السبت 23 تشرين الثاني 2024 الموافق لـ 13 جمادى الاولى 1446هـ

» قراءات ومـــراجعــات

الاسماء الإلهية الحسنى بين العرفاء والمتكلمين والحكماء

الاسماء الإلهية الحسنى بين العرفاء والمتكلمين والحكماء
(من مشاركات الطالب الشيخ علي كريّم)

باسمه تعالى

إنّ البحث عن أسماء الله وصفاته من أجلّ المعارف القرآنيّة و العقائديّة, ولكلٍّ من الحكماء والمتكلّمين والعرفاء صولاتٌ وجولاتٌ في معناها ومغزاها, والبحث فيها بحثٌ عذبٌ منهله, ويكفي في بيان عذوبته وجماله فضلاً عن أهميّته ما ورد من الأيات القرآنيّة التي تصف الله تعالى بأسمائه الحسنى[1] وتحثّ على ذكر الله بأسمائه وصفاته[2].

انطلاقاً من ذلك سوف أتطرّق في هذه المقالة الصغيرة للحديث حول بعض المباحث المتعلّقة بأسماء الله الحسنى كمعناها وماهيّـتها وتوقيفيّتها.

 أوّلاً: الفرق بين الاسم والصفة لغةً واصطلاحاً:

هناك خلافٌ في الآراء حول الجذر اللغوي للاسم مابين قائلٍ بأنّه مشتقٌّ من السموّ, أيّ العلو والرفعة كما ذهب البصريّون, أو من الوسم والسمة ,أيّ العلامة كماذهب الكوفيّون[3], إلّا أنّ الاستعمال اللغوي الأبرز هو بمعنى العلامة[4],  وعلى ذلك دلّت روايات أهل البيت(ع) كما في الوارد عن أمير المؤمنين(×):"الإسم ما أنبأ عن المسمّى"[5] ,وعن الإمام الرضا(×):"الأسماء فهي واحدةٌ ,وهي دلالةٌ على المسمّى"[6].

أمّا الصفة فهي بمعنى المصدر,ولكنّها في كثيرٍ من الأحيان تُستَعمَل بمعنى اسم المصدر ويُراد بها حينئذٍ الأمارة والعلامة,فالاسم والصفة كلاهما بمعنى الأمارة والعلامة للمسمّى والموصوف, فالاسمُ يشمَلُ كُلَّ أمارةٍ وعلامةٍ,أمَّا الصفة فهي علامةٌ مخَصَّصةٌ ومقيَّدة.

أمّا من حيث الاصطلاحات المختلِفة فيقول الرازي[7] بأنّ قولَ المتكلّمين في الفرق بين الاسم والصفة هو أنّ كلّ ماهيّةٍ تُعتَبَر من حيث هي هي فهو اسمٌ, ومن حيث أنّها موصوفةً بصفةٍ معيّنةِ فهي وصفً, فالأوّل كالسماء والأرض, والثاني كالخالق والرازق,إلّا أنّ الملاحظ على تعريف الرازي أنّ كلامه يرجع إلى أنّ الجوامد أسماء, وأسماء الفاعلين صفاتٌ,وهذا لا ينطبق على مصطلح المتكلّمين ,فالخالق والرازق من أسمائه سبحانه لا من صفاته, فالأصحّ في المقام في الفرق بين الاسم والصفة هو ما يقوله العلّامة الطباطبائي:لا فرق بين الاسم والصفة ,غير أنّ الصفة تدلّ على معنىً من المعاني تتلبّس به الذات , أعمّ من العينيّة والغيريّة والاسم هو الدالّ على الذات مأخوذةٌ بوصف , فالحياة والعلم صفتان, والحيّ والعالم اسمان[8].

