لقد كان للنبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بما رواه القرآن وبما روته السيرة شؤون ووظائف متعدّدة، فقد كان ينهض بأعباء متعدّدة في وقتٍ واحدٍ، ويمكن تقسيمها إلى ثلاث وظائف:
أولاً، النبوّة: قال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾1. وهنا يكون كلام النبيّ وحياً إلهياً، ووظيفة النبيّ فيه التبليغ.
ثانياً، القضاء: قال تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾2. وهنا يمارس النبيّ عمليّة تطبيق للموازين الإسلامية في القضاء دون تدخّل إلهيّ، أي إنّ النبيّ عندما يقضي بين اثنين إنّما يقضي بينهما بما لديهما من حجة واثبات للحقّ كالبيّنة ونحوها.
ثالثاً، الرئاسة العامة: فقد كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قائد المسلمين ورئيسهم، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾3. وهنا تكون الأوامر النبوية غير الوحي الإلهي. وفي هذه الدائرة كان النبيّ يشاور أصحابه، فيسألهم عمّا يرونه ثمّ يأمرهم بما هو يراه. وهنا لا يكون ما يصدره النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من الله مباشرة، بل تصدر هذه الأوامر طبق الصلاحية التي أعطاها الله للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كحاكمٍ وقائدٍ للأمة الإسلامية، لذلك تكون هذه الأوامر واجبة الطَّاعة.
وإذا شوهد في تاريخ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بعض أنواع التدخل الغيبّي فذلك لا يشكّل قاعدةً عامةً وإنّما هو استثناء.
* من كتاب أمل الإنسان، سلسلة المسابقات الثقافية، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سورة الحشر: الآية 7.
2- سورة النساء: الآية 65.
3- سورة النساء: الآية 59.