الجمعة 22 تشرين الثاني 2024 الموافق لـ 12 جمادى الاولى 1446هـ

» قراءات ومـــراجعــات

التربية بالحبّ والرحمة (1) المفهوم - الأهداف - الأساليب

 

ما هي التربية بالحبّ؟
كلّ إنسان يدرك واقع الحبّ بالمعرفة الحضوريّة، لأنّه صفة نفسانيّة يعيشها بالوجدان. فالحبّ لا يحتاج إلى تعريف منطقيّ كي يتّضح معناه، وقد أقرّ العرفاء بالعجز عن تعريف الحبّ. يقول محيي الدين بن عربي: "اختلف الناس في حدّه (أي الحبّ)، فما رأيت أحداً حدّه بالحدّ الذاتيّ، بل لا يتصوّر ذلك، فما حَدَّه مَنْ حَدَّه إلا بنتائجه وآثاره ولوازمه"1.

ويمكن التعريف اللفظيّ للحبّ الإنسانيّ، بأنه الميل القلبيّ والانجذاب العاطفيّ نحو شيء ما، يعود باللذّة والبهجة على المُحِبّ.

والتربية بالحبّ تعني استثمار هذا الشعور الفطريّ بنحو إيجابيّ في تكوين هويّة الطفل بمختلف أبعادها، خصوصاً الجانب الوجدانيّ والعاطفيّ من شخصيّته.

أهداف التربية بالحبّ
تهدف عملية تربية الطفل بالحبّ إلى تحقيق أغراض عدّة، منها:
- النموّ السليم للبعد العقليّ والقيميّ والسلوكيّ.
- إشباع الحاجات العاطفيّة والوجدانيّة للطفل.
- التمتّع بالصحّة النفسيّة، بعيداً عن العقد والأمراض2.
- زيادة منسوب الذكاء العاطفيّ.
- تقوية الارتباط و"المؤثرية" بين المربّي والطفل المتربّي.

العاطفة بين الجوع والإشباع
إنّ الطفل بأصل تكوينه كائن رقيق حسّاس عاطفيّ، يشعر بالحاجة إلى يد تمتدّ لتلبية نداء الوجدان لديه، وتروي ظمأه العاطفيّ. فـ"الطفل في حاجة إلى أن يشعر بحبّ الآخرين له ورضاهم عنه، خصوصاً أبويه ومعلّميه، فهو في حاجة إلى أن يكون مقبولاً مرغوباً فيه من قبل الوالدين والآخرين"3، وهو محتاج إلى الشعور بأنه موضع حبّ واهتمام وعناية ورعاية وتقدير واحترام...

ومحبّة الطفل عملة لها وجهان: إيجابيّ من حيث إنّها تمنحه طاقة إيجابيّة وتحقّق له الشعور بالسعادة، وتجعله يعيش البهجة واللّذة والسرور، وهي حاجات ضروريّة للنموّ السليم للطفل4. ووجه سالب، بمعنى أنّها تقلّص الطاقة السلبيّة عنده، وتساهم في التخفيف من حالات التوتّر والعصبيّة والعدوانيّة والأرق... في نفس الطفل.

والطفل الذي لا ينال كفايته من الحبّ والحنان من قبل والديه، سيعيش الحرمان العاطفيّ، وسيحرّكه دافع الحاجة في ذاته إلى البحث عمّا يسدّ جوعه العاطفيّ، ويرفع حرمانه خارج دائرة الوالدين. وهنا تكمن الخطورة، إذ قد يخطئ الطفل الطريق، فيرمي نفسه في أحضان شخص آخر يعوّض له عن حنان الأب والأمّ، أو يلجأ لأجل لفت نظر والديه إلى وسائل مضرّة به، فيؤذي نفسه، أو يصبح عدوانيّاً في سلوكه، أو يفشل...