 ثانياً:معنى الأسماء الحسنى وماهيّتها عند الحكماء والعرفاء:

إنّ الطريق لإثبات الأسماء الحسنى لله تعالى يتمثّل في السلوك الفطريّ للإنسان إلى هذه الأسماء عبر ما يشاهده فى نفسه وفيما حوله من الحاجة والفقر فيقضي بوجود ذاتٍ ما يقوم بحاجته ويسدّ خلّته ,فيُذعن الإنسان بانتهاء كلّ شيءٍ إليه ,وأنّ كينونته ووجوده منه ,فهو المالك لكلّ شيءٍ لعلمنا أنّه لو لم يملكها لم يمكن أن يفيضها لغيره ,ثمّ يتفطّن الانسان بأنّ كلّ ما يشاهده في الكون من صفات الكمال , فالله سبحانه مسمّىً بها وهو مالكها الذي أفاض علينا بها, وأنّ كلّ ما يشاهده من صفات النقص والحاجة , فالله تعالى منزّهٌ عنها متّصفٌ بما يقابلها من صفة الكمال وبها يرفع عنّا النقص والحاجة , فمشاهدة العلم والقدرة تهدينا إلى اليقين بأنّ له سبحانه علماً وقدرةً يفيض بهما ما يفيضه من العلم والقدرة, ومشاهدة الجهل والعجز تدلّنا على اتّصافه تعالى بما يقابلهما من العلم والقدرة, إلّا انّ العلم والقدرة لديه تعالى ليست كعلمنا وقدرتنا ,فالعلم فينا هو الإحاطة بالشيئ من طريق أخذ صورته من الخارج بوسائل ماديّة, والقدرة فينا المنشئيّة للفعل بكيفيّةٍ ماديّةٍ موجودةٍ لعضلاتنا, واللائق بساحة قدسِه تجريد معانيها من خصوصيّات المادّة ,فعلمه هو إحاطته بالشيء بحضوره عنده,وقدرته منشئيّته للشيء بإيجاده[9], من هنا إنّ مقتضى اتّصافه تعالى بالأسماء الحسنى أن يكون واجداً لكلّ كمالٍ وجوديٍّ على أحسن وجهٍ وأكمله, وهو نفس مفاد قاعدة"بسيط الحقيقة كلّ الأشياء, وليس بشيءٍمنها", فهي المقابل الذي يطرحه البحث الفلسفي بإزاء الصياغة القرآنيّة للقاعدة ذاتها من خلال قوله تعالى{لله الأسماء الحسنى}.[10]

إنّ الأسماء عند أهل المعرفة والحكمة ليست من قبيل الألفاظ والمفاهيم بل حقيقة الاسم ترجع إلى كمالٍ وجوديٍ قائمٍ بالذات ,والاسم عبارةٌ عن تعيّن الذات بنفس ذلك الكمال ,والأسماء والصفات الملفوظة  أسماءٌ وصفاتٌ لتلك الأسماء والصفات الحقيقيّة ,فلفظ الجلالة ليس اسماً بل اسمٌ للاسم ,والعلم والقدرة ليست هي الصفات بالحقيقة بل هي مرايا للأوصاف الحقيقيّة, , من هنا كان لا بدّ من تقسيم الأسماء الإلهيّة إلى الأسماء الإلهيّة اللفظيّة والتي هي عبارة عن الالفاظ الموضوعة لمسميّات خارجيّة, ويُطلَق عليها عبارة أسماء الأسماء لأنّ دلالتها على الذوات الخارجيّة دلالة اعتباريّة, والأسماء الإلهيّة التكوينيّة وهي عبارةٌ عن الذات الخارجيّة المتحيّثة بصفة معيّنة يُطلق عليها الأسماءلأنّ دلالتها على الذوات دلالة حقيقيّة, يقول الحكيم السبزواري :"الاسم عند العرفاء هو حقيقة الوجود مأخوذة بتعيّنٍ من التعيّنات الصفاتيّة من كمالاته تعالى , أو باعتبار تجلٍّ خاصٍّ من التجليّات الالهيّة "[11]وإلى هذا المطلب  يشير العلّامة الطباطبائي عند بحثه عن الاسم الأعظم ونقاشه القائلين بأنّه مجرّد اسمٌ لفظيٌّ , بأنّ الاسم اللفظيّ إذا اعتبرناه من جهة خصوص لفظه كان محموعة أصواتٍ مسموعةٍ هي من الكيفيّات العرضيّة ,وإذا اعتبرناه من جهة معناه المتصوّر كان صورةً ذهنيّةً لا أثر لها من حيث نفسها في شيءٍ البتّة, والأسماء الإلهيّة تؤثّر في استجابة الدعاء وتشكّل وسائط لنزول الفيض من الذات المتعالية, من هنا فمقتضى السنخيّة بين العلّة والمعلول وخواصّ علاقة المعلوليّة أن يؤثّر الأمر الحقيقي في نظام التكوين لا الاسم اللفظي الاعتباري.[12]

