجاتها ومستوياتها تبعاً لاختلاف التصوّر والتفكير، ولاختلاف الروحيّة والاتجاه. واختلاف الشعور يؤدّي لا محالة إلى اختلاف الموقف الذي يتّخذه الممتحن تجاه محنته، إذ تبعاً لنوعيّة الشعور سوف يتّخذ الموقف المطلوب وفقاً لذلك الشعور.

درجات الشعور تجاه هذه المحنة
الدرجة الأولى: قد يكون شعور بعض الناس إزاء هذه المحنة أنّ هذه المحنة كلّفته ولده، كلّفته أخاه، كلّفته صديقه، لأنّه أُخذ أخوه أو أُخذ أبوه أو أُخذ صديقه إلى المعركة فقُتل. قد يعيش هذه المحنة على هذا المستوى، هذا هو الشعور الشخصيّ المحدود بالمحنة. وموقفه إزاء هذا الشعور أن يُهرّب أخاه أن يُهرّب أباه، أو أن يتهرّب من واجبات القانون حتّى لا ينخرط في مأساةٍ من هذا القبيل، ولا يرى له واجباً من وراء ذلك.

الدرجة الثانية: حيث يتعمّق هذا الشعور أكثر فأكثر، فيكون شعوره إزاء المحنة إقليميّاً على أساس أنّ أبناء البلد الواحد يتصارعون ويتنازعون فيما بينهم، وهذا الشعور والإنفعال الإقليميّ تجاه المشكلة يؤدّي إلى اتخاذ موقفٍ أوسع من الموقف الأوّل، إلى موقفٍ يفكّر فيه في كيفيّة إعادة الصفاء والسلام إلى أبناء البلد الواحد.

الدرجة الثالثة: قد يكون شعوره أعمق من هذا وذاك، قد يشعر بإزاء المحنة أنّ هذه المحنة هي نتاج عدم تطبيق شريعة الله تعالى على هؤلاء المسلمين. إنّ عدم تطبيق شريعة الله عليهم هو الذي أدّى إلى تعميق التناقض بين الأخ وأخيه، حتّى ولّدت مشكلة بين هذا وذاك، وتصارع الكرديّ والعربيّ. حينئذٍ هذا الشعور سوف يولّد موقفاً يختلف عن الشعور السابق الإقليميّ والشعور الأسبق الشخصيّ، سوف يجعله هذا الشعور يحمل همّ الشريعة ويصل إلى السبب الحقيقيّ لهذا التوتّر.

الشعور بالدعة والإستقرار بعد وفاة الرسول
وأمّا حينما نعيش شعورنا وغضبنا وألمنا لله لا لأنفسنا، حينما نشعر بأنّ المحنة ليست هي أنّنا فقدنا حياة الإستقرار والطمأنينة، عندها نعيش حياة الكفاح والجهاد، لا حياة الدعة والإستقرار. متى كنّا نعيش حياة الإستقرار والطمأنينة منذ تُوفّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟!

منذ وقعت تلك المصيبة العظيمة، حينما خلّف القائد الأعظم أمّةً بناها بجهده وتضحياته وسهره في آناء الليل وأطراف النهار، حينما ترك هذه الأمّة وهي بعد في بداية الطريق تواجه ألوان العواصف والمِحَن والمشاكل، منذ تلك اللحظة لم يعش الإنسان المؤمن حياة الإستقرار. ألم يصف الأمير عليه السلام الفتنة التي وُجدت وولدت عقيب وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  بأنّها "الفتنة التي يشيب فيها الوليد"؟ فهل تكون حياة يشيب فيها الوليد هي حياة الإستقرار والطمأنينة؟

لكنّ الفرق هو أنّ هناك من الناس من لا يحسّ بفقدان الإستقرار، الإستقرار غير موجودٍ ولكن لا يحسّ بفقدان الإستقرار، ولا يدرك أنّه لا إستقرار إلا حينما تمسّه النار.إنّ الواقع لم يتغيّر ولم يختلف منذ مئات السنين. حياة الإستقرار والدعة غير موجودةٍ لشخصٍ يحمل الهموم التي كان يحملها ذلك القلب الكبير، قلب الإمام عليّ عليه السلام الذي قال إنّ الفتنة يشيب فيها الوليد. الشخص الذي يعيش تلك الهموم لا يجد في الدنيا حياة الإستقرار والدعة، بل هي حياة العناء

والمسؤوليّة، حياة الكفاح والجهاد لا حياة الدعة والإستقرار مهما توفّرت أمامه أسباب الرخاء بحسب الظاهر.

