إنّ المتأمِّل في الروايات الصادرة عن أهل البيت (عليهم السلام), وخصوصاً في المصادر الأمّ المتحدِّثة عن القضيّة المهدويّة وحيثيّاتها المختلفة ككتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي وللشيخ النعماني وكتاب (كمال الدين وتمام النعمة) للشيخ الصدوق يجد أمامه مجموعةً من الشخصيّات الأساسيّة التي تلعب دوراً محوريّاً في عمليّة الظهور المبارك للإمام أو في التمهيد له, بل إنَّ بعضها قد عُدَّت حركته من العلامات الحتميّة للظهور, ونتيجةً لأهميّة الدور المنوط بها في هذه الحركة نجد البعض قد حاول تطبيقها على شخصيّاتٍ معاصرة لعبت وما زالت دوراً مهمّاً في مقارعة الاستكبار وفي التمهيد والإنتظار الإيجابي.
في هذا المقال سوف أسلِّط الضوء على أربع شخصيّات محوريّة ومهمَّة وهي:1- الخراساني,2- اليماني,3- النفس الزكيّة,4_شعيب بن صالح, كما لا بُدَّ من الإشارة إلى وجود شخصيّاتٍ تقف على طرف النقيض من الحركة المهدويّة وأنصارها بحيث تكون المواجهة معها, وإن كان دورها قد يختلف بين كتابٍ وآخر ورؤيةٍ مذهبيّة وأخرى فنجد الروايات الشيعيّة تركّز على "السفياني" وتجعل ظهوره وممارساته من العلامات الحتميّة , أمّا الروايات السنيّة فتتمحور أكثر حول شخصيّة "الأعور الدجّال "أو "المسيح الدجّال", فيما نجد الروايات الشيعيّة لا تذكر سوى بضع الروايات عن هذه الشخصيّة والتي تدلّ على أنَّ خروج الدجال إضافة إلى الصيحة وخروج السفياني وثورة اليماني هي من علائم ظهور الإمام المهدي (عج) وهناك من شكّك من علماء الشيعة أصلاً في صحّة هذه الروايات كالعلّامة المجلسي في بحار الأنوار.[1]
أوّلاً: السيّد الخراساني.
1-إسمه ونسبه:
السيّد الخراساني أو الهاشمي,أو الحسني كما تعبّر عنه الروايات هو أحد الشخصيّات التي يُعَدُّ قيامها من علامات آخر الزمان, والتي يكون ظهورها في نفس السنة مع اليماني والسفياني.
وقد اختلفت الروايات في نسبه فبعضها يقول أنّه من من أبناء الإمام الحسن(ع) والآخر أنّه من أبناء الإمام الحسين(ع),أمّا إسمه ونسبه التفصيلي فلم تشِر الروايات بصراحة إليه, نعم بعض الروايات أشارت إلى بعض العلائم والصفات الجسديّة الموجودة في جسده مثل الوجه المتلألىء و الخال في الخد أو اليد اليمنى[2].
2- حركته ودوره في الظهور:
الأحاديث التي بين ايدينا تربط حركة الخراساني بقائد جيشه شعيب بن صالح و تشير إلى كون هاتين الشخصيتين من أصحاب المهدي (عليه السلام), وأنّهما يظهران في إيران قرب ظهوره ويشاركان في حركة ظهوره المقدسة.
والظاهر من الروايات أنّ قوّات جيشهما لا تذهب إلى المدينة المنوّرة أو الحجاز لمساعدة قوّات الإمام في تلك البقعة, بل تدخل إلى العراق بإعلان ولائها وبيعتها للمهدي (عليه السلام), ثمّ تحتشد القوّات في الأهواز على الحدود بين العراق وإيران في "بيضاء إصطخر",وأنَّ الإمام المهدي (عليه السلام ) يتوجّه بعد تحريره الحجاز إلى هذا المكان ويلتقي بأنصار الخراساني وجيشه ، ويخوضون بقيادته معركة هناك ضد السفياني.
ومنذ ذلك الحين يصبح الخراساني وشعيب من أصحاب الإمام المهدي الخاصّين، ويصبح شعيب القائد العام لجيش الإمام المهدي عليه السلام ، وتكون قوات الخراسانيين هي الثقل الأكبرله في قتال الخوارج عليه ، ثم في قتال الترك ، ثم في زحفه العظيم لفتح القدس وفلسطين.