انطلاقاً من ذلك  يتبنّى العرفاء والحكماء موقفاً واضحاً تجاه البحث الذي شغل بال القدماء والمتاخّرين حول وحدة الاسم مع المسمّى وعدم وحدته, فالاسم التكوينيّ هو عين المسمّى لما تقدّم من دلالته على الذوات الخارجيّة دلالةً حقيقيّة, أماّ الاسم اللفظيّ فليس عين المسمّى لدلالته على الذات الخارجيّة دلالةً اعتباريّة,وقد وردت رواياتٌ كثيرةٌ عن أهل البيت(ع) تشير إلى ضرورة التفريق بين الاسم والمسمّى لاستلزام ذلك محاذير كثيرة منها ما في  الكافي عن عبد الرحمن بن أبي نجران : "كتبت إلى أبي جعفر ( ×) - أو قلت له - : جعلني الله فداك ! نعبد الرحمن الرحيم الواحد الأحد الصمد ؟ فقال : إن من عبد الاسم دون المسمى بالأسماء أشرك وكفر وجحد ولم يعبد شيئا ، بل اعبد الله الواحد الأحد الصمد ، المسمى بهذه الأسماء دون الأسماء ؛ إن الأسماء صفات وصف بها نفسه".[13]

لقد أولى الحكماء المسلمون أهميّة ً خاصّةً لموضوع اسماء الله وصفاته, وخاصّةً صدر المتألّهين ومدرسته المتعالية التي ابتكرت نظريّات متعدّدة أوصلت إلى نتائجَ جديرةٍ بالاهتمام في حلّ الكثير من المسائل الكلاميّة والاعتقاديّة  ومن هذه النظريّات نظريّة الاشتراك المعنويّ للوجود, بمعنى أنّ الوجود معنىً واحدٌ في جميع ما يُحمَل عليه والتفاوت الحاصل بين المصاديق هو بالشدّة والضعف, ولقد عمّمَ صدر المتألّهين هذه النظريّة على اسماء الله وصفاته أيضاً ,من هنا فإنّ إطلاق اسم العالم على البارئ تعالى يفيد نفس المعنى الذي يفيده إطلاقها على الانسان, والتفاوت هو في الشدّة والضعف, "والدليل على ذلك أنّنا حين نُطلِق اسم العالم على البارئ تعالى فهو إمّا أن يفيد معنىً أو لا يفيد معنىً قط , فإذا كان مفيداً لمعنى فهو لا يخرج عن حالتين, إمّا أنّ نستفيد نفس المعنى المستفاد من اطلاق هذه الكلمة على الإنسان ,مع نوعٍ من التفاوت في الشدّة والضعف بما ينسجم مع الواجب والممكن , والثاني أن يستفاد من اطلاق الكلمة على الله معنىً مناقضاً للمعنى المستفاد من الاطلاق على الانسان وهذا التفسير بالإضافة إلى التفسير الأوّل غير مقبولين لأنّها يؤديان إلى تعطيل العقل كما في الأوّل أو إلى تعطيل العالم من مبدأ حكيمٍ وعالمٍ".[14] من هنا يوضّح أحد روّاد مدرسة الحكمة المتعالية وهو السيّد الطباطبائي انطلاقاً من هذه النظريّة أنّ" جهات الخلقة وخصوصيّات التي في الأشياء ترتبط إلى ذاته المتعالية من طريق صفاته الكريمة أي أن الصفات وسائط بين الذات وبين مصنوعاته فالعلم والقدرة والرزق والنعمة التي عندنا بالترتيب تفيض عنه سبحانه بما أنه عالم قادر رازق منعمٌ بالترتيب"[15], و"أنّا ننتسب إليه تعالى بواسطة أسمائه ، وبأسمائه بواسطة آثارها المنتشرة في أقطار عالمنا المشهود فآثار الجمال والجلال في هذا العالم هي التي تربطنا بأسماء جماله وجلاله من حياة وعلم وقدرة وعزة وعظمة وكبرياء ، ثم الأسماء تنسبنا إلى الذات المتعالية التي تعتمد عليها قاطبة أجزاء العالم في استقلالها"[16], كما يقول أنّه" من الدليل على الاشتراك المعنويّ في ما يطلق عليه تعالى وعلى غيره من الأسماء والأوصاف ما ورد من أسمائه تعالى بصيغة أفعل التفضيل كالأعلى والأكرم فإن صيغة التفضيل تدل بظاهرها على اشتراك المفضل والمفضل عليه في أصل المعنى ، وكذا ما ورد بنحو الإضافة كخير الحاكمين وخير الرازقين وأحسن الخالقين لظهوره في الاشتراك"[17]
 