الامتحان يمسّ كيان الصروح العلميّة
نحن كنّا قد فقدنا حياة الدعة والإستقرار منذ عصف القدر بنبيّن صلى الله عليه وآله وسلم . ولئن كان بعضنا يشعر مؤقّتاً بالدعة والإستقرار فهذا لأنّه لم يعش تلك الهموم، لأنّه لم يكن مع الناس، لأنّه لم يكن على مستوى المسؤوليّة. إذاً فلا دعة ولا إستقرار. نحن لم نخسر دعةً واستقراراً وإنّما امتحنّا في كيان، امتحنّا في والذي ورثناه منذ مئات السنين، هذا الكيان الذي بُذل في سبيله من جهود سلفنا الصالح الطاهر من أصحاب الأئمّة  عليهم السلام  ومن أجيال الفقهاء بعد ذلك جيلاً بعد جيلٍ.

بُذل في سبيل هذا الكيان وتدعيمه وتطويره وتنميته وجعله مشعلاً للإسلام في كلّ أرجاء العالم الإسلاميّ... من الدم الطاهر والوقت الطاهر والعمر الطاهر ما امتلأ به تاريخ سلفنا الطاهر. المشكلة هي مشكلة هذا الكيان.
إذاً فليست المشكلة مشكلة هذا الفرد أو ذاك الفرد، إنّما هي مشكلة هذا الوجود الكليّ لكلّ هؤلاء الأفراد. وهذا الكيان ـ كما قلت ـ ليس كياناً قد وصل إلينا مجّاناً حتّى نستطيع أو حتّى يجوز لنا ـ بمبرّرات الهزيمة النفسيّة ـ أن نسلّمه بسهولةٍ، وأن ننسحب عنه باختيارنا، وأن نضيّعه بأنفسنا... وإنّما هو كيانٌ وصل إلينا عبر تاريخٍ مليءٍ بالتضحيات وبالعمل الصالح والجهاد الصالح. هذا هو الكيان، الذي تسرّبت في كلّ أرجائه الآلام التي عاشها محمّد بن أبي عمير في سبيل إنشاء هذا الكيان ومئات من أمثال محمّد بن أبي عمير من أصحاب الأئمّة  عليهم السلام ، الذين عاشوا ألوان المحنة والاضطهاد وألوان البلاء في سبيل ترسيخ هذا الكيان.

ثانياً: محاسبة النفس
كلّ واحدٍ منّا يجب أن يحاسب نفسه قبل أن يدخل إلى محاسبة الآخرين. يجب أن يتأمّل في آلامه، في انفعالاته النفسيّة، هل هي انفعالات لله أو انفعالات لمصالحه؟ إذا كانت انفعالاته لمصالحه فيجب أن لا يرجو من الله شيئاً، يجب أن لا يرجو من الله حتّى الثواب، لأنّه هو يتألّم لنفسه لا يتألّم لله، فلماذا يثيبه الله؟ على ماذا يثيبه الله؟ سوف يكون محروماً حتّى من الثواب الآجل فضلاً عن الفرج. أمّا إذا كان ألمه لله حقيقةً، إذا كان انفعاله لله حقيقةً، فحينئذٍ سوف يكون أوسع نفساً، سوف يكون أوسع أفقاً، سوف ينظر إلى كلّ العالم الإسلاميّ، إلى كلّ المسلمين، إلى كلّ المشاكل نظرةً واحدةٍ.

هذه المرجعيّة الموجودة اليوم ابتُليت بمصائب كثيرةٍ قبل اليوم، ابتُليت بمِحَنٍ كبيرةٍ، ابتُليت بمِحنةٍ كبيرةٍ قبل بضع سنوات! لكن انظروا هل إنّ التفاعل مع تلك المِحَن والمصائب التي ابتُليت بها المرجعيّة وابتُلي بها الكيان الموجود اليوم كان بدرجةٍ واحدةٍ؟!

إنّ الشخص الذي يعيش لله يجب أن يتفاعل مع كلّ هذه المصائب، مع كلّ هذه المِحَن التي يُبتلى بها هذا الكيان بدرجةٍ واحدةٍ وبنحوٍ واحدٍ سواءً أكانت النار موجّهةً إلى جهةٍ مباشرةٍ أم موجهةً إلى أخيه أم موجهةً إلى أخيه الآخر.

إنّ تفاوت درجات الانفعال واختلاف موقف الإنسان تجاه هذه المِحَن يجب أن يعالجه كلّ إنسان منّا في نفسه لكي يعيش لله.

الأرضيّة النفسيّة لأساليب العمل
أريد أن أتحدّث عن الأرضيّة النفسيّة لهذه الأساليب، فإنّ منطلق المصيبة والمحنة هو تلك الأرضيّة النفسيّة التي عشناها طيلة الزمن الذي تقدّم وسبق هذه المِحَن، هذه الأرضيّة النفسيّة لم تكن أرضيّةً نفسيّةً صالحةً لكي تنشأ ضمنها أساليب العمل الصالحة ولكي تؤتي هذه الأساليب ثمارها.