كما أنّ كثيراً من المحقّقين يربطون حركته بالرايات السود التي تأتي من خراسان, أو من المشرق, وأنّه هو قائد هذه الرايات[3],نعم بعضهم أعتبر أنّ قائد تلك الحركة شخصٌ آخر باعتبار أنّ الوارد فيها تسمية القائد ب"رجلٍ من بني هاشم"أو "السيّد الهاشمي"أو "الحسني", إلّا أنّه لا مانع من كون كلّ تلك الألقاب والصفات راجعة إلى شخص الخراساني.
إنّ هذه الرايات السود أوالرايات الخراسانيّة سوف تلعب دوراً أساسيّاً في عمليّة قلب الموازين لمصلحة الإمام وجيشه, وهذا ما نلحظه في الروايات الواردة في مصادر الفريقين, ومنها رواية عن الإمام الباقر(ع): "كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلايعطونه ، ثم يطلبونه فلايعطونه, فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم, فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يقوموا,ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم ( أي المهدي عليه السلام ) قتلاهم شهداء. أما إني لو أدركت ذلك لأبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر"[4]
ثانياً: اليماني.
1-إسمه ونسبه.
اليمانيّ لقبٌ لرجلٍ يخرج على السفياني في آخر الزمان ويعتبر خروجه هذا من العلائم الحتمية لظهور الإمام المهدي (عليه السلام), بل إنّ الروايات تصرِّح بكون رايته أهدى الرايات التي تسبق الظهور المبارك.
وقد وقع النقاش في كون اليماني نسبةً إلى اليُمْن أي البركة ، أوأنّها مشتقّة من (أصحاب اليمين)،
إلّأ أنّ الأرجح أنّها نسبةً إلى اليَمَن خاصة مع ورود الأخبار بخروج اليماني من اليمن، وهو نص في تعيين موضع خروج اليماني.
ففي حديث طويل عن محمد بن مسلم قال: دخلت على أبي جعفر الباقر (عليه السلام) وأنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمد (عليه السلام) فقال لي مبتدئاً: يا محمد بن مسلم إن في القائم من آل محمد شبهاً من الخمسة الرسل... إلى أن يقول: وإنَّ من علامات خروجه خروج السفياني من الشام وخروج اليماني من اليمن وصيحة من السماء في شهر رمضان ومنادٍ ينادي من السماء بأسمه وأسم أبيه...) الحديث.[5]
بالنسبة لإسم اليماني فلم تحدّده الروايات,نعم في بعضها غير الوارد عن أهل البيت(ع) الترديد في كونه حسناً أو حسيناً , وكذلك نسبه فهو غير مصرَّحٍ به في الروايات بشكلٍ واضحٍ وصريح, وما نجده في الروايات هو بعض الصفات العامّة له كوصفه بكونه موالياً للإمام علي بن أبي طالب (ع) ،أوأنّه يدعو إلى الإمام المهدي المنتظر (عج),أو وصفه بكونه صاحب راية هدى ، وكونه من أهل الحقّ ومن اليمن.[6]
2-زمان ظهوره ودوره في عمليّة الظهور.
إنّ المتأمّل في الروايات الواردة في شأن اليماني يجدها أنّها لا تحدِّد بشكلٍ دقيق بالسنة والشهر زمان ظهوره والبدء بحركته, وكلُّ ما أفادته كونه سيظهر في زمن ظهور الإمام المهدي (عج) وفي السنة التي سيظهر فيها الخراساني و السفياني, وعبّرت عنها بأنّها تتوالى كنظام الخرز, ففي الرواية:" في حديثٍ طويل ، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهم السلام )قال : « خروج السفياني و اليماني و الخراساني في سنةٍ واحدةٍ ، في شهرٍ واحد ، في يومٍ واحد ، نِظَامٌ كنظام الخَرَزِ يتبع بعضه بعضاً ، فيكون البأس من كل وجه ، ويلٌ لمن نَاواهم ، وليس في الرايات رايةٌ أهدى من راية اليماني ، هي راية هدى لأنّه يدعو إلى صاحبكم ، فإذا خرج اليماني حُرّم بيع السلاح على النّاس وكل مسلم ، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإنّ رايته راية هدىً ، ولا يحِلُّ لمسلمٍ أن يلتوي عليه ، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار ، لأنّه يدعو إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم"[7]
أمّا بالنسبة إلى دوره, فيظهر من بعض الروايات أنّ حركته سوف تكون في دولٍ عربيّة متعدّدة,
مثل اليمن و الحجاز و العراق والشام,وسوف يلعب دوراً أساسيّاً في التمهيد للحركة المهدويّة باعتباره شريكاً وحليفاً للخراساني في مواجهة أعداء الإمام المهدي (عج) وخاصة السفياني,
بل في بعضها انّه هو الذي يلحق الهزيمة النهائيّة بالسفياني.