لذا، على الوالدين التعامل بحبٍّ مع أطفالهم، والسعي لإشباع الحاجات العاطفيّة والوجدانيّة لهم بجميع الأساليب الممكنة، كي ينموا عقليّاً ووجدانيّاً وجسميّاً بشكل سليم.

حبّ الأطفال
أوّل خطوة على طريق التربية بالحبّ، هي أن يعيش الإنسان المربّي، سواء أكان أباً أم أمّاً أم معلّماً أم قائداً كشفياً أم مدرّباً رياضيّاً،... حالة الحبّ تجاه الأطفال المتربّين. وإن كان حبّ الأطفال لرقّتهم وبراءتهم وطهارتهم وضعفهم من المشاعر التي جُبلت عليها النفس الإنسانيّة بأصل الخلقة والتكوين، إلا أنّه كباقي الميول الفطريّة، قابل للسير في اتجاهين، فهو إما أن يتفتّح ويتسامى باتجاه الكمال، وإما أن يذبل ويُدسّ في التراب، وكلّ ذلك بفعل الاختيار من جهة، وتأثير العوامل والظروف الخارجيّة من جهة ثانية. فاندراج شعور حبّ الأطفال شدّة وضعفاً تحت الإرادة الإنسانيّة الحرّة، يجعل إمكانيّة ضعف هذا الشعور الفطريّ بسبب بعض العوامل الذاتية أو الخارجية أمراً واقعياً. ولعلّنا في هذا السياق نلاحظ الحثّ في النصوص الدينيّة على حبّ الأطفال، وجعله من أفضل الأعمال.

عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، أنّه قال: "قال موسى بن عمران: يا ربّ، أيّ الأعمال أفضل عندك؟ فقال عزّ وجلّ: حبُّ الأطفال..."5.
وفي هذا السياق أيضاً، نفهم الأمر بحبّ الصبيان والنهي عن كراهة البنات في بعض النصوص الدينيّة. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أحبّوا الصبيان، وارحموهم..."6. وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تكرهوا البنات، فإنّهنّ المؤنسات الغاليات"7. فالحبّ صفة مشكّكة وليست متواطئة، أي قابلة للاشتداد والنقص بالاختيار، والمطلوب من المربّي أن يعمل على اشتداد الشعور بالحبّ تجاه المتربيّن في داخله، خصوصاً الآباء والأمّهات، وليعلم الإنسان أن حبّه لأطفاله وأبنائه مدعاة لنزول الرحمة الإلهيّة على العبد.

عن الإمام الصادق عليه السلام، أنه قال: "إنّ الله عزّ وجلّ ليرحم العبد لشدّة حبّه لولده"8.

وسطيّة الحبّ بين الإفراط والتفريط
إنّ الحبّ كباقي الكيفيّات النفسانيّة من ناحية ثلاثيّة الخطوط، بمعنى أنه يمكن أن يكون في نقطة الوسط، ويمكن أن يميل إلى جانب الإفراط أو التفريط. والمطلوب في حبّ الأطفال هو الوسطيّة والاعتدال، كي يكون حبّاً إيجابيّاً، والميل عن الوسطيّة إلى أحد الجانبين يجعل الحبّ سلبيّاً.

فالتفريط في الحبّ قد يؤدّي إلى الغفلة عن الله تعالى، والإفراط في الحبّ قد يؤدّي إلى الوقوع في فخّ معصية الله. فكم من شخص يعصي الله في وظيفته أو معاملاته التجاريّة مثلاً، فيرتشي أو يغشّ أو يزوّر... بحجّة أنه يريد أن يوسّع على أولاده تحت شعار حبّه لهم، وكم من إنسانٍ قد لا يشارك في التشكيلات الجهاديّة ويتخلّف عن الجهاد، ليبقى إلى جانب أطفاله، بذريعة شدّة ارتباطه العاطفيّ وحبّه لهم... إلخ من الحالات، كما يوحي بذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾9.

