الجمعة 22 تشرين الثاني 2024 الموافق لـ 12 جمادى الاولى 1446هـ

» قراءات ومـــراجعــات

السيادة الشعبيّة الدينيّة - قراءة في المفهوم والمشروعيّة والمرتكزات

بحث مدرج في العدد 34 من مجلّة الكلم الطيّب الصادرة عن ممثّلية جامعة المصطفى (ص) العالميّة في لبنان

محمد بنعمارة([1])

 مقدّمة: يختلف النظام السياسيّ في الإسلام عن سائر الأنظمة السياسيّة الوضعيّة في مجال الحكم وإدارة المجتمع؛ فهو ليس نظاماً مَلَكيّاً ولا ديكتاتوريّاً استبداديّاً ولا ديمقراطيّاً ولا ثيوقراطيّاً ولا غيرها من الأنظمة السياسيّة التي وضعها البشر، بل هو نظام يتناسب مع الهدف من خلق الإنسان وكونه خليفة الله في الأرض، نظام يجعل الحاكميّة للإنسان في طول حاكميّة الله سبحانه وتعالى، في ما بات يُعرَف حديثاً في الأدبيّات السياسيّة الإسلاميّة بـ "السيادة الشعبيّة الدينيّة".

ومن هذا المنطلق، تحاول هذه المقالة تسليط الضوء على هذا الخاصّيّة في النظام السياسيّ في الإسلام، من خلال بيان مفهوم السيادة الشعبيّة الدينيّة، وجذوره، ومرتكزاته، بالاعتماد على مجموعة من الأبحاث والكتب التي اهتمّت ببحث السيادة الشعبية الدينيّة ونظّرت لها.

أولاً: مفهوم السيادة الشعبيّة الدينيّة:

مفهوم السيادة الشعبيّة الدينيّة مفهوم مركّب من مصطلحات ثلاثة؛ وهي: السيادة، والشعب، والدين. وللوقوف على هذا المفهوم لا بدّ من معرفة كلّ مصطلح وإضافته إلى المصطلح التالي وملاحظة ما ينتج عن هذه الإضافات.

1. السيادة:

يراد من السيادة في علم السياسة والقانون: سلطة الهيمنة والسيطرة التي تمتلكها الدولة؛ بحيث يكون كلّ شيء فيها خاضع لهذه السلطة، بل إنّ السيادة هي أعلى درجات السلطة؛ إذ جاء في تعريفها: "هي السلطة العليا التي لا تعلوها سلطة، وميزة الدولة الأساسيّة الملازمة لها والتي تتميّز بها عن كلّ ما عداها من تنظيمات داخل المجتمع السياسي المنظّم، ومركز إصدار القوانين والتشريعات، والجهة الوحيدة المخوّلة بمهمّة حفظ النظام والأمن، وبالتالي المحتكرة الشرعيّة الوحيدة لوسائل القوة ولحق استخدامها لتطبيق القانون"[2].

2. الشعب:

هو مصطلح اجتماعي سياسي يعبّر به عن مجموعة الأشخاص الذين تربطهم روابط معينة[3]، إمّا رابطة العيش في مكان واحد، أو رابطة الأصل الواحد، أو العادات والتقاليد، أو الدين وغيرها، وغالباً ما تطلق كلمة الشعب ويراد منها مجموعة الأفراد الذين يقطنون في بقعة واحدة.

وبإضافة كلمة السيادة إلى الشعب يتّضح أن السيادة الشعبية هي سلطة الشعب العليا، فالشعب هو مصدر السلطة العليا، وكل شيء هو خاضع لإرادة الشعب وسلطته.

ومفهوم السيادة الشعبيّة يساوق مفهوم الديمقراطيّة؛ إذ ليست الديمقراطية إلا شكلاً من أشكال الحكم يكون فيه الشعب هو مصدر السلطة، فالديمقراطيّة هي تعبير آخر عن مفهوم السيادة الشعبيّة.

3. الدين:

وهو مجموعة من المعتقدات التي يؤمن بها الإنسان حول الكون والوجود.

وبإضافة السيادة الشعبية إلى كلمة الدين يتّضح أنَّ السيادة الشعبيّة الدينيّة هي سلطة الشعب الملتزم بمعتقدات دينيّة؛ بحيث لا يمارس هذا الشعب سلطته إلا في إطار الدين ومبادئه، ويصير بذلك دين الشعب هو مصدر السلطة العليا.

وإرادة الشعب قد تكون مطلقة، وقد تكون محكومة ومقيّدة بقيود متعدّدة ومختلفة تختلف بحسب المباني الفكريّة والمصادر المعرفيّة لهذا الشعب، فينتج عنها تارة ديمقراطية اجتماعية، وتارة أخرى ليبرالية، وسيادة شعبيّة دينية فيما لو كانت إرادة الشعب مقيّدة ومحكومة بحكم الدين تستظلّ بظل هدايته[4].