3-لماذا رايته أهدى الرايات؟
تشير الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) إلى أنّ راية اليماني هي أهدى الرايات, بل أهدى من راية الخراساني نفسه ومن راياته السود مع ما مرّ من الأوصاف الهامّة لأصحابها وكونها موصوفة بأنّها راية هدى ، وبأنَّ قتلاهم شهداء ، ومع أن عدداً منهم يكونون من وزراء المهدي (عليه السلام )وخاصّة أصحابه.
وللإجابة عن هذا التساؤل ذكر المحقِّقون عدّة أجوبة منها:
أ- أن يكون السبب في ذلك أنَّ الأسلوب الإداري الذي يستعمله اليماني في قيادته السياسية وإدارة اليمن أصح وأقرب إلى النمط الإداري الإسلامي في بساطته وحسمه , بينما لا تخلو دولة الإيرانيين من تعقيد الروتين وشوائبه ، فيرجع الفرق بين التجربتين إلى طبيعة البساطة والقبيلة في المجتمع اليماني ، وطبيعة الوراثة الحضارية والتركيب في المجتمع الإيراني .
ب-أن تكون ثورة اليماني أهدى بسبب سياسته الحاسمة مع جهازه التنفيذي ، سواء في اختياره من النوعيات المخلصة المطيعة فقط ومحاسبته الدائمة والشديدة لهم ، وهي السياسة التي يأمر الإسلام ولي الأمر أن يتبعها مع عماله كما في عهد أمير المؤمنين عليه السلام إلى عامله في مصر مالك الأشتر( رضوان الله عليه)[8]
إلّأ أنّ أبرز إحتمالين في المقام:
أ-أن راية اليماني رايةٌ خالصةٌ بولائها للإمام عليه السلام ، وأن اليماني وأصحابه يرون وجوب نصرة الإمام تكليفاً خالصاً لا يشوبه شيء، أي الولاء الكامل والطاعة التامة للإمام عليه السلام من قبل اليماني وجيشه، هذا من ناحية, ومن ناحيةٍ أخرى فإن عقيدة اليماني الاثني عشرية وأصحابه الميامين تؤهلهم إلى أن تكون رايتهم أهدى الرايات، في حين سيكون الجيش الخراساني ذا تركيبة لخليطٍ سياسي متنوع تحمل معها توجهاتٍ سياسيةٍ مختلفة، وأكثرها خطراً هو ذلك التوجه الزيدي الذي يرى في الخراساني أنه إمام مفترض الطاعة, وكون كل من قام بالسيف وتصدى فهو الإمام المفترض الطاعة. وتكون نصرتهم للخراساني بهذا الداعي البعيد عن نصرة الإمام وتأييده, معتقدين أن خروجهم مع الخراساني هو لهذا الداعي وليس لغيره، لذا ورد أن هؤلاء الخليط من الجيش الخراساني سيعارضون الإمام عليه السلام ويعترضون عليه وهم الزيدية كما ورد في بعض الروايات.
ب- إنّ ثورة اليماني أهدى باعتبار أنَّها تحضى بشرف التوجيه المباشر من الإمام المهدي عليه السلام ، وتكون جزءاً مباشراً من خطة حركته عليه السلام ، وأن اليماني يتشرف بلقائه ويأخذ توجيهه منه, ويؤيد ذلك أن أحاديث ثورة اليمانيين تركز على مدح شخص اليماني قائد الثورة وأنه : " يهدي إلى الحق ، ويدعو إلى صاحبكم ، ولايحل لمسلم أن يلتوي عليه ، فمن فعل ذلك فهو إلى النار "[9], أمَّا ثورة الإيرانيين الممهِّدة فالتركيز في أحاديثها على مدح جمهورها بعنوان أصحاب الرايات السود وأهل المشرق وقوم من المشرق ، أكثر من مدح قادتها ما عدا شعيب بن صالح ، الذي يفهم من أحاديثه أنه متميّز عن بقية قادة الرايات السود.
ثالثاً: النفس الزكيّة.