والخطورة في مثل هذا الحبّ السالب في التربية، هو أنه يؤدّي إلى ضرب فاعليّة بعض الأساليب التربويّة، كالتربية بالنموذج السلوكيّ، ويؤدّي إلى اعتماد أساليب خاطئة فيها، كأسلوب الإفراط في التدليل والتغنيج، أو الإفراط في الحماية، من خلال "التساهل مع الطفل وتشجيعه على إشباع رغباته، وممارسة مختلف أشكال السلوك من دون مراعاة الضوابط الدينيّة أو الخلقيّة أو الاجتماعيّة... فلهذا الأسلوب آثاره السلبيّة في شخصيّة الطفل، إذ ينشأ أنانيّاً غير آبه بأحد، حريصاً كلّ الحرص على تلبية رغباته والحصول على كلّ ما يريد"10.

وكذلك في جانب التفريط، يؤدّي نقص جرعة الحبّ للأطفال إلى استخدام أساليب سلبيّة عدّة، مثل: الأسلوب التسلّطيّ، أي التحكّم بأفعال الطفل وأقواله ورغباته بما يتوافق مع رغبات الأهل، بغضّ النظر عن حاجات الطفل ومتطلّباته، أو أسلوب الإهمال، بمعنى تجاهل الوالدين للطفل، وعدم الإشراف والتوجيه لأفعاله وأقواله، إيجاباً أو سلباً11.

الحبّ الحازم
وأفضل الطرائق في التربية بالحبّ، هو أن يستخدم المربّي أسلوب الحزم في لين، وقد ورد في روايات عدّة أن من صفات المؤمن وعلاماته أن يكون له حزم في لين12، بمعنى أن يضع الأمور في مواضعها من خلال الموازنة بينها من ناحية الآثار والنتائج، فيكون ليِّناً حينما يتطلّب الموقف ذلك، ويكون حازماً حينما تقتضي مصلحة الطفل ذلك، فلا حبّه يمنعه من الحزم، ولا حزمه يجعله قاسي القلب.

ومن الضروريّ التنبّه إلى التمييز بين الحزم والقسوة13، لأن الحزم يجتمع مع الحبّ والرحمة، أما القسوة فهي الغلظة القلبيّة التي تتنافى مع الحبّ والرحمة، وقد وقعت مورداً للذمّ في نصوص دينيّة عدّة.

يقول تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم﴾14.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: "إنّ أبعد الناس من الله القلب القاسي"15.

وعن حفيده الإمام الصادق عليه السلام، قال: "ومن قَسا قلبُه بَعُد من ربّه"16.

وفي هذا السياق، "أوضحت دراسة أعدّتها مؤسّسة ديموس البريطانيّة للأبحاث، أن الموازنة بين مشاعر الحبّ والحنان والانضباط والحزم تنمّي في الطفل العديد من مهارات التواصل الاجتماعيّ، مقارنة بالتربية الحازمة وحسب، أو تلك التي تتركه ينمو ويكبر دون انضباط.

وقالت الدراسة إنّ الأطفال حتى حدود الخامسة من العمر، الذين يتربّون في بيئة عائليّة محبّة ومنضبطة، أو ما يعرف بـ "الحبّ الحازم"، ينمّون قدرات وصفات شخصيّة أفضل من أقرانهم ممّن تربّوا في بيئات مختلفة نسبيّاً.

وقال مؤلّف الدراسة جين لكسموند: إنّ المهمّ هنا هو تطوير الثقة والحبّ والحنان، المقرون بالضبط والحزم والصرامة"17.

التعبير عن الحبّ قولاً وعملاً
إنّ الحبّ كحالة نفسيّة داخليّة ليس عنصراً كافياً في عمليّة التربية بالحبّ، بل الأهمّ هو إبراز هذا الشعور الداخليّ ونقله من حيّز الوجدان إلى متن الوجود، في الأقوال والأفعال والحركات والسكنات، فكم من إنسان يحبّ أطفاله أو تلامذته أو الآخرين في قلبه، إلّا أنه لا يُظهِر حبّه لسبب أو آخر؟!