ولمفهوم السيادة الشعبيّة الدينيّة ارتباط وثيق بمفهوم الولاية؛ لأنّه ينبثق منها ويتأسّس عليها، فبحث الولاية بحث في مشروعيّة الحكم والحاكم، وبحث السيادة الشعبيّة بحث في تمكين الشعب للحاكم من إقامة الحكم وإخراج حاكميته إلى حيّز الفعليّة، بعد توافره على المشروعيّة الإلهيّة.

والإسلام الذي يعتمد نظام السيادة الشعبيّة الدينيّة نظاماً لحكومته هو نفسه يعبّر عن الحكومة بلفظ الولاية[5]؛ وهذا ليس إلا لأنّ نظام السيادة الشعبيّة الدينيّة لا يمكن أن يقوم خارج إطار الولاية.

ثانياً: المشروعيّة الدينيّة للسيادة الشعبيّة:

لبيان المشروعيّة الدينيّة للسيادة الشعبيّة في النظام السياسي في الإسلام، يمكن استعراض نماذج واضحة وجليّة تتكفّل بإثبات هذا الحقّ للشعب في ظلّ الحكومة الإسلاميّة؛ وهي:

1. حكومة النبي (ص):

ابتدأ النبي الأكرم محمد (ص) تشكيل البذرة الأولى للإسلام عن طريق الدعوة السرّيّة من خلال دعوة بعض الأفراد الخاصّة من ذوي القربى، امتثالاً لأمره تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين}[6]؛ وذلك لتكون البذرة الأولى للإسلام صافية نقيّة خالصة من كلّ عيب، فينطلق المشروع الإلهي بشكل سليم ليشعَّ على كامل الإنسانيّة.

فبدأ الإسلام أوّل ما بدأ بالنبي محمد (ص) وعلي (ع) وخديجة (ع)، حيث كان بينهم ارتباط وانسجام تامّين، فذابوا في المشروع الإلهي تمام الذوبان، وأظهروا بذلك المعنى التامّ للولاية، ثمَّ أخذت الدعوة بالتوسّع والامتداد سرّاً إلى خارج دائرة ذوي القربى.

ومن الملاحظ أنّ النبي (ص) في هذه المرحلة لم يعمد إلى تشكيل نظام وحكومة، وليس ذلك إلا لأنّه لا يمكن إنشاء أيّ نظام بدون شعب مؤمن بالنظام وبالقائد، ومن المعلوم أنّه في البدايات وفي الفترة الأولى للدعوة كان المسلمون قليلين جداً وكان الأعداء أقوى عدّة وعتاداً، وبالتالي، فإنّ العمل على إقامة نظام وحكومة سيكون إجهاضاً للمشروع منذ البداية.

لذا، لم يكن على النبي (ص) في الفترة الأولى إلا العمل على إيجاد مجتمع إسلامي، ومحيط اجتماعي يمتلك الحدّ الأدنى من الوعي والإيمان به وبدينه؛ ليتسنّى له بعدها إقامة الحكم، وأن يكون ذا سلطة وقدرة على تطبيق معتقداته وأفكاره على هذا المجتمع، ليقوم بعدها بالمشروع الإلهي العظيم. وهذا ما قام به النبي (ص) بالفعل؛ حيث جاهد (ص) ثلاث عشرة سنة خلال الفترة المكّيّة لإيجاد المجتمع الإسلامي، وتكوين الأرضية المناسبة لقيام نظام وحكومة.

ثمّ بعد هجرته (ص) إلى المدينة، ومن خلال جهاد طويل وعمل وسعي دؤوبين في بناء مجتمع إسلامي، وتهيئة الظروف الموضوعيّة لإقامة الحكومة الإسلاميّة، استطاع النبي (ص) أن يقيم حكومة، ويشيّد نظاماً.

2. حكومة الأئمّة (عله):

بعد استشهاد رسول الله (ص) تغيّرت الظروف؛ بحيث آلت قيادة الحكومة إلى غير صاحبها الذي أوصى به رسول الله (ص) وبايعه الناس في بيعة الغدير.

وهذا الأمر لم يكن ليفقد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) إمامته على الأمَّة، لكنّه أفقده السلطة السياسيّة والالتفاف الشعبيّ، الذي سيتمكّن من خلاله من المحافظة على مسار هذه الحكومة بشكل سليم وبدون أيّ انحراف. فاكتفى بالمتابعة والنصح؛ لكي لا تبتعد هذه الأمَّة كثيراً عن مسارها الإلهيّ، وهو المسار الذي أسّسه رسول الله (ص) لتصل إلى حكم العالم بالتعاليم الإلهية.