-من هو ذو النفس الزكيّة وما هو نسبه؟
أ-إنّ المتأمّل في الروايات الواردة عن أهل البيت(ع) وفي المصادر التاريخيّة يجد أنَّ مصطلح النفس الزكيّة يُطلَق على ثلاث شخصيّات:
الأولى: قتيل منطقة تسمّى بأحجار الزيت في المدينة المنوّرة وهو محمد بن عبد الله بن الحسن الذي ثار على الدولة العبّاسيّة وقد قُتل في عهد المنصور العباسي.
الثانية : هي التي تقتل ذبحًا في الحرم المكي بين الركن والمقام ، حين الإعلان بظهور الإمام المهدي (عليه السلام ).
الشخصية الثالثة : هي التي تُقتل في ظهر الكوفة ( النجف ) مع سبعين آخرين ، قبل الإعلان بظهور الإمام المهدي (عليه السلام),وقد طبّق البعض هذه العلامة على شهيد المحراب السيّد محمّد باقر الحكيم باعتبار أنّ الروايات لم تحدّد الوقت الذي يفصل هذه العلامة عن الظهور بل ذكرت أنّها تحدث قبل الظهور.
الشخصيّة الثانية هي االمرتبطة بالإمام وبعمليّة ظهوره المبارك حيث تحدَّثت الروايات الواردة في علائم الظهور عن خمس علامات من بين مجموعة العلامات بنحوٍ خاصٍّ ومستقلٍّ ,ومن خلال التركيز على حتميتها أكثر من غيرها.
وقتل النفس الزكية من جملة هذه العلامات الخمسة,حيث يقول الإمام الصادق (عليه السلام)، في حديث معتبر: «خَمْسُ عَلَامَاتٍ قَبْلَ قِيَامِ الْقَائِمِ، الصَّيْحَةُ وَالسُّفْيَانِيُّ وَالخَسْفُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ وَالْيَمَانِي»[10]
والمفهوم من الروايات أنَّه شخص بريءٌ يقتَل في زمان ومكان خاصّين ، منها ما رواه الطوسي في الغيبة: «النفس الزكيَّة غلام من آل محمّد اسمه محمّد بن الحسن يُقتَل بلا جرم ولا ذنب...»[11]
أمّأ اسمه فقد جاء في بعض الأحاديث أنَّ اسمه محمَّد، فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) في رواية أنَّه قال: «اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ».
وفي رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: « وَقَتْلُ غُلَامٍ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَامِ، اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ النَّفْسُ الزَّكِيَّة"[12]
ب-نسبه.
حسب ما تصرّح به الروايات الواردة عن النبي وأهل بيته(ع) أنّ النفس الزكيّة يعود بالنسب إلى قريش وتحديداًرسول الله محمد (صلی الله عليه وآله وسلم) ، غير أنّه وقع الخلاف في هل هو من عقب الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) كما تشير بعض الروايات ، أم هو من عقب الإمام الحسين الشهيد عليه السلام كما تشير روايات أخرى, إلّا أنّ المشهور هو الأوّل باعتبار أنّ الروايات الناسبة له إلى الإمام الحسن (ع) أكثر عدداً وأقوى سنداً.
2- زمان ومكان ظهوره, وسبب استشهاده.
أ-تفيد الروايات أنّ مكان ظهور النفس الزكيّة هو مكّة المكرَّمة,أمّا الزمان فتحدّده الروايات بأنّه سيسبق ظهور الإمام المهدي المنتظر بخمسة عشر ليلة فرُوي عن أبي عبد الله (عليه السلام) : "ليس بين قيام القائم وبين قتل النّفس الزكية إلاّ خمس عشرة ليلة "[13].
ب-سبب استشهاده.