هذه الأرضيّة النفسيّة التي عشناها، والتي كانت ولا تزال تساهم في خلق المشاكل في طريقنا، وفي تكوين المِحَن في وجوهنا، أستطيع أن أرجعها بالتحليل إلى عاملين نفسيّين أساسيّين وهما مرتبطان كلّ الارتباط فيما بينهما.

أحد العاملين: هو عدم الشعور التفصيليّ بالارتباط بالله تعالى.
والعامل الآخر: هو أن الأخلاقيّة التي كنّا نعيشها ليست أخلاقيّة الإنسان العامل، بل هي أخلاقيّة إنسان آخر لا يصلح للعمل الحقيقيّ.
وإذا كنّا نريد أن نستفيد من هذه المحنة، وإذا كنّا جادّين في الحساب، فلا بدّ أن نرجع إلى هذين العاملين الأساسيّين لكي نستطيع أن نتيح لأنفسنا فرصة التكفير عمّا سبق بالنسبة إلى كلٍّ من هذين العاملين:

1ـ  عدم الشعور التفصيليّ بالارتباط بالله سبحانه
الجميع يعرف أنّ من ينسى الله ينساه الله، ومن ينقطع عن الله ينقطع عنه الله سبحانه وتعالى، ألم يقل الله ما مفاده "صانع وجهاً واحداً يكفك الوجوه كلّه".
نحن اليوم نرى أن الوجوه كلّها ساخطةٌ علينا متبرّمةٌ منّا وذلك لأنّنا لم نصانع وجهاً وحداً حتّى يكفينا ذلك الوجه الواحد الوجوه كلّها. نحن لم نشعر خلال حياتنا العمليّة

بأنّنا مرتبطون ارتباطاً حقيقيّاً بالله تعالى، وأنّنا مدعوّون من قبله سبحانه وتعالى إلى بذل كلّ وجودنا وإمكانيّاتنا في سبيله. حيث إنّنا لم نعش هذا الشعور، لم نصانع وجهاً واحداً، ولمّا كنّا لم نصانع وجهاً واحداً لم يكفنا الوجوه كلّها. أفضلنا وأشطرنا هو من صرف قواه وطاقاته في سبيل أن يصانع هذا الوجه، وهذا الوجه، وعمليّة مصانعة الوجوه بشكل فرديّ لا يمكن أن تؤدّي إلا إلى نتيجةٍ فرديّةٍ، وأمّا من صانع ذلك الوجه العظيم الذي بيده ملكوت السماوات والأرض فهو القادر على أن يكفيه الوجوه كلّها.

الأئمّة  عليهم السلام  بالرغم من أنّهم كانوا مضطهدين من قبل سلاطين وقتهم، وكانوا دائماً يعيشون المحنة من حكّام زمانهم، وبالرغم من أنّ أجهزة تلك الحكومات كانت كلّها تقوم على أساس الدعاية ضدّهم، وعلى أساس نشر المفاهيم المعاكسة لخطّهم، وبالرغم من أنّهم سُبّوا على منابر المسلمين ألف شهرٍ، وبالرغم من كلّ الطاقات التي بُذلت من قبل سلاطين الوقت في سبيل تمييعهم وفي سبيل فصل قواعدهم الشعبيّة عنهم... وبالرغم من كلّ ذلك نرى أن عليّ بن الحسين عليه السلام حينما يأتي ليستلم الحجر الأسود، ينفرج هؤلاء المسلمون الذين يُسبّ عليّ بن الحسين وأبوه وجدّه على منابرهم في بلادهم، هؤلاء المسلمون الذين نشؤوا ونشأ آباؤهم على سبّ الإمام وأبيه وجدّه، هؤلاء المسلمون أنفسهم ينفرجون بين يديه، بينما لم يكونوا ينفرجون أمام سلطانٍ من أولئك السلاطين الذين كان يبحث عن طريقه إلى الحجر فلا يجده. لماذا؟ لأنّ عليّ بن الحسين عليه السلام صانع وجهاً واحداً فكفاه الوجوه كلّها.