ونظراً للأحداث التي وقعت في عهد الخليفة الثالث، حيث قامت في وجهه ثورة شعبيّة أخرجته من رأس النظام الإسلاميّ، وتوجّه الشعب إلى أمير المؤمنين (ع) يناشده تسلّم القيادة، وكان من بين المناشدين كبار الصحابة، أي إنَّ كلّ الشعب توجّه لبيعته إلا القليل القليل. وعندما أتيحت الفرصة لقيام حكومة أمير المؤمنين (ع)، نهض الإمام (ع) بالمجتمع في شؤونه الدنيويّة والدينيّة، فكانت حكومته أنموذجاً مثاليّاً لنظام السيادة الشعبيّة الدينيّة.

ففي تلك المرحلة توافرت القيادة الجامعة لكلّ الشرائط، مدعومة من قاعدة جماهيريّة كبيرة جدّاً، وهذه الجماهير من تلقاء نفسها ومن داعي الإلمام بالظروف التي وصلت إليها الأمَّة اتّجهت لبيعة أمير المؤمنين (ع)، بالرغم من امتناعه في بداية الأمر، لكنْ بحكم أنّه هو الرجل الأصلح في الأمَّة، كان يعرف جيّداً أنّه عند قيام الحجّة لا بدّ من أداء واجبه، وهذا ما أشار إليه في خطبته الشقشقية؛ إذ قال: "أما والذي فلق الحبّة، وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن يقاروا على كظّة ظالم، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز...!"[7].  

وبعد استشهاد أمير المؤمنين (ع) قاد الإمام الحسن (ع) الأمَّة لمدّة وجيزة، لكنّ هذا الشعب لم يكنْ له درجة وعي عالية ليميِّز جبهة الحقّ من جبهة الباطل؛ ما أدى إلى اغتياله (ع) وانتقال السلطة إلى معاوية بن أبي سفيان عن طريق الغدر، والتحايل، واشتراء ذمم الناس.

ثمّ اتّسعت دائرة الانحراف في الأمَّة وتحوَّل الحكم إلى مُلك يتداوله بني أميّة. هذا ما جعل الإمام الحسين (ع) يقوم على حكم يزيد بن معاوية، فبدأ الإمام (ع) تحرّكه باستنهاض الناس على جميع المستويات للقيام على هذا الحكم الجائر الذي مزَّق أوصال الأمَّة وحرّف تعاليم الدين.

قام الإمام الحسين (ع) بإعداد جميع الخطوات اللازمة لإعادة قيام الحكومة الإسلاميّة على نظامها المثالي، وهو نظام السيادة الشعبية الدينية، فخطب في الناس ومن بينهم الصحابة، وبيَّن لهم الحق من الباطل، وبيَّن مكانته من رسول الله (ص). فنجحت دعوته، وبرز ذلك من خلال وصول آلاف الرسائل من الكوفة تدعوه للنصرة.

 وبذلك توافرت الظروف الموضوعيّة لقيام نظام السيادة الشعبية الدينية، فالإمام هو القائد الجامع للشرائط، والناس تناديه وتدعوه للنصرة والبيعة. فخرج حينها الإمام (ع) وقام بثورته على النظام السائد، لكنّ الأمور آلت إلى استشهاده بسبب خذلان الذين دعوه للنصرة والبيعة، بما زاد الأمور تعقيداً من الناحية السياسيّة.

ودخلت الأمَّة بعدها مرحلة جديدة مع باقي الأئمّة (عله)، وهي متشابهة بشكل كبير من حيث موقعهم السياسيّ؛ فقد نهج كلّ إمام بحسب ظروف الفترة التي عاشها منهجاً تأسيسيّاً وتوعويّاً، فكان كلّ إمام يهيّئ الظروف للإمام الذي يليه، وبشكل عامّ كانت حركة الأئمّة (عله) تتمحور حول تأهيل الأمَّة لقيام الحكومة الإسلاميّة العادلة وتحقيق حلم الأنبياء (عله).

والشاهد في هذه المرحلة، أنّه على الرغم من توافر القائد الجامع للشرائط لم يقم نظام السيادة الشعبيّة الدينيّة؛ لأنَّ الشعب لم يكن واعياً، ولم يلتفّ حول القائد الفعليّ، وكذلك تميَّزت هذه الفترة بارتباط الأئمّة (عله) مع شيعتهم من خلال خواصّ أصحابهم الذين تكفّلوا بإيصاله ما يريده الإمام (ع) لأتباعه في المناطق البعيدة. لذا، يمكن القول: إنَّ الأئمّة (عله) كانوا يكرِّسون نظام السيادة الشعبية الدينية في شيعتهم، وذلك بممارسته ولو بشكل سريٍّ ومصغَّر.