ثالثاً: معنى الأسماء الحسنى و ماهيّتها عند المتكلّمين:

إنّ معنى الاسماء الحسنى لدى المتكلّمين يختلِف اختلافاً جوهريّاً عنه لدى الحكماء, فهؤلاء ناقشوا مسألة الاسماء الحسنى نقاشاً لفظيّاً محضاً, ولم ينطلِقوا من واقعيّة الاسماء الحُسنى, وكون الاسم اللفظي هو مرآة لحقيقة واقعيّة هي الاسم اللفظيّ التكوينيّ, من هنا نراهم قد خاضوا في النزاعات اللفظيّة وهل أنّ الاسم هو عين المسمّى أو غيره حيث يذكر شيخ الأشاعرة أبو الحسن أنّ الاسمَ هو عينُ المسمّى من دون ذكر وجهٍ لهذا القول[18], ليعود تلامذته كالإيجي في المواقف والتفتازاني في المقاصد وشرحه,والسيد الشريف في شرحه على المواقف ليبيّنوا أنّ مراده من الاسم هو مدلول الاسم ,مع انّه في الاصطلاح المتداول الاسم هو عبارةٌ عن اللفظ الدالّ على الشيء بالوضع و المسمّى عبارةٌ عن نفس ذلك الشيء, من هنا فإنّ صحّة كلام الأشعري تتوقّف على تسليم اصطلاحٍ خاصٍّ له, أمّا الغزالي والرازي اللذان يٌعدّان من ابرز من بحث حول الاسماء الحسنى , الأوّل عبر كتابه>المقصد الأسنى في شرح اسماء الله الحسنى<, والثاني عبر كتابه >لوامع البيّنات< فقد قالا بالتغاير بين الاسم والمسمّى, كما دخل الغزالي ايضاً انطلاقاً من قوله بتوقيفيّة الأسماء الحسنى في نقاشٍ, وهو هل أنّ الاسماء المتقاربة في المعنى  مترادفةٌ أو لا, فرفض القول بالترادف إذ من المستبعد أن يكون هناك ترادفٌ  وتكرار بين أسماء الله تعالى التسعة والتسعين لأنّ تعداد الألفاط غير تعداد الاسماء, من هنا سعى الكلاميّون إلى التمييز بين الغاقر والغفور والغفّار وإعطاء معنىً خاصّاً لكلٍّ منها , فالغافر يدلّ على أصل المغفرة فقط, أمّا اسم الغفور فيفيد كثرة المغفرة , ويستعمل في الحالات التي يؤخذ فيها كثرة الذنوب بعين الاعتبار, أمّا الغفّار فينسجم هع الموارد التي يُؤخذ فيها بنظر الاعتبار كثرة المغفرة إزاء الذنوب المتكرّرة , وكذلك التفريق بين العليم والخبير مثلاً,,وكما رفض الغزالي الترادف كذلك رفض القول بالاشتراك اللفظيّ ويعبّر عن ضرورة تعيين أحد أنسب المعاني للاسم في حالة توهّم الاشتراك, فيقول في كتابه:"وإذا ثبت أنّ الميل الأظهر إلى منع التعميم,فطلب التعيين لبعض المعاني لا يكون إلّا بالاجتهاد"[19] .