لا تقولوا إنّ الناس على دين ملوكهم، لأنّ الملوك وقتئذٍ ماذا كان موقفهم من عليّ بن الحسين عليه السلام؟ هل هشام بن عبد الملك أو عبد الملك نفسه كان مع عليّ بن الحسين عليه السلام؟ أكان يحمل مفهوماً صحيحاً أو يبشّر بمفهومٍ صحيحٍ عن عليّ بن الحسين عليه السلام؟ لكنّ الناس أنفسهم كانوا مجذوبين إلى الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام، لأنّه كان يعيش بكلّ وجوده حالة الاتصال بالله! وحالة الاتصال بالله  بالرغم من أنّها كمال للإنسان هي بحدّ ذاتها طاقةٌ للنجاح في خطّ العمل، لأنّ هذا الاتصال بالله سوف يضع قاعدةً لما سنتحدّث عنه من (أخلاقيّة الإنسان العامل)، فإنّ أخلاقيّة الإنسان العامل لا يمكن أن تتكّون عند الإنسان إلا إذا كان يعيش حالة الاتصال بالله سبحانه وتعالى عيشاً تفصيليّاً.


آثار الشعور بالارتباط التفصيليّ بالله
إضافةً إلى ذلك إنّ هذا الاتصال بالله تعالى يجعل الإنسان قادراً على أن يدعو ويترقّب من الله الاستجابة، أمّا إذا كان نسي الله تعالى أيّام رخائه، وقد ترك الله ودينه ومِحنته ومشاكل رسالته، وكان يفكّر في نفسه لا في الله... حينئذٍ كيف يمكن أن يرجو هذا الإنسان حينما يقع في مِحنةٍ أن يمدّ يده إلى السماء فيستجيب الله دعاءه؟ ولماذا يستجيب الله دعاءه؟! لماذا يستمع إلى لسان لم يلهج بذكر الله؟! وإلى يدين لم تتحرّكا في طاعة الله؟ وإلى قلبٍ لم ينبض بالحبّ لله تعالى؟

نحن لا يمكننا أن نترقّب استجابة الدعاء إلا إذا كنّا نعيش حالة الاتصال بالله وكنّا قد عبّأنا وجودنا وقِوانا بالله سبحانه وتعالى، وحينئذٍ يمكن أن نطلب من الله سبحانه وتعالى الإمداد والمعونة والتغلّب على كلّ المشاكل والمِحن.

2 ـ أخلاقيّة الإنسان العامل
والعامل الثاني: هو الأخلاقيّة. نحن أخلاقيّتنا التي نعيشها لم تكن أخلاقيّة الإنسان العامل.
هناك مظاهر أساسيّة للأخلاقيّة التي كنّا نعيشها، وهذه المظاهر هي أبعد ما تكون عن أخلاقيّة الإنسان العامل الذي يريد أن يحمل رسالة الله . هذه الأخلاقيّة لا بدّ لنا من أن نطوّرها في نفوسنا، لا بدّ لنا من أن نغيّر هذه الأخلاقيّة ونفتح بالتدريج أخلاقيّة الإنسان العامل لكي نهيّئ الأرضيّة النفسيّة التي يقام على أساسها العمل الصحيح.

أ- روح التضحية والإيثار بالمصالح الخاصّة
الأخلاقيّة التي كنّا نعيشها من نقاطها الرئيسيّة الارتباط بالمصلحة الشخصيّة بدلاً عن الاستعداد للتضحية. نحن بحاجةٍ إلى أخلاقيّة التضحية بدلاً عن أخلاقيّة المصلحة الشخصيّة، بحاجةٍ إلى أن نكون على استعدادٍ لإيثار المصلحة العامّة للكيان على المصلحة الخاصّة لهذا الفرد أو لذاك الفرد، نحن لا بدّ لنا من أخلاقيّة التضحية بالمصالح الخاصّة في سبيل المصالح العامّة، أمّا ما كان موجوداً فهو على الغالب إيثار للمصلحة الخاصّة على المصلحة العامّة. كنّا نعيش لمصالحنا وكنّا لا نعيش للمصلحة العامّة حينما تتعارض مع مصالحنا الخاصّة.

وهذه النزعة الأخلاقيّة (النزعة الأخلاقيّة التي تتّجه نحو المصلحة الخاصّة لا نحو المصلحة العامّة) تجعل القدر الأكبر من طاقتنا وقِوانا وإمكانيّاتنا في سبيل تدعيم المصالح الخاصّة أو في سبيل الدفاع عنها.

حينما تتوجّه الاتجاهات من المصلحة العامّة إلى المصلحة الخاصّة، سوف يضطرّ كلّ إنسانٍ يعيش في جوٍّ عامرٍ بهذا الاتجاه، سوف يضطرّ كلّ إنسان منهم إلى التفكير في نفسه، وإلى الدفاع عن نفسه، وإلى تثبيت نفسه، وبذلك نصرف ثمانين بالمائة من قِوانا وطاقتنا بالمعارك داخل هذا الإطار، بينما هذه الثمانين بالمائة من القوى والطاقات التي تصرف في معارك داخل هذا الإطار كان بالإمكان ـ لو أنّنا نتحلّى بأخلاقيّة الإنسان العامل، أعني بأخلاقيّة التضحية بالمصلحة الخاصّة في سبيل المصلحة العامّة ـ أن نحوّل هذه الثمانين بالمائة للعمل في سبيل الله بتدعيم الإطار ككلّ، وترسيخه، وتكديسه وتوسيعه. وبذلك ـ لو كنّا نعقل ـ لكنّا نستفيد أيضاً حتّى بحساب المقاييس العاجلة أكثر مما نستفيد ونحن نتنازع ونختلف داخل إطارٍ معرّضٍ لخطر التمزّق، داخل إطارٍ مهدّدٍ بالفناء.