ننتقل الآن إلى مرحلة أخرى، وهي مرحلة غيبة الإمام المهدي (عج)، فقد تميّزت هذه المرحلة بأنّها المرحلة الأولى التي يكون فيها الإمام (عج) غائباً، وتبقى الأمور عند المسلمين بين محكم ومتشابه، فإنْ كان قيام الحكومة الإسلاميّة على أساس السيادة الشعبيّة الدينيّة في حال حضور الإمام المعصوم (ع) أمراً صعباً، فما هو الحال في غيبته؟ وبخاصة أنَّ ظهوره يتكلَّلُ بقيام حكومة العدل الإلهيّ على كامل وجه الأرض.

3. حكومة الولي الفقيه:

في زمان الغيبة الكبرى للإمام الحجّة (عج) ازداد بطش الحكومات الجائرة تجاه الأقلّيَّات المؤمنة، فما كان على هذه الأقلّيَّات إلا بذل الجهود للحفاظ على الأسس الإسلاميَّة الأصيلة في ظلّ الانحراف الذي وصلت إليه الأمَّة، الأمر الذي جعل اهتمامهم منصبّاً على الأفراد؛ وذلك بتعريف الفرد وتوعيته تجاه دينه؛ لذلك نلاحظ أنّ العلماء في تلك الفترة كان تركيزهم على المسائل التي من شأنها القيام بالفرد، وبخاصّة المسائل الفقهية، ولم نجد عندهم مسائل موجّهة للمجتمع أو للحكومة. إذاً، كان الدور الأكبر للعلماء في زمن الغيبة يكمن في الحفاظ على الإرث الإسلاميّ الأصيل إلى أنْ يأتي الفرج بظهور الحجّة (عج).

لقد تكلّلت هذه المرحلة بظهور رجل دين تتوافر فيه صفات عالية من الفقاهة، والدراية، وحسن التدبير، والأهمّ من ذلك، كونه ذا بصيرة عالية في فهم سيرة المعصومين (عله)، وفهم قضايا عصره، وهو الإمام الخميني (قده)، حيث تمكَّن من القيام بثورة في بلده أنتجت حكومة إسلامية بقيادته، وسُمّي منصب القيادة على إثرها (ولاية الفقيه).

وعند قراءة الأحداث التي قامت من خلالها الجمهورية الإسلامية في إيران، نلاحظ أنَّ رجال الدين هم الذين قادوا الحركة الثورية، التوعوية، والثقافية؛ وذلك بفضل قراءتهم السليمة للتاريخ وحركة المعصومين (عله)، والارتباط بقيادة واعية، تقيّة، مؤمنة، عادلة، وشجاعة حملت هموم هذه الأمَّة على عاتقها، وكذلك وجود انسجام كبير بين القائد وأتباعه؛ فأصبحت له ولاية عليهم، وهذا ما ساهم بشكل أساس في نجاح الثورة، مع توعية الشعب لقضايا الدولة ومستقبلها، وحثّه على المشاركة في العمليّة السياسيّة، وكسر قاعدة فصل الدين عن السياسة التي تربعت منذ زمن بعيد على الأنظمة السياسية، بما زاد في الانحراف في شتّى المجالات.

وبفعل توافر الإمام الخميني (قده) على صفات القيادة وشروطها، وتهيّىء الظروف الموضوعيّة للثورة، قام بها وأسقط حكومة الطاغوت.

وقبل اختيار نوع النظام الذي ستقوم عليه الدولة بعد الثورة، أجرى الإمام (قده) استفتاءً شعبياً للموافقة على النظام الاسلامي؛ بوصفه نظاماً رسميّاً للدولة. وفعلاً، حاز هذا النظام على موافقة الأغلبية، ولم يكن هذا النظام وليد عقله ولا هذا الاستفتاء، بل كان نتيجة القراءة السليمة لسيرة الرسول الاكرم (ص) والأئمّة (عله)، وبذلك أخذ السيادة لحكمه من الشعب.

إنّ الولي الفقيه الجامع للشرائط هو من يتصدّى لقيادة الأمّة، حتّى لا يتوهّم أحد في عصر غيبة الإمام (عج) تتوقّف حدود الله وشريعته، بل إنَّ الله بعث شريعة صالحة لكلّ الأزمنة -بحضور المعصوم (ع) أو بغيابه- وبخاصّة أنّ غيبة المعصوم (عج) هي حكمة إلهيّة بحتة، فيبقى للناس دورهم في إقامة شريعة الله تعالى في الأرض.

قال تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}[8].  