وإبراز أصل الحبّ والرحمة يحصل من خلال أساليب عدّة، نستوحي معظمها من النصوص الدينيّة.

أسلوب نظرة الحبّ
ينبغي على المربّي أن ينظر باستمرار إلى المتربّي بعين الحبّ، بنحو يُشعِر الطفل أنّه ينظر إليه بعطف ورحمة وحنان، لأن هذه النظرة تدخل الفرح والسرور في قلبه، وتجعله يحسّ أنه موضع عناية واهتمام وتقدير.

عن الإمام موسى الكاظم، عن آبائه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا نظر الوالد إلى ولده فسرّه، كان للوالد عتق نسمة18. قيل: يا رسول الله، وإن نظر ستين وثلاثمئة نظرة؟! قال: الله أكبر"19.

92

ولأهمّيّة نظرة الحبّ، اعتبرها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عبادة، ونزّلها منزلتها.
عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "نظر الوالد إلى ولده حبّاً له عبادة"20.

أسلوب كلام الحبّ
يقول الشاعر:
إنّ الكلام لَفي الفؤاد وإنّما             جُعل اللسان على الفؤاد دليلاً

إنّ بعض الآباء يعيش الحبّ في داخله تجاه أطفاله، ولا يعبّر لهم عن ذلك الحبّ في كلامه، وإن كان يردّده في داخله. وقد يصدر عن أحدهم سلوك مرغوب فيه مثلاً، فيُحدِّث نفسه بأنه فعل جميل، ويقول في داخله: أحسنت، لكنّه لا ينطق به لسبب أو آخر. فعلى مثل هؤلاء الآباء أن ينتبهوا إلى أنّ التعبير عنّ الحبّ يزيد حرارة الشوق ودفء التواصل، ويزيد من العلاقة العاطفيّة بين الطفل وبينهم، ويشبع حاجاته في ساحات عدّة، ولا يكفي تبرير الموقف بالحبّ القلبيّ أو الحبّ العمليّ، فإنّ الحبّ اللفظيّ له منزلة خاصّة في القلب لا تذهب منه أبداً، فينبغي على المربّي أن يعبّر عن حبّه لطفله بلسان الكلام أيضاً، فيردّد على مسامع طفله يوميّاً: "إنّي أحبّك"، "اشتقت إليك"، "أنت طفلي الحبيب"،... إلخ من العبارات التي تُظِهر الحبّ..

وعلى المربّي أن يلتفت إلى عدم الربط بين التلفّظ بنفي الحبّ عن الطفل، وبين إرشاده وتوجيهه إلى سلوك مرغوب فيه، فلا يقول له مثلاً: أنا لا أحبّك لأنّك فعلت كذا، أو إذا فعلت كذا لن أحبّك، بل ينبغي استبدال هذه العبارات وأمثالها بعبارات أخرى، مثل: أنا غير مسرور، أو هذا السلوك يزعجني، أو يشعرني بالحزن...

ومن جملة كلام الحبّ، أن يطلب المربّي حاجته من الطفل بلطف، مثل: لو سمحت، من فضلك، ممكن... وإذا أخطأ بحقّه أن يبدي الاعتذار إليه مشافهة، مثل قوله: أنا آسف، أعتذر، عفواً... فإنّ لذلك دوراً في تربية الطفل على أدب الخطاب والاعتذار، فضلاً عن الارتباط العاطفيّ بالمربّي.

أسلوب قُبلة الحبّ والرحمة
إنّ القُبلة على خدّ الطفل أو جبينه أو يده من أسمى أنواع التعبير عن الحبّ والرحمة، وقد ركّز المنهاج التربويّ النبويّ في هذا الأسلوب قولاً وعملاً، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يديم تقبيل طفليه الحسن والحسين عليهما السلام.