إلى متى نحن نعيش المعركة داخل إطارٍ يُحكم عليه بالفناء يوماً بعد يومٍ، ولا نفكّر في نفس الإطار، ولا نفكّر في أن نتناسى مصالحنا الصغيرة في سبيل المصلحة الكبيرة؟

أخلاقيّة الإنسان العامل أو شروطها هو أن يكون عند الإنسان شعورٌ واستعدادٌ للتضحية بالمصالح الصغيرة في سبيل المصلحة الكبيرة، وهذا ما لا بدّ لنا من ترويض أنفسنا عليه.

ب- نزعة التجديد في أساليب العمل
المظهر الثاني من مظاهر أخلاقيّة الإنسان العامل هو الاتجاه إلى التجديد في أساليب العمل(نزعة التجديد في أساليب العمل). نحن عندنا (نظريّة) وعندنا (عمل).
1ـ النظريّة: هي الإسلام ولا شكّ ولا ريب في أنّ ديننا ثابتٌ لا يتغيّر ولا يتجدّد، ولا شكّ أنّ هذا الدين هو أشرف رسالات السماء وخاتم تلك الأديان الذي ارتضاه الله تبارك وتعالى للإنسان في كلّ مكانٍ وفي كلّ زمانٍ. ولهذا فالصيغة النظريّة للرسالة صيغةٌ ثابتةٌ لا تتغيّر ولا يمكن أن نؤمن فيها بالتجدّد. من الخطأ ألف مرّة أن نقول إنّ الإسلام يتكيّف وفق الزمان، الإسلام فوق الزمان والمكان لأنّه من وضع الواضع الذي خلق الزمان والمكان، فقد قدّر لهذه الرسالة القدرة على الامتداد مهما امتدّ المكان والزمان.
الصيغة النظريّة للإسلام صيغةٌ ثابتةٌ فوق التجدّد وفوق التغيّر. لا بدّ لها هي أن تحكم كلّ عوامل التغيّر وكلّ عوامل التجدّد لا أن تحكم عوامل التجدّد والتغيّر الرسالة وتحكم الإسلام، بل الإسلام يحكم كلّ عوامل التجدّد. هذا واضحٌ على مستوى النظريّة ولا بدّ أن يكون واضحاً عندنا جميعاً.

2ـ وأمّا العمل في سبيل هذه النظريّة: ففي أساليب العمل الخارجيّ كانت لدينا حالةٌ، أنا استطيع أن اسمّيها "حالة النزعة الاستصحابيّة" ، فكنّا نتّجه دائماً إلى ما كان ولا نفكّر أبداً في أنّه هل بالإمكان أن يكون أفضل ممّا كان؟ وهذه النزعة الاستصحابيّة إلى ما كان والحفاظ على ما كان يجعلنا غير صالحين لمواصلة مسؤوليّتن، وذلك لأنّ أساليب العمل ترتبط بالعالَم، ترتبط بمنطقة العمل، ترتبط بالبستان الذي تريد أن تزرع فيه، وهذا البستان هي الأمّة التي تريد أن تزرع فيها بذور الخير والتقوى والورع والإيمان... ليست لها حالةٌ واحدةٌ، الأمّة تتغيّر، نعم إسلامك لا يتغيّر، لكن الأمّة تتغيّر، الأمّة اليوم غير الأمّة بالأمس في مستواها الأخلاقيّ، في علائقها الاجتماعيّة، في أوضاعها الاقتصاديّة، في كلّ ظروفها، الأمّة اليوم غير الأمّة بالأمس، وحيث إنّ الأمّة اليوم غير الأمّة بالأمس، لا يجوز لك أن تتعامل مع الأمّة اليوم كما تعاملت مع الأمّة بالأمس، أنت اليوم حينما تريد أن تتصّل بإنسانٍ من أبناء الأمّة في بلدٍ آخر لا تمشي على رجليك، ولا تركب حيواناً، وإنّما تركب سيارةً لكي تصل إلى هناك، يعني أنّك غيّرت أساليب عملك مع أبناء الأمّة، لماذا؟ لأنّ الأمّة تغيّرت، فحيث إنّ منطقة العمل هي الأمّة، حيث إنّك تريد أن تزرع بذورك، (بذور التقوى والورع والإيمان) في الأمّة... لهذا يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الظروف والتغيّرات والتصوّرات التي توجد في الأمّة، هذه التصوّرات والتغيّرات التي توجد في الأمّة، تحدّد لنا أساليب العمل، وليس بالإمكان أن يكون هناك أسلوبٌ واحدٌ يصدق على الأمّة اليوم، وعلى الأمّة بالأمس، وعلى الأمّة غداً.