وبهذا يتّضح أنّ حكومة ولاية الفقيه حكومة قائمة على نظام السيادة الشعبيّة الدينيّة؛ إذ أنَّ الولي الفقيه هو القائد في هذا النظام، وهو يرعى حقوق الشعب بحسب الأسس الدينيّة الصحيحة، وكلّ هذا في ظلّ غيبة الإمام المعصوم (عج).

ثالثاً: مرتكزات السيادة الشعبيّة الدينيّة:

يرتكز نظام السيادة الشعبية الدينيّة على ثلاث مرتكزات يتكوّن منها ويتّكأ عليها؛ وهي: الدين، القيادة الدينيّة، والشعب.

1. الدين:

إنَّ الله -سبحانه وتعالى- خلق الإنسان، وخلق كلّ ما في الكون لخدمته وللوصول إلى كماله المنشود، وفي هذا الصدد بعث له أنبياء، ورسلاً، وأئمّة، وقادة لهدايته إلى الطريق السوي؛ إذ كان من دور هؤلاء هو إيضاح معالم هذا الطريق، وبيان القوانين، والوسائل والوسائط التي إذا ما التزم بها الإنسان باختياره وصل إلى هدفه المنشود.

ولذلك، إنّ أيّ نظام سياسي يريد أنْ يحكم البشريّة، لا بدَّ أن يكون الدين هو الركيزة الأساس فيه؛ لكي لا يعارض محور حركة الوجود؛ وهو الله سبحانه وتعالى، وأساس الحكم في الإسلام هو الحكم بما أنزل الله -تعالى-، لما فيه من إدراك لمعنى الربوبيّة التشريعيّة؛ إذ أنّ الحكم بغير ما أنزل الله يعدّ كفراً بالربوبية التشريعيّة.

وعليه، فإنَّ الدين هو أساس كلّ حكم، بل إنّ كلَّ حكم سياسيّ لا يكون الدين هو أساسه يتعارض قطعاً مع الهدف الإلهيّ من خلق الإنسان؛ حيث إنَّ محور حركة الوجود والحياة هو الله، وأن الله -سبحانه- استخلف الجماعة البشرية في إدارة شؤون الأرض من دون أن يعطي الإنسان حق التملّك المطلق، فمن حقّ الإنسان أن يدير شؤون الأرض والعباد، لكنْ ليس من حقّه أنْ يُهلِك الحرث والنسل، أو أنْ يظلم؛ إذ بمقتضى الاستخلاف الإنسان مستأمن على إقامة نظام العدل، وأنْ يهتدي بسنن المالك -سبحانه -، وأن يهدي الناس إلى سبل الرشاد الإلهي.

2. القيادة الدينيّة:

من متطلّبات النظام الذي يقوم على الدين بوصفه أساساً للتشريع هو توافره على قيادة نوعيَّة، قوامها التفقّه في الدين، وامتلاك النظرة السياسيَّة الثاقبة في التاريخ ابتداءً من قيادة رسول الله (ص) للأمَّة وصولاً إلى زمان الغيبة الكبرى، والمعرفة والوعي بقضايا العصر، والقدرة على تشخيص الواقع وتشخيص متطلّباته، والحفاظ على الأسس الإسلاميَّة  والانطلاق منها في مقاربة الواقع ومتطلّباته، ورصد مكامن التجديد؛ بحيث يشمل هذا التجديد بالدرجة الأولى علم الفقه الذي نراه منذ سنين يدور حول المواضيع نفسها، تلك المتعلّقة بالفرد، فيجب أن تتجدَّد هذه المواضيع وتشمل المجتمع ككلّ إلى أنْ تصل إلى أحكام شاملة تكون قادرة على الوصول إلى حكومة تسيّر أمور الشعوب.

وهذا ما قام به رسول الله (ص)، فهو أوّل قائد بنى حكومة إسلاميّة، وكان ذلك عبر التدرّج في الأحكام، من صناعة الفرد، ثمّ صناعة المجموعة، ثمّ المجتمع، ثمّ إنشاء الحكومة الإسلامية بقيادته، حيث كان هو القائد السياسيّ، والاقتصاديّ، والعسكريّ، والاجتماعيّ، والروحيّ...

وعليه، يجب أن يكون القائد المتصدّي لقيادة الأمَّة في عصر الغيبة على مستوى عال من العلم بشريعة رسول الله (ص)، وأنْ يكون عاملاً بها، واعياً بالأخطار الداخليّة والخارجيّة التي تهدِّد الاسلام... لأنّ قيادته ستكون امتداداً لقيادة رسول الله (ص) والأئمّة (عله).