إنّ الغزالي  وإن كان من المتكلّمين الرافضين بشدّة للفلسفة وأقوالها, ويشهد على ذلك كتابه >تهافت الفلاسفة<,إلّا أنّه كان مهتمّاً بالأخلاق والعرفان, من هنا فإنّه يخالف باقي المتكلّمين في عدم  قصر الحديث عن الاسماء في دائرة الألفاظ, بحيث يقسّم الأشخاص إلى فئتين من حيث إدراك أسماء الباري تعالى, وهما المقرّبون وأهل الظاهر,فالمقرّبون يمرّون في ثلاث مراحل في معرفة الاسماء , ففي المرحلة الأولى يدرك السالك أسماء الله عن طريق المكاشفة والشهود, وفي الثانية ينال نصيباً من ادراك العظمة بحيث لا يسمح له شوق الاتّصاف بالهدوء لحظةً واحدة, وفي الثالثة يسعى السالك لاكتساب صفات الحقّ تعالى والتخلّق بأخلاقه[20], فالغزالي وإن كان يرى انسداد طريق المعرفة بذات الله,إلّا أنّه يرى انفتاح باب العرفة بأسماء الله وصفاته, ومع ذلك يقول بأنّ هذه المعرفة لا تتحقّق في الحقيقة وبشكلٍ كاملٍ إلّا لله تعالى, فالذين يحصلون على معرفةٍ بعلمه تعالى, فهم ينالون هذا النوع من المعرفة عن طريق التشبيه والمقايسة, فمعرفة الانسان بأسماء الله وصفاته معرفةٌ ابهاميّة ٌ تشبيهيّة, فمثلاً للناس معرفةٌ بعلمهم, فيتوسّلون بنوعٍ من التشبيه فيعرفون علم الله تعالى عن طريق المقايسة, من هنا فالغزالي وجماعته بقولون بالاشتراك اللفظيّ في إطلاق الاسم على الله و على الانسان, فإطلاق اسم العالم على الانسان والخالق يتمّ على أساس معنيين متباينين دون أيّ حهة اشتراك, وهذا مخالفٌ لما قاله صدر المتألّهين بالاشتراك المعنويّ في الاسماء والصفات.

 رابعاً: الأسماء الحسنى بين التوقيفيّة وعدمها.