 التحرّر من النزعة الاستصحابيّة
لا بدّ لنا من أن نتحرّر من النزعة الاستصحابيّة، من نزعة التمسّك بما كان حرفيّاً بالنسبة إلى كلّ أساليب العمل. هذه النزعة التي تبلغ القمّة عند بعضنا. هذه النزعة الاستصحابيّة التي تجعلنا دائماً نعيش مع أمّةٍ قد مضى وقتها، مع أمّةٍ قد ماتت وانتهت بظروفها وملابساتها، لأنّنا نعيش بأساليب كانت منسجمةً مع أمّةٍ لم يبقَ منها أحدٌ، وقد انتهت وحدثت أمّةٌ أخرى ذات أفكارٍ أخرى، ذات اتجاهاتٍ أخرى، ذات ظروفٍ وملابساتٍ أخرى، فحينئذٍ من الطبيعيّ أن لا نوفّق في العمل لأنّنا نتعامل مع أمّةٍ ماتت، والأمّة الحيّة لا نتعامل معها، فمهما يكن لنا من تأثيرٍ سوف يكون هذا التأثير سلبيّاً، لأنّ موضوع العمل غير موجودٍ في الخارج، موضوع العمل ميّتٌ، وما هو موجود في الخارج لا نتعامل معه.

يجب أن يكون واضحاً عندنا أنّنا يجب أن نتعامل مع هذا الإنسان الحيّ الموجود في الخارج المكوّن من اللحم والدم، وهذا الإنسان يتغيّر ويتطوّر وتختلف ظروفه وملابساته، نحن لا بدّ لنا من أن نتعامل مع هذا الإنسان، وحيث إنّنا لا بدّ لنا من أن نتعامل مع هذا الإنسان فلا بدّ من أن نفكّر دائماً في الأساليب التي تنسجم مع هذا الإنسان.

 بين الشهيد الأوّل وعلماء العصر
الشهيد الأوّل رضوان الله عليه قبل قرون وقرون فكّر في تنظيم شؤون الدين والمرجعيّة بشكلٍ من الأشكال، ونقل الكيان الدينيّ من مرحلةٍ إلى مرحلةٍ، لكن أليس بالإمكان أن يفكّر مئات العلماء الذين جاؤوا بعد الشهيد الأوّل إلى الآن، ومئات العلماء الموجودين فعلاً، ومئات العلماء الذين سوف يخلفون هؤلاء العلماء بعد ذلك، أليس بالإمكان أن يفكّر هؤلاء المئات من العلماء في تطوير أساليب الشهيد الأوّل؟ في تحسينها، في تنقيتها؟ أليس بالإمكان هذا؟

ما دمنا نؤمن بأنّ الأساليب تتغيّر وإن كانت النظريّة ثابتةً، إذاً فلا بدّ لنا من أن نفتح باباً للتفكير في هذه الأساليب! هذا جزءٌ من وظيفتنا، لأنّنا ندرس العلم للعمل، ولا ندرس العلم لكي نجمّده في رؤوسنا. فيجب أن نفكّر في أنّنا عالمون لكي نعمل لا أنّنا عالمون لكي نعلَم فقط، فإذا كنّا عالمين لكي نعمل فلا بدّ من أن نجعل جزءاً من وظيفتنا أن نطرح على أنفسنا، أن نطرح على أساتذتنا، أن نطرح على زملائنا، أن نطرح في كلّ مكان هذه الأسئلة:

ـ ما هو العمل؟ كيف نعمل؟ ما هي أساليب العمل؟ كيف يمكن تجديد أساليب العمل بالشكل الذي ينسجم مع الأمّة اليوم؟ نحن نتعامل مع عالَم اليوم لا مع عالَم عصر المماليك، إذاً كيف نتعامل مع عالم اليوم؟

هذه أسئلةٌ قد يكون جوابها صعباً في بداية الأمر، لأنّه ليس هناك مطالعاتٌ وترويضٌ فكريّ على الجواب عليها.هذه الأسئلة أسئلةٌ دقيقةٌ ومرتبطةٌ بمدى خبرة الإنسان وتجاربه واطلاعه على ظروف العالَم. لهذا قد نجد صعوبة في الجواب على هذه الأسئلة، لكن هذه الصعوبة لا بدّ من تذليلها بالبحث والتفكير ومواصلة البحث والتفكير.