ففي يوم، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالساً مع أصحابه، إذ أقبل إليه الحسن والحسين عليهما السلام وهما صغيران...، فمرّة يضع لهما رأسه، ومرّة يأخذهما إليه، فقّبلهما، ورَجل من جلسائه ينظر إليه كالمتعجب من ذلك.

ثم قال: يا رسول الله، ما أعلم أنّي قبّلت ولداً لي قطّ.

فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتّى امتقع لونه. فقال للرجل: "... من لم يرحم صغيرنا، ويعزّرْ كبيرنا فليس منّا"21.

وفي يوم آخر، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبّل الحسن والحسين، فقال عيينة: إنّ لي عشرة ما قبّلت واحداً منهم قطّ. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "من لا يَرحَم لا يُرحم"22.

ونلاحظ في هذه الروايات نكات مهمة:
- إنّ رحمة الطفل من أصول التربية في المنهاج النبويّ، إذ نفى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم النسبة بينه وبين الشخص الذي لا يستعمل أسلوب الرحمة مع الطفل، بقوله: "ليس منّا".

- اعتبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم التقبيل من أساليب الرحمة، وربط بين عدم التقبيل ونزع الرحمة من قلب الأب أو الأمّ...

- بيّن لنا النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن تربية الطفل بالرحمة، سيكون لها أثر في نفس المربّي، إذ سيكون المتربّي رحيماً مع المربّي، كما يفيده قوله: "من لا يَرحم لا يُرحَم". ومن النصوص الواردة عن الرسول في الحثّ على تقبيل الطفل:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: "من قبّل ولده كتب الله عزّ وجلّ له حسنة، ومن فرّحه فرّحه الله يوم القيامة، ومن علّمه القرآن، دُعي بالأبوين فيُكسيان حلّتين يضيء من نورهما وجوه أهل الجنّة"23.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "قبّلوا أولادكم، فإنّ لكم بكل قبلة درجة في الجنّة، ما بين كلّ درجتين خمسمئة عام"24.

وعن الإمام عليّ عليه السلام، قال: "قُبلة الولد رحمة"25.

أسلوب ضمّ الطفل
من أساليب أصل الحبّ والرحمة أيضاً في تربية الطفل، ضمّه وشمّه واحتضانه وإجلاسه في الحجر، فينبغي على المربّي عدم البخل على الطفل بالضمّ والحضن، فإنّ حاجة الطفل إليهما على حدّ حاجته إلى الهواء والطعام والشراب. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقبّل الحسين عليه السلام، ويضمّه إليه، ويشمّه26. وقد كان من أخلاق النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، أن يجلس الحسن والحسين عليهما السلام على فخذيه ويضمّهما إليه، تعبيراً عن حبّه وارتباطه العاطفيّ بهما.

أسلوب البسمة
من الأساليب المعبّرة عن الحبّ أيضاً، إدامة البسمة في وجه الطفل، حتى لو كان المربّي مثقلاً بالأعباء والهموم، إذ إن همومه ينبغي أن تبقى حبيسة صدره أمام طفله، فلا يشعره بالكآبة والهمّ والحزن. وقد ركّز المنهاج النبويّ في عموم تبسّم المؤمن في وجه إخوانه، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "تبسّم المؤمن في وجه أخيه حسنة"27، فكيف الحال بالتبسّم في وجه الأطفال؟!

أسلوب المسح على رأس الطفل
فقد كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إذا أصبح مسح على رؤوس ولده وولد ولده28.

أسلوب المبادرة بإلقاء السلام على الطفل
من أساليب الحبّ، مبادرة الأب أو الأمّ إلى إلقاء التحيّة والسلام على الطفل، فإذا استيقظ مثلاً قالوا له: السلام عليكم، صباح الخير والنور. وإذا رجع الأب أو الأمّ إلى البيت بعد غيابهما عن المنزل. كذلك على الأهل أن يبادروا الطفل بالسلام... إلخ. فقد كان من أخلاق النبيّ أنه إذا مرّ على غلمان ألقى عليهم السلام29.