تشير الروايات إلى استشهاد النفس الزكيّة في الحرم المكّي ، وبالتحديد بين ركن الكعبة و مقام ابراهيم (عليه السلام )، وأنّه سوف يستشهد ذبحًا في بيت الله الحرام -ومن المرجّح أنّ الجهة القاتلة هي التي بيدها السلطة في الكعبة في وقت الظهور- والسبب في ذلك هو أداؤه لدوره في الحركة المهدويّة وهو أن يكون رسولاً للإمام المهدي عليه السلام لأهل مكّة وكل المسلمين عبر قراءته لبيان إعلان ظهور الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه), بحيث تقول الرواية: أبو بصيرعن الإمام الباقر (عليه السلام) في حديثٍ طويلٍ
«... يقول القائم لأصحابه: يا قوم إنَّ أهل مكّة لا يريدونني، ولكنّي مرسِل إليهم لأحتجَّ عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتجَّ عليهم، فيدعو رجلاً من أصحابه فيقول له: امض إلى أهل مكَّة فقل: يا أهل مكّة، أنا رسول فلان إليكم، وهو يقول لكم: إنّا أهل بيت الرحمة، ومعدن الرسالة والخلافة، ونحن ذريّة محمّد وسلالة النبيِّين، وإنّا قد ظُلمنا واضطُهدنا وقُهرنا، ابتُزَّ منّا حقّنا منذ قُبِضَ نبيُّنا إلى يومنا هذا، ونحن نستنصركم فانصرونا. فإذا تكلَّم هذا الفتى بهذا الكلام أتوا إليه فذبحوه بين الركن والمقام، وهي النفس الزكيَّة، فإذا بلغ ذلك الإمام قال لأصحابه: ألَا أخبرتكم أنَّ أهل مكّة لا يريدوننا...»[14].
رابعاً: شعيب بن صالح.
1-إسمه ونسبه.
الظاهر من التأمّل في الروايات أنَّ شعيباً بن صالح رجلٌ من عرب إيران أو من بني تميم وهو يقود جيش الخراساني حال اقتحامه العراق لإنقاذ شيعة العراق من بطش السفياني وعلى بعض الروايات سينصَّب لاحقا بعنوانه قائداً لجيش الامام (عج), وقد ذكرت له الروايات بعض المواصفات الجسديّة ككونه كوسج أي أكوس اللحية وكذلك ورد في نفس الموضع أنَّه رجل ربعة أسمر اسمه مولى لبني تميم, خفيف شعر اللحية وكذلك أنَّه شاب قوي أصفرالوجه.[15]
2- دوره في عمليّة الظهور.
تفيد الروايات أنّ دور شعيب بن صالح يبدأ بعد أن يبلغ السفياني الكوفة ويقتل فيها مقتلةً عظيمةً بحيث يخرج كقائد من قادة جيش الخراساني من خراسان على رأس خمسة آلاف راياتهم سود وثيابهم بيض، فتلتقي الرايات السود بالسفياني بباب اصطخر، فيكون بينهم ملحمةعظيمة، و يهرب حينها خيل السفياني، ثمّ يكمل شعيب بن صالح حركته متّجهاً نحو بيت المقدس بحيث يوطّئ للمهدي (عليه السلام) سلطانه ويمدّ إليه ثلثمائة من الشام بحيث يكون بين خروجه وبين أن يسلّم الأمر للمهدي (عج) اثنان وسبعون شهراً.
الخاتمة.
1_لا شكّ أنّ القضيّة المهدويّة بكلّ متعلّقاتها- سواء لجهة المفاهيم المرتبطة بها أو ما يتعلّق بنفس الإمام ,وولادته وحياته, ووجوده وغيبته بالإضافة إلى حركته ومرتكزاتها, وأنصارها, وأعدائها - هي من القضايا الجديرة بالبحث العلمي وتسجيل الإضاءات المعرفيّة حولها لما لها من دورٍ في تحديد مستقبل البشريّة المتعبة وخلاصها وهمومها وآلامهاو آمالها,فقد أناط الله بالإمام(عليه السلام) أعظم مهمّة وهي أن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئت ظلماً وجوراً وقد سلّطتُ الضوء في هذه المقالة على هذه الشخصيّات الأربعة وبيّنت أهمّ معالمها , وهذا لا يُلغي ضرورة البحث في كلّ القضايا التي أشرت إليها والتأسيس المفاهيمي العميق والدقيق لها.
2- خلاصة النتائج التي توصّلت إليها في المقالة:
أ_السيّد الخراساني شخصيّة لها دورٌ أساسيّ في الظهور, ودورها سوف يكون في العراق وليس في الحجاز, وكذلك في قتال الخوارج والترك, وصولاً إلى تحرير القدس مع الإمام, وسوف يعتمد في حركته على قائد جيشه"شعيب بن صالح وعلى الرايات السود المشرقيّة الخراسانيّة.
ب-راية اليماني هي أهدى الرايات باعتبار الإخلاص العقائدي في شخصه وجيشه, والتوجيه المباشر الذي يحظى به من الإمام(عليه السلام), والأرجح أنّه من اليمن, وسوف يكون دوره واسعاً ليشمل كلَّ الدول العربيّة وصولاً إلى المعركة النهائيّة التي يقضي بها على السفياني.