يقول الإمام الخميني: "عندما نثبت نفس الولاية التي كانت للرسول (ص) والأئمّة (عله) للفقيه في عصر الغيبة، فلا يتوهمنّ أحد أنّ مقام الفقيه هو نفس مقام الأئمّة والنبي؛ لأنَّ كلامنا هنا ليس عن المقام والمرتبة، وإنّما عن الوظيفة -أي الحكومة وإدارة البلاد وتنفيذ أحكام الشرع المقدّس- هي وظيفة كبيرة ومهمة، لكنها لا تحدث للإنسان مقاماً وشأناً غير عادي، أو ترفعه عن مستوى الإنسان العادي، وبعبارة أخرى فالولاية -التي هي محلّ البحث، أي الحكومة والإدارة والتنفيذ- ليست امتيازاً، خلافاً لما يتصوّره الكثيرون، إنّما هي وظيفة خطيرة..."[9].

فالقائد الذي سيكون على رأس هذا النظام -السيادة الشعبية الدينية- سيقوم بالإشراف على تنفيذ جميع الأحكام التي جاء بها رسول الله (ص)، لذلك كان موقعه من النظام موقعاً ضرورياً ومرتبطاً به ارتباطاً وثيقاً، إذ لا سيادة شعبيَّة دينية من دون قائد تتوافر فيه الشروط المناسبة للقيادة.

مضافاً إلى الشروط التي تقدّمت والشروط العامّة؛ كالعقل، والتدبير، يجب أن يتوافر في القائد شرطان أساسيان -أيضاً-؛ هما: العلم بالقانون، والعدالة.

وقد ورد عن أمير المؤمنين (ع) أنّه قال: "أيّها الناس إنَّ أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه"[10].

ويقول الإمام الخميني (قده): "بما أنَّ حكومة الإسلام هي حكومة القانون، كان لزاماً على حاكم المسلمين أن يكون عالماً بالقانون"[11]. و"الحاكم يجب أن يكون عادلاً ومتمتعاً بالكمال العقائدي، والأخلاقي، وألا يكون ملوثاً بالمعاصي، فالذي يريد إقامة الحدود، وتطبيق القانون الجزائي الاسلامي، وإدارة بيت المال، وموارد البلاد ومصارفها، والذي يمنحه الله صلوحية إدارة عباده، يجب ألا يكون من أهل المعاصي: {ولا ينال عهدي الظالمين}، فالله -تعالى- لا يمنح صلاحيّات كهذه للجائر..."[12].

وفي دستور الجمهورية الإسلاميّة في إيران، نجد في المادة التاسعة بعد المئة من الفصل الثامن، الشروط المطلوب توافرها في القائد؛ وهي:

"أ. الكفاءة العلميّة اللازمة للإفتاء في مختلف أبواب الفقه

العدالة والتقوى اللازمتان لقيادة الأمّة الإسلاميّة
الرؤية السياسيّة الصحيحة والكفاءة الاجتماعية والإدارية، والتدبير، والشجاعة والقدرة الكافية للقيادة. وعند تعدُّد من تتوفر فيهم الشروط المذكورة، يفضّل من كان منهم حائزاً على رؤية فقهيّة وسياسيّة أقوى من غيره"[13].      
وفي وظائف القائد وصلاحياته، نجد في المادّة العاشرة بعد المئة من الدستور الإيراني:

" أ. تعيين السياسات العامّة لنظام جمهوريّة إيران الإسلاميّة بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام

ب. الإشراف على حسن إجراء السياسات العامَّة للنظام

ج. إصدار الأمر بالاستفتاء العام

د. القيادة العامَّة للقوات المسلّحة

هـ.  إعلان الحرب والسلام والنفير العام

ح.  نصب وعزل وقبول استقالة كلّ من:

      -  فقهاء مجلس صيانة الدستور

         -  أعلى مسؤول في السلطة القضائية

رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في جمهوريّة إيران الإسلاميّة
رئيس أركان القيادة المشتركة
القائد العام لقوات حرس الثورة الإسلاميّة
القيادات العليا للقوّات المسلّحة وقوى الأمن الداخليّ
ط. حلّ الاختلافات وتنظيم العلائق بين السلطات الثلاث

ي. حلّ مشكلات النظام التي لا يمكن حلّها بالطرق العادية خلال مجمع تشخيص مصلحة النظام

ك. إمضاء حكم تنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابه من قبل الشعب

ل. العفو أو التخفيف من عقوبات المحكوم عليهم في إطار الموازين الإسلامية..."[14].  

3. الشعب:

يُعدّ الشعب في نظام السيادة الشعبيّة الدينيّة أحد أهم أركان هذا النظام.

وقد يُشكّل: بأنّه كيف تكون الحاكميّة للشعب، في حين أنَّ القرآن يعبِّر بأنَّ الحاكميّة لله؛ أي أنَّه لا مشرِّع إلا الله -سبحانه وتعالى-؟!