ويمكن أن نستوحي هذا المعنى أيضاً ممّا رُوي عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعت أبي يحدّث عن أبيه، عن جدّه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "خمس لا أدعهنّ حتى الممات:... والتسليم على الصبيان لتكون سنّة من بعدي"30.

المفاهيم الرئيسة

- الحبّ هو الميل القلبيّ والانجذاب العاطفيّ نحو شيء ما، يعود باللذّة والبهجة على المُحِبّ. والتربية بالحبّ تعني استثمار هذا الشعور الفطريّ بنحو إيجابيّ في تكوين هويّة الطفل بمختلف أبعادها، خصوصاً الجانب الوجدانيّ والعاطفيّ من شخصيّته.
- يحتاج الطفل إلى الشعور بحبّ أبويه له ورضاهما عنه، ومحبّة الطفل تمنحه طاقة إيجابيّة وتحقّق له الشعور بالسعادة، وترفع عنه الطاقة السلبيّة، وتساهم في التخفيف من حالات التوتّر والعصبيّة والعدوانيّة والأرق.
- عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، أنه قال: "قال موسى بن عمران: يا ربّ، أيّ الأعمال أفضل عندك؟ فقال عزّ وجلّ: حبُّ الأطفال...".
- إنّ الحبّ كباقي الكيفيّات النفسانيّة من حيث ثلاثيّة الخطوط، بمعنى أنه يمكن أن يكون في نقطة الوسط، ويمكن أن يميل إلى جانب الإفراط أو التفريط. والمطلوب في حبّ الأطفال هو الوسطيّة والاعتدال، كي يكون حبّاً إيجابيّاً، والميل عن الوسطيّة إلى أحد الجانبين يجعل الحبّ سلبيّاً.
- هناك عدّة أساليب في التربية بالحبّ، منها:
1- أسلوب نظرة الحبّ، فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "نظر الوالد إلى ولده حبّاً له عبادة".
2- أسلوب كلام الحبّ، فيردّد على مسامع طفله يوميّاً: "إنّي أحبّك"، "اشتقت لك"...
3- أسلوب قبلة الحبّ والرحمة، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنّه قال: "من قبّل ولده كتب الله عزّ وجلّ له حسنة". وعن الإمام عليّ عليه السلام، قال: "قبلة الولد رحمة".
4- أسلوب ضمّ الطفل، وشمّه واحتضانه، وإجلاسه في الحجر، وهذا هو سلوك الرسول مع الحسنين عليهما السلام، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبّلهما ويضمّهما إليه ويشمّهما...
5- أسلوب البسمة في وجه الطفل.
6- أسلوب المسح على رأس الطفل، فقد كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، إذا أصبح مسح على رؤوس ولده وولد ولده.
7- أسلوب المبادرة إلى إلقاء السلام على الطفل، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "خمس لا أدعهنّ حتّى الممات:... والتسليم على الصبيان، لتكون سنّة من بعدي".