ج-النفس الزكيّة شخصٌ بريء من ولد الحسن (عليه السلام) أو الحسين(عليه السلام) يُقتل بلا ذنبٍ بين الركن والمقام في الحرم المكّي, وقتله من العلامات الحتميّة للظهور, والأرجح أنّ القاتل له هي السلطة الحاكمة آنذاك بسبب دوره في قراءة بيان إعلان ظهور الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه).
د- شعيب بن صالح شخصٌ عربيّ يبدأ عمله كقائد لجيش الخراساني, ثمً تشير بعض الروايات إلى أنّه يصبح القائد العامّ لقوّات الإمام (عج), كما أنّ دوره الأساسيّ هو إنقاذ شيعة العراق من بطش السفياني, ثمّ يكمل شعيب بن صالح حركته متّجهاً نحو بيت المقدس بحيث يوطّئ للمهدي (عليه السلام) سلطانه.
*الشيخ علي كريّم \ من خرّيجي جامعة المصطفى (ص) العالميّة
1-المجلسي,محمد باقر:بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار,تصحيح:محمدباقر البهبودي,ط3,دارإحياء التراث العربي,بيروت-لبنان,1983ه,ج52,ص193.
2-إبن طاووس, التشريف بالمنن في التعريف بالفتن المعروف بالملاحم والفتن,ط1, مؤسسة صاحب الأمر,1416ه ,ج ١,ص ١١٧.
3 - راجع الكوراني,علي,عصر الظهور, سازمان تبليغات جاب دوم، 1379 . ترجمه عباس جلالي، ص 247
4- إنًّ هذا الحديث موجود في المصادر السنيّة والشيعيّة-مع الاختلاف في بعض الزيادات والنقائص- ومن أقدم المصادر السنية التي روته أو روت قسماً منه ابن ماجة في سننه : ٢/٥١٨ و ٢٦٩ ، والحاكم : ٤/٤٦٤ و ٥٥٣ ، وابن حماد في مخطوطته الفتن ص ٨٤ و ٨٥ ، وابن أبي شيبة في مصنفه : ١٥/٢٣٥ ، والدارمي في سننه ص ٩٣ ، ثم رواه عنهم أكثر المتأخرين..
أمّا في المصادر الشيعيّة فنجده السيّدإبن طاووس في الملاحم والفتن ص ٣۰ و ١١٧ ، ورواه المجلسي في البحار , ٥١/٨٣ عن أربعين الحافظ أبي نعيم ، الحديث 27 في مجيئه ـ أي المهدي عليه السلام ـ من قبل المشرق. وروى شبيهاً به في : ٥٢/٢٤٣.
5 -الصدوق,محمد بن علي بن الحسين,كمال الدين وتمام النعمة, تصحيح وتعليق : علي أكبر الغفاري,مؤسسة النشر الإسلامي التابة لجاعة المدرسين بقم المشرّفة,1405ه,ج1,ص327.
6-راجع م,ن,ج1 ص 328 باب 32 .[6]
7- النعماني, إبن أبي زينب,الغيبة ,ط1, تحقيق : فارس حسون كريم, منشورات أنوار الهدى - ايران - قم ,1422ه,
ص 264 ، باب 14 ، ح13 .
8 -راجع, عصر الظهور, م,س,ص143.
9 - الطوسي,محمد بن الحسن, الغيبة,ط1,مؤسسة المعارف الإسلاميّة,1411ه,ج1,ص447.
10 -الكليني,محمد بن يعقوب,أصول الكافي, دار التعارف للمطبوعات,ج1,ص245,ح483.
11 -الطوسي,محمد بن الحسن, الغيبة,م,س,,ص484.
12 - الكوراني,علي, معجم أحاديث الإمام المهدي (ع): ٤٩٣/ الرواية ١٠٦٣, ط1, انتشارات مؤسَّسة المعارف الإسلامية, ١٤١١هـ, قم. نقلاً عن مختصر إثبات الرجعة, الرواية ١٨.
13 -الغيبة للطوسي, م,ن, : ص 445 باب علائم ظهور الحجة ، حديث رقم 440.
14- المجلسي,محمد باقر:بحار الأنوارم,س,,ج ٥٢: ٣٠٧ص,الرواية .٨١.
15 -الملاحم والفتن,م,س,: ب 98 ص 53 و 54.