والجواب: أنَّ حاكميّة الشعب تتمثَّل في القبول التامّ للحكم الإلهيّ، والتسليم المطلق لما يأتي به الشرع من قوانين تنظِّم حياة الإنسان في كلّ المجالات، والتسليم للقيادة التي لها الدور الأكبر في إيضاح مسائل الشرع، والالتفاف حولها ومساندتها في إقامة حكم الله تعالى وتطبيقه.

وللوقوف أكثر على دور الشعب في العمليّة السياسيّة، نستعرض أهمّ المشاركات الشعبيّة في الدولة؛ وهي:

الشعب وشورى المجتهدين: يقوم الشعب بانتخاب مجموعة مجتهدين بشكل مباشر، وهذه المجموعة تقوم بالاجتهاد الجماعي في الأمور السياسيّة والاجتماعيّة. وهذا عمل كبير جداً يعكس دور الشعب الكبير والمهمّ في بناء أركان الدولة، وبخاصة أنَّ هذه الشورى تقوم بانتخاب القائد نيابة عن الشعب، بما يعني أنَّ الشعب يقوم بانتخاب القائد بشكل غير مباشر، ومن صلاحيّات هذه الشورى القضاء، فبذلك يكون الشعب مساهماً في انتخاب رئيس السلطة القضائية بشكل غير مباشر، إلا أنَّ مشروعيّة انتخاب رئيس السلطة القضائية متوقِّفة على إمضاء الوليّ الفقيه، كما في سائر المناصب
الشعب ومجلس النوّاب: من أهمّ مظاهر المشاركة الشعبيّة في نظام السيادة الشعبيّة الدينيّة انتخاب النوّاب، فالشعب يقوم بانتخاب النوّاب بشكل مباشر، ويتكوّن هذا المجلس من مجموعة من المتخصّصين والخبراء في مختلف الحياة السياسيّة، وله ثلاث وظائف أساسيّة؛ أوّلها: المعرفة الدقيقة بالظروف السياسيّة، والاجتماعيّة، والاقتصاديّة، والثقافيّة، وغيرها، ورفعها لمجلس شورى المجتهدين لإخضاعها لعملية اجتهاد متناسبة مع تلك الاحتياجات، وثانيها: تحويل القوانين الشرعيّة لشورى المجتهدين إلى قوانين عاديّة لتطبيقها، وثالثها: التشريع في مجال الأمور العرفيّة العامَّة للمجتمع اعتماداً على المعرفة الدقيقة، والعلوم الحديثة، والتجارب العقليّة للناس في مختلف المجتمعات
الشعب ورئاسة الجمهوريّة: إنَّ رئاسة الجمهوريّة هي أعلى سلطة تنفيذيّة في النظام السياسيّ، ومن مظاهر المشاركة الشعبيّة في هذا النظام أنَّ الشعب هو من يقوم بانتخاب هذا المنصب بشكل مباشر، ويكون رئيس الجمهوريّة مسؤولاً أمام القائد

لمّا كانت الحاكميّة في المفهوم الإسلاميّ هي لله -تعالى- بالمطلق، ولمّا كان الإنسان خليفة الله في الأرض،كان لا بدّ من نظام يحفظ السلطة العليا والحاكميّة المطلقة له -تعالى-، ويضمن السيادة الأرضيّة للإنسان المستخلَف، فكان نظام السيادة الشعبيّة الدينيّة.

وقد تحقّق ذلك من خلال ما تمّ عرضه من استقراء تاريخيّ حول طريقة الحكم التي حكم بها أولياء الله، وكان حكم رسول الله (ص) من أبرز مصاديق هذا الحكم، ومن ثَمّ حكم أمير المؤمنين (ع)، وصولاً إلى دور باقي الأئمّة (عله) بالرغم من الظروف الصعبة لإقامة هذا الحكم أو تهيئة الأرضية المناسبة له وصولاً إلى دولة العدل الإلهيّ في عصر ظهور الإمام المهدي (عج).

ولأنّ شريعة الله غير مختصّة بزمن دون آخر، لذا كان على البشريّة، ولا سيّما العلماء الربّانيّين أن تستكملوا ظروف إقامة المشروع الإلهيّ لحكومة العدل وإقامة حكم الله تعالى وتطبيقه في زمن ظهور الإمام الحجّة (عج)، وأن يواصلوا سعيهم وجهدهم في هذا الصدد؛ بما يتلائم مع سيرة المعصومين(ع)، وقد تمكّن بعض علمائنا من فهم الواقع السياسي للمسلمين، وسعوا جاهدين لخدمة المجتمع الإسلامي بشكل خاصّ، والإنسانيّة بشكل عام، من خلال الوقوف في وجه الطواغيت وإعطاء روح جديدة للإسلام. ومن أبرز نتائج هذه الروح الجديدة قيام نظام الجمهوريّة الإسلامية في إيران تحت قيادة الولّي الفقيه بوصفه امتداداً لحكومة رسول الله (ص) والأئمّة (عله).