إذاً لا بدّ من أن نجعل جزءاً من وظيفتنا أن نفكّر دائماً في كيفيّة تغيير أساليب العمل، وكيفية الانسجام مع وضعنا وبيئتنا.


ج- العقليّة الرياضيّة والعقليّة الاجتماعيّة
تبقى هناك نقطةٌ أخرى متمّمةٌ لهذه النقطة لا بدّ لي من إثارتها، وهي أنّنا حينما نفكّر في أساليب العمل يجب أن لا نفكّر في ذلك بعقليّة الأصول والفقه، بعقليّة "الترتّب" و"استحالة اجتماع الأمر والنهي"6 أي بالعقليّة الرياضيّة.

هناك عقليّةٌ رياضيّةٌ، وهناك عقليّةٌ اجتماعيّةٌ. توجد عقليّتان، يوجد نوعان من التفكير، تفكير رياضيٌّ وتفكير اجتماعيٌّ.

التفكير الرياضيّ: هو التفكير الذي لا يقبل حقيقةً من الحقائق إلا إذا كانت كلّ نقاط الضعف فيها قد أُزيلت بالبرهان القويّ الواضح الذي لا يقبل الشكّ والجدال، فإذا كانت النتيجة الرياضيّة واضحةً بعد التحليل على مستوى أنّ اثنين زائداً اثنين يساوي أربعةً، حينئذٍ تقبل، وأمّا إذا لم يوجد البرهان الواضح القاطع على صِحّتها لا تقبل. هذا هو التفكير الرياضيّ، وهو التفكير الذي نعيشه في علم الأصول، لأنّ كثيراً من قواعد علم الأصول يبنى على أساس البرهنة، لكن هذا التفكير يختلف عن التفكير الاجتماعيّ. التفكير الاجتماعيّ لا يمكن أن نطلب فيه البرهان.

حينما نريد أن نغيّر كتاباً دراسيّاً بكتابٍ دراسيٍّ آخر لا يمكن أن نتطلّب في مقام الامتناع برهاناً رياضيّاً بحيث إنّي أبرهن لك على أنّه لو لم يدرّس هذا الكتاب لوقع اجتماع النقيضين، أمّا لو درّس هذا الكتاب فلا يقع اجتماع النقيضين، مثل هذا البرهان الرياضيّ لا يمكن أن يكون في العمل الاجتماعيّ.

العمل الاجتماعيّ: يقوم على أساس الحدس الاجتماعيّ، والحدس الاجتماعيّ يتكوّن من الخبرة والتجربة ومن الاطلاع على ظروف العالَم وملابسات العالَم.
إذاً يجب أن نفتح أعيننا على العالَم.
إذاً يجب أن نعيش الخبرة والتجربة في العالَم.
العمل الاجتماعيّ بحاجةٍ إلى حدسٍ اجتماعيٍّ، والحدس الاجتماعيّ يتكوّن من خلال التفاعل مع الناس، من خلال الاطلاع على ظروف العالَم، من خلال الاطلاع على الملابسات، من خلال الاطلاع على التجارب التي قام بها الآخرون، من خلال المقارنة بين أحوالنا وأحوال الآخرين، من خلال كلّ ذلك يتكوّن هذا الحدس الاجتماعيّ.

إذاً فلكي نكون متّجهين اتجاهاً صحيحاً في تفكيرنا في أساليب العمل يجب أن نغيّر من طريقة تفكيرن، يعني أن لا نصطنع نفس الطريقة الأصوليّة حينما نفكّر في أساليب العمل، وإنّما نعتمد على الحدس الاجتماعيّ ونفتّش عن كيفيّة تكوين هذا الحدس في أذهاننا عن طريق تعميق خبراتنا وتجاربنا.

الخلاصة
إنّ المفهوم القرآنيّ عن المحنة يؤكّد أنّ الجماعة الممتحنة تتحمّل مسؤوليّة وقوع هذه المحنة، وأيّ محنةٍ تمرّ بالإنسان المسلم لها جانبان: موضوعيّ، وذاتيّ.

أولاً: لا بدّ من أن نقيّم شعورنا تجاه المحنة.
ثانياً: أن نحاسب أنفسنا على مساهمتنا في تكوين هذه المحنة، وعلى دورنا الإيجابي في صنعها.
وقبل كلّ شيءٍ علينا أن ننظّف مشاعرنا، ونجعلها صحيحةً وإسلاميّة تنبض بالغيرة على الإسلام.