تعدّدت الآراء في موضوع توقيفيّة الاسماء الحسنى فالعرفاء والحكماء قائلون بعدم التوقيفيّة أمّا المتكلّمون فمُوَّزعون ما بين قائلٍ بالتوقيفيّة وغير قائلٍ, والمراد من توقيفيّة الاسماء توقّف الاطلاق على الاذن الشرعيّ فيه وإن كان  الاسم ذا معنىً صحيح ومناسب وكان استعماله جائزاً عقليّاً, فالقاضي أبو بكر الباقلّاني  الأشعري يجيز استخدام ايّ اسمٍ أو صفةٍ تتناسب مع البارئ تعالى, ما لم يكن الشارع نفسه هو الذي منع من استخدام هذا الاسم أو تلك الصفة, أو لم يكن إطلاق هذا اللفظ موهماً لما لا يليق بكبريائه تعالى , فلا يجوز مثلاً إطلاق لفظ العارف لأنّ المعرفة قد يراد بها العلم المسبوق بالغفلة, ولا لفظ الطبيب مثلاً لأنّ الطبّ يراد به العلم المأخوذ من التجارب[21], أمّا أبو الحسن الأشعري فيعتقد أنّ أسماء الله توقيفيّة , ولم يولِ أيّ اعتبارٍ لصحّة حكم ِ العقل بهذا الشأن, الغزالي و يوافقه الرازي فقد جاء برأيٍ جديدٍ ,وهو أنّ الاسماء موقوفةٌ على الاذن أمّا الصفات فغير موقوفةٍ عليه, وحجّة من ذهب إلى التوقيف أنّه لو لم يتوقّف ذلك على الاذن لجاز تسميته عارفاً وفقيها ًمثلاً, ولكنّه مدفوعٌ بما ذكره الباقلّاني من أنّ الجواز فيما إذا لم يكن فيه نوع إبهامٍ, أمّا الغزالي فقد استدلّ على ذلك بأنّه يوجد إجماعٌ على انّه لا يجوزأن نسمّي الرسول باسمٍ لم يسمّه الله به, ولا باسمٍ ما سمّى هو نفسه به فإذا لم يجز ذلك في حقّ الرسول بل في حقّ أحدٍ من الناس فهو في حقّ الله تعالى أولى[22] , والملاحظ عليه أنّه خلطٌ بين بين التسمية على وجه العلميّة,والتسمية بمعنى توصيف الله بمحامد أفعاله,فلو سمّى أحدٌ الرسول محمّد(‘) بخالد مثلاً فهذا تصرّفٌ في سلطان الغير , أمّا لو سمّاه بالصادق أو الصابر, فلا وجه للمنع عنه, أمّا الرازي فبعد أن ذكر في كتابه هذا الدليل أشكل على نفسه أنّه ما العمل بالاطلاقات المختلفة باختلاف اللغات ك>خدا<في الفارسي,و>تارى< في التركيّة ,فأجاب على ذلك بانّ ذلك خارجٌ بالاجماع, فيبقى ما عداه على الأصل [23], والملاحظ عليه أنّ ذلك كان ذائعاً قبل بعثة النبيّ (‘) فكيف يستدلّ بالاجماع, والجواب الصحيح أنّ ذلك من باب وحي الفطرة فإنّ كلّ أمّة بحسبه تشير إلى القوّة الكبرى السائدة في العالم بلفظٍ من الالفاظ, كما أنّه يُشكَل على الغزالي في المقام بوجود التناقض في كلامه, فالغزالي الذي يقول كما مرّ بضرورة الاجتهاد في تعيين المعنى الأنسب من بين المعني المحتملة للاسم لكي نمنع الاشتراك اللفظيّ في الاسم, لماذا لا يلتزم بذلك في مجال تعيين الأسماء الالهيّة , بل يجمد على التسعة وتسعين, فالغزالي في المقام خلط بين البحث الكلامي والبحث الفقهي , ففي مقام عمل المكلّف الذي يعدّ موضوعاً لعلم الفقه يمكن القول بأنّ مقتضى الاحتياط هو عدم إجراء اسماء الله تعالى على لسان المكلّف ما لم تكن قد وصلت عن طريق الشارع , أيّ عدم التسمية , امّا مجرّد الاجراء والاطلاق من دون التسمية فالأمر فيه سهل.