هوامش
1- إبن عربي، الفتوحات المكية، بيروت - لبنان، دار صادر، لا.ت، لا.ط،ج2، ص325.
2- بانبيلة، حسن بن عبد الله، أصول التربية للطفولة في الإسلام، ص221.
3- مرسي، محمد سعيد، فن تربية الأولاد في الإسلام، ص27.
4- مرسي، محمد سعيد، أحدث الأساليب التربويّة الفعالة للآباء والأمهات، ص27.
5- البرقي، المحاسن، ج1، ص200.
6- الشيخ الكليني، الكافي، ج6،ص49.
7- الطبراني، المعجم الكبير، ج17، ص310.
8- الشيخ الكليني، الكافي، ج6، ص50.
9- سورة التوبة، الآية 24.
10- عجمي، سامر توفيق، عقوبة الطفل في التربية الإسلاميّة، ص199-200.
11- يراجع: المصدر السابق، ص200.
12- عن أمير المؤمنين عليه السلام: "فمن علامة أحدهم (أي المتّقين) أنّك ترى له قوّة في دين، وحزماً في لين". نهج البلاغة، ج2، ص163. وعن الإمام الصادق عليه السلام: "المؤمن له قوّة في دين، وحزم في لين". الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص231.
13- يراجع حول قسوة القلب وأسبابها ونتائجها: عجمي، سامر توفيق، العبرة في البكاء على سيّد الشهداء، ص35 وما بعد.
14- سورة الزمر، الآية 22.
15- الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص3.
16- الشيخ الكليني،الكافي، ج3، ص199.
17- http://www.bbc.com/arabic/scienceandtech/2009/11/091108_hh_childupbringing_tc2.shtml
18- عن الإمام الصادق عليه السلام: "من أعتق نسمة صالحة لوجه اللَّه عزّ وجلّ، كفّر اللَّه عنه بها مكان كلّ عضو منه عضوا من النار". الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص180.
19- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج15، ص169.
20- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج15، ص170.
21- المغربيّ، النعمان بن محمّد، شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار، ج3، ص115.
22- ابن شهر آشوب، مشير الدين أبو عبد الله محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب، تصحيح وشرح ومقابلة لجنة من أساتذة النجف الأشرف، النجف الأشرف، المكتبة الحيدرية، 1376ه - 1956م، لا.ط،ج3، ص155. ومسند أحمد بن حنبل، ج2، ص228.
23- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص49.
24- الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص220.
25- المصدر نفسه.
26- الإربلي، علي بن أبي الفتح، كشف الغمة في معرفة الأئمة، بيروت - لبنان، دار الأضواء، 1405ه - 1985م، ط2،ج2، ص272.
27- علي الطبرسي، مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، مهدي هوشمند، دار الحديث، 1418، ط1،ص316.
28- ابن فهد الحلي، عدة الداعي ونجاح الساعي، تصحيح: احمد الموحدي القمي، مكتبة وجداني - قم، لا.ت، لا.ط،ص87.
29- صحيح مسلم، ج7، ص5.
30- الشيخ الصدوق، الخصال، ص271.
2642 مشاهدة | 25-06-2018
جامعة المصطفى (ص) العالمية -فرع لبنان- ترحب بكم

مجلس عزاء عن روح الشهيد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ورفاقه

رحيل العلامة المحقق الشــيـخ علي كـوراني العاملي (رحمه الله)

ورشة تقنيات قراءة في كتاب

ورشة تقنيات تدوين رؤوس الأقلام

ورشة أسس اختيار الموضوع ومعايير صياغة عنوان الرسالة

عزاء عن روح الشهيد جعفر سرحال

المسابقة العلمية الرابعة

دورة في مخارج الحروف العربيّة

حفل تكريم المشاركات في دورة مشروع الفكر الإسلامي في القرآن

دورة إعداد خطيبة منبر حسيني

لقاء مع المربي العلامة الشيخ حبيب الكاظمي

احتفال في ذكرى المولد الشريف

ندوة كاتب وكتاب: التاريخ السياسي والاجتماعي لشيعة لبنان

لقاء مع المستشار الثقافي لسفارة الجمهوريّة الإسلاميّة

وفد من حوزة الإمام الخميني (قده) يزور الجامعة

دعوة للمشاركة في مؤتمر الإمام الحسين (ع) والنهضة الفكريّة

صباحيّة قرآنيّة في حوزة السّيدة الزهراء (ع)

ندوة كاتب وكتاب: الله والكون برواية الفيزياء الحديثة

العدد 54-55 من مجلَّة الحياة الطيّبة