ومن هنا، ينبغي على كلّ مسلم أن يتقبّل هذا النظام ويسعى في إنجاحه من خلال:

بيان مرتكزات نظام السيادة الشعبيّة الدينيّة، وإيضاح مفهومه، ورفع بعض الشبهات عنه التي يطرحها الغرب من خلال تبنّيهم نظريّة فصل الدين عن السياسة
بيان مرتكزات دستور الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، فنظام الجمهورية الإسلاميّة قد حقّق نجاحات كبيرة على جميع المستويات، وصار منافساً صلباً لقوى الاستكبار في العالم، وأعطى وجهاً مقبولاً للحكم الإسلاميّ
لقد أعطى هذا الحكم القائم على نظام السيادة الشعبيّة الدينيّة نَفَساً جديداً للإنسان المعاصر؛ لاستعادة ثقته بنفسه، وأنْ يكون على طريق التحقّق بمشروع الخلافة الإلهيّة للإنسان في الأرض: {إنّي جاعل في الأرض خليفة}[15]، {ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثين ونمكّن لهم في الأرض}[16].

[1] طالب في مرحلة الإجازة في الفقه والمعارف الإسلاميّة، جامعة المصطفى (ص) العالميّة في لبنان.

[2] الكيالي، عبد الوهاب: موسوعة السياسة، ط2، المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر، بيروت، 1993م، ج3، ص356.

[3] انظر: م.ن، ص479.

[4] انظر: مجموعة من الباحثين: الفكر السياسي عند الإمام الخامنئي، ط1، دار المعارف الحكمية، بيروت، 1434هـ. ق/ 2013م، ص114.

[5] نور الدين، عباس: ولاية الفقيه ظل الحقيقة العظمى تجليات الفكر السياسي عند الإمام الخميني و الإمام الخامنئي، ط1، مركز باء للدراسات، بيروت، 2011م، ص116.

[6] سورة الشعراء، الآية 214.

[7] عبده، محمد: شرح نهج البلاغة، ط1، دار الذخائر، قم المقدّسة، 1412هـ. ق/ 1370هـ. ش، ج1، ص36.

[8] سورة المائدة، الآية 44.

[9] الخميني، روح الله: الحكومة الإسلاميّة، ط2، مركز الإمام الخميني الثقافي، بيروت، 1429هـ. ق/ 2008م، ص53.

[10] الشريف الرضي، نهج البلاغة، م.س، ج2، ص86.

[11]  الخميني، الحكومة الإسلاميّة، م.س، ص49.

[12] الخميني، الحكومة الإسلامية، م.س، ص51.

[13] دستور الجمهورية الإسلامية في إيران، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلاميّ (سلسلة الفكر الإيراني المعاصر)، ط1، بيروت، 2010م، ص63.

[14] دستور الجمهورية الإسلامية في إيران، م.س، ص65.

[15] سورة البقرة، الآية 30.

[16] سورة القصص، الآية 5.

1926 مشاهدة | 10-01-2020
جامعة المصطفى (ص) العالمية -فرع لبنان- ترحب بكم

مجلس عزاء عن روح الشهيد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ورفاقه

رحيل العلامة المحقق الشــيـخ علي كـوراني العاملي (رحمه الله)

ورشة تقنيات قراءة في كتاب

ورشة تقنيات تدوين رؤوس الأقلام

ورشة أسس اختيار الموضوع ومعايير صياغة عنوان الرسالة

عزاء عن روح الشهيد جعفر سرحال

المسابقة العلمية الرابعة

دورة في مخارج الحروف العربيّة

حفل تكريم المشاركات في دورة مشروع الفكر الإسلامي في القرآن

دورة إعداد خطيبة منبر حسيني

لقاء مع المربي العلامة الشيخ حبيب الكاظمي

احتفال في ذكرى المولد الشريف

ندوة كاتب وكتاب: التاريخ السياسي والاجتماعي لشيعة لبنان

لقاء مع المستشار الثقافي لسفارة الجمهوريّة الإسلاميّة

وفد من حوزة الإمام الخميني (قده) يزور الجامعة

دعوة للمشاركة في مؤتمر الإمام الحسين (ع) والنهضة الفكريّة

صباحيّة قرآنيّة في حوزة السّيدة الزهراء (ع)

ندوة كاتب وكتاب: الله والكون برواية الفيزياء الحديثة

العدد 54-55 من مجلَّة الحياة الطيّبة