درجات المحنة
1 ـ قد يعيش بعض الناس إزاء محنة الصراع بين فرقتين من المسلمين على المستوى الشخصيّ المحدود.
2 ـ وقد يكون شعوره إزاء المحنة إقليميّاً وأوسع دائرةً ومسؤوليّةً من الشعور الأوّل.
3 ـ وقد يكون شعوره أعمق من هذا وذاك، فيشعر أنّ هذه المحنة هي نتاج عدم تطبيق شريعة الله تعالى.

محاسبة النفس

كلّ واحدٍ منّا يجب أن يحاسب نفسه قبل أن يدخل إلى محاسبة الآخرين، فيتأمل آلامه، وانفعالاته النفسيّة، هل هي لله أو لمصالحه الشخصيّة؟ ويجب أن يعالج ذلك كلّ إنسان منّا في نفسه لكي يعيش لله.
ترجع الأرضيّة النفسية التي نعيشها قبل المحنة بالتحليل إلى عاملين نفسيّين أساسيّين، هما مرتبطان كلّ الارتباط فيما بينهما.

الأوّل: عدم الشعور التفصيليّ بالارتباط بالله تعالى. الذي يجعل الإنسان قادراً على أن يدعو ويترقّب من الله الاستجابة.
الثاني: الأخلاقيّة التي كنّا نعيشها هي أخلاقيّة إنسانٍ لا يصلح للعمل الحقيقيّ.

وأبرز أخلاقيّات الإنسان العامل التي تهيّئ الأرضيّة النفسيّة التي يقام على أساسها العمل الصحيح هي:
أ- وجود روح التضحية والإيثار بالمصالح الخاصة.
ب- نزعة التجديد في أساليب العمل.
ج- الاستفادة من العقليّة الاجتماعيّة لا الرياضيّة.


1- هذه الفقرة من المحاضرة الثانية، وقدّمناها للمناسبة في هذا المكان.
2- الشورى: من الآية30.
3- لم يكمل الشهيد (رضوان الله تعالى عليه) البحثَ عن الجانب الموضوعيّ للمحنة، لذلك لا نجد أيّ حديثٍ له عن هذا الجانب في كلماته اللاحقة، واقتصر في محاضرتيه على دراسة الجانب الذاتيّ، من تقييمٍ لشعور الإنسان الممتحن بعد المحنة، وقبلها دراسة الأرضيّة النفسيّة لأساليب العمل، المساعدة على تكوينها.
4- نؤكّد أنّ الشهيد لن يتعرّض فيما بعد للجانب الموضوعيّ.
5- أليست تلك التقصيرات التي عاشها المسلمون منذ سقط الإمام عليّ عليه السلام صريعاً في المحراب في سبيل الدفاع عن المسلمين، التقصيرات المتراكمة التي عاشها الكثرة الكاثرة من المسلمين، (سبباً لفتنة كبيرةٍ)ألم تأكل الفتنة التي تمحّضت عن تلك التقصيرات حتّى الحسين عليه السلام؟ حتّى الحسين عليه السلام أكلته الفتنة بالرغم من أنّه كان أنصف الناس وأبعد الناس عن تقصيرٍ في قولٍ أو عملٍ. منه .
6- إشارة إلى الأبحاث الأصولية الدقيقة المبنيّة على العقليّة الرياضيّة.





2550 مشاهدة | 06-04-2015
جامعة المصطفى (ص) العالمية -فرع لبنان- ترحب بكم

مجلس عزاء عن روح الشهيد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ورفاقه

رحيل العلامة المحقق الشــيـخ علي كـوراني العاملي (رحمه الله)

ورشة تقنيات قراءة في كتاب

ورشة تقنيات تدوين رؤوس الأقلام

ورشة أسس اختيار الموضوع ومعايير صياغة عنوان الرسالة

عزاء عن روح الشهيد جعفر سرحال

المسابقة العلمية الرابعة

دورة في مخارج الحروف العربيّة

حفل تكريم المشاركات في دورة مشروع الفكر الإسلامي في القرآن

دورة إعداد خطيبة منبر حسيني

لقاء مع المربي العلامة الشيخ حبيب الكاظمي

احتفال في ذكرى المولد الشريف

ندوة كاتب وكتاب: التاريخ السياسي والاجتماعي لشيعة لبنان

لقاء مع المستشار الثقافي لسفارة الجمهوريّة الإسلاميّة

وفد من حوزة الإمام الخميني (قده) يزور الجامعة

دعوة للمشاركة في مؤتمر الإمام الحسين (ع) والنهضة الفكريّة

صباحيّة قرآنيّة في حوزة السّيدة الزهراء (ع)

ندوة كاتب وكتاب: الله والكون برواية الفيزياء الحديثة

العدد 54-55 من مجلَّة الحياة الطيّبة