أمّا الحكماء الإلهيّون  فيعتبرون أنّه لا دليلَ في الآيات الكريمة على تعيّن عددٍ للاسماء الحسنى, بل ظاهر الآيات أنّ كلّ اسمٍ في الوجود هو أحسن الاسماءفي معناها فهو له تعالى, كما أنّه كما يوجد رواية تقول أنّ أسماءالله تسعة وتسعون, فيوجد روايات قد ذكرت أسماء لله لا تنطبق مع التسعة والتسعين,ويوجد أيضاً في القرآن الكريم أسماء أخرى غير موجودة في رواية التسعة والتسعين كالمولى والنصير, وأسماء قرآنيّة في حال الإضافة,كغافر الذنب, وقابل التوب , وكذلك لو أردنا استحصال أسماء الله تعالى عن طريق الاشتقاق من الأفعال المنسوبة إليه, لبلغت عدداً كبيراً لكثرة الافعال المنسوبة إلى البارئ تعالى في القرآن الكريم.

لقد استدلّ القائلون بالتوقيفيّة أيضاً بالآية الكريمة{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[24] والاستدلال في الآية مبنيٌ على أمرين:1- إنّ اللام في الأسماء الحسنى للعهد تشير إلى الاسماء الواردة في الكتاب والسنّة ,2- الإلحاد هو التعدّي إلى غير ما ورد فيهما.

 و كلا الأمرين غير ثابتٍ فالظاهر انّ اللام في الاسماء للاستغراق,قدِّم عليها لفظ الجلالة إفادةً للحصر, ومعنى الآية أنّ كلّ اسمٍ أحسن في عالم الوجود فهو لله سبحانه لا يشاركه فيه أحدٌ,فإذا كان الله ينسب بعض هذه الاسماء إلى غيره كالعالم فاحسنها لله , والثابت لغيره مفاضٌ منه ومن تجليّات صفاته وفروعها وشؤونها, فمحصّل الآية أنّها بمعنى أنّ لله سبحانه حقيقة كلّ اسمٍ أحسن لا يشاركه فيه غيره إلّا بما ملّكهم منه كيفما أراد وحيث يشاء.

أمّا الالحاد فهو الميل عن الوسط إلى أحد الجانبين,و هو يُتصوَّر بأسمائه بوجوهٍ: 1-إطلاق اسمائه على الأصنام بتغييرٍ ما كإطلاق >اللات< المأخوذمن الإله على الصنم المعروف, كما كان يفعل المشركون.

2- تسميته بما لا يجوز وصفه به لما فيه من النقص كوصفه سبحانه بأبيض الوجه وأجعد الشعر.

3-تسميته ببعض اسمائه دون بعضها, حيث كان العرب يقولون >يا الله< و>يا رحيم<,ولا يقولون >يا رحمان<, من هنا لا مانع من توصيفه سبحانه بالواجب  أو الصانع والازلي و الابدي مثلاً, وإن لم يرد في النصوص إذ لا يصدق عليه أيّ معنىً من معاني الالحاد المتقدّمة[25].

خاتمة:إنّ مبحث الاسماء الحسنى هو كغيره من المباحث التي أخذت حيّزاً من البحث العلميّ لدى العلماء, وكما لاحظنا في طيّات هذه المقالة, فإنّ نظرة المتكلّمين تختلف عن نظرة الحكماء وأهل المعرفة,والذي يمكن أن يقال في المقام إنّ نظر الحكماء في هذا الموضوع ,وكما في مختلف المباحث العقائديّة نراه أكثر اقناعاً ودقّة وغوراً في بحرالذات والأسماء الالهيّة, بحيث لا يقتصر البحث لديهم على عالم الالفاظ ,بل نراهم يبحثون الموضوع من جهة الحقيقة والواقع, أمّا المتكلّمون فنرى بحثهم وكما في كثيرٍ من المباحث العقائديّة يتّسم نوعاً ما بالسطحيّة وقصر البحث على عالم الألفاظ.

 
 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]  - طه8,الحشر24 .

[2]  -الأعراف,180 .

[3]  - الانباري,عبد الرحمان,الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين,دار الفكر,دمشق,ج1,ص6.

[4] - إبن فارس,أحمد بن زكريّا,معجم مقاييس اللغة,تحقيق:عبد السلام هارون,مكتبة الاعلام الاسلامي,1404 ه,ج6 ,ص115 .

[5]  - إبن شهرآشوب,محمد بن علي,مناقب آل ابي طالب,مطبعة الحيدريّة, النجف,ج1,ص 325 .

[6]  -.الكليني,محمد بن يعقوب,الكافي,تصحيح وتعليق:علي أكبر الغفاري,دار الكتب الإسلاميّة,طهران,ط5 ,ج1 ,ص119 .

[7] - الفخرالرازي,محمد بن عمر,لوامع البيّنات,القاهرة,1394ه,ص27 .

[8]  -الطباطبائي,محمد حسين,الميزان في تفسير القرآن,مؤسسة الأعلمي للمطبوعات,بيروت ,لبنان,ط1 محقَّقة,1417ه,ج8,ص357 .

[9] - راجع الميزان,354-355.

[10] - الحيدري,كمال,دروس في التوحيد,تقرير الشيخ علي حمود العبادي ,دار المرتضى,ط جديدة,2011م,ص338.

[11]  السبزواري,ملّا هادي,شرح الاسماء الحسنى,مطبعة جامعة طهران,ص212.

[12] -  راجع الميزان,مصدر سابق,ص 360 .

[13]  - الكافي,مصدر سابق,ج1 ,ص88 . .

[14] -ديناني,غلام حسين,أسماء وصفات الحقّ تعالى,دار الهادي,ط1, 2004م,ص 74.

[15]  - الميزان .مصدر سابق, ص 358.

[16]  - المصدر نفسه, ص358.

[17]  - المصدر نفسه, ص363 .

[18]  - راجع: الأشعري, ابو الحسن,مقالات الاسلاميين, ألمانيا,ط3, ص290 .

[19]  - الغزالي,ابو حامد, المقصد الأسنى في شرح اسماء الله الحسنى, دار العلم, بيروت,ص24-25.

[20] - المصدر نفسه,ص120 .

[21]  -المصدر نفسه,ص 140-141 .

[22]  - المصدر نفسه ,الصفحة نفسها.

[23]  - لوامع البيّنات, مصدر سابق,ص39.

[24]  - الأعراف,180.

[25]- راجع, السبحاني, جعفر: مفاهيم القرآن, مؤسسة الامام الصادق, ط2, 1426هـ, ج6, ص25-26.

5768 مشاهدة | 31-03-2015
جامعة المصطفى (ص) العالمية -فرع لبنان- ترحب بكم

مجلس عزاء عن روح الشهيد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ورفاقه

رحيل العلامة المحقق الشــيـخ علي كـوراني العاملي (رحمه الله)

ورشة تقنيات قراءة في كتاب

ورشة تقنيات تدوين رؤوس الأقلام

ورشة أسس اختيار الموضوع ومعايير صياغة عنوان الرسالة

عزاء عن روح الشهيد جعفر سرحال

المسابقة العلمية الرابعة

دورة في مخارج الحروف العربيّة

حفل تكريم المشاركات في دورة مشروع الفكر الإسلامي في القرآن

دورة إعداد خطيبة منبر حسيني

لقاء مع المربي العلامة الشيخ حبيب الكاظمي

احتفال في ذكرى المولد الشريف

ندوة كاتب وكتاب: التاريخ السياسي والاجتماعي لشيعة لبنان

لقاء مع المستشار الثقافي لسفارة الجمهوريّة الإسلاميّة

وفد من حوزة الإمام الخميني (قده) يزور الجامعة

دعوة للمشاركة في مؤتمر الإمام الحسين (ع) والنهضة الفكريّة

صباحيّة قرآنيّة في حوزة السّيدة الزهراء (ع)

ندوة كاتب وكتاب: الله والكون برواية الفيزياء الحديثة

العدد 54-55 من مجلَّة الحياة الطيّبة